حدثني ذاك الشاب يوم وفاة عثمان أبوكشوة عن علاقة خاصة جمعت بين الشيخ حسن الترابي والأستاذ محمد إبراهيم نقد، وكان عليها شاهد عيان..كان الرجلان يلتقيان سراً وعلانية في مزرعة صديقهما المشترك عثمان أبوكشوة..الثلاثة العظام جمعت بينهم حنتوب وفرقة بينهم سبل السياسة..رغم اتساع رقعة الخلاف السياسي ومرارة التاريخ المشترك بين اليمين واليسار في السودان ..إلا أن الأستاذ نقد والشيخ الترابي كانا أكبر من ذلك..كل ما فعله الصالحان أنهما ركزا على المستقبل..اكتفيا من الماضي بالعظات والعبر. أمس وجه رئيس الجمهورية بعض أركان حكومته بالمشاركة في تشييع الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم رائدة العمل النسوي وأول سيدة تلج البرلمان السوداني عبر الانتخابات..لكن الرجرجة والدهماء حولوا ساحة الحزن إلى مظاهرة سياسية..على أثر الهتافات العدائية غادر الوفد الحكومي ساحة العزاء..درج السودانيون على التسامي فوق الخلافات في مثل هذه المناسبات. احترام الضيف مقدم على كل شيء..أذكر أن موقفاً مشابهاً حدث في دار حزب الأمة حينما حاول بعض المتطرفين الاعتداء على الدكتور إبراهيم غندور..صعدت المنصة الماجدة مريم المهدي لتدين الفعل الهمجي ثم مضت لاحقاً لتعتذر لبروفيسور غندور عن التصرف الذي لا يشبه جماهير الأنصار. لكن أين كان الحزب الشيوعي من فاطمة في سنوات المعاناة مع المرض حتى تأتي بعض عضويته للاستثمار في حزن كل السودانيين على فاطمة الرمز..فاطمة قضت أيامها الأخيرة في دار رعاية صحية بلندن يسهر على راحتها ابنها الوحيد..أعتقد أن أسرتها الصغيرة كانت على صواب حينما لم تستأمن الحزب الكبير على فاطمة ورفضت الإقامة في السودان تحت رعاية الزملاء والرفاق..اختارت فاطمة وأسرتها العيش في بلد رأسمالي تموت من برده الحيتان ولم تبحث عن جنة الشيوعيين التي لم تتحقق في أرض الواقع أبداً. في تقديري واحدة من مشكلات الحزب الشيوعي إدمانه على عشق الماضي..لم يتمكن هذا الحزب من إجراء حزمة إصلاحات جريئة تجعله قريباً من أفئدة كل السودانيين..كل من حاول التغريد خارج السرب تم طرده خارج أسوار الحزب مشفوعا باللعنات..كان ذاك مصير صلاح (أخو فاطمة) ومن بعده الخاتم عدلان وأخيراً وليس آخراً الدكتور الشفيع خضر..حتى فاطمة التي يبكي عليها الشيوعيون تغيرت كثيراً..قابلت رئيس حكومة الإنقاذ غير مرة..وشاركت بفاعلية في برلمان معين في عهد الانقاذ بعيد اتفاق السلام الشامل في العام ٢٠٠٥. بصراحة..نامت فاطمة بسلام ونجح سماسرة السياسة في صناعة حدث..لكن يبقى السؤال عن قرون استشعار الحكومة التي فشلت في قراءة الأحداث..كان يمكن أن يكون السيناريو سيئاً لو حدثت مدافعة في طرف المقابر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة