ارتسمت الدهشة على وجه مولانا الجامد.. ضيفه في تلك الليلة لم يكن سوى صلاح قوش.. بين مولانا الميرغني وقوش ما صنع الحدَّاد.. ليس التاريخ وحده ما يفرّق بين الرجلين .. منافسة انتخابية وشيكة في دائرة مروي كانت تضع فواصل جديدة في الخصومة الممتدة.. حسناً .. المفاجأة لم تحدث بعد.. حينما نهض قوش مودعاً طلباً من مولانا الفاتحة والتي تعني في أعراف الصوفية المناصرة.. لم ينتظر قوش رد فعل مولانا وبسط كفيه في الهواء وأحنى قامته فيما يفيد الاحترام والتبجيل .. همهم مولانا بكلمات أثناء المراسم ثم خرجت منه ابتسامة وقورة ولكن في غير موضعها.. كأنه كان يلوم ضيفه على تلك الجرأة. اضطر الفريق صلاح قوش أن يتواصل البارحة مع أنصاره بشكل متعجّل .. بعث قوش أكثر من تجريدة لنفي خبر ورد بالزميلة آخر لحظة يفيد بانتمائه للطريقة الختمية.. أكد قوش أنه لم يبايع أحداً من قبل أو من بعد سوى المشير البشير رئيس حزب المؤتمر الوطني .. خطر لي سؤال غير مهم عن بيعات سابقات يفترض أن تكون في عنق الأخ الكريم صلاح قوش بحكم انتمائه الباكر للحركة الإسلامية.. السؤال المهم هل كان الخبر يستحق كل ذاك الجهد في النفي. حكى لي صديق وقيادي في الحزب الحاكم يجلس الآن في (مساطب) المتفرجين الشعبية أنه اقترح على الشيخ علي عثمان أن يسرح قيادات مؤثرة في الحزب الحاكم ويسمح لهذه القيادات بالانتماء لأحزاب مصابة بفقر الدم السياسي.. قدم القيادي مرافعة جيدة لفكرته .. لكن في النهاية حرّك شيخ علي رأسه بما يفيد بأن الفكرة ساذجة جداً. سياحة سريعة على جهد الساسة المتحوِّلين سياسياً يفيد بأن فكرة الانتماء الأبدي أقعدت العمل العام في السودان.. الجنرال عبد الله خليل كان اتحادياً من الذين قدموا أرواحهم لفكرة الوحدة مع مصر .. حينما خذلت مصر قادة اللواء الأبيض بات عبد الله بك خليل من كبار دعاة الاستقلال .. استقل خليل سفينة الإمام عبد الرحمن المهدي في مقصده.. جاء أحمد سليمان المحامي صاحب مشيناها خطى للحركة الإسلامية من الصف الأمامي للحزب الشيوعي ووضع بصمة.. أما أمين حسن عمر فما زال يحقن الحركة الإسلامية ببسالة الشيوعيين.. أما الأثر الذي تركه مولانا الرشيد الطاهر بكر على حكومة مايو فلا يحتاج لبيان. على الصعيد العالمي كان الرئيس الأمريكي المنتخب جمهورياً ثم بات ديمقراطياً ثم عاد جمهورياً في العام ٢٠٠٩.. بلغ الحماس برجل الأعمال ترامب أنه كان متبرعاً أساسياً في كل حملات آل كلنتون السياسية، وذلك حتى العام ٢٠٠٧.. رغم كل ذلك الماضي المضطرب بات ترامب رئيساً لأمريكا عن الحزب الجمهوري. في تقديري.. واحد من مقعدات العمل السياسي في السودان هو تحوُّله لعقيدة سياسية.. حتى الذين جذبتهم دراهم السلطان للإنقاذ باتوا يعرفون بأصحاب ما بعد الفتح في إشارة لقلة الكسب السياسي.. ربط التاريخ بكل ناشط أثر على جريان الدم في الجسد السياسي.. نحتاج الآن إلى إعادة تعريف السياسة بشكل واقعي ..السياسة عمل يَصُبُّ في مصلحة الناس يجب عدم تجريده من أبعاده الذاتية.. الأحزاب والتنظيمات مجرد منابر لا تحمل أي قداسة .. هذا الاجتهاد يجب أن يصل لمفهوم البيعة لتعتبر عقد مناصرة محدد الأجل ومربوطاً ببرنامج واضح المعالم. بصراحة.. نحتاج إلى إعادة توزيع النشطاء على الملعب السياسي..أن يكون صلاح قوش رأس حربة في الحزب الاتحادي أفضل من (ثيردباك) متأخر في الحزب الحاكم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة