|
قلعة من قلاع السِحر
|
قلعة من قلاع السِحر
أتريد أن تحرق جسدك، كما في سالف العصر و الأوان ؟ ، أم تريد أن تُدخلك الموبِقات أسفل سافلين ؟ ...عندها تطرق بوابة السِحر العظيم ، عُدة طرقات :ـ ــ من الطارق ؟ ــ ضعيفا يطلب العلم و القوة . ــ لا يلج الضعفاء دارنا . ــ إنني طالب علم ، أتأذن لي ؟ ــ أتطلب الحكمة الكبرى ؟ ــ نعم . ــ أتريد أن تدخلك الموبقات إلى رواق الجحيم ؟ ــ لماذا ؟ ، أنا طالب علم . ــ علومنا منذ الأزل ...لكن اللعنة تطاردنا . من يكرهنا لن يدخل دارنا. ــ إني لا أعرف عنكم ، قرأت و المعرفة قاصرة ، فقلت في نفسي ربما تفتح داركم أبوابها للغرباء مثلي . ــ نشترط على زوارنا ، فنحنُ لا نحب المتطفلين لأنهم يفتحون علينا بوابات العذاب من جديد. ــ لنرى تلك الشروط قبل القبول . ــ لا تُلِح في السؤال ، و لا تحكي ما سوف ترى . تدخل وحدك ، و تخرج وحدك , و لا نريد غرباء لا نعرفهم . ــ..... موافق. صوت كأنين الساقية ، ثم فُتحت البوابة العتيقة . توجست خيفة و ترددت . إني أعبر الآن من الشمس المشرقة ، إلي ما يشبه الظلام المحزن . خطوت بطيئاً إلى اليم ...موج مخيف ، روائح غريبة ، بخور طمرته الرطوبة و القِدم . رائحة فرو ماعز تقترب مني ، رجلٌ مُهيب ، تبرق عينيه و على يده اليُسرى مصباح ذ يتي ، و لا ريح . أمسك بيدي ، و نفذت نظرة منه ثاقبة ، ولا وصف يجول في خاطري عنها . شيء من الجاذبية و خليط من الابتسام و التفحص ، كمن يعرفني منذ القِدم : ــ أهلاً عبد الله . أدهشتني المفاجأة ، أ يعرف الاسم و أنا أراه أول مرة ! . مشيت برفقته برهة ، ثم تحدث هو ببطء : ــ هذه القلعة ، ابتنيناها ، هرباً من غلاة أعدائنا . دخلت إلى غرفة أشبه بالكهف . شربت كأساً بعد تردد . طعم غريب ، لا خمر هو و لا مخدّر . أخلاط من الفاكهة المعتقة ، لم أميزها . ــ لا يتسق منهاجنا بالحجج المنطقية ، لا تسأل عن كُنه الأشياء ، بعضها لا ندري كيف تعمل ،أ و أي فضاء هي تسلك ، و لكننا نعلم كيف نتودد إليها . الطريق بعضه مضاء ، إلا أن الظلام هو السيد هنا . لا تستمع لمن يتحدث عنا . خُذ الحكمة من أفواهنا . بين البصر و"البصيرة" مُتسع لننسج فسيفساءً مزهرة . نحن نسبح في بحر النفس البشرية ، و غيرها من الكائنات الدنيا . تطلعت حولي ، الحوائط و الأسقف ، رؤوس مُحنطة . رأس نَمر بكامل تفاصيل وجهه، و البقية جلدٌ سميك و أظلاف . روائح غريبة تشد ذهنك إلى انتباه مُطلق . التعبير اللغوي الدقيق ، بصيغة شبه آمرة . فتجد شخصيتك كأنها تذوب في طقسٍ غريب ، و الخلفية إيقاع رتيب حولك . رويداً... بدأت الأصوات تخفت . و الحديث أقرب للحُلم . ــ أهذا مُخدر ؟! ــ ما شربته من عصير الفواكه، لا يُدخلك عالمنا ، لكن حديثي سوف يُعجبك و يدخلك برغبتك . تعال إلى اللحظة السحرية .أتعلم أننا ننظر فيما وراء الطبيعة التي يعرفها الجميع . نساعد الناس على تقبل الحقائق و الوقائع المعروفة في كافة أرجاء المعمورة منذ آلاف السنين ! . عينيه مركزةَ إلى وجهي ، وهو ينظر إلى العين اليُسرى ...يُحدّق ، و بدأ : ــ يا عبد الله ، لا تفكر في شيء . تحلل من الأربطة الغليظة التي تتزر بها ، ألا ترى الثياب التي عليّ ، تلتف حولي بيسر . إنها تطوق الجسد ، تحضنه برقة . أنت ثيابك تشتد على جسدك ، تُخرب مجرى السيال الحيوي في خلاياك ، وتُُضيّق الخِناق على الروح . جسدك في حاجة للراحة ...أنت مُتعب . تقلبت على جمر الحضارة البائسة ، فهصرت روحك . أسدَلت على بصيرتك الحُجب ، قلبك لا يخفق إلا عند الخوف أو لحظات العِشق أو عندما تُرهق جسدك . لا يتحرك قلبك بعُنف إلا عند الأقاصي و النهايات . أريدك أن تسمع ضربات قلبي ، و أنت في مكانك . أريدك أن تسمع دبيب النمل و أنت في مقعدك. أنا سمعت أزيز ماكينة سيارة كانت تُقلك ، أنزلتك ثلاثة أميال قبل أن تصل أنت إلينا . سمعتك تتحدث إلي السائق . كُنا نعرف مقدمك ، وبعض حاجتك . قرأت صفحة من صفحات عقلك و عرفت بعض ما ترغب و أنت هناك. تعجبت ، ملأت الطمأنينة نفسي ، كأنها تألف هذا الماثل أمامي . كأن خيط من الذاكرة يربطني به . كأنني أعرفه منذ زمان . ـــ أنت مُتعب ...أرخي عضلات جسدك ، و تمدد على هذا المقعد العتيق ، إنه مريح . أمدد رجليك و لا تفكر في شيء ، سوف أمنح عقلك نصيبه من الراحة ، و جسدك أيضاً . عندها ستنشط روحك . ــ نعم، أنني بالفعل في حاجة للراحة . ــ جسدك ثقيل ، تراخت مفاصلك ...رويداً رويداً . يداك ثقيلتان..رجليك كذلك . جسدك يريد الراحة و النوم . ــ نعم أنا أحس بتداعي الجسد إلى الراحة . ــ خُذ نفساً عميقاً .... و زفيراً كاملاً ... أطرد هذا القهر عبر رئتيك . أنت الآن تبدأ رحلة الراحة . إن المركِب تغادر ببطء . جسدك يرتخي ... الأصوات حولك تتلاشى ، و الأضواء تخفُت . الآن لا تسمع إلا صوتي . أنت تدخُل بركة النوم من بوابتها الكُبرى . النعاس هو المبتدأ . جفناك ثقيلتان ... خذّ نفساً عميقاً ... و أحسب معي من واحد إلى عشرة ...عندها تنام نوماً عميقاً . ــ نعم.. نعم ــ واحد ... اثنين ... ثلاثة . اغمض جفنيك و خُذ نفساً عميقاً . ثلاثة ..أربعة ...أنت لا تسمع سوى صوتي ....أنت تنام نوماً هادئاً ... أعمق.. أعمق أنت تدخل النوم العميق ...خمسة ...ستة ...سبعة...ثمانية ...تسعة ... عشرة ... أتسمعني ؟ ــ...... نعم . ــ أتذكر أول من أحببت ؟ ــ ...نعم . ــ صِف لي وجهها أول مرة . ــ ............................ ــ انظر القرص المُشِع ، و صِف لي ما ترى. ــ ............................ ــ ثبت نظرك إلى قرص الوجه . ــ......أي الصباحات تلك التي أطلت !. في العيون كُرة عسلية اللون ، و في قلبها ثُقب صغير . الفرح يقفز من تلك الكوة إلى وجهي . ــ بماذا تحس ؟ ــ إنها التي ملكت شغاف القلب . ــ أين اللحظة السحرية ؟ ــ هي ما يسمونها " الحُب من أول نظرة " . أشرق العالم بفضاءاته الرحبة ، و غسلتني ملائكة الرحمة بالماء القراح . صار للماء لون و طعم و رائحة . ــ صِف لنا ، أين أنت؟ ــ إنني أسبح في سماءٍ صافية . ـــ الآن رأيت أفراحك القديمة . ــ نعم ...قلبي يقفز عن صدري و لا أملك نفسي ..ما أروع هذه الدنيا ! ــ امدد يدك اليمنى إلى أعلى ... نعم كذلك .. إلى أقصاها . ــ .......( يرفع يده اليمنى إلى أقصاها ) ــ أريد لعقلك و روحك أن تخرج عن جسدك ، و ترتفع أعلى أصابع يدك اليمنى ...، قُرب السقف . ــ ....................... ــ أين عقلك و روحك الآن ؟ ــ ....إنهما أعلى جسدي ، قرب السقف . ــ انظر أنت إلى جسدك الملقى على المقعد العتيق ....ماذا ترى ؟ ــ أرى جسدي ساكناً على المقعد و يدي ممدودة إلى أعلى ، و لكنها أسفل روحي و عقلي . ردد الساحر كمن يحدث نفسه :ـ ــ نحن نفتح شهيتك للحديث... يالطيبتك ! ، خطوة .. خطوة حتى صرت أسيراً لدينا . اليوم سوف نتسلل إلى ذاكرتك ،نقرأ ماضيك منذ الميلاد ، و ربما قبل ذلك . عقلك الخفي كله الآن إلى النور ، رهن إشارتي . سأبدأ بنواياك الحقيقية نحونا ، إنها ضرورات الأمان و الطمأنينة ، و من ثم نستطعم من مائدة تاريخك الدسم .
عبد الله الشقليني
|
|
|
|
|
|