|
شهادات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب
|
أحمد حرزني* أجمع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب والذين أدلوا بشهادتهم حول ما تعرضوا له خلال العقود الثلاثة الماضية، على أنهم لا يريدون من سرد شهاداتهم علانية فضح أحد أو الانتقام من أحد، بل فقط مصالحة أنفسهم والبلاد مع الماضي غير البعيد، الذي ظل ذكرى مريرة. وقد انطلقت قبل أقل من شهرين جلسات الاستماع العمومية لضحايا «سنوات الرصاص» التي تنظمها «هيئة الإنصاف والمصالحة»، بعدما أمر بتشكيلها الملك محمد السادس، ومن المفترض أن تنتهي الجلسات بنهاية أبريل (نيسان) المقبل، برفع تقرير إلى الملك يتضمن خلاصات مساعيها وتوصيات يراد منها اتخاذ كافة الإجراءات لمنع تكرار الانتهاكات التي طبعت المرحلة موضوع تحريات الهيئة، وهي المرحلة الممتدة بين 1956، سنة حصول المغرب على الاستقلال، و1999، سنة اعتلاء محمد السادس عرش المملكة. وحتى الآن تم الاستماع إلى قرابة 50 ضحية من ضحايا «سنوات الرصاص»، وذلك في جلسات عقدت في كل من الرباط وفكيك والرشيدية وخنيفرة، وينتظر أن تعقد جلسات الاستماع في مناطق أخرى منها السمارة بالأقاليم الصحراوية ليصل العدد الإجمالي للشهود إلى حوالي 200، يمثلون عينة تمثيلية لمختلف الأجيال والمناطق والمجموعات السياسية التي أصابها القمع. كما تعتزم «هيئة الإنصاف والمصالحة» إطلاق سلسلة من الأنشطة الموازية لجلسات الاستماع العمومية، لعل أهمها «الندوات الموضوعاتية»، التي سيشارك فيها عدد من المثقفين والمهتمين، والتي ستتناول قضايا مثل «السياقات التاريخية للانتهاكات الجسيمة»، و«سبل طي ماضي الانتهاكات»، و«الإصلاحات المؤسساتية والسياسية التي من شأنها أن ترسخ دولة القانون»، وستبث تلك الندوات عبر التلفزيون. وتدخل المقاربة التي تبنتها «هيئة الإنصاف والمصالحة» في إطار ما يسمى بـ«جبر الضرر»، وهي مقاربة أوسع من مقاربة التعويض التي كانت قد تبنتها «هيئة التحكيم»، التي أحدثها الملك الراحل الحسن الثاني منتصف التسعينيات. ويشمل «جبر الضرر» التعويض، ولكنه لا يقف عنده، خاصة في معناه المادي الضيق، وإنما يتجاوزه ليغطي مفهوم التعويض المعنوي الذي بدوره لا ينحصر فقط في إعادة الاعتبار للضحايا، وإنما يمتد إلى منحهم سلطة التعبير والكشف عن حقيقة ما عانوا منه كأفراد وكجماعات وكمنتمين إلى مناطق معينة من الوطن، ويمتد بالمقابل إلى إقرار الدولة بمسؤوليتها، وتعبيرها عن عزمها على أن تتخذ كل ما يلزم لكي لا تتكرر انتهاكات الماضي. لهذا سميت الهيئة «هيئة الإنصاف والمصالحة»، فالإنصاف هنا يفهم في معناه الشامل الذي يتسع لأبعاده المادية والقانونية، وأيضا لأبعاده النفسية والسياسية، والذي يراد منه وبه تصحيح أوضاع شاملة أدت إلى الانتهاكات الجسيمة وغيرها من التجاوزات. أما المصالحة فهي الأطار الأوسع من «جبر الضرر» الذي يدخل في نطاقه عمل الهيئة. والمقصود بالمصلحة ليس، كما يذهب البعض، «المصالحة بين الضحايا والجلادين كأفراد»، وإنما المصالحة بين الدولة والمجتمع، أو على الأقل جزء كبير منه، وهي العملية التي بدونها لن يتم انتقال إلى الديمقراطية، ولا تحقيق النماء، بل بدونها لا يمكن حتى الاطمئنان إلى استدامة الوحدة الوطنية. انه ليمكن الآن، وعلى أساس الغايات التي أنشأت «هيئة الإنصاف والمصالحة» من أجلها، أن يقوم المرء بتقييم مرحلي لعملها، وهنا يمكن تحديد عدد من النقاط. أولا: جذبت الجلسات الخمس التي عقدت حتى الآن كل الأطياف السياسية والفكرية، وتتبعها المواطنون باهتمام كبير. ثانيا: تحدث الشهود بكل حرية عن الفظاعات الفردية والجماعية التي قاسوا منها، وفعلوا ذك بنبل وموضوعية وبدون حقد ولا نقمة، وألحوا جميعهم على أن الأهم هو ألا تتكرر انتهاكات الماضي، وأن يستقر المغرب في سيره نحو الديمقراطية. وبالرغم من الميل الشعبي والرسمي لاعتبار الشهادات ضرورية للمصالحة مع الماضي، إلا أن بعض الأصوات، من اليمين ومن اليسار، ارتفعت لتنتقد عمل الهيئة. البعض رأى فيها محاكمة لعهد بكامله وتهديدا لاستقرار ووحدة البلاد، بل وحلقة من «مؤامرة يسارية» تهدف إلى تقويض أسس الملكية. ورأى البعض الآخر في الشهادات «مسخرة»، يراد منها إيهام العموم بأن هناك تغييرا في سلوك الدولة، في حين ليس هناك، حسب هذه الأصوات الثانية، أي تغيير. وتستدل هذه الأخيرة بكون السجون ما زالت مليئة بالمعتقلين السياسيين (في إشارة إلى معتقلي السلفية الجهادية). كما تستدل على كون الجلسات العمومية على الخصوص «مسخرة»، لكونها لم يتخللها ذكر أسماء الجلادين. وبالمناسبة فإن بعض الجهات المنتمية إلى هذه الأصوات «اليسارية»، تعتزم تنظيم جلسات استماع عمومية «مضادة»، ميزتها أن أصحاب الشهادات يستطيعون خلالها ذكر أسماء جلاديهم. أما الأوساط القريبة من «هيئة الإنصاف والمصالحة»، فترد على هذه الانتقادات بما يلي: أولا، أن عمل الهيئة علاوة على أنه ليس حلقة في أية مؤامرة، لا يهدد بتاتا وحدة واستقرار البلد، بل العكس هو الصحيح. ثانيا، أن ذكر أسماء الجلادين من شأنه أن يحول طبيعة الهيئة من هيئة تعمل وفق فلسفة ومنطق ومبادئ «الإنصاف الانتقالي»، إلى هيئة قضائية عادية لا تتوفر لا على كفاءاتها ولا على صلاحياتها. يبقى، في جميع الأحوال، أن ما حققته «هيئة الإنصاف والمصالحة» حتى الآن، هو أهم ما أنجز في مجال الانتقال إلى الديمقراطية خلال العام الماضى، بل ومنذ تنصيب حكومة التناوب سنة 1998. * منسق المرصد المغربي للانتقال الديمقراطي ـ معتقل سياسي سابق قدم شهادته خلال جلسة الاستماع العمومية الثانية لضحايا ماضي انتهاكات حقوق الإنسان بالرباط يوم 22 ديسمبر ( كانون الأول) 2004 From asharqalawsat.com http://asharqalawsat.com/view/hassad/hassad.html#2005,02,11,282286
|
|
|
|
|
|
|
|
|