* في خمسينيات القرن المنصرم، جلد أحد أساتذة مدرسة واو الأولية أحد التلاميذ، و أثناء بكاء التلميذ، أمره الأستاذ بالكف عن البكاء؛ فكان أن رد التلميذ، و الدموع تنهمر من عينيه، قائلاً: " تَدُقّونا.. و تقولوا ما نكوروكو!؟" * إن الشعب السوداني في حالة دموع و غضب منذ عقود.. و فاجأته الدكتورة مريم الصادق المهدي، قبل يومين، مطالبة بضرورة الخروج من “حالة الغضب” التي لازمته منذ الانقلاب المشئوم..! * كلنا نعلم أن الأزمات المتلاحقة هي أزمات اصطنعها حكامنا الحاليين و السابقين. و جميع الساسة الأحياء منهم والأموات بدرجات متفاوتة.. و للنظام الحالي نصيب الأسد في كل السوءات التي احاقت بالبلاد.. نظام أضاع حقوقنا و (دشدش) آمالنا في الحياة.. و كلما حاولنا استرداد شيئ من الحقوق وضع عقبات أمام بلوغنا مدارات الحرية والعدالة الاجتماعية و المساواة.. * هذا ما يحدث حالياً يا مريم! وكل ما (نهتف) منادين به الآن لا ينآى عن دائرة المطالبة بحقوق الإنسان.. و لا مؤشرات في الأفق لبلوغها.. و حين لا نرى من ساستنا ما يطمئننا، تجتاحنا (حالة غضب).. فحقوقنا جاثمة أمام أعيننا و لا تطالها أيادينا.. و النظام يحاصرنا و يبطش بنا و ساستنا في وديان مبعثرة بعيدة عن وادينا.. * لا تنسي أحداث سبتمبر ٢٠١٣ يا مريم.. حين قتل زبانية النظام منا من قتلوا.. و أعاقوا منا من أعاقوا.. و كانوا قبل ذلك كله قد تجرأوا و كسروا ذراعك عن عمد و سبق إصرار.. و ساستنا في وديانهم لا يلوون على شيئ.. * و تريدين منا اليوم ألا نغضب و لا نهتف و لا (نكورك)؟! * و بالأمس القريب أراد زبانية النظام أن (يَدُقّوك) مرة أخرى في المطار, و أنت عائدة إلى السودان من غربة طالت, لولا أن مساعد رئيس الجمهورية انبرى و أقلك في سيارته الرئاسية، فاطمأن مريدوك على وصولك بيتك، إطمأنوا هونا ما.. و لا يتوقعون خيرا ما من النظام في مقبل الأيام.. * أبعد كل هذا تقولين لنا لا تغضبوا و "ما تكوروكو"؟! لا يا مريم.. سوف ( نكورك) و يشق (كوراكنا) شارع القصر بل و يشق القصر ذاته! * ثم لماذا تزعمين أن الانتفاضة أصبحت كلمة”مبتذلة” و تطلبين منا البحث عن البديل و تمنعيننا من البحث عن النقيض؟! * إن مدلول كلمة البديل يتضمن استمرار النظام بعد إحلال شخص آخر مكان البشير حتى دون المساس بمخططات حزب المؤتمر الوطني ( المتأسلم) و دون شطب أجندته السياسية.. * أما سمعت أرزقية و (هتيفة) النظام يعلنون على الملأ أن:( لا بديل للبشير إلا البشير!)؟! إنهم يعنون أن لا بديل للبشير، من بينهم، يقدر على جمع كلمتهم للحفاظ على المغانم التي راكموها طوال ثلاثين عاما على حسابنا.. * أما نحن، فعلى النقيض، نطالب بكل ماهو مغاير لمخططات المؤتمر الوطني (المتأسلم) و أجندته، و مطلبنا يستهدف إزالة آثار الدمار و التشوهات التي أحدثها المؤتمر الوطني في الحياة السياسية و الاجتماعية والاقتصادية في السودان.. * نحن ضد أي (بديل) للبشير يأتي من داخل نظام البشير، و ضد أي بديل يأتي بأجندة مهادنة لأجندة البشير يا مريم.. و لك أن تعلمي أن كلمة (البديل) حمالة أوجه، و هي، في عرفنا، تناقض كلمة ( النقيض) التي تحمل مضمونا واحداً لا تشوبه أي شائبة: هو إسقاط النظام بوعي و بإدراك لما قد يتمخض عن إسقاطه من دمار! * مخطئة أنت في طرحك هذا الجديد، يا مريم..! * ثم، ما هي الوسيلة التي لم تجربوها أنتم في حزب الأمة القومي لإعادة السودان إلى ما قبل ٣٠ يونيو ١٩٨٩؟ ألم تكن كل محاولاتكم السابقة تستهدف المجيئ بنظام على (نقيض) النظام القائم؟ و ألست أنت القائلة بمناسبة مرور عام على كسر زبانية النظام ذراعك:- " ... إن الغبن هو سبب كل المآسي في البلاد فالظلم هدام. "؟ * إذن، ما الجديد؟ * أكاد أشك أن ما قرأته اليوم كلمات صدرت منك أنت.. و إذا ثبت أن تلك الكلمات كلماتك بالفعل، فقد خسر النضال ركنا هاما من أركانه يا مريم.. لأن مفردات مثل (الهتيفة... و الإنتفاضة أصبحت كلمة مبتذلة) مفردات جديدة لم نعهدها في قاموسك السياسي.. * و الله يستر!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة