|
Re: الفصل الأول من رواية (إنسان المكان) (Re: عبد الحميد البرنس)
|
لوح لي, في ذلك المساء, من نافذة قطار الصعيد المتحرك ببطء شديد, وبدا سعيدا, أوهكذا تخيلته.
كنت أقف, على الرصيف الثامن, وسط مودعين انصرف أغلبهم, أرد عبر إبتسامة شائهة على تلويحته المبتعدة شيئا فشيئا, راسما شارة النصر بين لحظة وأخرى ولسبب ما على سبورة الهواء المعتم بإصبعين مرتعشتين, متابعا انزلاق القطار أسفل "كوبري الحديد", ينحرف ناحية اليمين قليلا, ثم يطلق صفارته الممطوطة, قبل أن يحل في مكانه قطار آخر جديد.
في أعقاب ذلك, وأنا أتهيأ لمغادرة المحطة وحيدا, وحين احتواني ضجيج ميدان رمسيس مرة أخرى, كان يتردد, في مكان ما داخل نفسي, مثل صفعة رقيقة حانية, صدى ذلك الصوت الخفيض الساخر:
عثمان علي, يا صديقي العزيز, أكاد أتخيلكم, يا معشر اليسار, جالسين ذات مساء, بين أحضان ذلك "الامبريالي القابع وراء المحيط", عامرة موائدكم بخيرات "العم سام", تدينون نظام العسكر, بينما تكرعون الكؤوس المترعة بنشوة النبيذ الأحمر المعتق والوايت والبلاك والريد ليبل والشيفاز, تثملون ببطء, على الطريقة الحديثة طبعا, وحين يشتد بأحدكم حنينه الثوري, يقف على رؤوس الرفاق القدامى التي أحناها السكر, مرددا كلمات ذلك الإنسان الصادق النبيل:
أبانا الذي في المباحث كيف تموت وأغنية الثورة الأبدية ليست تموت؟.
|
|
|
|
|
|