ما يزيد عن الستة عشر عام وقبل مغادرتي لأرض الوطن كنت اجلس واتسامر مع الوالد متعه الله بالصحة والعافية و نتحدث عن الوضع السياسي ومجريات الاحداث. فكان دائما يكثر من المقارنات بين الماضي والحاضر ..وكنت استمد منه الثقة حين يقول لي : عارف الجماعة ديل ما باقي ليهم كتير إن شاء الله في الايام الجاية تسمع خبر يفرح كل السودانيين..
هذا حال كل الشعب السوداني الذي عاش لأكثر من ربع قرن يحدوه الامل.. ويتطلع لزوال هذا الكابوس.. واصبح هذا هو الامل الوحيد وبإنتظار تحقيقه تأجلت كل الاحلام والاماني.. واصبح تحقيقه ضربا من الخيال.. وبرغم ذلك يعيش الشعب قاطبة في حالة إنفصام تفصله عن الواقع تماما.. حيث انه لا يملك اي اداة للتغيير وتوهم طويلا بقوى التغيير التقليدي منها والحديث ..
من المعروف إن المقدمات الخاطئة لا يمكن إن تأتي بنتائج صحيحة.. يتوهم البعض بحلحلة النظام من الداخل.. وتم الترويج لنظرية " السوفت لاند" وهي شماعة تعلقت بها الافكار الضالة والمضللة للشعب.. والدعوة للدخول مع النظام حتي تغييره من الداخل وحل مؤسساته..
بكل وضوح تصلح هذه النظرية وكل نظريات الحوار وخارطة امبيكي لو ان هناك قوى حقيقية تؤمن بالتغيير كخيار وحيد.. وهي متحدة علي قلب رجل واحد ساعتها لا يمكن ان يساورنا الشك في النجاح والوصول الي محطة التغيير.. ولكن رأينا كيف اختلف الرفاق في الجبهة الثورية علي نقل الرئاسة في اول تجربة ديمقراطية.. واصبحت متعددة الرؤوس معلنة بذلك نهاية للحلم بالتغيير والديمقراطية التي يمني الشعب بها نفسه كل دقيقة وكل ثانية من عمر الإنقاذ وما زال..!!
ايقن الجميع ان كل التكتلات والمظلات عبارة عن اوهام وهي اقرب للتجارة .. إن كانت بأسماء افراد او تنظيمات.. وفي احسن الاحوال هي لتبرير الفشل.. فالكل له نوايا وخفايا لو سنحت له الفرصة سيبتلع رفاقه قبل النظام..
خارطة امبيكي لم ولن تنهار بين ليلة وضحاها بل هو التكتيك ودهن الفشل في التغيير بدهانات والوان كاذبة ذهبت بجنوب السودان إلي محرقة حروب اهلية لا نهاية لها..
تعرف السياسة بالتكتيكات لجلب اكبر قدر من المكاسب واحيان كثيرة كسب الوقت إن كان الخصم في حالة ضعف..
الذي جعلني في حيرة من امري جملة وردت في تصريح لكبير المفاوضين للحركة الشعبية ياسر عرمان بأنه يجب التفاوض مع حميدتي وليس النظام.. إن كان الغرض تكتيكي فهذا غير مفهوم ولا يمثل كرت ضغط علي المفاوض الحكومي او النظام.. اما إذا كان القصد منه هو التقليل من شأن الحكومة والتهكم فالجملة غير موفقة البتة.. فالغريب مجرد التوقيع علي الخارطة يعني الإعتراف بالنظام ومن صنعوا حميدتي ومن علي شاكلته.. فحميدتي في تقديري لا يمثل سبة للنظام بل هو مفخرة له والدليل العلامات والنياشين التي تزين صدره.. "من حرامي حمير الي لواء في جهاز الامن الوطني..
فماذا لو دفع النظام بحميدتي كبير مفاوضين..؟
رجاءا قصروا زمن التكتيكات وادخلوا في المفيد وان يسمي الكل ليلاه لتنتهي هذه المسرحية العبثية..
التغيير سيأتي لا محال وستضرب امواجه كل القلاع والحصون..وستغسل الخبث والخبائث.. وللشعب غضبة فأحذروها..
فبعدم الوحدة الصادقة من اجل إرساء الحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة فسنبتعد يوما بعد يوم من محطة الوطن.. فسيتلاشى بين الاحلام والطموحات والوهم..
قواعد الوحدة بسيطة ما دمنا ننشد الديمقراطية.. علينا ان نعلي من قيم الحرية والديمقراطية في كل الكيانات والاحزاب ونؤمن ان صدارة المشهد تأتي عبر الصناديق وليس بالفهلوة وعلو الصوت..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة