قبل سنوات طويلة وفي عهد الرئيس القائد جعفر نميري حدثت طرفة دبلوماسية..تم استدعاء سفيرنا في أثينا على عجل.. بعد وصوله الخرطوم صدر قرار بإغلاق المحطة.. لكن بعد فترة طالب المراجع العام بمراجعة أداء البعثات الدبلوماسية في الخارج.. وكان عليه أن يتوقف في المحطة التي أغلقت بكثير تعجل.. لم يجد المراجع من آثار السفارة إلا عربة السفير والتي تم حجزها بواسطة شرطة المرور في ذاك البلد.. حينما حسب المراجع ثمن الإفراج عن السيارة المعتقلة وجده أكبر من قيمتها فتركها وجمع أوراقه عائدًا للخرطوم.
أغلب الظن أن المفاجأة تجاوزت حتى السفير ياسر خضر الذي شرع في إعداد حقائب السفر لقاهرة المعز.. في الجانب الآخر كان صديقنا السفير عبدالمحمود عبدالحليم ضيفًا راتبًا على حفلات الوداع .. دون سابق إنذار تغيرت الخارطة الدبلوماسية حيث جرى التجديد للسفير عبدالمحمود تقديرًا لدوره في تعزيز العلاقات بين البلدين ..والحقيقة أن العلاقة في عهد الرجل شهدت تدهورًا لم يسبق له مثيل .. وصلت المناوشات حد التنابذ بالألقاب.. وإحقاقًا للحق أن الدبلوماسية السودانية بكاملها لم تكن مسؤولة من التردي التاريخي في العلاقة الثنائية.. حتى عملية إنقاذ العلاقة لم تكن لتنجح لولا عملية إنزال جوي قاده الفريق صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات.
يبدو الارتباك الذي حدث في تسمية سفيرنا في القاهرة لا يمثل إلا رأس جبل الجليد في وزارة الخارجية.. في فبراير الماضي تم فتح سفارة جديدة في أستراليا بكلفة ستة ملايين دولار.. لكن بعد شهرين فقط صدر قرار آخر يغلق السفارة الجديدة بالضبة والمفتاح.. بدون مسوغات تم التمديد لمندوب السودان في نيويورك وقبلها تم إنهاء خدمات السفير المخضرم رحمة الله محمد عثمان حتى قبل أن يعرف شوارع نيويورك.. على ذات النحو تم نقل السفير المدلل دكتور الصادق البخيت من عمان الى أديس أبابا دون التوقف بالخرطوم.. وشبهة الدلال جاءت لأن السفير اعتذر عن منصب وزير الدولة بالإعلام فمضي إلى العاصمة التي تتواجد فيها عقيلته الأستاذة أميرة الفاضل التي تشغل منصبًا رفيعًا في الاتحاد الإفريقي.
الآن هنالك جملة من التدابير الجديدة ستقضي على ما تبقى من الأعراف التليدة لعمل الدبلوماسية السودانية.. وفق موجهات جديدة لن تتمكن وزارة الخارجية من تقييم أداء دبلوماسييها أو اختيار الكفاءات المناسبة للمحطات الخارجية.. بات على وزارة الخارجية ترشيح ثلاثة سفراء لكل محطة.. بعدها تختار الرئاسة ما تشاء..هذا بالطبع لن ينقص الحق الاستثنائي للرئاسة في التعيين من خارج الوزارة في المحطات المهمة.. حتى العربات الفائضة عن الحاجة تم إلزام السفارات بتسفيرها للخرطوم لتدخل أسوار القصر الرئاسي.
في تقديري من الواجب الحفاظ على أعراف وتدابير وزارة الخارجية.. هنالك عشرات من السفراء الذين ينتظرون دورهم في العمل في المحطات الخارجية وفق جدول معد سلفًا.. هؤلاء يفاجئون بأسماء لا تدخل مباني الوزارة إلا لالتقاط الجواز الدبلوماسي توطئة للسفر لمحطة خارجية.. أو أخرى يشملها التجديد دون مسوغات مقنعة..لكن الأهم من ذلك أن تصبح وزارة رئاسة الجمهورية في مقام الوصي على وزارة الخارجية..هذا يعني دق المسمار الأخير في نعش الدبلوماسية السودانية.
بصراحة..هنالك من يخطط بمكر ومنذ سنوات لتصفية وزارة الخارجية.. باسم الدبلوماسية الرئاسية تم اختطاف كل أعمال الوزارة إلى مكاتب مجاورة.. وباسم إحكام التعاون مع الدول تم تفريق دم وزارة الخارجية بين الوزارات واللجان.. لم يتبق للدبلوماسيين في بلدي الا ربطات العنق الأنيقة .
assayha
العنوان
الكاتب
Date
لماذا تتركون لهم ربطات العنق الأنيقة ؟!! بقلم عبد الباقي الظافر
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة