|
هل يقاتل السودانيون إنابة عن طغمة الإنقاذ ؟
|
غني عن القول إن غالبية الذين خرجوا يحملون لافتات مناهضة لـ"قوى الاستكبار" ورافضة لقرار مجلس الأمن الأخير لم يفعلوا ذلك بارادتهم الحرة. فنظام الإنقاذ شأنه شأن الأنظمة القمعية الأخرى درج على اجبار تلاميذ المدارس وموظفي الدواوين الحكومية على المشاركة القسرية في هكذا مسيرات. أما الأقلية التي خرجت ممثلة للمؤتمر الوطني الحاكم، فهي تدرك جيدا أنها إنما تخرج مستميتة على مصالح اكتسبتها طيلة 15 عاما. وتعرف هذه الأقلية أن أي خطر يحيط بحزبها الحاكم سينسف بشكل كامل انجازاتها على المستوى الشخصي. فما من منتم لهذا الحزب إلا وتملك دارا واقتنى سيارة وأضحى من النخبة فائقة الثراء في بلد يشقى فيه الملايين ويعجزون عن توفير ثمن الدواء والكساء ناهيك عن الذين يموتون جراء استهتار الإنقاذ بقيمة الانسان بحد ذاتها. ولعل ردود الفعل الغاضبة وغير المحسوبة على القرار (1593) في أوساط الحزب الحاكم، والتصريحات غير المسؤولة لكبار قادته في اتجاه تصعيد المواجهة ضد "قوى الاستكبار" تعكس بجلاء مدى الرعب الذي تملك هؤلاء من الاجماع الدولي الذي لم تخرج عليه حتى الدول الإفريقية حيال أزمة دارفور، وادراك الأسرة الدولية ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة الإنسانية. وتعيش حكومة الإنقاذ هذه الأيام جراء ضيق الأفق والانسداد السياسي تخبطا يعميها عن تبصر السبل الكفيلة للخروج من أزمة كان بالمقدور تداركها قبل فترة طويلة. وساهمت الإنقاذ في الوصول إلى نتيجة كارثية بحق قادتها بمماطلتها ومراوغتها في الحل ورغبتها بالاستئثار بكل شيء، بل والاستمرار في السيطرة الكاملة على مفاصل البلاد. وبدلا من مواجهة الأمر بحكمة. والادراك بأن كل الضوضاء والجلبة التي تحدثها الآن حول القرار الذي سيسعى مجلس الأمن لإنفاذه غير مؤثرة، لجأت الإنقاذ إلى افتعال معركة مع حزب الأمة ورئيسه السيد الصادق المهدي. وتريد الإنقاذ أن تحمل الناس عنوة على الاصطفاف معها في معركة لا تجدي فيها العواطف الجياشة ولا التهييج السياسي الأرعن. ويبدو موقف قيادات الإنقاذ مفهوما خصوصا أن القرار – حسب تسريبات صحفية (الوطن السعودية)، (الشرق الأوسط)، (موقع قناة العربية على الانترنت)، (أفريكا كونفدينشيال) – يطال شخصيات محورية في نظام الإنقاذ. ويسعى هؤلاء – في ظل هرج ومرج – إلى افلات أعناقهم من حبل التف بالفعل حولها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بالفعل، هو كيفية الافلات في هذا الوقت بالذات ؟ هل يسعون إلى جر البلاد بأسرها إلى شلالات من الدماء ستنتهي أيضا بتقديمهم إلى "لاهاي" ؟ هل يسعون لخلط جميع الأوراق، وسينتهي بهم هذا الأمر أيضا في "محطة لاهاي" ؟ المشكلة أن كل الطرق تقود إلى لاهاي، سواء سلموا أنفسهم للأسرة الدولية، أو لم يسلموا "بارادتهم". المعركة لن تكون متكافئة. والخاسر الوحيد فيها ليسوا هم بكل تأكيد، بل الوطن. هم ليسوا خاسرين لأن العدالة الدولية ستنصفهم تماما. والوطن سيخوض فيما يبدو – مرغما – معركة صعبة للغاية بالإنابة عنهم. وجهت الإنقاذ تهديدات مبطنة للسيد الصادق المهدي مفادها أنه ستتم تصفيته طالما أنه "نصح" بتقبل القرار الأممي. وكان مطلوبا من السيد رئيس حزب الأمة بالطبع أن يمارس "غوغائية" و"هتافية" فجة لينضم إلى مواكب المؤتمر الوطني الداعية لـ"طرد السفير الأمريكي" و"قتل الفرنسيين" و"التعامل بالمثل مع الدول الكبرى". كان عليه – وفقا لنظرتهم – أن يرفض القرار، ويسفه الأسرة الدولية ولا يرمي ببصره أبدا للمستقبل ليرى المآلات الخطيرة التي يمكن أن تنسحب على موقف كهذا. وعادت الإنقاذ تارة أخرى لممارسة ارهاب الخصوم وقمعهم. ففي مناسبة الاحتفال بذكرى أبريل، استخدمت قوى الأمن والشرطة الهراوات وأطلقت الرصاص الحي وطوقت دار حزب الأمة ومنزل رئيسه واعتقلت عددا كبيرا من قيادات الحزب وناشطيه. ونما إلى علمنا أن قرارا صدر إلى الأجهزة الاعلامية في الداخل بعدم التعامل بتاتا مع أخبار حزب الأمة وتجاهل تصريحات قادته. كما أبلغ قادة الحزب بتعطيل نشاطه بحجة أن الحزب "غير مسجل" !! كل هذه التطورات توضح أن الرهان على إيلاء الإنقاذ الوطن أدنى اهتمام هو رهان باطل. كما توضح أن الاصطفاف مع الإنقاذ في رغبتها في مواجهة الأسرة الدولية وتدمير الوطن هو خيار سيحيل السودان إلى "عراق آخر". وبغض النظر عن مصير قادة الإنقاذ، فإن الشعب السوداني ليس معنيا بهذا الشأن كله. الحكومة لم تستشر أحدا حين وقعت اتفاق السلام "برعاية دولية" متجاهلة القوى السياسية الأخرى. وهي لم تستشر أحدا حين عالجت أزمة دارفور في البدء عنفيا مما أدى إلى اتساع نطاق الأزمة وخروجها عن السيطرة. وهي لم تستشر أحدا حين وافقت – بارادتها – على قرار مجلس الأمن بانشاء بعثة للأمم المتحدة في السودان وارسال 10 آلاف جندي. وهي لم تقم باستشارة أحد حين وافقت على سيل القرارات الدولية التي سبقت هذا القرار الأخير. وافقت على كل تلك القرارات وأبدت ممانعة في هذا الأخير. ليس ثمة خيار "معقول" و"منطقي" يمكن أن يخوضه شعب جاع وقتل وتشرد وعذب داخل "بيوت الأشباح" إلى جانب حكومة بطشت ونكلت به طوال 15 عاما، وترغب في استخدامه مطية للخروج من عنق زجاجة قرار طال الزمن أم قصر سيجد سبيله للتنفيذ. الخيار الوحيد للشعب السوداني لتلافي استحقاقات خطيرة تترتب على الوطن، وقد تفني منه مئات الآلاف، وتفرض عليه أوضاعا معقدة للغاية، هو الخيار الذي لطالما جربه الشعب السوداني : الثورة الشعبية
|
|
|
|
|
|
|
|
|