|
|
 "وثبة" إصلاح أم خطبة وداع ؟! .. أبوالبشر أبكر حسب النبي
|
لعزوفي التام عن تلقى الأخبار من مصادر و منابر الإعلام السوداني ،لم أكن أعلم بأن الرئيس السوداني سيلقي خطاباً ، حتى نبهني أحد الأخوة ممن هم على علم بحالتي -عبر الهاتف - بأن أتابع خطاب الرئيس السوداني على القناة الفلانية ففعلت ، ولكنني لم أشأ أن اتابعه إلى النهاية بعد أن تيقنت أنه يتحدث عن " وثيقة الإصلاح الشامل " إذ أقنعت نفسي بأنني سوف أحصل على نص هذه الوثيقة حتما ، خاصة وإنني من الهواة المهووسين بجمع الوثائق ، ففي اليوم التالي قمت ببحث مضن عن ( نص وثيقة الإصلاح الشامل ) في جميع المصادر المتوقعة ولم أعثر على أي شيء ، لا وثيقة ولا وثبة ! .. حينها تأكدت بأنه لا يوجد مثل هذا النص أصلا وإن المقصود بـ" وثبة الإصلاح " هي فقط تلك الأفكار المشتتة التي وردت في ثنايا الخطاب وحمدت الله بأنني لم أضع وقتي في متابعة كلام لا قيمة له و ظل يتردد منذ عشرين عاما .. وهذا الحكم ليس قاسيا؛ قياسا على التعليقات التي قرأتها خلال اليومين الماضيين حول هذا الخطاب حيث أجمعت كلها على هذه الخلاصة المخيبة.
عندما طلب من الدكتور الترابي - الذي تفاجأ الجميع بحضوره لهذا ( الحفل الخطابي ) – أن يعلق على الخطاب قال :"على ماذا نعلق لابد من قضايا نعلق عليها هل سمعتم بسط حريات الإعلام والأحزاب وهل بشرنا بانفراج انا لم اسمع ذلك.... أغفل الحديث عن بسط الحريات العامة او حتى تلبية طموح وأشواق قطاعات الشعب السوداني التي عكستها الصحف السودانية وهي تحلل وتتنبأ بما قد يحمله خطاب الرئيس للأمة ... أن حل المشكلات يتنزل عبر بحث القضايا وتشخيص خيارات الحل الوصول إلى حلول ... البشير لم ينزل إلى واقع الأزمات والحلول وبسط كلاما هكذا ...ان الرئيس بسط شيئا من الشعارات المجردة ..والسلام عليكم وعليكم السلام " !!.
ولكنه استدرك في النهاية وقال : " ان الحوار سيبقى هو السبيل الوحيد لحل الازمات السياسية السودانية. وقال إن حزبه موافق على دعوة الحوار دون شروط ، ...أي من يريد ان يحاورنا لا باس وليس لدينا شروط للحوار فقط سنبسط أوراقنا والقضايا "،.
كما ذهب غازي صلاح الدين ذات المنحي بعد أن عبر عن خيبة أمله واعتبر أن اعتماد مفاهيم (الحوار) و(الإصلاح ) كركائز في خطاب المؤتمر الوطني هو النقطة الإيجابية الوحيدة في الخطاب .
أما أغرب تعليق قرأته حول الخطاب فهو ذلك الصادر من مصطفى عثمان اسماعيل مستشار الرئيس الذي عزى (خواء) الخطاب إلى (العجلة ) التي اضطر إليها الرئيس نتيجة لحالة التهيئة ورفع سقف التوقعات التي تولتها الصحافة والإعلام ، فهو عذر أقبح من الذنب ، لأن خيبة الأمل التي ترتبت عن هذا الخواء أمضى أثرا من حالة التهيؤ والترقب التي عاشتها الجماهير .. جاء إلى مكتبي من يقول أنه كان يتوقع أن لا يكتفي الرئيس بالاعتذار عن الظلامات التي سامت الشعب السوداني خلال الخمسة العشرين عاما الماضية وإنما يقر بخطأ انقلاب عام 1989م أصلا ويدعو السيد الصادق المهدي لتسلم أمانته وأن يسعى جاهدا لإنهاض الحياة الديمقراطية من جديد !!. هذا هو الجانب الرسمي (Formal) من الخطاب ولا داعي لتكرار مزيد مما قيل .
بيد أنه ثمة جانب غير رسمي (Informal ) قد أغفله كثير من المعلقين ، ففي الدقائق القليلة التي ظللت فيها منصتاً لحديث الرئيس لفت انتباهي وأثار اهتمامي شيء آخر غير حديثه ويتمثل ذلك في الهيئة التي ظهر بها الرئيس ، فمجرد تفرس وجهه وهو يلقي خطاب لا تستطيع القبض على ملامحه الحقيقية إذ ينهال عليك سيل من علامات الانهاك و أمارات الإعياء التي تغطي جميع تعابيره وعباراته حيث تخرج الكلمات من فاه متثاقلة ومتلعثمة و قد انهزمت قدرات اختصاصي " الماكياج " الذي يشتغل في وجهه ( حسب تعبير مسئول المكياج للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الذي قال مرة "أنا بحكم أنني اشتغل في وجه الرئيس يجب عليّ أن لا أخطأ ولو خطأ يسيرا ") فقد تهدلت الجفون و تراخت الشفاه وجحظت العينان وكسا الوجه كله آيات الامتعاض من ألم مكتوم .. إن الأعمار بيد الله ولا ريب .. وإن لكل أجل كتاب بدون شك.. و لا مشاحة إن الموت يدركنا جميعا ولو كنا في بروج مشيدة.. وأن لا حيلة مع المرض ( كما يقول الرئيس الجزائري بوتفليقة الذي ظل يحكم البلاد من فراش المرض / الموت منذ سنين عدداً كأن أرض مليون شهيد قد عقمت ولم تنجب غيره !) هذا كله صحيح .. ويجب أن لا يحاول أحدكم أن " يشمشم " رائحة الشماتة أو الشتيمة فنحن لا نشمت ولا نشتم العليل والسقيم مهما كانت درجة خلافه السياسي معنا ، وإنما نصف حالة مجردة وهذا الوصف قد يصيب ويمكن أن يخيب بنفس الدرجة .
في العام الماضي سألني أحد أخوة قائلا ما رأيك في الأنباء المتواترة حول إصابة الرئيس السوداني بداء عضال ؟ قلت إذا صحت تلك الأنباء اعتقد أنه لن يعيش أكثر من عام ..و رغم أن هذه النبؤة لم تصدق ولكني مازلت على اعتقادي بأن إنهاك الداء قد بلغ مداه .
قد يقول قائل إن ما لاحظتها هي مجرد علامات التقدم في السن التي طالت (ضابط المظلات ) لكنني مدرك للبون الشاسع بين أعراض المرض وآيات الشيخوخة فأنظر مثلاً إلى تلك ( الرشاقة ) .. التي تبدو على (الثمانينين ) السيد الصادق المهدي (رغم أن ظهره قد احدودب ) ونسيبه الدكتور حسن الترابي ( أذكر أن أحد الصحفيين قد تسائل قبل سنوات عن سر رشاقة الترابي في هذا السن )!.
على كل حال ، من دواعي الحكمة أن يحضّر الجميع أنفسهم لفترة الغياب (الأبدي) للرئيس الحالي .
|
|
 
|
|
|
|
أبو البشر أبكر حسب النبي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست