يعتبر حفظ الأمن في السودان من أهم شواغل المستعمر الإنجليزي منذ قدومه ، لذلك كانوا حريصين على بناء أنظمة إدارية حكومية وأهلية قوية وسلطات أمنية مضبوطة بقوانين صارمة حفظا للأمن والنظام العام في المجتمع السوداني .
ما يهمنا هنا كيف أستطاعوا ضبط الأمن وتثبيت قيمة إجتماعية هامة بآلة صغيرة بحجم الأصبع ، ألا وهي صفارة البوليس وما صاحب ذلك من ترسيخ قيمة ثقافية أمنية ارتبطت بوجدان الشعب السوداني في الريف والحضر .
الدور الذي لعبته صفارة البوليس في المجتمع السوداني منذ دخول الانجليز والي آواخر السبعينات يفوق ما تقوم به أجهزة اعلام الدولة الرسمية ومنظمات المجتمع المدني مجتمعة في التأثير الوجداني من سرعة إستجابة المواطن لصوت هذه الصفارة .
صفارة البوليس هي آلة رسمية تصرف لرجل الشرطة من ضمن المهمات العسكرية وتعتبر أهم من السلاح الناري لأنها الوسيلة الفعالة في إطلاق نداء إستغاثة للاجهزة الأمنية للدولة والمجتمع للحضور لمكان الحادث ، وهي رسالة خطرة فحواها أن جريمة ما وقعت أو على وشك الوقوع أو أن كارثة خطرة حدثت كالحريق والسرقة وغيرها والمطلوب حضور الأمن والمواطنين عاجلا بحكم القانون لمحاصرة الحادثة وإحتواها .
فصفارة البوليس إرتبطت في عقل ووجدان المجتمع السودان لما تمثله من مهام التنبيه والإنزار من جهاز رسمي بحدوث الخطر الذي يهدد المجتمع في ارواحهم وممتلكاتهم ، لذلك ارتبطت هذه الآلة بضوابط قانونية صارمة متمثلة في إحتكارها بواسطة الدولة وفي طريقة صرفها لرجل الأمن وضوابط صارمة في إستعمالها وفي العقوبات المضمنة في القانون في حالة الاخلال بأي من هذه الضوابط ، ويجرم المواطن العادي في حيازتها أو إستخدامها ويعاقب بالسجن قد تصل الي ستة أشهر .
يضع رجل الشرطة الصفارة في الجيب الأمامي وهي مربوطة بحبل طوله 30 سنتمر تقريبا ، ويتم تدريبه على سرعة المناولة وطريقة النفخ ويتم تحذيره بأهمية المحافظة على هذه الآلة وعدم إستخدامها إلا في الاحوال الموضحة في القانون وتعتبر عهدة رسمية تسلم للدولة مع المهمات الأخرى عند نهاية الخدمة أو الرفدية .
صفارة البوليس رسخت قيم إجتماعية متأصلة في المجتمع السوداني وحافظت عليها قانونا وجعلت من قيمة اغاثة الملهوف وتقديم المساعدة لرجل الأمن فرضا قانونيا تميز به القانون الجنائي السودان وتقدمه على كثير من القوانيين الاوربية والأمريكية رغم ان المصدر التاريخي للقوانيين السودانية أنجلو سكسون في الأصل إلا أن العرف السوداني ساهم بشدة في صياغة كثير من النصوص القانونية الجنائية والمدنية .
حفظ أمن المجتمع والنظام العام لا يتم في أن نجعل من رجل الأمن شخص مخيف يزدري الآخرين بحجة بسط هيبة الدولة ، وإنما بترسيخ ثقافة مجتمعية تجعل تعاون افراد المجتمع مع رجال الشرطة واجب أخلاقي في المقام الأول ويجعلنا في الطريق الصحيح نحو التقدم والرقي بالتربية الوطنية الصحيحة . واللبيب بالاشارة يفهم .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
حافظ حمودة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست