|
Re: مصطفي سعيد ، وقصة العمل الأهلي / وجه آخر (Re: عبدالله الشقليني)
|
نورد نص الكاتب ( مازن سخاروف ) رداً على مقالنا :
Quote:
الأخ عبدالله الشقليني من البداية, وأنظر فالبدايات كواشفٌ, أختلف معك في مقالك هنا اختلافا بيّنا.
أولا محض رأي أورده في معرض حديثي, فأقول بإن رواية موسم الهجرة كبير خوازيق الحوار في دنيا الأدب والثقافة في السودان. خازوق كواحات السراب حين يجذبن الركبان إلى التهلكة بعد أن يمنين ضحاياهن منـّا وسلوى في قفار الثقافة. الرواية فـَتـَشيّة ثقافية ترسخ الوهم (بعيون ناعسة) على حساب الحقيقة.
صانعو الوهم ليسوا قلة في بلادنا. الذين يرددون اصطلاح "الحلم الروائي" كالرسالات الهاتفية المسجلة تلقائيا. والذين اعتادوا في المحطات الحرجة (أي لحظة الفصل بين الوهم والحقيقة المرة) على التمادي في وضع أكذوبة مصطفى سعيد ضمن أجندة وطنية.
لكن الحقيقة والبحث مهمتان لايحتفي بهما الكسالى, تماما مثلما ينكرهما كُتاب التقليد .. نادي التهافت في صب الأدب في قوالب شرعية منظور إليها بعين الرضا. كتيبة التهافت تتعدد ألوانها كما ألسنة خطابها. لكنها دوما تخدم "ثوابت اللعبة" بدأب واخلاص. كتاب (الحلم الروائي) يجعلون من التاريخ قصة خطية متسلسلة (حدوتة طويلة قبل النوم) كالنهر العتيد في جريانه نحو مصب وحيد.
الحقيقة بعد تحصيصها تشير إلى أن رواية موسم الهجرة نشرة استعمارية بعيون الثوابت الكولونيالية.
وإن المرجعيات الثقافية التي وزعهاالطيب صالح في تربة النص هنا وهناك غثها أكبر بكثير من سمينها. الإشتراكية مثلا التي يتحدث الشقليني باسمها قائلا بإننا "نبحث عن أساس لعمل أهلي مشترك, يذرع بذرة اشتراكيةفي مجتمع ما بعد الإستعمار" هي اشتراكية ملغومة (السم في الدسم) ليست سوى تقمص رأسمالي لرداء الإشتراكية. تلكم الإشتراكية التي يمضى الشقليني في مدحها في مقاله بإنها وجه مشرق آخر لمصطفى سعيد "حين وجد نفسه متفاعلا مع شذرات العمل الإشتراكي الجديد" هي دس بذكاء من الشقليني للسم في دسم الكتابة. فبين الإقتباسين في مدح الإشتراكية يدس الشقليني نجوم الحركة الفابية التي انتمى إليها مصطفى سعيد يتسائل قارئ, وما حاجة الرأسمالية لانتحال شخصية؟
لأن التاريخ والتركة التاريخية والبحث يطلعوننا على إجادة بلاط سينت جايمس لفن تقمص الآخر. الفابية التي وضعها الشقليني بذكاء بين الإقتباسين أحدى ترسانات الإختراق الإمبراطوري الناعم لفكر مقاومة الرأسمالية. وللتوضيح البائن بينونة كبرى, ليست الفابية إحدى المدارس الإشتراكية التي يمكن أن نتفق أو نختلف بشأنها, بل سهما مسموما في خاصرة الإشتراكية. نبدأ بالأسهل: الفابية حركة برجوازية, بينما الإشتراكية حركة ضد البرجوازية. خطان متوازيان لا يلتقيان.
ونجوم الفابية الذين اصطفوا كما أراد لهم الشقليني للتسلل لبيت عقل القارئ من نفاج إشتراكية مزعومة هم في الحقيقة نجوم للماسونية وعلى رأسهم أول من بقائمة الشرف, برناردشو الذي يُعرف بسيماه, وثانيهما بالقائمة وليم كلارك الذي كتب, "على كل أديم للأرض تتواجد ماسونية بين كل من يحب ويحتفي بالشعراء العظام". ذكورا أيها السادة أم إناثا, في الشعر كما في النثر, فلسان حال الدس على طريقة الشقليني يقول, سواء شو, كلارك أو بيسانت, نحتفي بكل الإخوة جميعا ونحن للمهندس الأعظم ماسونيون.
إشتراكية البلاط
أما تفاعل مصطفى مصطفى سعيد المزعوم مع الإشتراكية, فيمكن أن يُعد كتدليس بائس للتاريخ. فليس في أجندة صانعه, الطيب صالح فكر اشتراكي, اللهم إلا إن قصد النسخة المزورة من الإشتراكية, أي الفابية والإخوة والأخوات شو, كلارك, بيسَنت وبقية الماسون. وليس مما عرف عن المرحوم وتيرة لرواية التاريخ بأمانة سواء واقعيا في دراسته المزعومة للإقتصاد بلندن, أو أدبيا في تزويره في رواية موسم الهجرة لوقائع التاريخ الوطني سودانيا وعالمثالثيا (كتبنا عن ذلك في مواقع أخرى), في نفس الوقت الذي يخرج للإستعمار وجها آخر مشرقا يا الشقليني مع الوجه الأول.
تكسب المرحوم الطيب صالح من خزائن الوكالة المركزية الأمريكية للتخابر مستبعدة (مع رفع الحواجب استنكارا ومصمصة الشفاء استياء) من أجندة نادي "لعبة الثوابت الدائمة". الذين ابتليت بهم أوطانهم من مواقعهم كساسة, شعراء وسفراء فيهم المغفل النافع وفيهم الإحترافي والمدمن للعبة التغييب الفكري.
أما المجتمع المدني فخازوق آخر. لأن المشكلة والكارثة في الدولة السودانية الأممية التي تواجه اليوم وأكثر من أي وقت مضى أزمة وجودية. وإن ميزة منظمات المجتمع المدني كما يرسمها الشقليني في استقلالها عن الحكومة والقطاع الخاص "على الأقل من حيث المبدأ" فيبدو رسما لفنان مصاب بالحيرة, فهو يضع تحفظاته حرصا وخوفا من تورط الخطيب في خطبته .. يتردد الشقليني حتى في الإلتزام بركيزة مقاله, اي دعامة العمل الأهلي في البيئة المحلية. يتردد فيقول فتلك الميزة ربما, تسمح لمنظمات المجتمع المدني بلعب دور هام على الأرض "في أي نظام ديموقراطي. والسودان ليس بنظام ديموقراطي". هذه الطرح المتعثر يبدأ بالتردد وينتهي بالإنفصام بوضع ديباجة إخلاء ذمة تقر لاديموقراطية النظام الحالي في السودان في جملة واحدة. هؤلاء المبشرون بالديموقراطية دون التزام أيديولوجي يظلون في رأيي ركيزة دائمة وتجسيدا للإزدواجية والتشبث المستميت بحياد ثوابت اللعبة .. التوجه الديموقراطي, الحكم الرشيد, المجتمع المدني (إبان التوجه الديموقراطي بالطبع) على حساب الدولة الأممية, تحرير السوق .. والماسونية.
صانعو الوهم ومروجو البديل الأسوأ للثقافة والفكر كما قلنا ليسوا قلة في بلادنا. الذين يرددون اصطلاح "الحلم الروائي" كالرسالات الهاتفية المسجلة تلقائيا. سوء فهم أم ملعنة؟ لنترك الإجابة لقارئ أفضل.
مازن سخاروف, مهندس وباحث سوداني
2 سبتمبر 2017
https://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-81593.htm
|
|
|
|
|
|
|