الأسبوع الماضي كان هو أسبوع الأمن القومي.. فقد كثر الحديث عن مهدداته.. وحين فكرت في الخوض مع الخائضين.. تذكرت أنني فعلت ذلك من قبل.. فقلت لا بأس أن أعيد لكم ما كتبته هنا قبل نحو عام من الآن.. لن تجدوا ثمة فرقاً يذكر.. فهاؤم اقرأوا: كنت في غاية الحرص على حضور منشط دور الإعلام في الأمن القومي.. الذي نظمه الاتحاد العام للطلاب السودانيين.. لحيوية الموضوع أولا.. ثم لأهمية المشاركين فيه.. بدءا من وزارة الإعلام ومرورا بالقوات المسلحة ثم الشرطة فاتحاد الصحفيين.. لم ترد إشارة لوجود ممثل من جهاز الأمن.. ولم أفهم السبب.. كما أن واحدة من دوافع حرصي على الحضور كانت استكناه سبب اهتمام اتحاد الطلاب بالقضية..! ولعل أول ملاحظة يخرج بها المراقب بعد رصد ما أدلى به المتحدثون.. هي ذهاب المتحدثين مباشرة لتشريح علاقة الإعلام بالأمن القومي.. دون التوقف عند مفهوم الأمن القومي نفسه.. بل تعريفه.. إن لم يكن تحديده قطعيا.. والمفارقة أن الاستثناء من هذه القاعدة جاء من العنصرين الأمنيين المشاركين في الندوة.. وهما العميد دكتور الشامي الناطق الرسمي للقوات المسلحة ثم العميد شرطة عمر عبد الماجد الذي جاء ممثلا للناطق الرسمي للشرطة.. ترى هل تحتاج الشرطة فعلا لجنرال برتبة فريق ليكون ناطقا رسميا باسمها..؟! لقد حاول كلاهما أن يقدم تعريفا ولو عاما للأمن القومي.. فيما ذهب ممثلا الإعلام.. أو صاحبا الوجعة إن جاز التعبير.. السيد وزير الدولة للإعلام والسيد نقيب الصحفيين للحديث مباشرة عن العلاقة.. وفي الظن أن هذا هو أس الأزمة.. وأصل البلاء.. فكيف نناقش علاقة بين طرفين أحدهما مجهول؟.. فيما كرر العميدان ضرورة تحديد الأمن القومي وتحرير المصطلح.. دلف الإعلاميان إلى المناقشة التي.. وفي أحسن الأحوال.. تجعل دور الإعلام محل مؤاخذة وعتاب.. إن لم يكن محاسبة وعقاب..! ولعل ما بدأ به السيد وزير الدولة للإعلام أقرب لأن ينطبق عليه القول المأثور إن.. أول الآية كفر.. فقد قال (إن تدخل الأجهزة الحكومية للتعامل مع التجاوزات الإعلامية يتم دائما وفق القانون وليس على المزاج وذلك من أجل التنظيم).. ولعمرنا أن السيد الوزير يعلم قبل غيره أن الالتزام بتطبيق القانون في هكذا حالات لن يكن اكثر من نسبة 1 إلى 5.. والشواهد تتري.. وتتعدد وتتمدد..! ثم تنقل الصحف عن نقيب الصحفيين قوله إن كل القضايا الصحفية مرتبطة بقضايا الأمن القومي في السودان.. وهذا قول غريب.. ولكن الأغرب منه أن يقول السيد نقيب الصحفيين.. إن مفهوم الأمن القومي يتصادم مع مفهوم الحرية.. وحديث النقيب هذا وقبله حديث الوزير.. يقودنا إلى أول ما بدأنا به.. وهو أن الملح والأهم هو تعريف مفهوم الأمن القومي.. والاتفاق على ضبط المصطلح.. بل وتحديد هذا الأمن القومي.. قبل الهرولة إلى تجريم الإعلام.. وكأن الدولة قد أوفت بكل التزاماتها تجاه مواطنها وحقوقه.. ولم يبق غير كبح جماح الصحافة التي تفسد وردية هذه العلاقة..! هل نحن متفقون على مهددات الأمن القومي..؟ حسنا راجعوا معي هذه القائمة.. تسليح القبائل من مهددات الأمن القومي.. حجب المعلوات عن الرأي العام من مهددات الأمن القومي.. فليس أكثر تهديدا للأمن القومي من مواطن لا يدري ما يجري.. ولن أتحدث عن الفساد ولكن أن يحول الحول على تقرير المراجع العام دون استرداد الأموال.. ومعاقبة مرتكبي المخالفات وإبعاد حماتهم من مهددات الأمن القومي.. وأن لا يكون على رأس أولويات الدولة مشاريع تغني الفقراء المسغبة لمن أكبر مهددات الأمن القومي.. فليس أخطر على الأمن القومي من جائع يرى حوله مترفين.. وأن يكون مناط التكليف الولاء وليس الكفاءة هو من مهددات الأمن القومي.. فليس أخطر على الأمن القومي من مواطن مغبون يرى أن حقا له قد سُلب.. أما الأسوأ من كل هذا فهو أن كل هذه تسمى مهددات داخلية فقط..! فبراير 2017
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة