|
الخرطوم بقلم د عمر عبد العزيز
|
تداعيات انطباعات من الخرطوم هي أول مرة تطأ فيها قدماي ارض السودان المترعة أصلا أصيلا في ثقافة السودان وأهله . أكسبت الصحراء وتنويعاتها المفتوحة من مروج وسهول ومراعي بعدا غنائيا بصريا يتسع للفراغ ويمتلىء بالقيم الفنية النابعة من أساس الفراغ والتأمل . وبالمقابل كانت الغابة نبعا غزيرا لثراء الألوان ودهشة الاكتشافات والواقعية السحرية التي تتجاوز حدود الكلام . هذه الثنائية ليست سبيكة مغلقة بل أنها تتسع للتنوع والتعدد حيث التعايش المديد بين الاثنيات والأنساق الثقافية والتقاطعات الممزوجة بالمغالبة طورا وبالمحبة طورا اخر. بمجرد المشاهدة الأولى للعاصمة المثلثة تحلر هذه التداعيات التي تختزل في طياتها النزعة الدهرية التحررية للأفارقة والمدى الصوفي لتسامح للعرب المسلمين . تتسع الصورة المرئية أيضا لعوالم أخرى من الحقائق القاسية .. فالحرب الأهلية استنزفت هذا البلد الكبير وهدت كاهل الحكومات المتعاقبة وأفرزت حالة من الجدل الموصول بالتوق والأماني الكبيرة بحثا عن التحرر من ثقافة الحرب واستتباعاتها المؤلمة على الأرض . الان يتحدث المثقف والسياسي بلغة متقاربة ..فالكل يجمع على ان الكيمياء السحرية للسودان الكبير تكمن في عروبته وافريقيته وسودانيته واسلامه ومسيحيته ووثنيته . لقد اتسعت المدارك لهذا التلخيص المكثف لعبرة التاريخ ودهاء الأيام واصبح الجميع يتداولون الموضوع السوداني ضمن هذا السياق .. غير ان الحرب الخسيسة وإفرازاتها المؤلمة خلقت ارتيابا متبادلا ومتواليات من التناطح العدمي والتخريجات النظرية التي تصل الى حد التطرف ومن مختلف الأطراف . تلك انطباعات أولوية تلخص المشهد ولا تغنيه مما يقتضي وقفة مطولة ستتوالى تباعا .
د. عمر عبدالعزيز
|
|
|
|
|
|
|
|
|