الفساد والقهر الجزء الخامس الخطوط الجوية السودانية الحلقة 1 : معاركته عمراً كاملاً في دولة الولاد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-19-2024, 06:28 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-17-2014, 05:21 PM

سعيد محمد عدنان
<aسعيد محمد عدنان
تاريخ التسجيل: 02-28-2014
مجموع المشاركات: 226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفساد والقهر الجزء الخامس الخطوط الجوية السودانية الحلقة 1 : معاركته عمراً كاملاً في دولة الولاد

    بقلم: سعيد محمد عدنان – لندن – المملكة المتحدة
    في الحلقة الماضية عن الشركة العربية لسودانية للنشا والجلكوز، وصلت لأن لم تأتني العربة لتقلني لمصنع النشا والجلكوز، ولكني باشرت زياراتي لرئاسة الهيئة العربية، حيث لملمت شتات الأمور المعلقة، باستلام أوراقي والإجتماع بالدكتور طيفور الذي دهش لوقائع إجتماع الخواجات والشركة بخصوص معدات المعسكر وكيف تم تسليمها للنصاب الذي كان الخواجات يمقتونه، على أن يدفع تكاليف الجمارك، ولم يشرح دكتور طيفور – رئيس مجلس الإدارة – كيف حدث ذلك ولكنه بعد أن تأكد له أنني حذرت محمد الأمين ألا يفرط في ذلك الموضوع، وجد أن فصلي جعل محمد الأمين في حل من الحدود التي وضعتها له "لا يمنح المعسكر للنصاب الذي نسج الموضوع لصالحه، أو يترك الموضوع حتى رجوعي" والذي جعل خيار الرجوع لي هو الرجوع لغيري... وكان واضحاً الضيق والمقت على وجه الدكتور طيفور، ولكنه لم ينبس ببنت شفة.
    إنشغلت بعد ذلك بمرض إبنتي رزاز وإبني عدنان فور رجوعهما معي من علاج رزاز في السعودية، وقد أصيبا بالملاريا الخبيثة، وتوفيت إبنتي رزاز وانشغلت بعلاج عدنان بعد حصولي على ال"فانسدار" من زوج أختي الدكتور يحي محمد الخير والذي كان عميداً لكلية الصيدلة جامعة الخرطوم، عينة وصلته من الشركات المصنعة من أجل الدعاية والتعريف.
    كنت قد تقدمت للخطوط الجوية السودانية للعمل بها، فبعثني مدير الهندسة الباشمهندس الفاتح مكي معروف لقسم المعدات الأرضية لمدير إدارتها الباشمهندس مصطفى التجاني لمعاينتي إذا يمكنني مساعدتهم في معضلاتهم، وقد أخطرني السيد مصطفى التيجاني أن مشكلتهم الكبرى وقتها هي مولدات الطاقة التي تقدم لخدمة الطائرات أثناء توقفها بمطار الخرطوم، وأن لديهم أربعة مولدات جديدة تم شراؤها من سويسرا بقيمة 23 ألف دولار للمولد الواحد، ولكن هذه المولدات لا تعمل أكثر من خمس دقائق عند إلحاقها بالطائرة وعند قطعها التيار الكهربائي تتسبب في خسارة في الطائرة بأكثر من عشرة آلاف دولار. شرح لي السيد مصطفى المشكلة وسلمني الكتالوج وطلب مني البحث في الموضوع على أساس أنه مشروعي لتقييم مقدرتي الهندسية
    أخذت الكتالوج معي للمنزل وعكفت على دراسة نظرية التبريد فيه والتي تبين أنها تعتمد على القوة الهائلة للموتور والسرعة المفتوحة للمروحة، ووضعت أمامي مشكلة السخانة في بلادنا والتي تصل قمتها لقريب الضعف الذي تصله درجات الحرارة في تلك البلاد، وتبلغ أضعاف مضاعفة لها في أيام البرد والإعتدال، وليس لدينا غير عوامل التبريد بالمروحة لتعويض ذلك الفرق
    قمت بعمل رسمٍ بياني لحركة الهواء لكل السرعات (حسب زوايا ريش المروحة) والتي تحدد قوة الفتل الذي يحرك المروحة بماأن قوة دفع الماكينة ثابتة بعدد كذا حصان. وجد ت الزاوية التي تمنحني أحسن سرعة للهواء كافية لسحب الحرارة الزائدة من الماكينة، والتي تتم بدرجات بسيطة حسب قانون نيوتن لنقل الحرارة، والتي لا يجب زيادتها إذ يعني ذلك السماح للماكينة بازدياد حرارتها
    وحتى أضع التصميم في أدني احتياجات التعديل، فقد قررت أن يكون فرضاً أن الهواء لا يواجه مطبات تمنع انسيابه الرقائقي (الإنسياب الهادئ غير المطّرب)، وعليه قررت ألا تفتح أبواب التهوئة، ولا يسمح لتيار الهواء الطبيعي أن يضرب بأي زاوية على مبرد المياه (الرادياتر)، وبذلك تسنى لي تعديل زوايا المروحة إلى درجاتٍ واقعية التنفيذ. أ كملت ذلك في نفس الليلة وأعددت تقريري
    في اليوم التالي أخذت التقرير للسيد مدير الإدارة والذي سر به كثيراً وسألني إن كنت أستطيع القيام بذلك التعديل، واجبت بالإيجاب، فوجه المهندس أمين أحمد ابراهيم، مدير ورشة المعدات الأرضية لتقديم العون لي والعمالة التي أطلبها لتنفيذ التعديل
    قدم لي السيد أمين واحداً من خريجي التدريب المهني المستجدين وهو ضعيف البنية، قائلاً إنه الشخص الوحيد الذي يمكنه التخلي لي عنه، إذ أنه يعاني من مرض السكر وسكره مرتفع (أربعة صلائب)، فإذا قبلت به علي أن أكون رؤوفاً به في مهام خفيفة.
    بدأت في العمل في فك أجزاء المولد واستعنت بالعامل الذي معي فقط كمراسلة وليحضر لي أويسلمني المعدات التي أطلبها، أما عمليات الرفع والنقل فكنت أقوم بها بنفسي
    اتصلت بخراط الورشة وهو ممتاز ويدعى عبدالرحمن وشرحت له ما احتاج إليه من قطعٍ مختلفة بتصاميم بينتها له، وقام بمهامه بصورة ممتازة
    كان على تعديل المروحة كما وعلىّ تعديل شئ آخر لاحظته: هو ميلان أرضية التانك نحو نقطة سحب الوقود، بغرض عدم سحب الهواء عند هبوط مستوى التانك ، وهو أمرٌ ليس في مستوى الضرورة مثل تأمين جودة الوقود في كل الأوقات لأن التصميم الحالي يفترض أن الوقود مضمون الجودة لا عيب فيه من أتربة أو مياه، وهذا الضمان غير مؤمَّن في بلادنا... فانتهزت فرصة فك المولد أن يتم تعديل إتجاه التانك بالإتجاه المعاكس وإعادة فتح المخارج للوقود والتفريغ وسد المخارج السابقة
    انتهى العمل بالمولد وطلبت من مدير الإدارة السماح لنا بتجربته وبالطريقة التي ذكرتها (وقد وجدت معارضة كبيرة من سائقي المعدات الأرضية لأنهم يعتمدون على تبريد المولد بفتح أبوابه وتوجيه مبرده نحو الرياح المنسابة طبيعياً)، ولكن العاملين نفذوا ماطلبت وعمل المولد بدرجة حرارة ثابتة لمدة أربعة ساعات حتى تمت القناعة ثم تم إيقافه
    طُلب مني السيد مدير الإدارة عمل التعديل لبقية المولدات الثلاث: إثنين بالخرطوم وواحد بمحطة جوبا
    إعترض المهندس أمين أحمد إبراهيم بأن ذلك يعتبر تعديل في التصميم ويضيع حق الضمان وهو محقٌّ في ذلك، ولكنني كان رأيي ان الضمان ليس ضرورياً حتى يتم ركن تلك المولدات بدون عمل، لأن شراءها أساساً كان خطأً والحل يجب أن نأتي به من عندنا
    طرحت هذا الموضوع بالتفصيل لأنه كان أهم حدث حدد معالم نشاطي في الخطوط الجويةالسودانية والتي كانت حكراً على جماعاتٍ معينة، وكنا نعلم ذلك منذ أيام الجامعة بأنها حكر لأهل غرب السودان {كما وكانت في تلك الأيام حكراً لمهندسي التدرج الوظيفي –الرانكرز – وليس الأكاديميين}، إلا أن نخبة من المهندسين الأكاديميين استطاعوا كسر ذلك الحكر واستطاعوا أن يصعدوا لمدارج عليا، ولو أنهم لم يسلموا من نيران الرانكرز، كما وأن نخبة من فنيي الطائرات بدأوا يتقبلون الواقع بأن الدراسة الفنية لا تعلو بذاتها على الدراسة الأكاديمية، ولكن مهندسي الدرجات الجامعية لم يتقدموا كثيراً في تقبل أن الدراسة الأكاديمية لوحدها لا تبني المهندس فهي الباب الذي يوفر له الدخول في عالم الواقع بنظرة الهندسة، فالواقع مجموعة القضايا الفنية والأدبية والإدارية والفكرية والقانونية والإقتصادية إلخ، ولا يمكن لدراسة معينة أن تلج غياهب الواقع دون الممارسة والتعلم المتنوع، وهي مشكلة في بلادنا ليست لدى المهندسين وحدهم بل لدى جميع الأكاديميين: مختصرها لديهم هو المقام ورفعته (وهي من ترسبات نظام الخدمة المدنية الهرمي الموروث من المركزية الإدارية)
    وتم تعييني في وظيفة مهندس "مؤقت" باليومية بمبلغ 2000 جنيه في الشهر (مع ملاحظة أن مرتب المهندسين من نفس الكادر – مهندس قائد – كان 15000 جنيه في الشهر وحافزاً قدره 100 دولار شهرياً)
    ذلك الحدث الذي سردت من ناحية، وهذا العيب الخدمي من ناحية أخرى كانا المشعل الذي أوقد جذوة إصراري على البحث ومعولي للصبر على الشدائد حتى أحدد سبب عدم تزاوجي مع العمل في السودان، أهو لعيبِ فيّ، أو كما كتب المهندس إبراهيم الخليل مدير إدارة الخدمات الأرضية بعد فصل المهندس مصطفى التيجاني في مطلع انقلاب الإنقاذ، في تقريره عني لمدير الخطوط الجوية السودانية، "لن يصلح العطار ماأفسده الدهر" – والتي أصبحت مادة للمداعبة من زملائي في الخطوط الجوية في الكفاح لاحقاً – أم هي قوة خفية تقف في طريقي، وبهذا تجمعت لديّ "قطع بانوراما" ملامح الخلل المتسبب في الولادة المتعسرة في دولتنا تلك، وهو الفساد الذي لم نكن نعرف أشكاله وثيابه المختلفة، معالمه ومعامله، وهو تحديداً ما يسمى في اللغة الإنجليزية "كليبتوكراسي": أي دولة الحكم باللصوصية، وبذاك وضح لي بها عن تجاربي السابقة خصمي الخفي الذي كنت أنازل، سيماه وملامحه، ووصلت للترياق الذي أحتاج لحماية نفسي ورسم نهجي ونهج أبنائي لدرء شره على بلادي ولأدخل به إلى زمرة من يقاومه من نشطاء عالميين تعرفوا عليه قبلنا ونذروا حياتهم لمقاومته ودرء شره عن البشرية جمعاء، فهي قضية من صميم المبادئ الكونية: ذلك الترياق هو الدقة والنظام المؤسِّس لدولة القانون: فهما معول الضبط ومنظارالحقيقة، وهاتان هما السم الزعاف لآفات الفساد ومنابت تفريخ الضمائر الميتة، والتي هي أصبحت لمن يتفحص جيداً غذاء الدكتاتورية والحكم باللصوصية وهو المرضع الشرعي لحركات العنف والإرهاب وفقدان الهوية، ولعمري وضح لي كم هي مهمة قاسية السعي لذلك الترياق، والذي لا يطاله إلا النشطاء ذوي العزيمة الفولاذية والصفاء الضميري الثابت
    سرعان ماانتشر الخبر في المطار، خاصة في قسم هندسة الطائرات، بأن مشكلة المولد تم حلها بواسطة "المهندس الجديد" الذي سريعاً ما تبلور سعداً لدى كمِّ من المهندسين (خاصة مهندسي الطائرات وقباطن الطائرات، والذين كان هذا بمثابة نصر لهم على مهندسي الدرجات الجامعية بأنهم كانواعاجزين عن حل مشكلة أتي مهندس جديد وعالجها لهم في أيام قليلة)، وحرجاً لكمِّ آخر من المهندسين، خاصةً الجامعيين، والذين لم يستسيغوا ذلك الموقف الذي نشأ فجأةً، كل هذا لم يكن قد تشكّل في منظوري بعد
    وطلب مني العمل مع المهندس سليمان الفكي الذي يدير تشغيل المعدات الأرضية لمساعدته في الإشراف على تنظيم وتشغيل المعدات الأرضية، وأثناء عملى لاحظت بذور حشيشة "البنقو" على كثيرٍ من المعدات الأرضية، وأزعجني تفشي التعامل مع مثل تلك المخدرات والمهلوسات بين سائقي تشغيل المعدات الأرضية في أخطر مهام قد يتعرض فيها أمن البلاد واقتصادها وسمعتها وسلامة الناس لمخاطر بينة، وأبلغت عن الأمر ووُجهت للتحري فيها
    في تحرياتي مع رؤساء الورديات، إتضح لي أن لا أحد يستطيع أن يفيد بأنه يعلم عن بذور حشائش البنقو أو أنها من سائقي المعدات
    بدأت أفكر في حلول واقعية، فأمامي نظام مائع لا ضوابط فيه ولا مقابض على أموره، وأنا جديد في عملي ذاك، فقررت العمل ساعات إضافية بدون مقابل، لاستيعاب المهام المختلفة للمهنة ولعمل برنامج نظام لتفعيل ذاك الترياق: النظام والدقة – ووافق مدير الإدارة، وفعلاً بدأت استمر في عملى حتى المساء لمراقبة ورديتي الصباح والمساء، والرجوع في الفجر لمراقبة الوردية الليلية
    تكونت لديّ صورة واضحة عن العمل وعلاقات العمل في مهمة تشغيل وصيانة المعدات الأرضية وبدأت إعداد مراشد داخلية لضبط العمل ومراقبته، وعملت تصميمات لإستمارات ودفاتر إدخال ومشروع سجلات كاملة لقيد وتفتيش العمل.
    غادر المهندس سليمان الفكي الذي قد تم اختياره للسفر في لجنة الحج، فكلفني مدير الإدارة بإدارة التشغيل في فترة غيابه
    وأثناء إعدادي مراشد للعمل في القسم بناءاً على تجربتي المقتضبة تلك، زارني في المكتب لجنةّ مراشد سودانير والتي تم توجيهها لاستعمال مكتب التشغيل لإجتماعها بالمعدات الأرضية، وطلبت اللجنة مني المكتب للإجتماع، فجمعت أوراقي لأخليه لهم، ولكنهم قالوا إنهم لا يمانعون أن أستمر في ما أعمل فيه في طاولتي بينما هم يجتمعون – وكان المكتب كبيراً يسمح بذلك
    سألت اللجنة مدير المعدات الأرضية المهندس أمين إذا لديه أي مراشد، واندهشت اللجنة أنه لا توجد مراشد، فاستأذنت وذكرت للمهندس أمين أننا بصدد عمل مراشد، فطلبت اللجنة الإطلاع على ما تم منها، فأشادوا بها وطلبوا مني الإنضمام للجنة، وطلبوا من كاتب القسم طبع تلك المراشد ليأخذوا منها نسخة وتمت الطباعة واستلموا نسخة واستلم مدير الإدارة نسخةً أيضاً، وصادقت الإدارة لي بتفعيل المراشد التي عملتها
    في ساعة مبكرة من صباح ذات يومٍ إلتقاني المدير العام في التارماك، وهنأني بما سمعه عني ، ثم سألني لماذا أعمل ساعات إضافية، فأجبت بأنني وجدت علامات إستعمال حشيش البنقو وقررت مراقبة العمل ووضع المراشد اللازمة لضبط العمل، وأن عملي للمراشد تطلّب مني عمل دراسة لتحديث العمل بالمعدات الأرضية، وكان مسروراً جداً لما سمع، وكانت عطلة نهاية الأسبوع، فسألني إن كانت الدراسة جاهزة فأخطرته أنها في مرحلة الإعداد، فطلب مني الحضور لمنزله للغداء والنظر في ذلك الموضوع الذي هو في غاية الأهمية له
    وذهبت لمنزله وشرحت له نظرتي الواسعة في وضع المعدات الأرضية لتخدم سودانير على نظام السوق الحر، حتى لا تكبل سودانير بالخوض في وحل عمل فني لا علاقة له بالعمل الفني في الطيران، ولا تتعثر في مهمتها في توفير الخدمات للطيران، وسر سروراً عظيماً وتفكر قليلاُ ثم طلب مني أن أستمع جيداً: أتي بسجلٍ من مكتبه مكتوبٌ عليه سري للغاية، وقال إنها صورة أعدها لي، وهي مسودة مقترحات تطوير الخطوط الجوية السودانية في إجتماعات الإدارة، وأنه تحت قسم غليظ بحفظها سراً، ورأى أنه إن أراد استشارة فلن يجد أجدر مني بالثقة لحفظ ذلك السر بحكم أني ولجت في تلك المشكلة لعلاجها بدون توجيه وبدون مقابل. طلب مني أن أدرس تلك المقترحات وأعدلها أو أضيف إليها ما أراه مناسباً ثم إرجاعها له مع مقترحاتي، وطلب مني الكتمان التام
    قمت بدراسة السجل وعملت سجلاً بمقترحاتي ورفعته له وأرجعت له السجل الذي أعطانيه، وأعدمه في آلة التقطيع
    عند رجوعي للمكتب وجدت مدير إدارة الخدمات الأرضية في مكتبي غاضباً، فقد علم أنني كنت لدى المدير العام، وكيف اقابل المدير العام متعدياً رؤسائي، وقلت أنه طلبني وكنت سأخطر رؤسائي بعد ذلك، ولكن أتضح لي أن هناك غضب شديد ضد المدير العام من إدارة الهندسة وإدارة العمليات (قباطنة الطائرات... وكان الطيارون وقتها في عراكٍ مع المدير العام الذي عاقب الطيارين الذين كانوا يوقفون الطائرات في مطارٍ أجنبي بحجة عيب ميكانيكي، أو انتهاء ساعات العمل المحددة، فيستلمون بذلك بدل سفريات بالعملة الصعبة، وسكن في فنادق فخمة، لطاقم الطائرة كله – وكان قد عاقب بذلك أحد القباطنة الكبار (كابتن كردفاني) في رحلة توقف فيها في بيروت عام 1988)
    تلك المعركة الضارية التي كانت تجري في سودانير وجدت نفسي فجأةً تحت الأقدام فيها: قبلت مساندة المهندس مختار عثمان لأنه كان يقوم بإصلاح جذري في سودانير ضد تياراتٍ عدة: كانت هنالك حرب ضروس بينه وبين القباطنة الذين لم يعجبهم أن تسحب السلطة المطلقة التي كانت في يديهم قبيل مختار بتلك البساطة، وكان مختار يعلم أنه كمهندسٍ جامعي هو في معركة في ساحةٍ أخرى بينه وبين المهندسين غير الجامعيين (الرانكرز)، وهم كادر هندسة الطيران – أي أنه في مواجهة مع أهم شريانين لحياة سودانير، وفي معارك ناتجة من وملازمة لتلك المعارك الكبيرة: واحدة بينه وبين المهندسين الجامعيين الذين يحتاج لمساندتهم وهم أما فرصة للمساومة بالمكاسب، ومعركة مع بقية الإدارة الخدمية والتي كثير منها يستند على تبادل المنفعة مع القابضين على السلطة الكبرى من قباطن إلى مهندسي طائرات
    وفي معركة السلطة كان السياسيون ينظرون إما بحذرٍ وارتباك أو بلعاب سائل، ومنهم السيد الصادق المهدي الذي لخّص أحد رسامي الكاريكاتير رسماً له وهو يصيح في مختار "ده شنو يا مخ طار؟"، وذلك عند فصله كابتن كردفاني وتأزم الموقف
    في أجتماعٍ له معنا قال السيد مختار "إنه عند استلامه مكتب المدير العام، وجد أنه على ظهر مرفعين لاخلاص منه إلا عن طريقين: إما النزول منه فيلتهمك ويلتهم من معك، أو البقاء فوقه فلا يلتهم من معك وتبقى تنتظر إن كان سيلتهمك لوحدك"، قال أنه دخل عليه زبون يحمل مايثبت أن سودانير تدين له بمليوني دولار يريد أن ترد له، ولما نادى المدير المالي وجد أنه لا يعرف عنها شيئاً، ثم استطرد يقول "وياما في السواهي دواهي... لا أدري من سيأتي غداً بمطالباتٍ مماثلة، وكيف أعد لها ميزانية؟ وبالمثل لابد أن تكون هنالك أموال طائلة لسودانير لدى آخرين ونحن لاندري عنها شيئاً"
    كان حديث السيد مختار ووقفته الشجاعة هي التي حدت بي للوقوف إلى جانبه بالقدر الضعيف الذي أنا فيه، ولكن لديّ رصيداً من التجربة ومن محاربة الفساد قد تكون قطعاً مفيدةً له
    ولكن لسوء الحظ وجدت نفسي في معتركٍ حساس: فمصطفى التجاني مهندس غير جامعي (من الرانكرز)، ومدير قسمه – قسم الهندسة – هو السيد الفاتح مكي معروف، مهندس جامعي ويعرفني من خورطقت، وهو الذي أوصى بي، وبما أن التجاني إستطاع أن يمنحني الفرصة لأبرز في الخطوط الجوية، يعتبر أنه دعم الفاتح مكي وقدم بذلك إنتصاراً لمهندسي الدرجات الجامعية، إلا أنه استخدم خطوة مختار عثمان ضده مما أحرج الفاتح مكي ولم يخفِ امتعاضه، وطبعاً الخيال يجمح إلى مادار وراء الكواليس لتقسية قلب الفاتح نحوي، إلا أن ذلك هو ماحدث ولم يوافق الفاتح بتثبيتي في الخدمة وظللت عامل يومية في وظيفة مدير تشغيل المعدات الأرضية
    وفي ضبطي للعمل في المعدات الأرضية، إتضحت لي مخالفات عديدة، منها أن شركة ترانزأرابيان للشحن الجوي، كانت تستخدم معداتنا بارتياح، أحياناً يتم تسجيلها وأحياناً لا يتم تسجيلها، ولما راقبت العمل، وجدت أن ترانزأرابيان تمنح حافزاً مجزياً لعاملي الوردية الليلية في المعدات الأرضية إذ أن طائراتها تشحن ليلاً لتسافر في الصباح، ولكن استخدام المعدات كان سيئاً، فمثلاً كانوا يستعملون الرافعة الشوكية لنقل البضائع من وإلى رافعة البضائع عند الطائرة، بدلاً من عربات الجر التي تستخدم لنقل البضائع أرضاً، وكانت الرافعة الشوكية في مثل ذلك السباق في الماضي قد انقلبت وقتلت سائقها، إضافة إلى أنها تتداخل مع سيور رافعة البضائع والتي كان ثمنها 200,000 ألف دولار وتعرضها للتلف
    تقدمت للإدارة بأن سائق المعدات الأرضية لايليق بالوظيفة، ويجب أن يكون العاملون في المعدات الأرضية بدرجة فني تشغيل: أي وظيفة جديدة، يتطلب فيها أن يكون العامل بشهادة فنية، ليتمكن من القيام بدوره الفني في تشغيل وضبط المعدات، وهذا أيضاً يجنبهم العوز الذي يهدد سلامة ذلك العمل الحساس وحماية ثروة الشركة، وتمت الموافقة وأرجعنا كل السائقين الذين لا مؤهل فني لهم لقسم الترحيلات وتم استيعاب من له دراسة فنية: وتحسن الأداء وتمكن تفعيل المراشد والرقابة
    في اجتماع لتحسين خدمات الركاب قدمت دراسةً تبين أهمية رفع أسعار خدمات المعدات الأرضية لتواكب الأسعار العالمية، فسوق الطيران سوق عالمي، وكان هذا يعني رفع اسعار خدمات المعدات الأرضية عشرين ضعفاً، وكانت مهمة صعبة لإقناع الإدارة بجدوى ذلك، ليس من أجل الربح، إنما من أجل السلامة والضبط، وتمت الموافقة على ذلك
    وبناءاً عليه تقرر أن يقوم محاسباً بالوردية لاستلام أي عملات صعبة من دخل المعدات الأرضية
    كما وتم درج ساعات خدمات المعدات الأرضية في ورش صيانة الطائرات (الهانقر) كرصيد دخل للمعدات الأرضية خصماً على ميزانية صيانة الطائرات في حسابات الجدوى، ولكنها لا تضاف إلى ميزانية المعدات الأرضية الفعلية وتظل معياراً لدعم المعدات الأرضية لصيانة الطائرات
    وذات يومٍ في ورديةٍ ليلية، جاءني أحد فنيي التشغيل، وكنت قد وجدت منهم المساندة التامة لما أقوم به من إصلاحات، يخطرني أن طائرة الأمم المتحدة إحتاجت ألى آلة تدوير الطائرة، ولكن لم يكن هناك محاسبٌ لاستلام المائة وخمسين دولاراً فاستلمتها منه وأعطيت قبطان طائرة الأمم المتحدة إيصالاً بذلك وسجلت الوقائع في يوميات الورديات ثم رفعته لأمن سودانير للعلم به.
    كتبت لمدير الإدارة في اليوم التالي بالأمر فوجهني لمدير حسابات سودانير بالمطار، والذي تعذر عن استلام المبلغ لأنه لا نظام لهم لاستلام عملة صعبة نقداً في خزينة حسابات المطار، وطلب تسليمها لوردية المحاسبين، والذين رفضوا استلامها على أنها ليست من مدفوعات تلك الورديات، حتى أبلغت الأمر للمدير العام وتم استلامها في رئاسة الشركة، وكان ذلك بعد شهرٍ من استلامها، وكل تلك المدة هي في عهدتي
    وجاءت حكومة الإنقاذ، وتشريد العاملين سياسياً وكان مصطفى التيجاني أحد هؤلاء الضحايا
    وإلى اللقاء في الجزء الثاني قريباً إن شاء الله























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de