سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-19-2024, 01:51 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-07-2005, 05:36 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان (Re: Sabri Elshareef)

    عـــودة زرادشت أو قبيل الجنون

    الهادي بن منصور البرغوثـي



    " ها فتّشوني
    فليس بحوزتي الآن
    إلاّ جنوني "
    ( الشّاعر جمال الصّليعي)


    سأقصّ عليكم أمر صديقي عثمان. فإنّ بي لهفة لأن أسبقه في القصّ لتكونوا على بيّنة من الأمر ولتعلموا أنّ الخطب عظيم. و صديقي عثمان به من الجلَد ما به من الخبل وله مقدرة عجيبة على البقاء. فعساه يعاود الظّهور يوما فينـزل من جبل ما ! أو يجيئكم من أقصى المدينة يسعى! فيدخل عليكم و يخطب في جمعكم ! أفإذا رأيتموه يُعمل عقلَه، أكنتم ترون العقل رهيب؟ ولعلّ صديقي عثمان يكون قد مرّ على كوخ بسفح الجبل اعتكف به ناسك فأنبأكم عثمان بجدال جرى بينهما، أفكنتم سامعين ! أو ينبري يحدّثكم عنّي فهل تكونون من المنصفين ؟. أو يأتي إليكم بحديث رجل من المفكّرين يبشّر النّاس بخلق جديد و يُقال له نيتشه ؟ أفكان يربككم هراء المجانين ؟ إنّي أُدرك أنّه سوف يستخدم كلّ ما حباه به اللّه من قول و علم ليدُكّ سكينتكم دكّا. لذلك أنا أخشى عليكم من الخبل ومن أن تفقدوا الحكمة و السّكينة التي منّ بها اللّه عليكم. و لذلك أقصّ عليكم خطب عثمان.

    كنّا في جلسة بمنزل صديقنا حسّـان. و صديقنا هذا متخصّص في علم النّفس و يعمل بمستشفى الأمراض النّفسيّة والعقليّة. كنتُ شديد التّمسّك بحضور حسّان جلساتنا لأنّـه الأقدر على فضح ما يدّعيه عثمان من معرفة فيتفطّن بشكل يبهرني إلى حقيقة ما يأتيه عثمان من قول ومن سلوك. و في المقابل فإنّ حسّان يجدني شخصيّة متوازنة، لذلك يمتلكني الحبور حين ينبري مدافعا عنّي و رادّا الصّفات السّيّئة التي ينعتني بها عثمان، مثل وصفه لي بالجهل و بالإستكانة. ولكن حسّان يصارحني حين أنفرد به بأنّ عثمان يفوقني ثقافة و عقلا وهّـاجا. ثمّ يطمئنني بأنّ ذلك لا ينفي عن عثمان حالات الاِضطراب وقربه من الخبل.

    قال عثمان منذ البدء إنّه سيتحدّث هذا اليوم طويلا. و قال إنّ الفرد منّا في حاجة إلى أصدقاء يتّصفون بالعطاء. قلتُ في نفسي إنّه يبحث عن سُلفة و قرّرتُ أن أعطيه مبلغا من النّقود بعد أن ينهي حديثه ويذكر حاجته من المال. واستمرّ في شرح حاجة الفرد إلى الصّديق. وقال كلاما لا يصدر عن عاقل. قال إنّ الفرد يتعدّد ! و أضاف :" ألم يقل زرادشت إنّ الصّديق للفرد شخص ثالث ؟" فنطّت منّي ضحكة صارخة حدّ القهقهة فسكتَ عثمان. و تخيّلتُه منشطرا نصفين فيأتي صديقٌ يجمّعه. لم يغتظ عثمان لضحكي و لكنّه حدجني بنظرة مستقرّة وانتظر صمتي ثمّ أكمل حديثه قائلا :
    -" أفقتُ بعدَ ليلة تقطّع فيها نومي. وتداعت لديّ خواطر يأس و ملل، من النّوم و من السّهر ومن التّفكير و من الخمر ومن الوظيفة و من القراءة و من النّساء و من الأكل و منكم جميعا.. شعرتُ فجأة و أنا أزيحُ الغطاء بأنّ ثمّة شيء يسكنني لا أعرف كنهه. شيء يمنعني من إدراك المكان. نهظتُ وسرتُ نحو دورة المياه. خفق قلبي حين ساورني شكّ في أنّي أسلك الاِتّجاه السّليم. وقفتُ في الممرّ وقلتُ في نفسي إنّ الشّقّة لا تحتوي على أكثر من غرفتين و دورة مياه فكيف أفقد طريقي! أغمضتُ عينيّ. سرتُ مغمض العينين فبلغتُ المكان. عجبتُ أن يبلغ المرء مبتغاه مغمض العينين. وقفتُ أمام المرآة لأحلق ذقني. نظرتُ فيها فعجبتُ مرّة أخرى : كيف استطاعت المرآة أن تعكس صورة وجهي هذا، النّاتئ من رأس في أعلى جسدي؟ وهو بالكاد يوجد. و هذه اليد غريبة الشّكل غامضة الحجم متراوحة الطّول. تنبت من كتف لم أره من قبل. وتمتدّ نحو آلة الحلاقة فلا تقدر على مسكها !

    جزعتُ لهول شعوري. و لفيتني أفقد تقدير حجم أصابعي و مدى امتداد يدي. وجدتُ الاِحتمالات رخوة. و جزعتُ أن تكون الأحجام لا قرار لها. التجأتُ إلى التّحديق في الأشياء التي حولي علّها تعطيني منطلقا. فوجدتُ تقديري لأحجامها يتوقّف على إدراكي لذاتي. ولكنّي وجدتُ هذا الجسد غريبا عنّي. و مقاييسه تهتزّ و تتمايل، تنتفخ و تتماوج. و انتبهتُ إلى أنّي أحدّق في المرآة فألمح عينيّ. قلتُ إنّه لحسن الحظ لا زلتُ ألمح وجهي، حتّى و إن كان هذا الوجه غير مألوف عندي. ماذا لو أخفيته برغوة صابون الحلاقة ؟ فرأيتُ رغوة الصّابون تغطّي الوجه فبدا أجمل. باستطاعتي الآن أن أحلم بوجه. اخرج به إلى النّاس. أنظر إلى فتاة أحبّها. أقنعها بأنّي وجدتُ وجهي. و أنّني أبحث عن الجمال. و أجعلها تنظر إليّ. إلى تقاسيم وجهي الجميل فتنزعج و تسرع إلى بيتها تغطّي وجهها بمواد التّجميل. و تهرع إلى جارها الوسيم لتقنعه بأنّها تبحث عن الجمال. و تجعله ينظر إليها فتتسارع دقّات قلبه و يجري إلى بيته يغطّي وجهه برغوة صابون الحلاقة.

    بدأت الرّغوة تنقشع. و لكنّي لم أر وجهي تحتها. حاولتُ أن أصرخ. و لكنّ الفضاء كان يرفض مرور الأصوات. فينحبس الصّراخ في حلقي. حاولتُ أن ألمس شيئا يعيدني إلى إدراك المكان. و لكنّي أفقد مواضع أطرافي. تنـزلق أطرافي في فضاء لزج. أحاول أن أحدّد رغبة ما، أن أحرّك رأسي أو أضرب المرآة ولكنّ رغبتي تنزلق في فضاء لزج تملأه رغوة بيضاء. وتزداد الرّغوة انتشارا. كنتُ أحاول أن أصيح، أن أقول " يا اللّـه". و سمعتُ صوتا. صدّقوني يا أحبّتي سمعتُ صوتا واضح النّبرات قويّها. قال :" والآن يا عثمان ! من أنتَ؟ " وتساءلتُ: حقّا من أنا؟ وكم أنا ؟ و أدركتُ لأوّل مرّة أنّ وِحدتي وهم. وأنّي أجزاء، اِلتقيتُ ببعضها فيما أجهل بعضًا منها. كيف أرتّب أجزائي ؟ ينبغي أن أعيد تركيب ذاتي. أن أفتح عينيّ وأرى. واعتراني حبور غامض. بأنّي وُلدتُ من جديد و بأنّي متجدّد. و أدركتُ أنّي لقيتُ وجهي. لقد نزعتُ عباءة السّكينة فولجتُ السّعادة. يا أحبّتي: لا تسيروا بأعين مغمضة فإنّكم سوف تبلغون مرادا زائفا. ما أصعب أن تتأمّلوا. و أن تعيدوا التّركيب. وما أسعده من فعل. فانظروا في أنفسكم. وتبيّنوا من مات ومن لازال حيّا. فلعلّكم إن فتحتم أعينكم ترون الحياة توهّجا ونورا يفضح الموت. هل عرفتم يا أحبّتي أيّ صوت سمعتُه ذاك الذي نادى و أنقذني ؟ إنّه صوت العقل الرّهيب. " هكـذا تكلّم عثمان.

    لم أفقه شيئا ممّا رواه. و لكنّ صديقي حسّان الذي كان يستمع بانتباه، ألمع إلينا بأنّ لديه ما يقول. ذلك أنّه حال انتهاء عثمان من الحديث تنحنح وفرك يديه و نظر إلى عثمان. ثمّ بسط يديه كعادته حين يُخاطب و قال : "ما قدّمتَـه، مادة دسمة يمكن أن ندرك بـها حالتك النّفسيّة. ولا تجزع إذا قلتُ لك أنت حالة تستوجب العلاج. كلّ ما قلتَـه مهمّ وخطير. كلّ كلمة قلتها، إنّما هي رمز يحيلنا إلى سجلّ في علم النّفس، علم النّفس السّريري خاصّة. و حديثك هذا، بقدر ما يثبت وجود الأعراض عندك، بقدر ما يساعد في حصص التّحليل النّفسي. إنّه التّداعي الثّمين في عمليّة التّشخيص. ما كنت أودّ لك هذا يا عثمان. و لكنّك حالة تستوجب الدّرس. لهذا أنا أنصحك بأن تبدأ في العلاج فورا. و لا يفوتني أن أذكّرك بأنّ الصّداقة التي تجمعني بك تحول بيني و بين تولّي علاجك. الأفضل أن تتوجّه إلى مختصّ آخر. دعني أتولّى توجيهك إلى زميل لي."

    ارتجف عثمان. رأيتُ عينيـه قد شخصتا. بدا لي كأنّه جُنّ. هذا إذن ما توقّعه حسّـان ! و لمحتُ في عثمان توثّبا وتهيّـأ لي أنّي لمحتُ دخانا يصّـاعد من أعلى رأسه. هبّ واقفا وقال :
    - " قل لن أصنع المبدعين صنعا. و لكنّي سوف أسير في الأرض نارا مشتعلة. لسوف أجعل مفتاح الصّداقة قبسا من لهب يحرق الأيدي و يستنفر العقل. فطوبى لمن احترقت أصابعه. طوبى لأولئك الذين تُرفض صداقتهم الملتهبة فيزداد توقّدهم. لسوف يهرب منهم كلّ مخادع خوّان. و لسوف يهرب كلّ طمّـاع جبان. و لسوف يأتي اللّـهيب على رداء السّكينة الواهي." هكذا تكلّم عثمان. ثمّ انسحب. ناداه حسّان ولم يلتفت. أيقنتُ أنّه في انهيار فامتلكني الحبور. نظرتُ إلى صديقي حسّان و قلتُ :
    - " لقد انهار حقًّـا. ألا ترى أنّه بإمكاننا أن نصرعه ؟"
    ولكنّ حسّان بدا مضطربا. حرّك رأسه يمنة و يسرة و قال بتردّد:
    - " لا.. ليس إلى هذا الحدّ..أنت لم تفهم شيئـا.. ثمّ إنّك.. سيّئ "
    أُسقط في يدي.. و شعرتُ بألم يعتصر قلبي. نظرتُ إليه أنتظر تفسيرا. طأطأ رأسه هنيهة ثمّ قال :
    - " ينبغي أن أعترف لك أنّك لا تلتقي مع عثمان في شيء." قلتُ :
    -" هذا أمر مؤكّد. لا جديد فيه. تماما كما أنت لا تلتقي في شيء معه. " سارع حسّان بالقول :
    - " لا.. لستُ مثلك.. أنت.. " وسكت. قلتُ بلهفة و قد تملّكني الجزع :
    - ".. ماذا ؟ "
    قال : -" أنت لا تُعمل الفكر. عثمان يفكّر. يفكّر بإخلاص." قلتُ محتجًّا :
    - " و مرضه ؟"

    و لكنّ صديقي حسّان لم يجب. بدا عليه الاِرتباك. صمتَ. ففهمتُ أنّ الجلسة انتهت. قمتُ و سرتُ بخطوات متثاقلة. و حين بلغتُ الباب سمعتُ حسّان يقول بصوت واهن :
    - " أرجوك،... لا تقتله. "

    ها قد حدّثتكم عن صديقي عثمان. و أدركتم بعدُ أنّ به من الخبل ما يجعلكم تحترزون. فاحترسوا أن يصيبكم في سكينتكم. أو أن يصيبكم شكّ في أنّه مريض وأنّ الشّيطان يسكنه.

    و لقد رويتُ لكم كيف بدا تأثيره على صديقي حسّان الخبير ببواطن الإنسان. و لكنّي لازلتُ وفيّا للـحكمة وللسّكينة التي منّ بها اللّـه علينا. أفيرضى عاقل أن ينبش في ذاته ليبحث عن جنون دفين؟ أرأيتم كيف بلغ الأمر بعثمان حتّى فقد وحدته. ولكن، للّـه الفضل أن سخّر عثمان مثلا أعرف به أنّ ثمّة جنون و خبل دفين يغطّيه رداء من السّكينة. و إنّي لازلتُ أمسك بردائي ذاك أستمرّ به أو يصيبني ما أصاب عثمان. فأفقد وجهي أو أسمع أصوات عقل لا وجود لها. فإذا ما عاد عثمان وخطب فيكم فليكن سماعكم تلهية. و لكن.. أرجوكم،... لا تقتلوه.
                  

العنوان الكاتب Date
سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 04:22 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 04:24 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 04:26 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 04:28 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 04:30 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 04:52 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 05:10 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 05:18 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 05:36 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 05:36 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 05:36 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 05:46 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-07-05, 05:50 PM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-08-05, 08:48 AM
  Re: سرد قصصي القاص محمدخلف الله سليمان Sabri Elshareef05-11-05, 01:51 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de