|
Re: محمد طه محمد أحمد: لـم يبـــق أمـامـــــــــي سوى القـبر!!! (Re: عبد الحميد البرنس)
|
مقالات: محاكمة محمد طه ... إلى أين نتجه ؟
محاكمة محمد طه ... إلى أين نتجه ؟ عادل الباز
عادل الباز
منذ ان بدأت قضية الاستاذ محمد طه تأخذ منحى قانونيا رأينا ان نكف عن التعليق حتى يقول القضاء كلمته . ولازلنا عند هذا الموقف. بالامس قررت الذهاب للمحكمة فى الخرطوم شرق لمشاهدة وقائع مايجرى فى الجلسة الاولى لمحاكمة الاخ محمد طه محمد احمد، صاحب صحيفة الوفاق . حوالى التاسعة صباحا، شاهدت استعدادت غير عادية للشرطة امام بوابة المحكمة، فسألت ان كنت قد اخطأت عنوان المحكمة، فأبلغونى ان العنوان صحيح، وهذه استعدادات تحسبا لاى فوضى يمكن ان تدب فى المكان بسبب المحاكمة. غادرت لمشوار فى بحرى فرأيت لافتات معلقة كتب عليها ( سارعوا لحضور محاكمة المرتد محمد طه). لقد اصدروا الحكم باكرا. اذًا ماجدوى الذهاب للمحكمة؟ . عدت ادراجى بعد ساعة ونصف الى مقر المحكمة فوجدت المكان قد امتلأ عن آخره بالمدعوين لحضور المحاكمة، والشرطة ترابط فى المكان متحفزة مع ترقب حذر من اندلاع مظاهرات . باختصار، اجواء مكهربة تماما . ياترى كيف تجرى العدالة فى ظل هذا الجو؟ . طرحت هذا السؤال على نفسى وانا اتقدم للبوابة الرئيسة التى اغلقت تماما امام الصحفيين، فظللنا نرابط خارج المكان زهاء الساعتين . فى هذا الوقت استغرقتنى حالة تأمل . فرأيت ان افضل مافعله مكفرو محمد طه انهم ارتضوا ان يذهبوا للقضاء، وهذه خطوة فى الاتجاه الصحيح. ان المعيار الصحيح والفارق بين الفوضى والاستقرار هو حكم القانون، فإذا ما ارتضينا حكم القانون، فسنكون بدأنا اولى خطوات بناء دولة تقوم على اسس سليمة وعادلة. اما اذا ما قررنا ان نأخذ القانون بأيدينا ونمارس الارهاب على العدالة، فإن تلك هى حافة الهاوية .لن يكون الخلاف بيننا فى عدالة القانون اواستقامته، فإن لكل الحق في ان يمجده او ينتقده ، لكن حتى نناضل ضده ونغيره فإن الالتزام به هو الفعل الوحيد الذى يعصم البلاد من الفتن . لقد ذهب من ذهب بالقضية الى المحكمة والآن الكلمة للقضاء وحده، فما جدوى حشد الحشود للتظاهر امام المحكمة ؟ اذا كان التأثير على العدالة هو غاية من حشدوا، فإن من شأن ذلك ان يلقى بظلالٍ كثيفة تؤثر على مسار القضية كلها، وقد تنحرف بها. ان الثقة فى عدالة القضاء والقوانين التى تحاكمنا اليها كفيلة بأن تحق الحق . غير ذلك فما جدوى اللجوء اليهما اصلا؟.اذا قبلنا بذلك وذهبنا لممارسة ضغوط من اى نوع على القضاء، فإن ذلك يقدح فى مبدأ قبولك بتحكيمه طالما انك تعتقد ان استجابته للهتافات اقوى من استجابته لنداء ضميره . ان الثقة فى عدالة القضاء السودانى وحكمته هى التى نصارع العالم من اجلها الآن . لقد كانت اولى قضايانا مع القرار 1593 انه يقدح فى مصداقية القضاء السودانى، وفى هذا الوقت يأتى من يعطى العالم دليلا على ان القضاء يُستهدَف بالضغوط، وان فئة من الناس بالحشود تسعى لارهابه فتثبت التهمة. اننا مقبلون على وضع لابد ان نتواضع فيه على وضع قانونى، اما ان نقبل به جميعا او نقرر بمحض ارادتنا الانزلاق للفوضى. واذا ما انزلقت البلاد الى اتون الفوضى، فإن الحريصين على الدين والدعوة لن يجدوا وطنا يدعون فيه ،ولا اناسا يدعونهم للدخول الى دين الله . ببساطة، سيرث الجميع الارض الخراب. فأين ياترى مصلحة الدين؟ . ما نحن مقبلون عليه هى اوضاع شديدة التعقيد، فرضتها اتفاقية السلام، فهنالك نظامان فى دولة واحدة، احدها يحتكم للشريعة الاسلامية والآخر يحتكم الى قانون علمانى وضعى. سيلقى هذا الوضع بظلاله على مجمل الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد. سيأتى شركاء فى السلطة لهم دينهم وعاداتهم وتقاليدهم، فإذا لم نضع مساحة لفهم الآخر واستيعابه من ناحية التوافق معه على مرجعية لحسم الخلاف، فكل ما انجزناه فى اتفاقية السلام سيذهب هباء. . اذا ما كنا سنحتكم لما تواثقنا عليه من قانون ودستور فإن ذلك من شأنه ان يعزز السلام واستقرار البلاد،اما اذا كنا سنلجأ لتجاوز القوانين، فإن وضعا كارثيا سيحيق بنا دون ادنى شك . ان مايجرى الآن من محاكمة للاخ محمدطه، هو مشهد اول للطريقة التى سندير بها خلافاتنا السياسية والدينية مهما عظمت. فإذا كانت النتيجة ان القانون سيأخذ مجراه، فقد سلمنا جميعا، وبغير ذلك فسلام على السلام، بل وسلام على السودان نفسه .
بتاريخ: 05 مايو 2005 | المصدر: الصحافة | عدد المرات التي قرأ فيها: 37
|
|
|
|
|
|
|
|
|