|
Re: مقاربة سوسيولوجية وتاريخية ومفاهيمية//// تأليف د. فالح عبد الجبار (Re: Sabri Elshareef)
|
كيف تكون الديمقراطية وكيف لا تكون؟ لقد أضحى تعريف الديمقراطية أمراً إشكالياً. والتعريف عويص، نحن معتادون على أن نقول أن هذا ليس بديمقراطية، أي أن نقول أن الشيء ليس كذا، وأن المنظومة ليست كيت. ولكن هذا لا يخبرنا شيئاً عن ماهيتها في الحقيقة. نحن نقول مثلاً أن لون المادة، وهو واحد من محمولات عديدة، ليس أحمر ولا أبيض أو أسود. إن هذا النفي قد يستمر إلى نهاية طيف اللون المحتمل والتركيبات المحتملة حتى نصل عبر صور نفي لا حصر لها إلى اللون المطلوب. ولكن حين نقرر بأن اللون أبيض فنحن ننفي في الواقع وجود كل الألوان الأخرى وتركيباتها المحتملة. لذلك ففي المنطق الكلاسيكي لم يكن النفي تحديداً منطقياً (لا تعريف)، بينما التحديد (التعريف كان نفياً شاملاً للخواص والمحمولات والشروط ليست ذات العلاقة بالأساس لشيء معين أو جوهر معين. وما ينطبق على الأشياء المفردة، يمكن أن ينطبق على النظم المعقدة. من بين المحاولات المثيرة لتعريف ماهية الديمقراطية من عدمها نجد أن كتابات فيليب س. شميتر وتيري لين كارل: "كيف تكون الديمقراطية وكيف لا تكون"، مفيدة في هذا الباب. وأن تحليل الديمقراطية إلى أجناس مقارنة نجد أفضل شرح له في كتاب هيلد: "أنماط الديمقراطية".
إن الديمقراطية التمثيلية الدستورية التي تشمل كل الطبقات والجماعات والأعضاء في وحدة حديثة من التنظيم السياسي أي الدولة ـ الأمة، هو نظام جديد ينتمي إلى مرحلة متقدمة من العصر الصناعي ولا سابق له قبل هذا العصر. أما أنظمة التمثيل الضيقة فقد سبقت بظهورها الديمقراطية الحديثة، وكذلك مسألة تقسيم السلطات وأيضاً نظام القضاء المستقل أو التعددية. إن استقلالية التنظيم الاجتماعي عن الدولة هي أيضاً ميزة سبقت نشوء الديمقراطية. مثال ذلك، في العصر الزراعي كان المجتمع منظماً في جماعات متشظية منفصلة، ومغلقة، أو منظماً على شكل دول ـ المدينة، التي كان مراتبها البطرياركية مستقلةً. لكن هذه التنظيمات الاجتماعية لم تستبعد المساواة السياسية فحسب بل أخضعت الفرد وقيدته بأغلال الانتماء القرابي أو المحلي. لم يكن للغرباء والعبيد الحق في الاقتراع في أثينا؛ وكذا كان حال النساء والطبقات غير المالكة في الديمقراطيات المبكرة. لقد أنتجت المرحلة الصناعية وعززت مجتمعاً يقوم على طبقات وجماعات مفتوحة، متغيرة ومتحركة، على أساس المساواة السياسية التي لا تلغي التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية. إن الديمقراطية ليست مُثُلاً أو مبادئ مجردة قد يطبقها المصلح النبيل أو لا يطبقها. هذه المبادئ في شكلها التجريدي هي مجرد تمثلات فكرية للبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المؤسساتية والثقافية والقانونية التي تشتغل على ثلاثة مستويات:
|
|
|
|
|
|
|
|
|