|
Re: القرآن لساناً وعربيا: تدبر آيات عدم تبرئة (Re: الريح عبد القادر محمد عثمان)
|
مقال رصين ورائع واختيار حصسف لأحد التفسيرين المتقابلين تقريباً لمسألتي النفس الأمارة بالسوء وطلب السلطة والحكم فيماورد بقصة يوسف النبي الصديق. فتبرئة النفس والغرور حتى في العبادة مهلكة محققة حتى بين الأنبياء، فما بالك بمن هم دونهم. وهذا حكم منطقي لأن التواضع هنا لله الهادي وقابل التوب لا إله إلا هو إليه المصير. فالافتقار لله هنا لا يستثني حتى الرسل والأنبياء، لذا كان الابتلاء من الله لهم لتزكية نفوسهم وتخليصها ليكونوا قدوة للبشر في مراقبه الله في كل حين والتقرب إليه بالعرفان الدائم بقصور النفس وافتقارها للهداية والحفظ من الزيغ والضلال. ومن ثم فإن نسبة القول "وما أبرئُ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي" (يوسف/53) تفسير منطقي أكثر من نسبته إلى امرأة العزيز المعترفة أصلاً بما انتوته في نفسها وحاولت تنفيذه عملاً وفعلاً ولا حاجة ولا معنى لأن تأتي بعد كل هذا وتقول ما أبريء نفسي وهي مقرة بالذنب. ولإزالة إشكالية التسلسل المنطقي للأحداث فإن القول المنسوب ليوسف الصديق ومعرفة من توجه له بهذا القول لابد وأن يكون قد جاء استئنافاً لقوله الأول حينما أتاه الرسول يستدعيه من الملك فرد على الرسول وقال له ارجع كما في الآية (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50). وتأتي بعد ذلك بقية القصة من إحضار الملك للنسوة بمن فيهن امرأة العزيز وسؤالهن عن قصة مراودتهن ليوسف الصديق وقد حكين القصة وأقرت امرأة العزيز وكل ذلك تم في غياب يوسف الصديق قبل حضوره إلى الملك. وهناك خطأ واضح أنه سهوي حين أورد المقال الآية بشأن داود ونسبها لزكريا خطأً ذلك لآنها فعلاً نزلت في داود وموضوعها غرور النفس وادعاء كمالها في العبادة حيث اغتر داود بعدم الفتنة فرتب الله له وهو غافل عما اغتر به أحداثاً لم يفق منها إلا بعد أن وجد نفسه متلبساً بها وهو زواجه من امرأة جاره التي استهوته صدفة فانتوى قتل زوجها والزواج منها فأرسل الله له ملكين في صورة رجلين من الرعية يختصمان بأن أحدهما (وهما شقيقان) وله تسعة وتسعون نعجة (امرأة) مثل داود نفسه ويطالب شقيقه الذي له نعجة واحدة (كجاره الذي أهلكه وتزوج بامرأته التي يقال إنها أم سليمان) بإعطائها له ليبلغ العدد بنعاجه أو زوجاته المائة كما فعل دواود النبي عليه السلام. وبعد تجاوز داود لريبته وخوفه من كيفية دخولهما عليه في المحراب وقد منع الحراس بعدم دخول أي شخص عليه في يوم اعتكافه، ثم تفاجئه بهما أمامه وباب المحراب مغلق بالفعل، وبعد طمأنتهما له بعدم الخوف وأنهما من الرعية ولم يجدا طريقاً إليه فتسورا عليه المحراب لمنعهما من الحراس من الدخول من الباب، سمع منهما القصة المشار إليها وحكم فيها بالعدل ( قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ( 24 ) سورة ص. وقيل قال لصاحب التسع وتسعين نعجة لا تفعل وسوف نمنعك بقطع أنفك، فنظر الملكان إلى بعضهما وقالا له ما معناه إذاً يجب قطع أنفك أنت، واختفيا من أمامه مثلما ظهرا له أول مرة. فانتبه داود لغفلته وتيقن بأنه قد فتن ولم يفلح فيما ابتلاه الله به كآبائه ابراهيم واسحق ويعقوب وخر راكعاً أو ساجداً أربعين يوماً وليلة يبكي ويستجدي ربه حتى قيل إن الأعشاب قد نبتت من ماء دموعه، ثم تاب الله عليه. وأما المسألة الأخرى مسألة طلب الولاية والسلطة فقد كفيت في دحض من يتعللون بالآية ويبررون بها طلبهم لها حتى وإن تسوروا حائط الديمقراطية ورضاء المحكومين بهم واغتصبابهم لها مخاتلة ومغافلة وبقوا على كراسيها غصباً وغلاباً وليتهم بعد كل هذا قدموا مثالاً للقوي الأمين الذي يخاف الله فيهم ، مخالفين بذلك روح الشرع والدين بحسب القرءان والأحاديث التي تفضلت بذكرها.
|
|
|
|
|
|