وكأني بالنظام يكافئ الإدارة الأمريكية على تطويل أمد العقوبات بالذهاب إلى أقصى يمين مدرسة الأحرار الجدد التي ابتدعها النمساوي فان هايك ووضع قواعدها اقتصاديو مدرسة شيكاغو بعد إنقضاء الحرب العالمية الثانية ، وكلنا يعلم يقيناً بالعلاقة الوثيقة بين الاخوان المسلمين و الأحرار الجدد عندما تصبح كل الدولة كنتيناً .... كمرابي البندقية يبيع حتى لحوم البشر.
إن السياسات الجديدة لبنك السودان إنما تعلن عن الافلاس الصريح لدولة تخلت من زمن عن مسؤولياتها تجاه مواطنيها وتخلصت عن عقد إجتماعي فاسد انتهت صلاحيته منذ أمد. فبعد أن نُهبت أموال البترول وعائدات الذهب وتحولت الي ڤلل و ضيعات في عواصم الخليج هاهي الآن تتجه الى رهن لحم وعظام شعب السودان لديون باهظة تم استخدامها بدون خجل لإرضاء مؤسسات الأحرار الجدد من بنك دولي وغيره.
ان الحافز المزعوم لتحويلات المغتربين أنما هو حيلة أخرى بعد ان نضبت أراضي الخطط الإسكانية في مجاري السيول وبعد ان أرهقت المغتربين الكادحين بالأتاوات مستغلة ضعفهم وحاجتهم لحقهم في وثائق ثبوتية تسمح لهم بالعودة الى منافيهم القاسية ليدوروا في حلقات الرأسمالية والعبودية. وبعد ان فصل النظام وشرد خير العقول إلى هجرات في بلاد بعيدة، هاهو يطاردهم في مؤاني الهجرة بحوافز ظلت متاحة في سوقهم الأسود الذي أكتنز منه قادة المشروع الحضاري و شيدوا منه القصور التي تناثرت في ضواحي الخرطوم الممتلئة وسخاً وعفناً.
شعبي ان القصة بإختصار هي ان يواصل النظام قبضته الأمنية وان يستبدل اللصوص بآخرين أشد طمعاً وظلماً.
لقد ظل معظم الشعب السوداني يعيش على خير ابنائه المهاجرين والعاملين بالخارج ، حين نشأت تجارة عملة عالمية يتم تحويل أموال السودانيين عبر العواصم لتمويل التجارة الواردة الى داخل السودان والدول المجاورة ويتم تسليم اهاليهم المقابل بالعملة المحلية المتردية مما يعفي الدولة من مسؤولياتها في أطعام الفقراء وعلاج المرضى وأنشأ البنيات التحتية . وفي الحالتين فان تجار النظام هم المستفيدين.
لقد فشلت الدولة في التخطيط والإدارة فأفسدت الزراعة بالتقاوي المسرطنة منتهية الامد وردئية الجودة ، ولم تهتم بالتجارة الخارجية والتصدير وفشلت في الانضمام لمؤسسة التجارة العالمية وسمحت بالتهريب وتعاونت اجهزتها الأمنية في إخراج ثروات البلاد مقابل الرشاوي والهبات.
ان منشور بنك السودان يعني أن حصائل الصادر، وكل التحاويل التي سيتم تداولها عبر النظام المصرفي، سيتم مصادرتها لصالح بنك السودان، بالسعر الرسمي المعلن في يومه بعد إضافة الحافز، والغريب ان الحافز غير ثابت اذ يتم تحديده بمزاج موظفي بنك السودان، مما يخلق ارتباكاً عظيماً عند المصدرين الذين لن يتمكنوا من حساب عائد صادراتهم مما يعني فشلهم في الحساب البسيط لما سيأتيهم من مجهودهم في جلب العملات الصعبة التي تحتاجها البلاد لتسيير أمورها. ان نسبة العشرة في المئة التي كان يفرضها المصرف المركزي كأتواة على المصدرين اصبحت ١٠٠٪ مع تخلي الجهة المحصلة عن مسؤولياتها تجاه الدواء لعلاج الأمراض التي تسببوا بها.
ان تبعات هذا القرار تعني ان يتوقف ما تبقى من تصدير واستيراد ، انه يعني ان تجف الاسواق من البضائع وان تتوقف الصادرات، انه يعني ان تُهرب المنتجات لتصدر من موانيء اخرى، ويعني أيضاً قيام تجارة عملة أحدث وتصبح العملة الوطنية في عداد النسيان، انه يعنى ان يصبح السفر للعمل والاستشفاء ضرباً من الخيال، ويعني ان يبقى المهاجرين في المنافي ويتوقفوا عن أفكار العودة للبناء.
لقد كان من الأشرف لهذا النظام ان يتوقف عن افتعال الحروب وارتكاب الجرائم ضد مواطنيه وان يستمع لصوت العقل في اجراء تغيير حقيقي لحفظ ما تبقى من حدود وموارد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة