صَدَقَ أخي عمر، وهو يسألني عبر الهاتف من بلاد المهجر، قائلاً وأنت بيننا آنذاك: هل لسماح من توأم على هذه الأرض؟ فأصابني الصم والبكم، وتجمد لساني ما بين فكي الأعلى والأسفل، وطفقت واضعاً يدي على شفتيَّ وكأني أقول لنفسي: "صه" وأمسك عليك لسانك. فسألتُ نفسي وقلتُ لأي شئ يرمي عمر؟ تذكرتُ تذكرتُ، فقد تَزوجتك بعد تخرجك من كلية التمريض العالي بجامعة الجزيرة، والتقيتك وأنت تعملين ممرضة بمستشفى الأطباء، ولكن بعد زواجنا لم نُقِمْ في بيت واحد بصفة دائمة لأني أعمل في بلد أُوربي حيث لا اعتراف بالزوجة الثانية، وكان هذا معلوماً لك ولأهلك قبل زواجنا، لهذا رفض ذَووك أن يزوجك لي، تأخر زَواجنا لأكثر من عام، بل انصرف كل منا لحاله، ولكن لأن الله منذ أن خلق الخلق قال: (واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين). كان في من قال: (بلى شهدنا ...) مصطفى وغُفران ومغفرة، ذرية جعلها الله في رحمك مني من الأذل، فكان لابد أن يتم زواجنا بقصة غريبة وعجيبة، تكاد أن تُعدُ كرامة لكلينا أم لأحدنا، ليس من المناسب روايتها في ساعة حزني هذه. بعد زواجنا لم تُضَيعي وقتاً طويلاً فيما يضيع الناس فيه أوقاتهم. فالتحقتِ بجامعة الخرطوم وحصلت على ماجستير التمريض العالي، ثم أعقَبْتيه وبِنِفَسِ الجامعة ِبدبلوم في الترجمة من اللغة الإنجليزية للعربية. من بعد حصولك على دبلوم الترجمة، توجهت شطر جامعة ابن سينا لدراسة الطب، وأكملت السنة الرابعة وترقيت للخامسة دون تعثر، ولكن أدركك الموت قبل أن تدركين التخرج. هذه عدة أوجه لوجهك المضيء المشع نوراً وجمالاً وبهاءً ودلالاً. جدير بي أن أتوقف على أعتاب أمومتك، فأنا المتبتل الشاكر لِربٍ آثرني على كثير ممن خلق، وجعل لي سكناً ثانياً، وجعلك بلداً طيباً يخرج نباته بإذن ربه، ففي 9 نوفمبر 2006 هَلَ ببلدنا الطيب رحمة ربي ذكر وأنثى، 9-17 محمد المصطفى وغفران. ولأنك كنت تتوقين لرؤية أُوربا، بالتحديد انجلترا، أو فرنسا أو إحدى دول إِسكندنيفيا، فقد سهل الله لك أن تضعي مولودك الثالث (مغفرة)، في ٢ أكتوبر ٢٠١٠، بِلندن وفي ارقى مشافيها الخاصة، حيث وضعت الأميرة ديانا أبنها الأكبر الأمير وليام. وطالما جاءت سيرة لندن، فأنا أحس بأنك لن ترضين أَن امر عليها مرور الكرام، دون ذكر أناس كانوا لك إخوة وأخوات وأهل وعشيرة، وعلى صدر هؤلاء تأتي ماجدولين أحمد إبراهيم، التي قادتنا step by step للحصول على تأشيرة الدخول لإنجلترا، وهي التي ساعدتك للحجز عند طبيب النساء والحجز عند مشفى التوليد، كان ذلك قبل الحصول على التأشيرة، علاوة على أنها كانت عند رأسك ساعة الوضوع، ومعك في كل حين. أما أخي بشير وزوجته فيروز وأبناءهم، فقد كانوا فعلاً أهل وعشيرة، وما أكثر أهلك وعشيرتك في لندن، نضال منير وزوجها سيد موسى محمود الذي تَوفى فجأة بلندن يوم الجمعة ٢٣ سبتمبر ٢٠١٧، وهو يتهيأُ لصلاة الجمعة، عليه رحمة الله ورضوانه، ودكتور نادر خليل فرج الله، ابن قريتي وابن حبيبي خليل فرج الله مصطفى حسن، رحمة الله عليهم أجمعين، ونسابته رجل الأعمال الشهير صديق وَدعه، وبِنتيه، دكتورة اسماء والاستاذة أزاهر، ومحمد سراج الدين وزوجته ليلى الفرنسية، التي اسلمت وحسن اسلامها، وزارت السودان أكثر من مرة واعجبت به وبأهله. وشِيماء ابراهيم علي خليفة، التي كانت تتوق أن تشاركك السكن عند العودة لندن. والقائمة تطول، بِأحمد عثمان وقيع الله، وبراءة عثمان مكي وزوجها عبدالخالق عثمان وداعة، ونَاصر ابراهيم، وأشْرف بخيت. كل هؤلاء بذلوا ما في وسعهم، ليجعلوا من إقامتك في لندن شئ لا يُنْسى، وقد نجحوا في ذلك. في لندن ظهر لك وجه آخر مَخْفيٌ عن الناس تماماً، فكنت تتجولين في قلب المدينة وأطرافها وكأنك بعثت فيها، فكنت تَذهبين لطبيبة النساء وحدك، ولِطبيب الأسنان وحدك، وطبيب الأطفال وحدك، وسجلت زيارة تَعَرُفْ للمشفى الذي ستضعين فيه مولودك وحدك، كل ذلك وأنا غائب عنك بعيداً في مقر عملي
العنوان
الكاتب
Date
عام حزني بموت خديجتي الصغرى سماح 8-17 بقلم علي الكنزي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة