أيقظت الدراجة البخارية التي تتقدم عربة المستشار سكون قرية المبروكة..الناس هنا تنام من بعد صلاة العشاء..سائق العربة كان يدرك العنوان جيدًا..أخبروه أن عليه أن يتتبع مسار العربات على الأرض الطينية..المسار يقودك إلى خلوة الشيخ..طلاب القرآن هرعوا لاستقبال الضيوف..كبير الحيران أخبرهم أن الشيخ في خلوة تعبدية ولن يستقبلهم إلا ضحى الغد.
المستشار تحدث مع الرئاسة راجيًا إرجاء التشكيلة الوزارية حتى فراغه من مهمة إقناع شيخ المبروكة..الرئاسة تمنحه مهلة ساعات..قرابة منتصف الليل كانت الخلوة تكرم ضيوفها بثريد من لحم الضأن..كبير الحيران يقدم للضيوف الشاب المبروك..نجل الشيخ الوحيد وسط كوكبة من البنات الزواهر..كبيرهم بلغة صوفية أخبر زوار الليل أن موجة ولي العهد مازالت (طاشة) وأن الشيخ أخبرهم في إحدى النبوءات أن المبروك سيطير.
رغم أن المبروك كان لاهيًا عاشقًا للدنيا إلا أن البلدة الطيبة كانت تنتظر نبوءة الشيخ..الراسخون في العلم فسروا النبوءة بأن المبروك سيبلغ من المجد السياسي شأوًا عظيمًا..عوام المريدين انتظروا طيران المبروك المعلوم.
حمل أثير (هنا أمدرمان) تعيين المبروك معتمدًا برئاسة الولاية ..كانت الفكرة أن يصيب المبروك خيرًا من المخصصات دون أعباء تذكر..منذ اليوم الأول في المنصب لاحظ الناس أن (الابريق) لا يفارق المعتمد الجديد..وأن حامل الإبريق أصبح موظفًا مهمًا تفرد له مساحة عند أهل المراسم..إبريق المعتمد شغل الشعب..بعضهم أفتى أن الشيخ الكبير ليعين نجله جعل بركاته في ذاك الأناء..أصحاب السوابق أكدوا ان المعتمد لم يتب من ضلاله القديم وأنه يحتفظ بالخمر المعتق في الإناء القديم.
عند الرابعة والنصف من يوم الجمعة اعتلي المعتمد المعقد الخلفي من سيارته ذات الدفع الرباعي..اسدل المعتمد الستار الخلفي الذي يفصل بينه والسائق..السائق تأكد أن الإبريق في مكانه قريبًا من العصاة الأبنوسية والسجادة الناعمة..المعتمد منح السائق إذن التحرك إلى العشيرة ببلدة المبروكة.
عند المغرب توقف السائق لأداء الصلاة ..المعتمد امسك بأغراضه الخاصة ثم فرش السجادة على الرمل..بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة نهض السائق الى عربته منتظرًا تعليمات المسئول الكبير..المعتمد يطيل من التنفل ويشرب من ماء الإبريق..بعدها يفتح المعتمد الباب الخلفي يضع إبريقه ثم يغلق الباب بصخب ويتجه للباب الأخر..السائق يخطىء الحساب وينطلق بالعربة مخلفا سليل الدوحة المبروكة في بيداء الطريق..بعد عشرة دقائق يكتشف السائق فداحة تقديره الخاطيء.
المعتد بجلبابه الأبيض الناصع وعصاه الأبنوسية يجد عابر سبيل يحمله إلى أطراف المبروكة..السائق الحائر يقرر ألا يعود ليبحث عن المعتمد التائه..يمضي إلى الخلوة حاملًا الإبريق ويخبر الحيران أن المبروك أطال السجود ثم رآه يطير في اتجاه القبلة.
تحققت النبوءة ونحرت الذبائح ومن ذاك اليوم تسلم المبروك أعباء إمامة الناس بعد ان تنحى والده من شياخة السجادة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست