حينما دخلنا إلى غرفنا في الفندق الفخيم الذي يطل على البحر الأبيض المتوسط ألجمتنا الدهشة.. لم نكن نتوقع هذا المستوى من الحفاوة وكرم الضيافة.. لكن بعد أن مكثنا ليلة وضحاها عرفنا سر هذه الحفاوة ..سألت إحدى السيدات من أذربيجان من أين تعلمت اللغة التركية.. جاءتني الإجابة في كلمة واحدة" الدراما التركية" ..أحد محاضرينا من الأتراك أكد أن شبكة تلفزيون الدولة (TRT) استطاعت أن تصل إلى مليار مواطن حول العالم عبر باقاتها المتنوعة والمتخصصة .. الآن الأتراك يتأهبون لتخصيص قناة ناطقة بالعربية.. في العام المقبل ستنفق تركيا نحو ثمانية مليارات دولار لصناعة الفن والدراما .. بعض من هذه الأعمال المخدومة يصل للعالم العربي . كنّا أمس الأول نجلس في بهو الفندق وأحد أعضاء وفدنا جاء في زي شعبي متكامل.. فجأة هبط علينا رجل فيه بعض ملامح أهل بادية الرزيقات.. حيانا بـ (جلابية وتوب سروال ومركوب) رائعة إسماعيل حسن والتي منحها وردي كثيراً من البريق.. بعدها حكى بعضاً من سيرته .. محمد مدير إحدى الفصائيات في النيجر.. يتحدث العربية بلكنتها البدوية فيما تمثل الفرنسية لغته الرسمية.. تحدث عن السودان بحب.. حيث كان يحفظ كثيراً من الأغنيات السودانية.. سألته إن كان قد زار السودان .. فهم مغزى سؤالي .. كان رده أنه حفظ تراثنا السوداني عبر اشرطة الكاسيت التي تصلهم بانتظام في غرب أفريقيا. قبل سنوات زار الخرطوم الأستاذ أبوبكر برقو مستشار الرئيس التشادي إدريس دبي لشؤون العالم العربي وشقيق القطب السياسي المعروف الدكتور حسن برقو.. حاول ذاك الرجل أن يلفت اهتمامنا لضرورة الانتباه للفضاء الغربي أو ما يعرف بالسودان الفرنسي الكبير .. مكث الرجل أياماً ورجع بخفي حنين..الأخوان برقو أسسوا في تشاد ومن حر مالهم قناة النصر الناطقة بالعربية.. بخلنا عليهم حتى بالمكتبة الغنائية.. في جنوب السودان حدثني قبل نحو عام أو يزيد وزير التعليم العالي أنهم يحتاجون لمن يدرس لهم العربية في المدارس .. قال لي إن لم تهتموا بذلك ستختفي العربية من المشهد الثقافي. في تقديري أن العالم الآن تجاوز الأُطر التقليدية في بسط النفوذ السياسي.. الدبلوماسية الناعمة باتت الوسيلة المفضلة.. بحمد الله لا نحتاج إلى جيوش لنصل للوجدان الأفريقي ..علينا أن نستثمر في التداخل السكاني عبر رسالة إعلامية .. تبدأ الرسالة بالاهتمام بالتراث السوداني المتنوع.. قبل أيام شاهدت الشاب الدرامي مكي الدرديري في قناة أنغام وهو يقدم أعمالاً مبهرة بلهجة المسيرية .. حينما تجد القبائل العابرة للحدود نفسها في قنواتنا الفضائية سنتمكن بكل يسر وسلاسة من توسيع قاعدة البث.. ربما يسأل سائل ولماذا الاهتمام بمن هم خارج الحدود ..هؤلاء قوم يحبوننا.. يشبهوننا في الوجدان والملامح.. في لغة الأرقام هم سوق اقتصادي كبير وقاعدة تناصر نحتاجها حينما تتمايز الصفوف. في تقديري ومن حسن الحظ ليس مطلوب منا إلا قليل من الجهد.. فقط إزالة العوائق التي تمنع انسياب الحركة.. أعني تعبيد الطرق مع الجيران وتنشيط التجارة.. بعدها استخدام المنصات الإعلامية الموجودة عبر تكثيف التبادل الإعلامي في شقيه الإذاعي والتلفازي .. من المهم تنشيط الزيارات الفنية.. وبعد ذلك تفعيل قناة جامعة أفريقيا العالمية لتكون قناة متخصصة للتواصل مع مكوننا الأفريقي . بصراحة.. إذا ما جرى أي استفتاء شعبي حر في معظم البلاد العربية سيربح السباق الرئيس التركي رجب أوردغان.. لم يطلق الرجل طلقة واحدة ولكنه صمم رسالة إعلامية شديدة الاتقان.
assayha
العنوان
الكاتب
Date
سروال ومركوب في أنطاليا التركية ..!! بقلم عبد الباقي الظافر
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة