حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 05:10 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-16-2006, 11:50 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(2-5) (Re: احمد ضحية)

    مفاهيم أساسية حول المثقف والسلطة في سلاسل الأجيال :
    (1 -9 ):
    نحاول هنا فحص علاقة المثقف بالسلطة منذ القرن السادس عشر , أي منذ قيام مملكة سنار (1505) , وصولا إلى فترة الاحتلال التركي المصري , ثم قيام الدولة المهدية , فالاحتلال الانجليزي المصري , وأخيرا الحكومات الوطنية المتعاقبة ,.
    بالطبع سنكتفي فقطك بمحطات نرى أنها أساسية , في فحص العلاقة بين المثقف والسلطة في السودان – تاريخيا – علنا نتمكن من إلقاء بعض الضوء على جذور وتكوين هذا المثقف , تعيننا على تكوين فكرة عامة , توضح لنا ما هو عليه الآن , فربما يمكننا ذلك من التعرف على مزيد من الأسباب التي صاغت غيابه الفاجع على عهد الإنقاذ بصورة خاصة .
    بداية إن لفظ مثقف intellectualالذي يتم استخدامه اليوم في العربية المعاصرة, لا يمكن العثور عليه في الأدبيات العربية القديمة, وهو اسم مفعول من الفعل "ثقف"أي بمعنى حذق. إذ جاء في لسان العرب : "ثقف" الشيء "ثقفا" و" ثقافا" و"ثقوفة" : حذقه . ورجل "ثقف" (بفتح الثاء والقاف) وثقف(بفتح الثاء وكسر القاف) وثقف (بفتح الثاء وضم القاف): حاذق.
    إذن مصطلح مثقف هو مصطلح حديث , حيث ترمز intellect إلى العقل في تشكيله أو الفكر في بناءه , ما يعبر عن الميل أو النزوع إلى الفكر , وبذلك يختلف المثقف في تفكيره ورؤيته عن ثقافة المجتمع المحيط culture فالمثقفون هم أولئك الذين يشتغلون بفكرهم في فرع من فروع المعرفة ويحملون آراء خاصة بهم حول الإنسان والمجتمع ويقفون موقف الاحتجاج والتنديد إزاء ما يتعرض له الأفراد أو المجتمع من ظلم وعسف السلطات . سواء كانت دينية أو سياسية (1)..
    قسم غرامشي المثقفين إلى مجموعتين حسب الوظيفة الاجتماعية : " مثقف تقليدي "(الأدباء والعلماء وغيرهم ) = traditional intellectual و" مثقف عضوي " : (المفكر والعنصر المنظم في طبقة اجتماعية أساسية معينة ) = organic intellectual .. وتركيز غرامشي هنا على الوظيفة الاجتماعية يعني دور المثقف في توجيه أفكار وتطلعات الطبقة التي ينتمي إليها , أي القيام بممارسة منتظمة للتفكير في الواقع الاجتماعي والسياسي والمشاركة في تغييره , وفي هذه الحالة يصبح المثقفون انتلجنسيا intelligentsia ويتسع مصطلح المثقف ليشمل جميع الذين يصنعون الثقافة ويحملونها ويطبقونها , بل يعول اليسار الجديد على دور الشباب والطلاب كثيرا . مثلما يشمل المصطلح الخبراء والعقائديين النظريين والفلاسفة أو المفكرين والفنانين والصحافيين ورجال الإدارة والوظيفة.
    هنا ثمة تمييز يضيفه دكتور حيدر إبراهيم بين المثقف الخلاق والمثقف الذي يقتصر نشاطه على نشر الأفكار وتطبيقها . الاثنان من النخبة المثقفة ولكن الانتلجنسيا هي التي تحصل على نصيب كبير في مراكز القوة والامتيازات (2)..
    مما تقدم نلاحظ أن مصطلح مثقف من أكثر المصطلحات التباسا , إذ من الخطأ أن نخلط بين التراتبية والنخبوية , فمفهوم المثقف ضبابي بما فيه الكفاية . وكثيرا ما يخلط بينه وبين مصطلح الطليعة والتي هي مسألة مختلفة . فالنخبوية هي إيمان بسلطة قلة مختارة , أو مرجعيتها مما يشير عادة وعلى المستوى الثقافي إلى أن القيم هي حكرا على هذه الجماعة سواء كانت قد اصطفت نفسها بذاتها أو غير ذلك , مستمدة سلطتها أو مرجعيتها من مكانة غير موقعها الثقافي (خلفيتها الاجتماعية أو الدينية مثلا ..) أو من نفوذها الثقافي وحده , ومثل هذه النخبوية كما يشير تيري اينغيلتون لا تتعارض مطلقا مع ضرب من الشعبوية (3) .. ثمة ملاحظة مهمة نرغب في التأكيد عليها هنا, إذ نعني تحديد بالمثقف – في هذه الورقة – المثقفين المنظمين في قوى سياسية, والمثقفين الذين لم يسبق تنظيمهم, أو كان التنظيم مرحلة في حياتهم.
    ( 2 -9 ) :
    إذا استلهمنا بعض المعاني المهمة التي تتضمنها نظرية المجايلة التاريخية (4) في تحقيب التاريخ على أساس الوحدات الصغرى من سلاسل الأجيال , فان مصطلح generation هو الوحدة التاريخية الصغرى المقدر عمرها بثلاثين سنة وعليه فان الفضاء الثقافي والمعرفي السوداني عاش 17 جيل أي 17 وحدة تاريخية صغرى . إذا وضعنا في الاعتبار الجيل الحالي (1985 – 2015) وصولا – تنازليا – إلى الجيل المؤسس لمملكة الفونج (1505) .
    بلغة أخرى نجد أن الأجيال الثلاثة الأولى هي: (1505 -1535) – (1535 – 1565 ) – (1565 – 1595).
    والأجيال الثلاثة الثانية: ( 1595 – 1625) – (1625 – 1655) – (1655 – 1685).
    والأجيال الثلاثة الثالثة: (1685 – 1715) –(1715 – 1745) – (1745 – 1775)
    والأجيال الثلاثة الرابعة 1775 – 1805) –(1805 – 1835) –( 1835 – 1865).
    والأجيال الثلاثة الخامسة: (1865 – 1895) – (1895 – 1925 ) – (1925 – 1955).
    والأجيال الثلاثة السادسة: (1955 – 1985 ) –( 1985 – 2015) – ( 2015 – 2045).
    حيث تمثل كل ثلاثة أجيال وحدة تاريخية كبرى في سلاسل الأجيال .مع ملاحظة أن نقطة البداية الفعلية ليست تلك اللحظة التي تكونت وتشكلت فيها سلطنة سنار (1505) فتاريخ السودان ابعد من ذلك بكثير , يمتد إلى العصور القديمة التي تمخضت سيروراتها عن كوش ومروي اللتين تمخضتا بدورهما عن سنار والفاشر بطريقة أو أخرى . فهذه الممالك – في تقديري الخاص – هي نتاج عملية ثقافية واجتماعية وحضارية متصلة.
    فاختيارنا إذن للحظة الفونج تأسس على أنها دولة تشكلت نتاج تحالف (اثني طائفي ) = (عرب القوا سمة العبدلاب +الفونج + المتصوفة "المثقفين")وحراك اجتماعي واسع ..
    كل ذلك تمخض عن شكل مؤسس لسلطة سياسية ولمجتمع منظم.جمعت فيه طوائف المتصوفة مختلف الأعراق , ومثل الشيوخ (الفقرا = الفقهاء أو العلماء) الطليعة المثقفة التي تستمد من نفوذها على الشعب ,. تأثيرها على السلطة السياسية . التي كانت تحسب لهذه الطليعة المثقفة ألف حساب , فتمنحها الكثير من الامتيازات . التي لم تتمكن بها – مع ذلك – حرفهم من دورهم القائد للمجتمع . فقد تمكن هؤلاء المثقفين (الفقهاء) من حفظ المسافة بينهم وبين السلطة السياسية, وانتزعوا اعتراف الحكام بدورهم الفاعل في المجتمع, حتى أصبح يطلق على القرن الثامن عشر (عصر الفقهاء) (5)..
    (3 – 9) :
    وبسقوط دولة الفونج وبسط الاحتلال التركي المصري لنفوذه على السودان , تغيرت العلاقة بين المثقف(الفقيه) والسلطة , فحكومة الاحتلال الجديدة (التركية المصرية ) عملت على توظيف الدين لإعطاء مشروعية للاحتلال . ولهذا السبب بالتحديد اصطحبت جيوش الاحتلال معها ثلاثة علماء يمثلون المذاهب المختلفة (باستثناء الحنبلي). وهكذا – كما يشير دكتور حيدر – ظهر لأول مرة (العالم – الموظف) الذي يتقاضى أجرا من الدولة بدلا عن تطوعه في المجتمع كما في السابق . بالتالي أصبح (العالم) جزء من جهاز الدولة الإيديولوجي , وأداة لتحقيق شرعية الاحتلال باسم الإسلام . وللتأكيد على ذلك تم قتل العلماء المناوئين للاحتلال بحملات الدفتردار الانتقامية . ومع ذلك لم يكتسب العلماء(الرسميين) أي أرضية عامة بين الشعب. لكن انتهى مؤقتا دور (العالم – الصوفي) , الذي يقف حاجزا بين السلطة الاحتلالية الغاشمة وبين الجماهير التيس لم تكن لديها القدرة الذاتية على حماية نفسها (6)..
    ( 4 -9 ) :
    وعندما اندلعت الثورة المهدية , أخذت الانتلجنسيا المعاصرة للاحتلال (والتي كانت قد تلقت تعليما أزهريا ) تحاول دحض المهدية بإصدار الفتاوى التلفيقية , أي قامت بوظيفتها العضوية , إذ كانت على استعداد تام لتقديم سائر التسهيلات الدينية للمحتل . ومع ذلك , نجحت الثورة المهدية .
    فقد كان محمد احمد المهدي تجديدا لنموذج الفقيه أو رجل الدين المناهض للظلم (7) بتحديه علماء السلطة الذين تراكضوا لكسب ود الاحتلال , وهنا يستنتج دكتور حيدر انه ليس بالضرورة أن المثقفين طليعة حين يكون التناقض بين المصالح الشخصية وبين الأفكار والمعرفة والمواقف الملتزمة , إذ من الممكن أن ترجح المكاسب الذاتية (..
    (5 – 9) :
    عملت المهدية على توجيه مصادرها وتقليل احتمالات الاختلاف والتنوع الفكري والثقافي, ما أنتج وجود نوع من الفراغ الثقافي والفكري., استطاع الاحتلال الثنائي الانجليزي المصري فيما بعد استغلاله بزرع انتلجنسيا ذات توجه مختلف ومصالح جديدة , يمكن رؤيتها ورؤية ممارساتها فيما بعد الكولونيالية بوضوح , إذ تحولت الحكومات الوطنية بعد خروج المستعمر إلى مستعمر جديد .
    وإذا أعدنا قراءة الفترة من منتصف القرن التاسع عشر حتى الآن أي الفترة من 1863 التي تم استهلال التعليم المدني (الابتدائي) وتعليم الإرساليات فيها. إلى أن تم تكوين التنظيمات في الجيل 141895 – 1925) نلاحظ انه منذها بدأت تتبلور المرحلة الليبرالية الوطنية التي رافقتها تأثيرات الأفكار الوحدوية (وحدة وادي النيل) واليسارية والقومية العربية حتى 1985 وصولا إلى مرحلة المركزيات الاثنية الراهنة (جبال النوبة – جنوب السودان – شرق السودان – دارفور ) .
    نلاحظ أيضا على المرحلة السابقة . أي الجيل 13 1865 – 1895) أي جيل الاستنارة – إذا جاز لنا استخدام هذا التعبير – الذي شهد جملة من التحولات التاريخية الصعبة , فقد كانت الأصداء المتلاشية للسقوط المدوي والمروع لمملكة سنار لا تزال ترن في مسامع هذا الجيل الذي اضطهد الاحتلال التركي المصري طليعته المثقفة , وقام بحملات تصفية واسعة النطاق في أوساطها . ثم جاءت المهدية لتحاصر من تبقى من الطليعة المثقفة باعتبارها البحر الكبير الذي يغمر موارد الماء الصغيرة !!!..
    (6 -9) :
    وببسط الاحتلال الانجليزي المصري لهيمنته على أنقاض الدولة المهدية أدرك الفقهاء والشعب أن التغيير الذي حلموا به إنما هو برق خلب , حال سماء الغزاة في كل زمان ومكان لا تمطر سوى الرصاص .
    وباستئناف التعليم الابتدائي وافتتاح كلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم فيما بعد ) بدأ الجيل 14 – الذي اشرنا إليه فيما سبق – عهد التنظيمات إذ حدث تغيير جوهري مهم في هذه الحقبة , لم تعد الطليعة المثقفة هي تلك الطليعة التي أنتجتها الثقافة التقليدية (الفقهاء الأزهريين أو الذين درسوا في خلاوى القرآن ) ثمة طليعة مثقفة جديدة هي التي تتلقى تعليم مدني سرعان ما ستتشكل وتستثمر معارفها الجديدة .
    ولذلك جاءت المقاومة للمحتل عبر الجمعيات الأدبية والوطنية والشعر والغناء, فبرزت في هذا السياق أسماء لامعة مثل خليل فرح (1894 – 1932)الذي كان رؤساءه ينظرون إليه بحذر لاتصاله بأعضاء جمعية اللواء الأبيض (توفيق احمد البكري , توفيق صالح جبريل , بشير عبد الرحمن ,عبيد حاج الأمين , الخ )ومع خليل فرح ظهر غناء النخبة المثقفة(خريجي كلية غردون التذكارية والمدارس الحديثة , غناء الخاصة أو غناء الصالونات كما أطلق عليه وقتها , وكان هذا النوع من الغناء مميزا بموضوعاته الاجتماعية والسياسية , ولا يزال السودانيين حتى الآن يتغنون بأغنيته الخالد (عازه في هواك ) التي انطوت على المشاعر المتفاعلة بين "عازه" – الحبيبة – الوطن . وعاشقها المناضل الجسور:
    - عازه في هواك نحن الجبال + ولليخوض صفاك نحن النبال
    - عازه ما سليت وطن الجمال + ولا ابتغيت بديل غير الكمال..
    وفي ذات السياق برز اسم الشاعر عبيد عبد الرحمن الذي كان مميزا بشعره السياسي , وهكذا كانت مسيرة الشعر "الحقيبة" بصفة خاصة تعكس بطريقة أو أخرى منذ جيل محمد ود الرضي (1865 – 1982) , إبراهيم العبادي – الذي كان رائد في فن المسرح الشعري = مسرحية المك نمر التي كتبها في 1927 , مرورا بجيل خليل فرح وعمر البنا ووصولا إلى جيل عبد الرحمن الريح ومحمد عوض الكريم القرشي (1924 – 1969) ومحمد بشير عتيق (1914 – 1992) - .. نعم هكذا كانت هذه المسيرة بطريقة أو أخرى تعكس التوق للتحرر وبناء الدولة الوطنية..
    وفي هذا السياق برزت حركة اللواء الأبيض (1924) تعبيرا عن أشواق الجماهير للحرية . مثلت حركة 1924 علامة فارقة , إذ حولت مفهوم المقاومة للظلم من إطارها ومفهومها التقليدي الإصلاحي الديني بزعامة رجال الدين منذ الجيل المؤسس(1505) إلى حركة مقاومة سياسية يقودها خريجي التعليم المدني والعسكري (علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ ورفاقهم في جمعية اللواء الأبيض ) . هذا التحول العميق سيلقي بظلاله على تاريخ السودان بعد الاستقلال (التحالف المستمر بين العسكر والمثقفين المدنيين = عبود وحزب الأمة 1958 نميري والحزب الشيوعي 1969 عمر البشير والترابي 1989) .
    هذا التحول الذي أحدثته ثورة 1924 في الدمج بين مفهومين مختلفين (المثقف المدني) و(العسكري) خلق لاحقا – في تقديري الخاص – نوعا من العلاقة الملتبسة بين القوى السياسية المدنية والجيش. في الفترات التي تلت الاستقلال .
    (7 – 9) :
    هذا التحول العميق لمفهوم المثقف في السودان , والذي أحدثته ثورة 1924 هو ما فتح – أيضا – الرؤى والأبواب لنشؤ مؤتمر الخريجين فيما بعد 1938 . لذلك أتصور أن عصر التنظيمات ممتد في الجيل التالي أي الجيل 15 1925 – 1955) , فقد بدأت مجهودات رائد التعليم الأهلي بابكر بدري , التي استهلها في 1910 في الإثمار , كما أن المدارس انتشرت .وتلقى البعض تعليما مدنيا في كلية غردون ومصر وأوروبا وهكذا برز دور المثقف الليبرالي إلى السطح بقوة متمخضا عن نضج الجمعيات الأدبية والاجتماعية .
    كانت هذه المرحلة التي بدأت ملامحها تتضح في العشرينيات من القرن الماضي مرحلة قوية لجيل ما بين الحربين العالميين , ستظل تلقي بظلالها حتى الستينيات التي تمخضت عن ( جبهة الهيئات ) التي كانت في احد أوجهها محاولة لفك الالتباس في مفهوم (المثقف ) (العسكري) .
    فعاليات جيل ما بين الحربين العالميين التعليمية والعلمية والتوعوية والفنية والثقافية والأدبية , عبرت عن نفسها في الشعر والغناء لتصل ذروتها في ثورة (1964) ..
    كما كانت تعبر عن نفسها منبريا من خلال مجلة الفجر وحضارة السودان ..
    إذن منذ 1924 طبعت الحركة السياسية والثقافية أهداف استقلالية من كل تبعات الاحتلال. تم التعبير عنها بأشكال مختلفة من خلال التجمعات الطلابية وتضامنيان الجبهة الوطنية المعادية للاستعمار ومنتديات وجمعيات وأحزاب المثقفين وتأسيس أولى الراديكاليات الشيوعية.وهكذا من جدل التلاحم برزت رؤى جديدة في تأويل النص الديني (محمود محمد طه) مختلفة عن التأويل التقليدي , فمع محمود محمد طه كانت الحرية هي القاعدة التي ينهض فيها الإسلام , وكان العقل – لا الوجدان فحسب – مصدرا للحصول على المعرفة .لا يقل أهمية .
    هذا الزخم من الرؤى والأفكار والنشاط وصل إلى مداه معلنا طرد المستعمر من داخل البرلمان في 1956.
    ( 8 – 9 ) :
    وهكذا تبدأ مرحلة جديدة من تاريخنا الوطني مع الجيل 16 : ( 1855 – 1985) فقد برز دور المثقف إلى السطح بقوة اكبر في كل مناشط الحياة , ووصل ذروته في ثورة أكتوبر 1964 . الشعبية الهادرة. التي أطاحت بحكم الفريق عبود – الذي كان قد تمت مباركته من حزب الأمة في 1958 – لكن يلاحظ على هذه الفترة أيضا أن دور المثقف مثلما برز بقوة من خلال الطلاب والأحزاب السياسية وجبهة الهيئات (التكنوقراط) انحسر فيما بعد كذلك بقوة , إذ سرعان ما انسحب معظم جيل ما بين الحربين العظميين إلى الوراء مفسحا الطريق لصعود جيل جديد يحتوي على ألوان الطيف السياسي المختلفة . فهذه المرحلة تجاذبتها أشواق اليمين الطائفي وتطلعات اليسار( الشيوعي والقومي العربي) والقوى الاسلاموية التي كانت قد أكملت تشكلها في "حظيرة" الطائفية , فغادرت هذه الحظيرة , معلنة بدء المذابح السياسية والعسكرية , والمذابح وسط المثقفين بصورة عامة ( اتهام الطالب شوقي , معهد المعلمين بالردة 1966 – وطرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان على خلفية هذا الاتهام . وإعدام عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب الشيوعي وأعضاء سكرتاريته في 1971, ولاحقا إعدام محمود محمد طه 1984 تطبيقا لحد الردة , فمحاكمة البعثيين الأربعة بذات التهمة 1984,وإعدام 28 ضابطا اثر انقلاب رمضان 1990الخ ) مع تنامي هذه الاتجاهات في التفكير لعدة عقود واستمرار التشجيع للعسكريين على الانقلاب على العهود الديمقراطية قصيرة الأجل , وتقويض الروح المدنية التي لم يشتد ساعدها , تم اشتراع أكثر الآليات جذرية الفترة من الستينيات حتى الثمانينيات من القرن الماضي لتصفية المثقفين , سواء كان بالدعاية المضادة أو الإعدامات العسكرية وإعدامات ما أطلق عليه نميري العدالة الناجزة .
    وهكذا بدا دور المثقف في التراجع . خاصة أن السبعينيات مثلت بدايات الاغتراب والهجرة المنتظمة من داخل السودان إلى خارجه . ليأتي عقد الثمانينيات وتجد الحركة الاسلاموية المسرح مفتوحا لها دون مقاومة فاعلة , إذ عملت منذ المصالحة الوطنية في 1976 على احتواء نظام نميري وتصفية المثقفين وإضفاء مشروعية لهذه التصفية التي تم استخدام نميري أداة لتنفيذها .
    هكذا أخلت الحركة الاسلاموية المشهد من المثقفين الفاعلين في الحركة السياسية , وأضعفت المحتملين المتبقين ممن بقدرتهم مقاومة خطابها التلفيقي فعم الفساد الاسلاربوي بدمج التنظيم في جهاز الدولة ومؤسسات الاقتصاد الوطني . وغيرها من الأمور التي تكفي لإدانة الحركة الاسلاموية دون محاكمة والعمل على اجتثاثها نهائيا .
    إذن أشرت أواخر الستينيات على بدايات الغياب الفاجع للمثقف العضوي. ما جعل المرحلة التي تلتها أي منذ 1985 تعج بمتناقضات وتعقيدات عجز المثقف المنهك نتيجة القمع والتشريد والحياة السرية تحت الأرض من التصدي لها.
    فهناك ضغوط كبيرة تعرض ويتعرض لها المثقف في السودان , فالأجهزة الأمنية تلاحقه كونه أداة تحريك للجماهير وقادة الأحزاب المعارضة يسعون جاهدين لاقصاءه وتهميش دوره , ففي لا شعورهم أن المثقف يشكل تهديدا مباشرا لمراكزهم الحزبية – كثيرون هم السياسيين الذين لا يجيدون السياسة كفن وتخصص قائم بذاته , باعتباره احد أنماط الثقافة , ومعظم السياسيين السودانيين انخرطوا في العمل السياسي بدوافع ذاتية أو قبلية أو طبقية أو بيوتاتية دون أن تكون لهم دراية كافية أو فهم عميق لماهية الفكر الذي يؤطر فعلهم السياسي في المجتمع , على عكس المثقفين – بسعيه للكشف عن جهلهم أو تعرية فسادهم وأخطاؤهم .
    كذلك التيارات الاسلاموية تترصد المثقف فتدبج الفتاوى بحقه أما تهديدا أو تغريبا عن المجتمع , بحيث انه أصبح من الصعب على هذ1ا المثقف المحاصر من كل الاتجاهات أن يتمكن من إشعال ثورة حقيقية .
    (9 – 9 ) :
    هل لنا أن نتساءل بعد : كيف آلت الأمور إلى هذا الدرك ؟!..
    لقد مثل نظام نميري 25 مايو 1969 اخطر العلامات الفارقة في تاريخ السودان الحديث , وفي أوضاع ومتناقضات وخطابات وحروب ومؤثرات يعاني منها السودان والمثقف السوداني حتى الآن , فنتيجة للقمع المايوي تم إضعاف المثقفين لأقصى حد , وعلى الرغم من واقع الاغتراب والهجرة خارج السودان والتشريد داخله تبلورت النخب المثقفة – سواء من تبقى في الداخل أو الذين فضلوا النفي الاختياري أو الإجباري – أكثر بكثير مما كانت عليه في الأجيال السابقة , بحيث استقطبت جماعات مثقفة ومتخصصة لتؤثر في العقل المركزي للسودان سواء كان من خلال منتجاتها الفكرية التي تمكنت من تأسيس مساحات نشطة وفعالة أو بدورها في قيادة أو توجيه أو الهام قوى سياسية مطلبيه (الهامش) ..
    وهكذا برزت ادوار فعالة بحكم عدد من آليات التطور والانفتاح على الثقافات الغربية . لكن رافق ذلك زيادة نفوذ الاسلاموية , دون حاجة للاستتار خلف العسكر كما في عهد نميري , بل تم تسخير المؤسسة العسكرية لحماية ظلاميتها العلنية دون حرج ..
    - يتبع –
    هوامش :
    (1) دكتور سيار الجميل . الانتلجنسيا العربية . رؤية معرفية في بنية الأجيال . مجلة الديمقراطية . العدد 18.القاهرة 2005. ص : 17 .
    (2) دكتور حيدر إبراهيم علي . المثقفون : المفهوم والتكوين في السودان .مركز الدراسات السودانية .القاهرة 2001 ص : 10
    (3) تيري اينغلتون . أوهام ما بعد الحداثة . ترجمة ثائر ديب . الحوار اللاذقية . الطبعة الاولى2001ا.ص : 173
    (4) أنظر : دكتور سيار الجميل . المجايلة التاريخية في فلسفة التكوين التاريخي .نظرية رؤيوية في المعرفة العربية الإسلامية . طبعة أولى بيروت – عمان الأهلية للنشر 1999.
    (5) دكتور سيار الجميل . الانتلجنسيا العربية . رؤية معرفية في بنية الأجيال . مجلة الديمقراطية . العدد 18.القاهرة 2005 ص: 43
    (6) دكتور حيد إبراهيم " مرجع سابق" ص: 50
    (7) السابق ص: 57
    ( نفسه ص : 62
    (9) نفسه ص : 63
                  

العنوان الكاتب Date
حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-14-06, 01:07 PM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) Adil Osman07-14-06, 02:30 PM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) sharnobi07-14-06, 02:40 PM
    Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) Mutwali Malik07-14-06, 09:29 PM
      Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) النسر07-15-06, 06:37 AM
        Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) النسر07-16-06, 04:19 AM
  حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 -5) احمد ضحية07-16-06, 10:20 AM
  حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(2-5) احمد ضحية07-16-06, 11:50 AM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) Sabri Elshareef07-16-06, 02:28 PM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) Sabri Elshareef07-16-06, 02:29 PM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) Sabri Elshareef07-16-06, 02:29 PM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) Sabri Elshareef07-16-06, 02:31 PM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) Sabri Elshareef07-16-06, 02:32 PM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) Sabri Elshareef07-16-06, 02:33 PM
    Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-17-06, 11:42 AM
  حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد (3 – 5) احمد ضحية07-17-06, 01:00 PM
    Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد (3 – 5) النسر07-17-06, 02:20 PM
      Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد (3 – 5) abdalla elshaikh07-17-06, 07:40 PM
        Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد (3 – 5) احمد ضحية07-18-06, 11:03 AM
          Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد (3 – 5) احمد ضحية07-18-06, 11:43 AM
          Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد (3 – 5) abdalla elshaikh07-18-06, 08:13 PM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) sharnobi07-18-06, 02:56 PM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) فارس موسى07-18-06, 10:57 PM
    Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-19-06, 03:04 PM
      Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-19-06, 03:08 PM
        Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-19-06, 04:10 PM
          Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-20-06, 11:11 AM
            Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) خالد خليل محمد بحر07-20-06, 12:04 PM
              Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-21-06, 01:27 PM
  حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(4 -5) احمد ضحية07-20-06, 01:15 PM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) فارس موسى07-20-06, 03:37 PM
    Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-21-06, 01:35 PM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) فارس موسى07-20-06, 11:04 PM
    Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) خالد عويس07-21-06, 02:38 PM
      Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-22-06, 01:19 PM
    Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-22-06, 01:06 PM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) خالد خليل محمد بحر07-22-06, 04:57 AM
    Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-22-06, 01:31 PM
      Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) altahir_207-22-06, 01:37 PM
        Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-25-06, 12:12 PM
          Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) هشام آدم07-25-06, 12:22 PM
          Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) معتز تروتسكى07-25-06, 12:26 PM
            Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) Marouf Sanad07-26-06, 01:17 AM
            Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية07-27-06, 08:18 AM
  Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) adil amin07-27-06, 04:50 AM
    Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) adil amin07-29-06, 03:31 AM
      Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) احمد ضحية08-05-06, 04:58 PM
        Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(1 – 5) عثمان حسن الزبير08-06-06, 11:25 AM
          Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(5 – 5) احمد ضحية08-14-06, 01:42 PM
            Re: حول أزمة المثقف والسلطة ووحدة قوى السودان الجديد(5 – 5) احمد ضحية08-22-06, 11:14 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de