أمس كُنت مَارّاً بـ "ميدان الشهداء" في مدينة أمدرمان.. لاحظت سُوراً حَدِيدِيّاً يغلق المكان، حيث تُجرى عمليات صيانة لموقف المواصلات العامة.. حسناً؛ هذا رائعٌ ومطلوبٌ، لكن الذي أثار دهشتي لافتة كبيرة مكتوب عليها تعلن أنّه مشروع صيانة وتأهيل للموقف وعليها صورتان كبيرتان.. صورة والي الخرطوم الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين وصورة معتمد مدينة أمدرمان السيد مجدي عبد العزيز. لم تكن هذه اللافتة لتثير انتباهي لولا أنّها تَحَوّلَت إلى ظاهرةٍ مُحيِّرةٍ.. في كل ركن من العاصمة ومهما كان الأمر صغيراً تنتصب أمامه لافتة كبيرة تحمل الصور البهية للمسؤولين وأحياناً تصل إلى مُستوى مدير وحدة إداريّة أو حتى مُوظّف عادي في أدنى السلم الإداري.. ماذا يُريدون أن يقولوا لنا؟! هم مُجرّد مُوظّفين عامين في الخدمة المدنية.. ندفع لهم من حُر مال فقرنا المُدقع، رواتبهم وامتيازاتهم ووقود سياراتنا التي يمتطونها ليؤدوا لنا هذه الأعمال.. والتي ندفع قيمتها أيضاً من جيبنا.. فما هي الفكرة في صُور المسؤولين الكبيرة أمام المَشروعات الصغيرة..؟ لو كان المشروع محطة (مترو الأنفاق) في الشهداء ربما كان مقبولاً بعض الشيء مثل هذا التخليد والتمجيد بصُور المسؤولين.. على الأقل هو خُروج عن المَعهود.. لكنها مجرد محطة حافلات صغيرة فقيرة لا تَستحق أن تكون حتى في قرية من قُرى السودان، فَضْلاً عن مدينة مثل أمدرمان، بل في قلبها النابض! هل يَعلم هؤلاء المسؤولون أنّنا نعيش الآن في الألفية الثالثة لبلدٍ عُمره 61 سنة بعد الاستقلال.. وطن أنجز مشروعات هائلة قبل قرابة المئة عام، مثل مشروع الجزيرة وخزان سنار والسكك الحديدية وجامعة الخرطوم والجسور العابرة للنيلين الأزرق والأبيض.. وكان الترام (المترو) يَنساب في شوارعه ويَتَغَنّى له الشعراء قبل خمسين سنة.. فكيف الآن مجرد تأهيل محطة حافلات فقيرة يصبح مشروعاً يستحق أن تُعلّق فوقه الصور.. ليعرف كل من يمر بالشارع فضل المسؤول الذي تَفَضّلَ بالقيام بعمله الذي كُلِّف به بحكم وظيفته. لو تبرّع رجل أعمال مُحسن من حُر ماله لتأهيل موقف (ميدان الشهداء) لقبلنا أن يُرفع لنا صورته عالية خَفّاقةً يُذكِّرنا بما (تفضّل) به علينا.. لأنّه يتكرّم من ما يملك.. لكن ما الفكرة أن يصر السيد الوالي والمعتمد على (تمجيد الذات) وفي مشروع بمثل هذا التواضع.. والله فعلاً أمرٌ مُحيِّرٌ.. ويُفسِّر هذا سر الاحتفالات الكثيرة المُتواصلة التي نُشاهدها في شاشات الإعلام السُّوداني.. ليت الحكومة تصدر أمراً يمنع بتاتاً تعليق صورة أيِّ مسؤول في الشوارع.. إلاّ إذا.. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة