لو كان الدكتور عشاري أحمد محمود من أهل الأناة، التي هي طبيعة ثانية للأكاديمي، لما أساء تخريج وصفي له ب"الأكاديمي الآبق". فرآه وصفاً صادراً من "عصبونات" دماغي المسكون بكراهية العبيد" وكياني المستحوذ "بعشق السادة". مدد. فالإباق عنده حصرياً هو "العبد الهارب" من سيده" في اللغة والفقه الإسلامي. وضيّق عشاري هنا واسعاً. فالإباق لا يقتصر على شراد العبد. فالأصل في الفعل "أبق" في معنى استخفى ثم ذهب. ويقال "تأبق" في معنى استتر، وجاء الفعل في معنى احتبس في مثل قولك "تأبّقت الناقة". و"التأبق" التواري. وقال الأَعشى: فذاك ولم يَعْجِزْ من الموتِ رَبُّه، ولكنْ أَتاه الموتُ لا يتَأَبَّقُ أي جاءه الموت لا يتوارى. وجاءت "أبق" في محكم التنزيل بمعنى المغاضبة. فقال خير من قائل في يونس، عليه السلام، حين نَدَّ في الأَرض مُغاضِباً لقومه: "إذ أَبَقَ إلى الفُلْك لمَشْحُون". وجاءت "أبق" في معنى "أنكر". فكانت العرب تقول للرّجل إنّ فيك كذا، فيقول: "أمَا والله ما أتأبّق"، أي ما أنكِر". وجاءت أيضاً في معنى "كَثُر" فتقول "أبق الرجل" أي كثُر كلامه. وكذلك "أبقت المرأة" أي كثر ولدها، و"أبقت السماء" أي جاءت بمطر شديد. وكثر استخدام الإباق" في فقه الرق الإسلامي فتقول "عبد آبق" وهو الهارب. فإذا كان هربه من خوف على حياته أو شدة الكدح لسيده فهو لا يرد شرعاً. ومتى انتفى الخوف والمشقة ردوه. لو قبلنا من عشاري هذا التزنيق على "أبق" حتى صارت تعني عنده هرب العبد حصرياً لما عرفنا تخريجاً للكلمة الإنجليزية "fugitive". وهي كلمة من بنات القرن الرابع عشر الميلادي وصفت الهارب من العدالة، أو الخارج على القانون. ثم لما قامت بين الإنجليز والأمريكان مؤسستا الرق والجيش صارت تُستخدم للعبد الشارد من سيده وللجندي الهارب من الخدمة. ولم يمنع هذان الاستخدامان الطارئان عليها من استخدامات مستمرة لها إلى يوم المسلمين هذا. وأكثرها طريف وبليغ. فتقول "fugitive thought or impression " أي فكرة شرود لا تبقي لسوى لحيظات مع صاحبها والانطباع السريع. وعليه لم نعن ب"الأكاديمي الآبق" سوى الهارب من كدحها وشظفها، أو الطالب المجد في غيرها. وحكم الشرع إلا يرد الأول بينما يرد الثاني. فأي الإباق إباق عشاري؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة