من أضابير الإغتراب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 02:57 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-05-2021, 09:45 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)
                  

08-05-2021, 10:06 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    الفتاة ذات العشرين ربيعا تعشق لبس بنطال الجينز الذي يتشبث بتفاصيلها ، معانقا جسدها كنبات اللبلاب ،،، يلتف به بحميمية و كأنه يخشى عليه من نظرات هذا القادم من صحاري أفريقيا الذي لا ينفك يسترق النظر و هو يرشف فنجال قهوته بتأن و روية حتى يتاح له الزمن الكافي لملء ناظريه من هذا القوام الملفوف كثمرة باباى ممتلئة رحيقا و عصارة تعلن عن نضوج مبكر.
    لا أدري لماذا ذكرني وجهها بوجه منقوش على إحدى العملات الأوروبية القديمة.
    عنق ممدود طويلا يسخر من ( طويلة مهوى القرط ) ،، فالأقراط عندها يمكنها أن تتدلى و تتدلى و تتدلى...
    و شفاه افريقية غليظة كصدفة انفرجت عن أكوام من اللؤلؤ المكنون.
    تنظر إليها دون أن تمل او تكل.
    تبتسم ،، فترتفع حواف وجنتيها إلى أعلى لتغطي جزءا من إتساع عينيها ،فيزيدها هذا سحرا على سحر.
    عندما سمعتها أول مرة تضحك ،، أطلت النظر إليهامأخوذا ،، خيل إلى أن أجراس كنيسة تقرع مجلجلة صباح يوم أحد ،، فمازحني النادل العجوز قائلا و هو يغمز بعينه :
    ألا تود أن تعلقها تعويذة في مقدمة سيارتك. ؟
    معجبوها كثيرون ،، كنت أخاف أن أقترب منها ،، فأنا لا أدري من يكون هذا أوذاك.
    إكتفيت لفترة طويلة أن أنظر إلى هذه التحفة الإلهية من على البعد.
    أوميءبرأسي فقط ،، فترد تحيتي بنفس الطريقة ،، و تبتسم تلك الإبتسامة التي تجعل من قهوتي سائلا لا طعم له و لا رائحة ،، فأعاود الطلب مرة أخرى و العجوز يرمقني بمكر و هوينصحني ضاحكا بشرب قهوتي قبل أن تفاجأني الفتاة بإبتسامتها.
    كان يلاحظ متابعتي لها
    فاجأتني يوما و هي تقف منحنية على طاولتي :
    ألا تدعوني إلى طاولتك؟
    أحسست أن طاولتي إمتدت لتسع المكان كله.
    عطر رقيق يضوع منها ،، عطر يذكرك بأنك إبن أمك الأرض ،،، ملأت رئتي منها
    قالت و هي تنظر إلى و كأنها تعرف مدى تأثير سحرها علي : قل شيئا يا رجل.
    قلت : ضاع مني الكلام.
    و أطلقت أجراسها ترن و تملأ المكان فرحا و صليلا . و أنا أغوص في مقعدي متشبثا ببعض الثبات الكاذب .
    جلستْ و هي تمضغ علكة تنفخها هواءا فأحس بأن أنفاس رئتي قد إختزنتها تلك العلكة المنفوخة ،، فتعيد العلكة إلى فمها فأحس بطعم النعناع في جوفي. مجرد إحساس قوي و مفعم احدثه وجودها الصاخب أمامي.
    من أين أنت ؟
    أنا من تراب أرضك البكر ،، من افريقيا
    نعم ،، عرفت هذا من أول وهلة .
    هل كنت تلاحظين وجودي كل يوم؟
    نعم
    لم ؟
    لا أدري ،، شيء ما شدني إليك ،، ربما نفس الدماء التي تجري في عروقنا،، و ربما شيء آخر...... نفس أسبابك ربما.
    و إبتسمت تلك الإبتسامة التي تجهض كل محاولات تماسكي و تصيبه بالنزف الفاضح.
    هلا أخبرتيني عن هذا الشيء الآخر؟
    لا تكن ملحاحا ،، هذه أول مرة أحادثك فيها ،، أنا نفسي لا أعرف كنه السبب. أحسه و لا أعرفه.
    هل لديك صديق ؟
    أصدقائي كثيرون ،، و لكن ليس لي صديق حميم بالمعنى المفهوم.
    لم ؟ فأنت في غاية الجمال.
    أنا أفرِق بين من يريدني لجمالي،، و من يغوص في روحي. أكثر الرجال الآن يستعجلون دعوة الفتاة لإشباع غريزتهم قبل ان يعرفوا من هي و كيف تفكر. هذا ما أعتقده و أؤمن به.
    معنى هذا أنه لم يفهمك احد إلى الآن؟
    ليس بهذا الشكل. و لكن أريد شخصا يحاورني و يتآلف مع ما أفكر به قبل أن تنزلق عيناه إلى جسدي.أريد رجلا يذوب عقله في عقلي قبل أن تلتهمني نظراته بنهم ، أتفهم ما أعنيه ؟
    بالطبع ،، بالطبع أفهم.
    أحسست بشيء من الخجل ،،فكأنها أصابت هدفا بسهم صراحتها.
    سبابتها تدور على أطراف الكأس بشكل دائري و هي تنظر إلي نظرات ذات مغزى،، كأنها تفصح عن حيرتها أمام شخص لا يمت الى عالمها.
    أريد أن أتجول في المدينة ،، أيمكنك أن ترافقينني ؟
    أومأتْ برأسهاموافقة.
    طيلة مدة مرافقتها لي ،، كنت أسألها نفس السؤال : ما هو الشيء الذي شدك إلي؟
    تماطل أحيانا ،، و أحيانا تغضب ،، أرضيها بدعوة لمشاهدة فيلم ،، أو عشاءفي مطعم فاخر.
    ذهبنا لزيارة والديها في مصبغة ملابس يملكانها.
    قابلوني بتوجس،، و بترحاب حذر.
    ثم إنفردا بها في غرفة داخلية ،، سمعت بعض الحديث ،، كانا يسألانها عن مدى علاقتها بي ،، و ماذا تنوي أن تفعل . إرتفعت أصواتهم ثم هدأت
    في طريق العودة ،، ظللت صامتا.
    قالت : ما بك ؟
    لا شيء
    هل سمعت حديثنا؟
    بعضا منه.
    قالت ضاحكة : يحسب والداى بأنني سأهرب معك إلى بلدك.
    ومن أين أتتهما هذه الفكرة ؟
    من صديق غيور خاصمته قبل أن أخرج معك.
    يالها من طريقة للتخلص مني. ما رأيك أن تأتي معي لبلدي بالفعل؟
    لم لا تبق أنت معي ،، فعلى الاقل أنت هنا الآن ؟
    أفحمتني بطلبها.
    في ركن منزو في ملهى ليلي ،،، حاولت ان تجعلني أنسى محادثتها مع والديها.
    ملأتْ صحو الجو سحب داكنة كسحب خريف بلادنا ،،، كدخان أزرق يعشعش في الرأس فيصيب الخدر أطراف الجسم ،، و زمجر الرعد معربدا ،،، كغريزة أُطلقتْ من عقالها فانفلتت تعدو كثور في مستودع الخزف ،، وتساقطت قطرات من المطر بصوت مكتوم ينقر على زجاج النافذة ،، فتسيل القطرات مخلِفةخطوطا متعرجة ،، و ومْض البرق يشق جوف الليل ،،، في التحام و تجانس بين النار والماء ، بين الرغبة الجامحة و انكسارها ،، و للأمطار في النفوس فعل السحر ،، و تكسوالأجساد بنداوة قطرات الندى المنزلقة على أوراق الشجر ذات صباح بهي في غابة صنوبرية.
    رغم صغر سنها ،، فقد أدهشتني بغزارة معلوماتها.
    تتحدث عن مارتن لوثر كنج و تتلو على من ذاكرتها مقتطفات من أقواله.
    تتحدث عن تاريخ الجازالأمريكي بتفاصيل دقيقة ،، حدثتني عن سامي ديفس ، و عن جيمي براون ،، إنتهاءابالروك و رقصة الفالس و بحيرة البجع ،، و الحرب الأهلية في أمريكا ، و عن الحرب الباردة ،،و عن نضال السود في أمريكا ،،الذي تذكر كل مجرياته باليوم و التاريخ وأسماء الأشخاص.
    تتحدث عن كل شيء في كل شيء ،، موسوعة متحركة.
    بهرتني تماما. كنت أظنها ستكون فتاة معجبة بجمالها ،، و تتكيء على هذا الإعجاب الذي يغمرها به كل من حولها.
    رغم أنني لم أستطع مجاراتها في كل شيء ،، إلا أنها كانت سعيدة بمحاورتي لها. كانت مستغربة بمعرفتي عن مارتن لوثر و عن نضال السود و بمعلوماتي المتواضعة عن الموسيقى و تاريخ الأوبرا.
    لا تؤمن بالديمقراطيين و لا بالجمهوريين،، تقول أن الحزبين في نفاق مستمر لليهود و لهث وراء المصالح الخاصة. تحلم بحزب يضم المسحوقين من الشعوب الأمريكية يقوده أحد أبناء جلدتها.
    طيلة الأيام التالية ،،و بشكل مفاجيء ،، كانت منطوية على نفسها قليلا ،، لم تعد تلك الفتاة المنطلقة على سجيتها. كسا محياها حزن عميق.
    ذهبت كعادتي للقهوة لأقابلها ،، ناولني العجوزمظروفا أنيقا معطرا ،، نظرت إليه ، كان منها ، فتحته بيد مرتعشة ،، و قرأت :
    أعذرني لأنني سافرت غربا إلى أوهايو دون أن أودعك.
    سأكون عند عمتي لمتابعةدراستي التي إنقطعت.
    يقولون أن شمس أفريقيا ساطعة و محرقة ،، و أن غاباتها رائعةو دائمة الإخضرار ،، و أن لها سحرا أخاذا يجذب المرء إليه ليعود و يزورها مرات ومرات.
    و شاهدت كل هذا بعد أن رأيتك.... أحسست به تماما . رأيت أفريقيا بعيونك. لفحتني شمسها عندما وضعت يدي بين يديك.
    طوال الأيام الفائتة كنت أصارع مشاعر شتى لازأستطيع أن أذكرها لك هنا.
    و لكنني رأيت كيف أنه يمكنك أن تعيش هنا معي سعيدا .
    أنا أيضا يمكنني أن أعيش معك في أي ركن من أركان الدنيا دون أي مبالغة.
    ولكنك تدري أن طموحي في مواصلة الدراسة لا يحده حد.
    و لي تطلعات كبيرة ،، تعرف بعضها جيدا.
    أرجوك ،،، إبق معي و لا تعد إلى هناك ،، على الأقل الآن ،، أرجوك ..
    لك حبي.. و قبلاتي..

    رفعت نظري ،، العجوز يرمقني بتحفز ،، عرفت أنهاقد حدثته بالأمر كله فقد كانت تثق به و تحبه كوالدها تماما،، نظراته كانت تقول انه ينتظر إجابتي.
    وضعت الخطاب في جيبي .
    قرأته عدة مرات حتى كدت أن أحفظه عن ظهرقلب. لأيام طويلة أخرج الخطاب من جيبي و أقرؤه ثم أعيده.
    عدت للقهوة.
    قلت للعجوز : لا أريد أن أقول لك وداعا ،، فهي كلمة صعبة على القلب.
    أهذا وداع أخير؟
    أخشى أن يكون كذلك.
    هي أيضا لن تأتي ،، أنا أعرفها تماما ،، سأفتقدكما حقا. هل ستذهب إليها ؟
    ربما. لا أدري تماما.
    أمسك بكلتا يدي طويلا ، ثم قال و هويربت على كتفي :
    كنت في شبابي ،، أتبع صوت عقلي دائما في كل أموري ،، و لم أندم . المرة الوحيدة التي سمعت فيها صوت قلبي ،، حدث شرخ لم أستطع أن أجبره رغم كل هذه السنوات. أتمنى لك حظا طيبا يا بنى.
    ثم إنسحب إلى الداخل .
    نظرت إلى مقعدهاالخالي ،،
    موسيقى كلاسيكية هادئة تغمر المحل ،، ضحكاتها ترن في أذني كأنها تنطلق من كل مكان في المقهى كروح معذبة تهيم بين المقاعد و على الطاولات ،،
    و عطرها كأنه لايزال ملء الرئتين.
                  

09-01-2021, 07:29 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    كان يعيش في عزلة تامة عن محيطه . لا تتجاوز علاقاته أفراد أسرته في البيت.
    حتى صلته بأقاربه شبه مقطوعة.
    هاجر طلبا لمزيد من العلم. و تقوقع في نفس القوقعة التي كان منكفئا بها ببلده.
    عندما تعلم أسرار الكمبيوتر و عرف طرق التواصل عبره ، أصبح علما في رأسه نار.
    لم يترك وسيلة من وسائل التواصل إلا طرقها.
    قام بوصل كل حباله المقطوعة مع أهله و أقاربه عبر الكمبيوتر.
    ثم توسّعت دائرة معارفه و أكتسب صداقات جديدة من الجنسين.
    في بريده سيل لا ينقطع من الرسائل.
    أضحت شاشته دنياه الجديدة.
    عندما نقلوه للمستشفى شاكيا خطبا في قلبه كانت شاشة جهازه تتراءى أمام عينيه بما فيها من أسماء و عناوين و صور.
    و عندما توقف قلبه عن الخفقان ، كانت هناك عشرات الرسائل و التنبيهات و التعليقات تنتظر ردوده ، و الشاشة في حالة انتظار.
    في المشرحة كانت هناك ديباجة على جثته تقول : لم يسأل عنه أحد حتى تاريخه.
                  

03-07-2022, 03:36 PM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    up
                  

03-08-2022, 05:01 AM

بسمات الشيخ
<aبسمات الشيخ
تاريخ التسجيل: 05-22-2021
مجموع المشاركات: 833

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    وهذه هي مصيبة الكمبيوتر والجوال ووسائل التواصل الاجتماعي التي اتخذوها بديلا عن.الزيارات
    المنزلية وتفقد حالات الاهل والجيران ..وحتى نجد ان الجار لا يعرف اسم جاره ولا اسرته وتبلدت
    المشاعر والاحاسيس...وحتى داخل البيت الواحد نجد كل شخص حياته اصبحت جواله والتخاطب
    داخل المنزل بالرسائل.....وما خفي اعظم.واشر...
                  

03-08-2022, 01:27 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: بسمات الشيخ)

    تحايا سامقة اختنا بسمات
    وشكرا لرفع البوست
    وشكرا لتحفيزنا لنبش الذاكرة لدلق المزيد

    (عدل بواسطة ابو جهينة on 03-11-2022, 12:46 PM)

                  

03-11-2022, 01:31 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    أن تصبر ( نعمات ) على غياب زوجها عنها مدة سبع سنوات طوال و هي الشابة الممتلئة صحة و عافية .. فذاك أمر كالمشى حفاة على الشوك في عز الهجير ..
    ( نعمات ) الشابة التي يقول عنها ( عبدالنبي ) عندما يراها و هي تنحني لتملأ الصفيحة ماءا من النيل :
    و الله الفرسة دي عاوزة ليها خيال عندو صحة .. البنية ما عندها حظ ..
    ثم يتابعها بنظره و هي ترتقي علو القيف بصبر و أناة و قوة لتفرغ الماء في الزير .. يتماوج جسدها المتناسق مع كل خطوة تحرص فيها على توازن ما تحمله على رأسها .. و يُظْهِر الفستان المبلل بالماء تقاسيم جسدها بدقة تجعل عبدالنبي يبلع ريقه مرارا .. و يلعن الزمن في سره و ينهال على الأرض بطوريته في غيظ مكتوم ..
    أن تصبر هذه الفتاة و تتناسى رغباتها الجسدية و شوقها العارم .. فهو أمر يفوق الصبر المدلوق على نسج ( برش ) من سعف النخيل في أيام القيظ تحت نخلات يهرب الظل عنها سريعا .. و يزيد أيضا على الصبر الطويل في مراقبة محصول القمح و حباته تنبثق من فتحات التربة تقاوم السموم و رياح الهجير و تقابل موجات ( الزرازير و بغاث الطير ) حتى موعد الحصاد ..
    تتناسى و لا تنسى ..
    تتذكر و تهرب من الذكرى بمزيد من التفاني في أشغالها اليومية ..
    تشغل نفسها حتى النخاع لتطفيء غضب الرغبة و تقتل نَتْح المتعة التي لم تدم مع عريسها المهاجر سوى بضعة أشهر .. كانت ثمرته ( محمد ) .. يؤنس وحدتها .. ترى فيه وجه أبيه .. و تلك اللحظات التي مرت كلمح البصر .. تتحدث معه عند هجعة الليالي و هي تداعب شعره .. تبثه أمانيها بعودة الغائب .. أحيانا تأمل في أن يرسل في طلبهما .. فيبدو بعيدا صعب المنال .. و تارة تلفها الأمنية و تتجسدها كروح أخرى تنام و تصحو معها ..
    تأتيها أسئلة وحيدها البريئة : أنا عاوز أشوف أبوى ..
    تخنقها عبرة .. و تلجم لسانها غصة .. فتروغ عن أمنيته بدندنة أغنية تهدهد لهفته و تجعله يغفو تجلل نومته أحلام طفولته الحيرى ..
    تمر أيام الصيف الطويلة .. بقيظها و سمومها ..
    لا يبرد جوفها غير قطرات ماء الزير و نسمات آتية من صفحة النيل ..
    سكون ساعات النهار لا يقطعه غير صوت طلمبات الماء تزيد من وجع رتابة أيامها ..
    ليل الصيف بأنجمه المتلألة .. تسامرها طوال الليل و حتى مطلع الفجر .. تحسبهم نجمة نجمة .. تتابع المتهاوي منها في الأفق البعيد .. فتعيد الكرة لتبدأ العد من جديد .. يذكرها بليلة دخلتها .. خجلها .. خوفها اللذيذ الذي سرعان ما بدده زوجها بروحه الدمثة .. تجربتها كأنثى تغادر دنيا العذرية و وصولها إلى عوالم أخرى كانت مجرد حواديت كن يتناقلنها في خجل من تجارب صديقات و قريبات ..
    يا لليل الصيف ذاك .. و يا لليالي الصيف بعدها .. فكلما زحف بطيئا آتيا بتثاقل تزحم رأسها تلك الأيام بعطرها و أهازيج فرحها ..
    يأتي الصيف الآن ..
    يموسق ليلها صوت نباح الكلاب البعيد ..
    و ضفادع يعلو نقيقها و يخفت ..
    و صوت أوتار طمبور يئن يحمله الهواء تارة و تارة يذوب مع أصوات أخرى ..
    و أنفاس طفلها هي الوحيدة التي تجعل أوتاد روحها تنغرس بصلابة في أرض حياتها المجدبة ..

    تتوالى شهورها .. و سنواتها .. و شوقها يكبٌر سنواتها بمراحل ..
    و يأتي الشتاء قارسا يحمل زمهريره بين طياته ..
    تحتضن وحيدها تتلمس الدفء .. تبحث فيه عن عبق زوجها .. فتحتضنه إليها بقوة .. تقبل جبينه الصغير .. تداعب شعرات حاجبيه .. تمرر أصابعها على خديه الناعمين .. تتحسس شفتيه الصغيرتين بلطف بأطراف أناملها .. تمسك يده و تتمعن في أنامله .. ( شبه أبوك الخالق الناطق .. ربنا يكتب سلامتو ) ..
    تلمس أطراف أذنيه الباردة .. تسحب الغطاء و تضعه على رأسه .. و تبدأ في دندنتها الليلية و طيف زوجها يتراقص أمامها كضوء لمبة الجاز يداعبه تيار هواء فالت من بين فرجات الباب ..
    تنطلق مع المنطلقين عند سماع ( اللوري يطلق صافرة معينة يعرف بها الكل هوية السائق ) .. تتمعن الآتين .. و قلبها يكاد يقفز من بين أضلعها .. تنطلق الزغاريد و نوبات بكاء الفرح المكتوم .. و العناق .. و يختلط حابل الآتين مع نابل المستقبلين .. و تختلط بدواخلها و تتمازج مشاعر وجلة شتى .. و رويدا رويدا ينفض سامر الجمع و ينطلق اللوري إلى وجهة أخرى مخلفا غبارا كثيفا يزيد من كثافة ضباب روحها المعتمة و قلبها الولهان ..
    ينظر إليها وحيدها و الإمتعاض مرسوم على وجهه .. تهرب من نظرته و تسحبه وراءها و الطريق أمامها تحجبه دمعات تقف معاندة و مكابرة ..
    تنطلق لا تلوي على شيء و هي ترتب لبرنامج بقية يومها المعروفة يكلله الوجع الذي طال ..

    ** ** **

    ( نعمات .. أنت أنثى خرافية ) ...
                  

03-13-2022, 09:17 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    التوقيت : فى يوم قائظ من صيف شهر مايو 1976
    "إدريس عسكرتود" من نواحي "قوز اللباب" - وهو يفلح فى وسط "المتَرة" -جاءه من يبلغه بأن عمه " فقير" قد ضرب تلفون من السعودية فى بيت الضابط جعفر فى دنقلا العُرضي يسأل عنه و يطلبه للحضور يوم الجمعة و إنتظار مكالمته .
    ركب إدريس بوكس "عثمان أُروّمه" المتوجه صوب دنقلا وهو يضرب أخماس فى أسداس .

    يستتبع ،،
                  

03-13-2022, 11:32 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    واصل يا وليد
                  

03-17-2022, 03:17 PM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    ....
    عمك فقير كان لا يٌخالف له رأي ولا تكسر له كلمة , ,ولا يرد له طلب مٌطاعا مهابا لا يحب كثر الكلام ، متجهم الوجه لا يذكر أحد أنه رآه يبتسم، بيد انه كان كريما موجوادا رجل ذو أيادي بيضاء و "زول مواقف" له مساهمات مقدرة فى محيط القرية فى مشاريع المياه وصيانة المدرسة وعلاج المرضى و الكثير من أعمال الخير دون منِّا ولا أذى . قضى شبابه فى خدمة أحد الامراء فأكتسب ثقته كونه كان رسميا جدا فى العمل ويكره الفوضى وكان -من ناحية أخرى- رئيسا لجمعية منطقتهم ،ورغم مشاغله وسفره الدائم إلا أنه كان يحرص على تواجده فى الجمعية نهاية الأسبوع يناقش أمور المنطقة وتنميتها يوجه هنا وينصح هناك .
    كان أمر "إدريس عسكر تود" محسوما وبعد تلك المكالمة بأسبوعين حل إدريس فى مدينة جده ثم منها الى الرياض مغتربا جديدا ، كل شئ كان قد تم ترتيبه فعم فقير خاله كان يرى أن مصلحة إدريس في الإغتراب مثله مثل الذين سبقوه "سعيد تُلّوب" و "عثمان مهمنتود" و "كُنّه" و "علي كاتول" .
    مضى إدريس مصحوبا بدعوات الوالدة "فافا يُودول " وهى ترفع أكفها بالدعاء له .."عديلة..عديله يا وليديى" ترك المترة و البرسيم قد آن حصاده ، ونخلاته الثلاث وساقيته بعد أن ولّ أمرها جميعا "عثمان هوُلّه".


    للحديث بقية
                  

03-15-2022, 02:25 PM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    Quote: أن تصبر هذه الفتاة و تتناسى رغباتها الجسدية و شوقها العارم .. فهو أمر يفوق الصبر المدلوق على نسج ( برش ) من سعف النخيل في أيام القيظ تحت نخلات يهرب الظل عنها سريعا .. و يزيد أيضا على الصبر الطويل في مراقبة محصول القمح و حباته تنبثق من فتحات التربة تقاوم السموم و رياح الهجير و تقابل موجات ( الزرازير و بغاث الطير ) حتى موعد الحصاد ..تتناسى و لا تنسى ..
    إبراهيم قضى عشرون عاما حسوما بعيدا عن الزوج و الولد وظلت عينا الزوجة فوزية تدمع كلما مر خياله حين فرح أو ترح، وحين بلغ أكبر أبناءه خمس سنوات كانت تبكي لحاله ثم صارت تبكي من آن لأخر ، وحين عاد بعد تلك العشرون إنتحب الأبناء وهم يقدلونه ووقف (شبح فوزية) صامتا !!..صامتا تماما

    (عدل بواسطة walid taha on 03-15-2022, 02:27 PM)

                  

03-15-2022, 06:58 PM

محمد الكامل عبد الحليم
<aمحمد الكامل عبد الحليم
تاريخ التسجيل: 11-04-2009
مجموع المشاركات: 1968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    االاغتراب تجرية انسانية متعددة الالوان ...محاولة للتوازن في خضم عميق للطفو منه وفي اليد شيء من ثياب ...تجرية للنضج الانسانى رغم كل الظروف ...سنعود لنحكى ...ولك الاحترام

    (عدل بواسطة محمد الكامل عبد الحليم on 03-15-2022, 07:00 PM)

                  

03-16-2022, 12:03 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: محمد الكامل عبد الحليم)

    تحايا كبيرة وسلام مقيم اخي محمد الكامل

    لا فض فوك، كلماتك هي بالفعل تلخيص للغاربة والاغتراب ومآلاتها

    في انتظارك اخي محمد
    دمتم
                  

03-25-2022, 08:44 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    تحياتي اخي وليد

    واصل
                  

03-25-2022, 08:55 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    بانوراما
    المكان :
    مدينة جدة ،، شقة مغترب سوداني يسكنها مع زوجته و أولاده و بناته ،، شقة واسعة في حى من أحياء جدة القديمة ،، هو محسي من الشمال و هي من بنات الجزيرة ،، الإثنين في منتهى الكرم و الأريحية و الصبر و طول البال ،، يستقبلون المعتمرين في كل المواسم ،، و يستقبلون الحجاج و الحاجات ،، و يستضيفون بقلب قوي شجاع كل الزائغين من الحج و العمرة و العاطلين عن العمل و الهاربين من كفلاءهم ، و الحردانات أزواجهن إلى حين حضور الأجاويد ، كل هؤلاء من أهل الشمال و الجزيرة ،، لذا تجد الشقة خليط من الثرثرة ( باللغة النوبية ) و إنبهال الكلام بلهجة أهل الجزيرة ،، و تأتيك أحيانا زخات من الدوبيت و المسادير منطلقة من الصالون ،، و تنطلق من حين لآخر أغنية باللغة النوبية من مسجل في ركن قصي بنفس الصالون ،، فيختلط حابل ذاك بنابل هذا.
    الإخراج :
    الكل منطلق يتحدث و يتصرف في عفوية
    أهل الجزيرة يعرفون أن البساط أحمدي ،، لأن ست البيت ( بنتهم و هم أخوالها و أعمامها ) ،، أهلنا المحس ،، ماخدين راحتهم بالكامل ،، فصاحب البيت ( ولدهم و إبن حتتهم OONAMMENI ).

    لغة البرنامج :

    اللغة النوبية شغالة دون توقف و هذا ما يزعج أهل العوض و يجعلهم ( يطنطنون تحت تحت : و الله ما فاهمين التَكْتَح ). فيستعملون كلمات لا يعرف أهلنا المحس مغزاها فهي من الدارجة ( العميقة الموغلة في مفردات بيئة أهل الجزيرة ) ، حتى أن واحد من عندنا سمع من واحد من أهل الجزيرة كلمة ( متل أَتَكَنٌو ) فحسبها ماركة ساعة يابانية فحاول أن يسأل عن سعرها و يقتنيها ( ها يا زول إنت بي صُحَك ولا بتهظر ؟ ) ..

    الزمان :

    عمرة في عز الحر ،، الشقة عامرة بأهل الجزيرة و أهل الزوج المحسي ،، نساء و رجال ،، شيبا و شبابا.

    الصالة و غرف البيت ،، و السطوح ،، لا مكان يخلو من البشر ، كتل متراصة دون ململة.
    الصالون جردوه من الطقم و تم فرش المساحة كلها بالسجاجيد و الأبسطة و المخدات و الملايات و البطاطين و الألحفة.
    العمائم في كل ركن و معلقة خلف الأبواب على المسامير ،، و شالات من كل الأشكال و الأحجام ،، بعض العراريق موضوعة على المخدات لتجف من العرق ..
    تقبع (حفاظة) ماء كبيرة بالقرب من الباب و ترقد عدة أكواب بلاستيكية على الغطاء.
    حقائب و (هاندباقز) من مختلف الأشكال و الأحجام تملأ الأركان.
    سلال النفايات البلاستيكية عامرة ببقايا الصعوط و قشر الفواكه و التسالي.
    المكيف الصحراوي لا يتوقف ليل نهار ،، تسمع أزيزه فكأنه يشتكي لك من البلل الدائم و نشفان القش و السيور ، فتشفق عليه.

    المَشاهِد المنقولة يوميا :

    الزوجة تقف منذ الصباح الباكر كعادتها كل يوم ،، تطبخ حلة ماكنة من ملاح الويكة ،، ثم ( تلخ ) عجينا لزوم القراصة و آخر لزوم الكسرة.
    الإبن الأكبر لا يجد كراسة الرياضيات ، فقد أخذها إبن خالة أمه و إقتطع منها عدة ورقات لزوم ( تضريبات المنصرفات ) ثم رمى بالكراسة تحت السرير.
    حوض الغسيل مسدود و المياه طافحة و سائلة حتى باب غرفة النوم بسبب إستفراغ حاج عبدالله فيه إستفراغا كثيفا بعد إن إلتهم ( خمسة سندويتشات شاورما ) يبدو أنها كانت بايتة و مليئة بالمايونيز المضروب.
    المسجل الجديد في البيت لم يعد يعمل ، فقد وضعه أحدهم على خط 220 فإحترقتْ فيوزاته.
    إشتبك ( صالح ) مع ( الخير ) لأن الخير إنطلق ( يدوبي ) بأعلى صوته فإنتهره ( صالح ) : إنت هسع مش جيت من بيت الله ؟ أقرا ليك قرآن ولا حديث يا أخي ،، بعدين صوتك دة مزعج خالص.
    إنتهى الإشتباك بأن أقنعوا ( الخير ) بالذهاب للسطوح لإفراغ موهبته ، فخرج و هو يهجو ( صالح ) بأبيات من الدوبيت و هو يضغط على مخارج حروفها كمذيع برنامج ( البادية ) حتى لا يلتقط ( صالح ) معانيها.
    الحاجة بتول تصر على أن تترك ست البيت عملها في المطبخ و تناولها غويشات و ( أحفظ مالك ) و الخواتم التي تخص حفيدتها لتملأ عينيها من الأصفر الرنان.
    ( إسماعيل ) يحاول جاهدا أن يفهم فئات العملة السعودية ، فهو لا يعرف الفرق بين الفئات الورقية ، لذا فقد إشترى علبة بيبسي و أعطى صاحب البقالة البنغلاديشي ورقة ( أم خمسين ) دون أن ينتظر الباقي و رجع إلى البيت و هو يتجشأ غازات المشروب ( و يصر عينو بعد كل تجشؤ ) ..
    أحد الجيران المصريين ، يشتكي لصاحب البيت بأن إثنين من الضيوف طرقوا باب شقته منتصف الليل و هم يصرون على أن هذه هي شقة الزول ، حتى و بعد أن أتى المصري بزوجته و عياله و قال لهم : أنا صاحب البيت يا قماعة ، شأتكو التانية اللي في الوش دي ،، حرام عليكو ،، عاوزين ننام بأة ..
    البنت الصغيرة و هي تبكي لأمها : يمة ،، الراجل أب صلعة داك أكل كيس الشيبس بتاعي كلو.
    (حمد ) بأعلى صوته من الحمام : يا جماعة صابونة الجن دي قدر ما أدسها ما ألقاها.. و بعدين منو دة البيستعمل بشكيري دة ؟
    يرد عليه ( جبريل ) بصوت خفيض و هو يغمز ( لبابكر ) : الصابونة ما بتاخد معاهو غير دعكة واحدة أب جسما زى أبو القنفد دة ،، هو بي نضمو دة عاوز ليهو صابونة شحدة ساي.

    ( كرار ) و هو يضحك حتى يستلقي على قفاه و هو يشير بأصبعه إلى رأس ( السر ) المحلوقة و قطع من القطن تتناثر في عدة أماكن من رأسه : إنت الزول دة حلق ليك بي أسنانو ولا شنو ؟
    جو الصالة يعبق برائحة غريبة ، فقد أشعلتْ الحاجة زينب قطعة من القماش لتستنشق دخانه مقتنعة بأنه علاج للصداع النصفي الذي يلازمها منذ زواجها من ( صابر ) ذو الثلاث زوجات قبلها تحت إلحاح أبيها الطامع في ثروة ( صابر ). لا تبالي بإحتجاجات بقية النساء و تواصل الإستنشاق و هي تقول : ربنا ما يوريكن وجع الشقيقة دة ،، و الله لو قالوا ليكن إتبخرن بي بعر غنم كان ما بتابَنٌو. حاجة ما بتتقابل.
    و تشد نفسا عميقا حتى تدمع عيناها.
    ( الرضية ) تدخل خلف ست البيت في غرفة النوم ، و تطلب منها على إستحياء سلفة لأنها ترغب في شراء ( تياب و شباشب ) للمتاجرة بها في الحلة بالسودان. ست البيت و هي محرجة تعتذر لها و تقول : و الله زوجي ليهو شهرين ما أدوهو الراتب ،، بيدوهو على قدر أكلنا و شربنا.
    فتلوي الرضية بوزها و تخرج و هي تتمتم : تلقاكي خاتاهن رُزَم رزم.

    منتصف الليل ، ينطلق شخير ، بدأ منخفضا ، ثم بدأ يعلو شيئا فشيئا من الصالون ،، فينطلق الإحتجاج من سكان الغرفة المجاورة ، سرعان ما هدأتْ الإحتجاجات فقد بدأ صوت شخير آخر بغرفة المحتجين يفوق درجته ذاك الآخر بأكثر من درجة على مقياس ( شِخْتَر ) ..
    ( الحاجة سكينة ) تتسلل إلى المطبخ لتسكت جوع بطنها ، فهى قد حردتْ العشاء بعد ملاسنتها مع ( الرضية ) بسبب إنتقاد الثانية لها بأن ( توبها ) ما توب واحدة في عمرها. تصطدم بحلة كبيرة على الأرض فيتحدث صوتا إيقظ ست البيت التي جاءت مهرولة إلى المطبخ ،، مما حدا بالحاجة سكينة بأن تتظاهر بأنها تريد أن تشرب الماء ،، فناولتها ست البيت ( جك الماء ) فكرعته كله حتى تنسى الجوع ، و عادت إلى فراشها و هى تلعن الرضية و تلعن المكابرة.

    و تتواصل المشاهد ، المشهد تلو الآخر ..
                  

06-26-2022, 07:54 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    Quote: روهي يا يهودية.
    :))))))
                  

06-26-2022, 11:35 PM

مجدي عبدالرحيم فضل
<aمجدي عبدالرحيم فضل
تاريخ التسجيل: 03-11-2007
مجموع المشاركات: 8882

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)





    نتابع


    فوق




    ،،،،أبوقصي،،،،
                  

06-27-2022, 06:45 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: مجدي عبدالرحيم فضل)

    Quote: ،،،،أبوقصي،،،،


    ياااازول ! :)
    عودا حميدا
                  

06-27-2022, 02:08 PM

Abdalla Gaafar

تاريخ التسجيل: 02-10-2003
مجموع المشاركات: 2152

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    نيويورك مرة اخرى
    صديقي
    لك الود وانت تكتب عن نيويورك باشتهاء مرعب ...
    ولك شكرا وانت تكتب بأناقة العاشق (لغة وقلب) عن مدينتك الانثي....
    هكذا بقيت نيويورك بذاكرتي...........مدينة من وقت ودهشة وانبهار...تبقي بذاكرة عشاقها و مقتحمي حضنها بنكهة (الدنقابة)......قاسية المذاق ورائعة الطعم ...مدينة يحتمل قلبها ايقاع خطي زائريها الباحثة دائما عن ما تخبأه (كأم فتفت) هذه المدينة من جمال مفرط...(رغم احتقان معمارها بشواهق هيئة الامم ...قضاءا بظلم القوي...وفرض اللغة الطاغية علي ضعفاء الدنيا)
    ورغم كل ذلك تبقي نيويورك
    مدينة باهرة الشموخ ...بكبريا من غضب جميل...مدينة .يزداد جمالها بقدر قدرة الزائر علي التسكع و اكتشاف دواخلها المملوءة دوما بمفاجاءت جمال الامكنة وابداع الصناعة البشرية...كثير من جمال تداري به وجع النهوض من احزانها السبتمرية ...
    غادرتها وانا ممتلء بانبهاري بها....
    صديقي اسامة عثمان عاشق نيويورك الاكبر وساكن قلبها..وكاتبها الأنيق ايضا...هو من قدمني لهذه المدينة...فعرفتها من خلال ترجمته لعلاقة صدبقة بيني وبينه وبينها......(بالاضافة لذكريات كتبت علي جدرانها بلون احمر)
    ياصديقي
    شخبط علي جدرانها باللون الاحمر بحرية غير منقوصة.... من قاع المدينة الاسفل والي حيث تقف ألهة الرومان ليربتس علي جزيرة الحرية

    (عدل بواسطة Abdalla Gaafar on 06-30-2022, 09:59 AM)

                  

06-29-2022, 08:30 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: Abdalla Gaafar)

    تحياتي ايها الخوة الكرم، كل في جبهة اغترابه ممسكا بجمر الالتزام بما اجبره على الاغتراب

    فضفضوا يرحمكم الله
                  

09-15-2022, 12:57 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    كلمات جعلته يفقد وظيفته
                  

06-30-2022, 05:30 AM

هشام الدرديري
<aهشام الدرديري
تاريخ التسجيل: 04-11-2019
مجموع المشاركات: 128

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    (المسافة بين مطار الخرطوم ومطار الرياض لا تتعدى الساعتان وخمسون دقيقة، لكنها ألف عام بأميال الأشواق والأرواح.)

    ياسلااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااام يشهد الله عيني دمعت ياوليد ياخي مالك علية
                  

08-21-2022, 03:38 PM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: هشام الدرديري)

    Quote: ياسلااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااام يشهد الله عيني دمعت ياوليد ياخي مالك علية


    و تطول الحكاية أخي هشام

    تحياتي ،،
                  

08-21-2022, 11:30 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    Quote: كما نرى انكساراتنا و أشواقنا
                  

08-29-2022, 09:29 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    Quote: Quote: كما نرى انكساراتنا و أشواقنا
                  

08-30-2022, 05:48 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    ,,واصل يا وليد

    لا تزال قواسيب الغربة متروسة

    تحياتي




                  

09-01-2022, 11:10 AM

Abdalla Gaafar

تاريخ التسجيل: 02-10-2003
مجموع المشاركات: 2152

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    الغياب
    صديقي
    أهو الحنين الإجباري في لحظات ضعف القلب والجسد والعقل ... أم هو الشعور بلحظة الإقتراب من خط النهاية ومن ثم البحث في لحظات الرحيل الأخير عن وجه أليف؟
    يا لحزنك ....
    أربعون عاما من محاولات التأقلم ولا تزال بك بقية من غناء قديم يعود بك الي مرافيء البداية.... والتي لم تعد الان صالحة لكل انواع العودة.. منذ العام الجدب بعد الانهيار... نعم ماعادت ذات المرافيء .. هجرها ساكنوها وخاصمها القمر....
    لماذا لم تسقط من ذاكرتك هذا الجزء من ضلال القلب ضمن ما اسقطت من الاسماء والغناء وخطي العودة؟
    ها أنت وفي لحظات الصحو الفجائي المؤقت (كما أظن) تدعوني الي العودة لتاريخ كتبه فجّار القطيعين بمداد الدم .... وتدري أنني ابن ذاكرة الأرض العاق... وانني أيضا كغيري تحملت وزر البقاء محايدا في قضية مريام ضد الأرض وآخرين!
    لم لا تحاول التخلص من صدي البقية من غبار ذكريات الميلاد من أجل التصالح مع واقع حالك والذي أظنه مائل!
    لم لا تدعني كغيري من أبناء السبيل أكتب عن الحزن الدائم في موسم اللا حزن ... عن اللا عدل في موسم العدل... وعن البقاء في اللا وطن .... وعن اللا لا
    نعم يا صديقي لا زلنا أبناء تلك الورطة... ورطة التواجد في مناطق مابين القطيعين .... يصيبنا التلوث اللغوي والفعلي جراء معارك الضد.... كلاهما يحترف النفاق والسقوط ... وكلاهما اثم قلبه ...... وكلاهما يملكان من سوء القصد وسوء الفعل ما يدفعنا قسرا الي أقصي انتكاسات الروح والجسد ...
    يا صديقي ما بين الفقر والرحيل مسافات من الغم والغبن والانحناء....وما بين الرحيل والهروب مسافة للصبر واحتمال أكبر للإنكسار....
    وتبقي الاحلام هي آخر ما تبقي لنا لتفادي الرحيل المبكر إلي صرخة النهاية ... هي آخر ما تبقي بعد ان سرقوا الخبز والدواء والضحك والصلاة وطمأنينة الفقراء ....
    كلاهما فجور في الخصومة والظلم .. فعلوها بفسق بالغ القسوة في لحظات الانحطاط العظمي ... اغتصبوا الارض وضاجعوها بعنف فاجر .. حتي فقدت خصوبتها وخاصمتها الامطار فانبتت مزيدا من أشجار الزقوم ومحاصيل الزنا والفقر والمرض .... وما بين سيادة وقوادة فجّار القطيعين يبقي الحلم السري لسكان المناطق الوسطي هو ما يقينا شر السقوط الأخير ومن ثم البقاء أحياء في المناطق تحت الاحتلال

                  

09-03-2022, 07:18 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: Abdalla Gaafar)

    لا فض فوك اخي عبدالله

    *****


    لم لا تدعني كغيري من أبناء السبيل أكتب عن الحزن الدائم في موسم اللا حزن ... عن اللا عدل في موسم العدل... وعن البقاء في اللا وطن .... وعن اللا لا

    ***

    وقفت هنا طويلا

    دمتم
                  

09-05-2022, 03:37 PM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    ---"عُمر السنين أيااااام "
    يا سلام يا أبو عفان . بعد 23 عاما لازلت أتذكر - فى أول معاودة للإستماع الى شريط " قصتنا" الـ TDK فى ليلة شتوية و البرد فى اوجه – كيف صادفتنى "عُشرة الأيام" فى آخر كوبليه !بدأ زملاء الدراسة والأصدقاء القدامى -خاصة زملاء (الشقا و الفلس والقطعة ناس الهند ) - بزيارتي و السلام و " حق الله بق الله" و عزايم وكده و "تمشى معانا يا ويلي" حتى أنهم حاولوا أخذ شنطتى و أصروا أشد الإصرار على أن أرافقهم وهمسوا لى " تعال يا مان أسكن معانا لحدى ما تلقى شغل " ومع أصرارهم الشديد قلت اديهم يومين شلت غيار ومشيت بتا معاهم الليل كلو نتونس ونجتر ذكريات. الصباح صحوني وقالو لى " أسمع يا مان نحن ماشين الدوام ، نجي نلقاك عامل لينا حلّة " 😊 دقيقة يا جماعة "الدوام" ده شنو ؟ : "الدوام ده الشغل يا حبيبنا , نجي نلقاك عامل الحلة ، بالمرة غسل معاك العدة". 😊فتذكرت ما كنا نردده أيامها " لن ننسى أياما مضت لن نسى ذكراها ، لن ننسى أياما مضت عدساُ أكلناها ". يا سلام تلك أياما طُبعت فى الذاكرة بكل ما فيها من عنت ومشقة وفرح وحزن ’ زمالة حقّة متينة بدأت هناك و تستمر حكايتها هنا بمذاق ونكهة أخرى .غادرتهم على وعد بالرجوع إليهم بعد ترتيب أموري ’ وصلوني و(عصروا) لى مجتمعين 500 ريال 😊
    بدأت بتوزيع أوراقي ، السيرة الذاتية وصور من شهاداتي لكل من طلبها وو عدوني بدورهم بتوزيع صور منها لكل معارفهم و زملائهم .
    كنت ما بين الفينة والأخرى ألقى نظرة على الدفتر الأخضر وأرهف السمع لـ " أبو عفان" وامارس محاولاتى في الهرب من بعض القلق !

    يستتبع

    (عدل بواسطة walid taha on 09-06-2022, 06:45 AM)

                  

09-05-2022, 09:57 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    نواصل
                  

09-07-2022, 10:14 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)


    في الغربة ،، تبدو لك لأول وهلة ،، كل المشاعر تجاه الآخرين و كأنها شيء محدود الصلاحية تود أن تستهلكه قبل فوات الأوان.
    تخاف من التوغل في مسام الأحاسيس ،، تكتفي بالمشي على أطراف جداولها خوف الإنزلاق ،، تمد يديك و تغترف لتشرب ، فتبلل شفتيك دون أن ترتوي ،، تغمر رجليك بالماء ، و لكن تخاف أن تسبح و تتوغل في أحشاء البحر. تتحسس مشاعرك بأطراف أصابعك ،، تخشى أن ترتاح يداك على كتفها فتتوسدها و تنام.
    خرجت بهذه القناعة منذ أول وهلة في غربتي ، و لازمتني طوال أيام التسكع في دهاليز الغربة ، المضيئة منها و المعتمة.
    ( بطسبيرج ،،، بنسلفانيا ) ،، تبهرني أنهارها الخمس ،، و أحس في جوها الحار بأنني لم أبتعد كثيرا.
    إعتدت إرتياد ذلك المقهى الذي يعج بالأفارقة الأمريكان .
    تغيرتْ بشرة بعض الأفارقة هناك ،، إتخذتْ لونا خمريا خلابا ،، زاد من حلاوته الشعر الأكرت المتموج بفعل ( كريمات الشعر ).
    أحب تلك اللكنة التي يتكلمون بها اللغة الإنجليزية ،، فهي ممطوطة و مختصرة و قوية النبرات.
    يعرفونك ،، فتمتد أواصر الصداقة حتى بيوتهم و أسرهم.
    الفتاة ذات العشرين ربيعا تعشق لبس بنطال الجينز الذي يتشبث بتفاصيلها ، معانقا جسدها كنبات اللبلاب ،،، يلتف به بحميمية و كأنه يخشى عليه من نظرات هذا الإفريقي الذي لا ينفك يسترق النظر و هو يرشف فنجال قهوته بتأن و روية حتى يتاح له الزمن الكافي لملء ناظريه من هذا القوام الملفوف كثمرة باباى ممتلئة رحيقا و عصارة تعلن عن نضوج مبكر.
    لا أدري لماذا ذكرني وجهها بوجه منقوش على إحدى العملات الأوروبية القديمة.
    عنق ممدود طويلا يسخر من ( طويلة مهوى القرط ) ،، فالأقراط عندها يمكنها أن تتدلى و تتدلى و تتدلى...
    و شفاه أفريقية غليظة كصدفة إنفرجت عن أرتال من اللؤلؤ المكنون.
    تنظر إليها دون أن تمل أو تكل.
    تبتسم ،، فترتفع حواف وجنتيها إلى أعلى لتغطي جزءا من إتساع عينيها ، فيزيدها هذا سحرا على سحر.
    عندما سمعتها أول مرة تضحك ،، أطلت النظر إليها مأخوذا ،، خيل إلى أن أجراس كنيسة تقرع مجلجلة صباح يوم أحد ،، فمازحني النادل العجوز قائلا و هو يغمز بعينه :
    ألا تود أن تعلقها تعويذة في مقدمة سيارتك. ؟
    معجبوها كثيرون ،، كنت أخاف أن أقترب منها ،، فأنا لا أدري من يكون هذا أو ذاك.
    إكتفيت لفترة طويلة أن أنظر إلى هذه التحفة الإلهية من على البعد.
    أوميء برأسي فقط ،، فترد تحيتي بنفس الطريقة ،، و تبتسم تلك الإبتسامة التي تجعل من قهوتي سائلا لا طعم له و لا رائحة ،، فأعاود الطلب مرة أخرى و العجوز يرمقني بمكر و هو ينصحني ضاحكا بشرب قهوتي قبل أن تفاجأني الفتاة بإبتسامتها.
    كان يلاحظ متابعتي لها.
    فاجأتني يوما و هي تقف منحنية على طاولتي :
    ألا تدعوني إلى طاولتك ؟
    أحسست أن طاولتي إمتدت لتسع المكان كله.
    عطر رقيق يضوع منها ،، عطر يذكرك بأنك إبن أمك الأرض ،،، ملأت رئتي منها
    قالت و هي تنظر إلى و كأنها تعرف مدى تأثير سحرها علي : قل شيئا يا رجل.
    قلت : ضاع مني الكلام.
    و أطلقت أجراسها ترن و تملأ المكان فرحا و صليلا . و أنا أغوص في مقعدي متشبثا ببعض الثبات الكاذب .
    جلستْ و هي تمضغ علكة تنفخها هواءا فأحس بأن أنفاس رئتي قد إختزنتها تلك العلكة ،، فتعيد العلكة إلى فمها فأحس بطعم النعناع في جوفي. مجرد إحساس قوي و مفعم أحْدثه وجودها الصاخب أمامي.
    من أين أنت ؟
    أنا من تراب أرضك البكر ،، من أفريقيا.
    نعم ،، عرفت هذا من أول وهلة .
    هل كنت تلاحظين وجودي كل يوم ؟
    نعم
    لم ؟
    لا أدري ،، شيء ما شدني إليك ،، ربما نفس الدماء التي تجري في عروقنا ،، و ربما شيء آخر...... نفس أسبابك ربما.
    و إبتسمت تلك الإبتسامة التي تجهض كل محاولات تماسكي و تصيبه بالنزف الفاضح.
    هلا أخبرتيني عن هذا الشيء الآخر ؟
    لا تكن ملحاحا ،، هذه أول مرة أحادثك فيها ،، أنا نفسي لا أعرف كنه السبب. أحسه و لا أعرفه.
    هل لديك صديق ؟
    أصدقائي كثيرون ،، و لكن ليس لي صديق حميم بالمعنى المفهوم.
    لم ؟ فأنت في غاية الجمال.
    أنا أفرِق بين من يريدني لجمالي ،، و من يغوص في روحي. أكثر الرجال الآن يستعجلون دعوة الفتاة لإشباع غريزتهم قبل أن يعرفوا من هي و كيف تفكر. هذا ما أعتقده و أؤمن به.
    معنى هذا أنه لم يفهمك أحد إلى الآن؟
    ليس بهذا الشكل. و لكن أريد شخصا يحاورني و يتآلف مع ما أفكر به قبل أن تنزلق عيناه إلى جسدي.أريد رجلا يذوب عقله في عقلي قبل أن تلتهمني نظراته بنهم. أتفهم ما أعنيه ؟
    بالطبع ،، بالطبع أفهم.
    أحسست بشيء من الخجل ،، فكأنها أصابت هدفا بسهم صراحتها.
    سبابتها تدور على أطراف الكأس بشكل دائري و هي تنظر إلي نظرات ذات مغزى،، كأنها تفصح عن حيرتها أمام شخص لا يمت إلى عالمها.
    أريد أن أتجول في المدينة ،، أيمكنك أن ترافقينني ؟
    أومأتْ برأسها موافقة.
    طيلة مدة مرافقتها لي ،، كنت أسألها نفس السؤال : ما هو الشيء الذي شدك إليَ ؟
    تماطل أحيانا ،، و أحيانا تغضب ،، أرضيها بدعوة لمشاهدة فيلم ،، أو عشاء في مطعم فاخر.
    ذهبنا لزيارة والديها في مصبغة ملابس يملكانها.
    قابلوني بتوجس ،، و بترحاب حذر.
    ثم إنفردا بها في غرفة داخلية ،، سمعت بعض الحديث ،، كانا يسألانها عن مدى علاقتها بي ،، و ماذا تنوي أن تفعل . إرتفعت أصواتهم ثم هدأتْ.
    في طريق العودة ،، ظللت صامتا.
    قالت : ما بك ؟
    لا شيء
    هل سمعت حديثنا ؟
    بعضا منه.
    قالت ضاحكة : يحسب والداى بأنني سأهرب معك إلى بلدك.
    و من أين أتتهما هذه الفكرة ؟
    من صديق غيور خاصمته قبل أن أخرج معك.
    يالها من طريقة للتخلص مني. ما رأيك أن تأتي معي لبلدي بالفعل؟
    لم لا تبق أنت معي ،، فعلى الأقل أنت هنا الآن ؟
    أفحمتني بطلبها.
    في ركن منزو في ملهى ليلي ،،، حاولتْ أن تجعلني أنسى محادثتها مع والديها.
    ( ملأتْ صحو الجو سحب داكنة كسحب خريف أفريقيا ،،، كدخان أزرق يعشعش في الرأس فيصيب الخدر أطراف الجسم ،، و زمجر الرعد معربدا ،،، كغريزة أُطلقتْ من عقالها فأنفلتتْ تعدو كثور في مستودع الخزف ،، و تساقطت قطرات من المطر بصوت مكتوم ينقر على زجاج النافذة ،، فتسيل القطرات مخلِفة خطوطا متعرجة ،، و ومْض البرق يشق جوف الليل ،،، في إلتحام و تجانس بين النار و الماء ، بين الرغبة الجامحة و إنكسارها ،، و للأمطار في النفوس فعل السحر ،، و تكسو الأجساد بنداوة قطرات الندى المنزلقة على أوراق الشجر ذات صباح بهي في غابة صنوبرية )............
    رغم صغر سنها ،، فقد أدهشتني بغزارة معلوماتها.
    تتحدث عن مارتن لوثر كنج و تتلو على من ذاكرتها مقتطفات من أقواله.
    تتحدث عن تاريخ الجاز الأمريكي بتفاصيل دقيقة ،، حدثتني عن سامي ديفس ، و عن جيمي براون ،، إنتهاءا بالروك و رقصة الفالس و بحيرة البجع ،، و الحرب الأهلية في أمريكا ، و عن الحرب الباردة ،،و عن نضال السود في أمريكا ،،الذي تذكر كل مجرياته باليوم و التاريخ و أسماء الأشخاص.
    تتحدث عن كل شيء في كل شيء ،، موسوعة متحركة.
    بهرتني تماما. كنت أظنها ستكون فتاة معجبة بجمالها ،، و تتكيء على هذا الإعجاب الذي يغمرها به كل من حولها.
    رغم أنني لم أستطع مجاراتها في كل شيء ،، إلا أنها كانت سعيدة بمحاورتي لها. كانت مستغربة بمعرفتي عن مارتن لوثر و عن نضال السود و بمعلوماتي المتواضعة عن الموسيقى و تاريخ الأوبرا.
    لا تؤمن بالديمقراطيين و لا بالجمهوريين ،، تقول أن الحزبين في نفاق مستمر لليهود و لهث وراء المصالح الخاصة. تحلم بحزب يضم المسحوقين من الشعوب الأمريكية يقوده أحد أبناء جلدتها.
    طيلة الأيام التالية ،، و بشكل مفاجيء ،، كانت منطوية على نفسها قليلا ،، لم تعد تلك الفتاة المنطلقة على سجيتها. كسا محياها حزن عميق.
    ذهبت كعادتي للقهوة لأقابلها ،، ناولني العجوز مظروفا أنيقا معطرا ،، نظرت إليه ، كان منها ، فتحته بيد مرتعشة ،، و قرأت :
    أعذرني لأنني سافرت غربا إلى أوهايو دون أن أودعك.
    سأكون عند عمتي لمتابعة دراستي التي إنقطعت.
    يقولون أن شمس أفريقيا ساطعة و محرقة ،، و أن غاباتها رائعة و دائمة الإخضرار ،، و أن لها سحرا أخاذا يجذب المرء إليه ليعود و يزورها مرات و مرات.
    و شاهدت كل هذا بعد أن رأيتك.... أحسست به تماما . رأيت أفريقيا بعيونك. لفحتني شمسها عندما وضعت يدي بين يديك.
    طوال الأيام الفائتة كنت أصارع مشاعر شتى لا أستطيع أن أذكرها لك هنا.
    و لكنني رأيت كيف أنه يمكنك أن تعيش هنا معي سعيدا .
    أنا أيضا يمكنني أن أعيش معك في أي ركن من أركان الدنيا دون أي مبالغة.
    و لكنك تدري أن طموحي في مواصلة الدراسة لا يحده حد.
    و لي تطلعات كبيرة ،، تعرف بعضها جيدا.
    أرجوك ،،، إبق معي و لا تعد إلى هناك ،، على الأقل الآن ،، أرجوك ..
    لك حبي.. و قبلاتي..

    رفعت نظري ،، العجوز يرمقني بتحفز ،، عرفت أنها قد حدثته بالأمر كله فقد كانت تثق به و تحبه كوالدها تماما،، نظراته كانت تقول أنه ينتظر إجابتي.
    وضعت الخطاب في جيبي .
    قرأته عدة مرات حتى كدت أن أحفظه عن ظهر قلب. لأيام طويلة أخرج الخطاب من جيبي و أقرؤه ثم أعيده.
    عدت للقهوة.
    قلت للعجوز : لا أريد أن أقول لك وداعا ،، فهي كلمة صعبة على القلب.
    أهذا وداع أخير ؟
    أخشى أن يكون كذلك.
    هي أيضا لن تأتي ،، أنا أعرفها تماما ،، سأفتقدكما حقا. هل ستذهب إليها ؟
    ربما. لا أدري تماما.
    أمسك بكلتا يدي طويلا ، ثم قال و هو يربت على كتفي :
    كنت في شبابي ،، أتبع صوت عقلي دائما في كل أموري ،، و لم أندم. المرة الوحيدة التي سمعت فيها صوت قلبي ،، حدث شرخ لم أستطع أن أجبره رغم كل هذه السنوات. أتمنى لك حظا طيبا يا بنى.
    ثم إنسحب إلى الداخل .
    نظرت إلى مقعدها الخالي ،، موسيقى كلاسيكية هادئة تغمر المحل ،، ضحكاتها ترن في أذني كأنها تنطلق من كل مكان في المقهى كروح معذبة تهيم بين المقاعد و على الطاولات ،، و عطرها كأنه لا يزال ملء الرئتين.
                  

09-10-2022, 09:19 AM

Abdalla Gaafar

تاريخ التسجيل: 02-10-2003
مجموع المشاركات: 2152

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)



    العودة الخامسة
    هذا الطريق إلى القرية تعرفه جيدا..تحفظه جيدا...هو ما يحدد فيك دائما لحظات إنحدارك للجذور .. لماذا كل هذا الحزن فيك....
    علي ذاك المسرح...كنت وحدك كل شيء..المؤلف وكاتب السيناريو والمخرج ...وكنت الجمهور أيضا ...(أو هكذا أجبرت لتتحمل وحدك مسئولية هزيمتك الكبرى) ... فحركت قلبك كقطعة الشطرنج... خطأك انك لم تحدد للحلم عمقا ثابتا فكانت أن تحولت الملهاة إلي مأساة......
    ..هل ستفعلها للمرة الخامسة... هو الشتاء وبرد القرية الذي تدري...الهروب اليك ... من بوابة ما يشبه الإنتحار حين يأخذك النيل عميقا إلى جوفه... ترى أهو الحنين الإجباري إلى الرجوع لذاتك؟ ...في لحظات ضعف القلب والجسد والعقل ... أم هو البحث في لحظات الرحيل عن وجه أليف؟
    كان يجب أن تفعلها منذ زمن طويل ... كيف أستطعت مواصلة الوقوف على خشبة ذات المسرح رغم معرفتك أنه الفصل الأخير في تراجيديا الخاتمة ... لماذا لم ترحل
    المهم ها أنت الآن في طريقك إلي العودة الخامسة .....
    انها الأقدار تتبعنا فنتبعها .... ولا فكاك ..... أكثر الأحلام حزنا يأتي حين يتوسد فقراء العشق قلوبهم قبل النوم.... ما بينا وبين الحزن .... هذه الآهة الأليفة الطعم والصوت ..... ومن ثم التكيف الطوعي معه.... وخصوصا حين يدفعك النبض حد الحصار إلى الغربة..... ويأخذك قسرا الي مناطق الأحلام المستحيلة... فتحلم بما تشاء في لحظات من ضعف مرهق .....حين تمضي إلي الأحلام المحرمة القطف دون زاد لعودة... لماذا كل هذا وأنت تدري أن المأساة قد حان أوانها
    أكثر من أربعين عاما من محاولات التأقلم ولا تزال بك بقية من غناء قديم يعود بك الي مرافيء البداية.... إلى النيل ....لماذا لم تسقط من ذاكرتك هذا الجزء من ضلال القلب ضمن ما أسقطت من الاسماء والغناء وخطي العودة؟
    هاهي تلوح امامك تلك القرية التي شهدت تواريخ ميلادك وفرحك وحزنك ...
    تمضي إليها وكأن الطريق أمامك هو الحل المتاح للوصول إلى دواخلك ....إنه النيل ...بجبروته وصدق وده.... هي العودة الخامسة... فهل ستفعلها بذات البقعة حيث يرتخي النيل في انحناءة تعبي ليقبل عند ضفته الشرقية قصر كجبي...شامخا يرنو لأوجه الطيبين حيث تضيق الارض وتبدو المسافة بين الماء واليابسة اضيق ما تكون... فيبدو القصر كأنه الحارس الأسطوري لما خلفه وامامه من الأرض والناس وحارسا أيض لتاريخ تلك البلدة التي حفظت له جميل وقوفه شامخا هكذا.... تاريخ هذه البلدة كتبه أجدادي وصفا دقيقا للقناعة والرضاء الكامل بما وهبهم الله من العافية والهدي والصبر والضحك من الاعماق...
    أحيانا يخيل لي أنها البقعة البيضاء الوحيدة التي تصلح لهروب الروح والجسد والقلب من تعب الحزن وهزيمة القلب وغبن الحاضر....
    هآنذا أعود إليّ وإليها لأنه الطريق الأوحد الذي يفضي بي إلي إنسانية علاقتي بذاتي....لماذا العودة إلى النيل الآن ؟ ...تعلم جيدا بوجوب الرجوع إليه في موسم الهزائم الكبرى ....وأنا مهزوم مهزوم حتي النخاع ....لماذا الآن...ولماذا هذه الليلة؟ ..فهذه الليلة باردة جدا...وأنت لم تمارس السباحة لأكثر من عشرة أعوام ... إلتقاء جسدك بالماء حدد مقدار التمكن من غسل آثار هزائمك فيه...برغم برودة الجو كانت المياه دافئة.......أنت تبحث الآن عنك ... عن ذاتك .... يااااه هو النيل ..حبيبك الذي لم يخنك أبدا....ملاذك حين تضن الحياة بملاذ آمن...وفجأة قفزت إلى ذاكرتك لحظة ميلاد مسائك... وبيت شعر عبر وأنت تغرق راسك ال#################### في المياه
    خُذْ مَا تَبَقَّى مِنْ رَحيلِي فِيكَ سِرًّا ثُمَّ
    قُلْ لِي كَيْفَ أبْدَأُ مِنْ جَديدٍ
    لا تدري كيف قفز هذه المقطع إلى دواخلك وأنت في طريقك إلى القاع...المياه تزداد دفئا كلما أزداد إنحدارك نحو القاع....هل هي بداية التخلص من آثار الهزيمة ...أم هي نهاية إنتظارك لحلم من سراب (أجمل الأحلام حلم لا يتحقق أبدا أو هكذا كنت تظن) أو هكذا أحسست في لحظات ارتقاؤك إلى الأعلى ذات حلم (محض ظن ليس إلا) ....منتصف الليل وإحساسك بصداقة المياه حول جسدك قلل من الشعور بقلة الأوكسجين من حولك... هو النيل صديقك القديم حتي في لحظات غضبه ...ورويدا رويدا إنحدرت للقاع بكل أشيائك، أحلامك، هزائمك، انتصاراتك ، خوفك، فرحك، حزنك ... وكأنك تود أن تغسل كل شيء فيك...الروح والجسد وكل تواريخك من مخزون أحاسيسك المختلفة بالحياة .....كأنه الإنتحار لولا أن بدأت بالطفو إلى سطح المياه قليلا قليلا...كم من المحطات عبرت وأنت تعلو ..لا تذكر منها إلا أوجه الأصدقاء الأحبة وبقية الفرح فيك ..وكأنك تركت عند القاع هناك كل ما يوقظ فيك الجرح أو الحزن أو الهزيمة... لقد نجحت في أن تترك هناك كل آثار هزيمتك الكبرى....يا لهذا الاحساس الميلادي الرائع ونظرك يصطدم بنجوم الليل لحظة خروجك من الماء عاريا كما ولدتك أمك... هي لحظة طلق وبطاقة ميلاد... الإسم لا يهم مادام ليس في القلب جراح...
    هو السؤال الأزلي في قضية بحثنا عن العذر لمن نحب : لا أدري كيف يمكن لشخص ما أن يبني هرما من الوهم الموجع في قلب الآخر....
    ترى هل كان من الممكن تفادي كل ذلك؟
    تلك هي الحياة نتعلم من أيامها ما يقوينا على معاركة قسوة الآخرين
    .... ربما هو مجرد الحضور في الموسم الخاطيء للمسرح الخاطيء
    لا ندم أبدا ولا ضغينة فلا زلنا نحمل قلوبنا تيجان صداقة لمن استطاعوا ولوجها حين دعوناهم الى مجاهلها
    وأنا لا ألوم إلا نفسي.... فمن العدل أن نري أنفسنا علي حقيقتها ..عارية وحافية...إنه ميلاد وقت جديد... حلم جديد... وربما ابتسامة جديدة

    مروي/الطريف 2019




                  

09-13-2022, 01:33 PM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    "رسوم المغادرة" !
    ما كان يا ترى المغزى فى تذكرينا بـ (المغادرة) كلما قضينا إجازة فى أرض الوطن بفرض هكذا رسوم! ، وما الحكمة فى أن يكون هذا الرحيل (مدفوع القيمة) ؟! ، ماهو إحساس المغترب حين يفارق الأهل ليمتد به الشوق حتى يعود فيجد -وهو مغادرا – كاونترا يشترط عليه دفع المال حتى يسمح له بالمرور !!
    خنجرا يغرسونه فى وجداننا كلما غادرنا أرض الوطن ، وليتهم جعلوها (رسوم وصول) إذن لدفعناها طائعيم مختارين (بطيب خاطر) فعلى الأقل صالة الوصول هى مرسى لأشواقنا ، أو ليتهم أجملوها فى أى رسوم كانت حتى لو كانت ما كانوا يسمونه "رسوم فضائية" التى ظلو ا يأخذونها منا جورا وبهتانا طوال سنين الإغتراب .
    حتى الإسم "رسوم مغادرة" تعبير فج و فى غاية السخف وليت صاحب التسمية إجتهد قليلا و إختار عبارات يراعي فيه حالة الإحباط التى يعيشها المغترب (المفارق) لأهله و احبابه .
    كانت من الأشياء التى خلفت فى نفس المغترب كثير من الغبن ، و التى - فى إعتقاد الجميع - جاء إلغاؤها متأخرا جدا !!!
                  

09-15-2022, 01:00 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    حتى الإسم "رسوم مغادرة" تعبير فج و فى غاية السخف وليت صاحب التسمية إجتهد قليلا و إختار عبارات يراعي فيه حالة الإحباط التى يعيشها المغترب (المفارق) لأهله و احبابه .
    كانت من الأشياء التى خلفت فى نفس المغترب كثير من الغبن ، و التى - فى إعتقاد الجميع - جاء إلغاؤها متأخرا جدا !!!

    *******

    لا فض فوك يا وليد
                  

10-19-2022, 07:10 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    Quote: ....
    عمك فقير كان لا يٌخالف له رأي ولا تكسر له كلمة , ,ولا يرد له طلب مٌطاعا مهابا لا يحب كثر الكلام ، متجهم الوجه لا يذكر أحد أنه رآه يبتسم، بيد انه كان كريما موجوادا رجل ذو أيادي بيضاء و "زول مواقف" له مساهمات مقدرة فى محيط القرية فى مشاريع المياه وصيانة المدرسة وعلاج المرضى و الكثير من أعمال الخير دون منِّا ولا أذى . قضى شبابه فى خدمة أحد الامراء فأكتسب ثقته كونه كان رسميا جدا فى العمل ويكره الفوضى وكان -من ناحية أخرى- رئيسا لجمعية منطقتهم ،ورغم مشاغله وسفره الدائم إلا أنه كان يحرص على تواجده فى الجمعية نهاية الأسبوع يناقش أمور المنطقة وتنميتها يوجه هنا وينصح هناك .
    كان أمر "إدريس عسكر تود" محسوما وبعد تلك المكالمة بأسبوعين حل إدريس فى مدينة جده ثم منها الى الرياض مغتربا جديدا ، كل شئ كان قد تم ترتيبه فعم فقير خاله كان يرى أن مصلحة إدريس في الإغتراب مثله مثل الذين سبقوه "سعيد تُلّوب" و "عثمان مهمنتود" و "كُنّه" و "علي كاتول" .
    مضى إدريس مصحوبا بدعوات الوالدة "فافا يُودول " وهى ترفع أكفها بالدعاء له .."عديلة..عديله يا وليديى" ترك المترة و البرسيم قد آن حصاده ، ونخلاته الثلاث وساقيته بعد أن ولّ أمرها جميعا "عثمان هوُلّه".

    للحديث بقية


    قضى "عسكرتود" ليلته الأولى فى الجمعية ، شارك ثلاثة من الشباب غرفتهم ، قضى معظم الليل يتقلب فى فراشه وهو يجاهد الأرق وهدير المكيف يقض مضجعه. لا يعلم متى نام وكيف لكنه رأى تلك الليلة نخيله شاحبا ، رأى "القسيبة " وهى تتهاوى ويتناثر كل ما فيها من قمح وتمر ، وطقطقات "الدونكي" تزادا تسارعا و الماء فى الجدول يقل و يقل، وقبة "تور الشرق" يكسوها غبار كثيف و الناس من حولها فى مشهد مهيب و"عثمان هوله" مبتسما قلقا يقريه السلام .

    هب مذعورا على صوت تلفون الجمعية وهو يرن !


    يستتبع،،
                  

10-19-2022, 12:28 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    واصل يا وليد
    ولا تزال مخلية الغربة مترعة
                  

10-23-2022, 08:07 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    وصلت الطائرة من الخرطوم لمطار جدة
    دخل المسافرون لصالة الوصول
    طلب منهم الضابط بان يقف القادمون بتأشيرة خروج عودة في صف واحد
    والقادمون للزيارة في صف اخر
    فوقف كل شخص في الصف الذي يخص تأشيرته
    الا ان شخص واحد وقف في صف لوحده
    فسأله الضابط:
    انت ايش تأشيرتك؟
    فقال لافض فوه: انا جاي نهائي
                  

01-05-2023, 08:12 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    Quote: قضى "عسكرتود" ليلته الأولى فى الجمعية ، شارك ثلاثة من الشباب غرفتهم ، قضى معظم الليل يتقلب فى فراشه وهو يجاهد الأرق وهدير المكيف يقض مضجعه. لا يعلم متى نام وكيف لكنه رأى تلك الليلة نخيله شاحبا ، رأى "القسيبة " وهى تتهاوى ويتناثر كل ما فيها من قمح وتمر ، وطقطقات "الدونكي" تزادا تسارعا و الماء فى الجدول يقل و يقل، وقبة "تور الشرق" يكسوها غبار كثيف و الناس من حولها فى مشهد مهيب و"عثمان هوله" مبتسما قلقا يقريه السلام .

    هب مذعورا على صوت تلفون الجمعية وهو يرن !



    محصول التمر ذلك العام لم يتعد القيراطين فإحدى النخلات قد جفت وأخرى قد (سوّس) تمرها .
    هذا ما جاءه من صديقه عثمان هولّة
    الوالدة فافا يودول تعلم مافى خاطر ولدها عسكرتود ولأى حد يرتبط قلبه بتلك النخلة !
    "أرتي كريمو أووو أوثمان "
    تلكم كانت رسالتها لولدها !
                  

11-02-2022, 02:36 PM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)


    الحكي عن الغربة والإغتراب بلغة أخرى
                  

11-02-2022, 02:47 PM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10904

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    تحياتي الأخ الأديب أبوجهينة

    Quote: في الغربة ،، تبدو لك لأول وهلة ،، كل المشاعر تجاه الآخرين و كأنها شيء محدود الصلاحية تود أن تستهلكه قبل فوات الأوان.
    تخاف من التوغل في مسام الأحاسيس ،، تكتفي بالمشي على أطراف جداولها خوف الإنزلاق ،، تمد يديك و تغترف لتشرب ، فتبلل شفتيك
    دون أن ترتوي ،، تغمر رجليك بالماء ، و لكن تخاف أن تسبح و تتوغل في أحشاء البحر. تتحسس مشاعرك بأطراف أصابعك ،، تخشى أن ترتاح
    يداك على كتفها فتتوسدها و تنام.
    خرجت بهذه القناعة منذ أول وهلة في غربتي ، و لازمتني طوال أيام التسكع في دهاليز الغربة ، المضيئة منها و المعتمة.


    كتابة ممتعة..وسرد جميل ممعن في الألم وينغرس عميقا في تراجيديا الغربة/الاغتراب

    كتابة ممتعة للأسف منعنا من مجاراتها ومتابعتها ذلك التشظي الفكري و المزاجي/النفسي

    واصل وسنتابع ما استطعنا إلى ذلك سبيلا فهذه المحطات تليق بنا..
                  

11-03-2022, 12:17 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: محمد عبد الله الحسين)

    الخ العزيز محمد عبدالله الحسين

    تحايا سامقة وسلام مقيم

    اشكرك اخي العزيز على مداخلاتك هنا التي تثري الموضوع

    مرورك هنا هو بلا شك دافع بالمواصلة

    سنواصل ما دمتم هنا

    لك الشكر
    حفظكم الله

                  

12-29-2022, 09:51 AM

walid taha
<awalid taha
تاريخ التسجيل: 01-28-2004
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: ابو جهينة)

    ***
    "حسين" ، شاب هادي زاملنا أول سنين الإغتراب لطيف قليل الكلام (حبوب جدا) كريم جدا ،وجيها .
    كنا في تلك الأيام نتبادل الحكاوي نستعرض آمالانا فى (الإغتراب) ، طموحنا فى تحقيق أحلام بدأ لنا أن معظمها بعيد المنال من قراءتنا لواقع الحال ، فكثير من الأشياء خلافا لما كنا نظن .
    حسين أو "سحس" كما كنا نناديه ، فى معظم ونساتنا كان يركن الى الصمت ولا يتحدث إلا نادرا ويكتفى بالإبتسامة ،كثير السرحان .
    تخرج مهندسا من إحدى الكليات ورمت به الأقدار الى عمل المقاولات فى تلك المؤسسة البائسة يعمل بكل جد ويعود فى المساء منهكا ينتظر راتبه الذي بالكاد يصرفه كل ثلاثة أشهر . معظم الأوقات يدير وجهه للحائط يحاول إخفاء ضجره بيد أن إبتسامته حاضرة كانت تقاوم هذا الهم ...
    حسين هو أكبر أخوانه جاء فى "فيزة حرة" كما يقولون وبدأ رحلة طويلة فى البحث عن عمل ليستقر به الحال فى هذه المؤسسة ، كنت دائما ما أحاول إستنطاقه لقربي منه ، شئٌ ما يعكر صفوه يقاومه بتلك الإبتسامة المرة كلما تحدث الى أهله فى السودان
    - يا سحس أخبارك ، مالك يا زول متضايق كده ؟
    - و الله أهو مافى حاجة محددة بس قرفة ن وأتبعها بإبتسامة عسيرة
    - يا راجل خليها على ربك ، شايفك متضايق ياخى خير إن شاء الله الأهل فى السودان طيبين ؟
    سكت لبرهة وكأن كل هموم الدنيا إجتمعت حوله وفي نبرة بها غصة
    - ياخى والله ناس السودان ديل جننونى !! ثم سكت طويلا قبل أن يقول " و الله أنا حكايتى حكاية "..


                  

12-29-2022, 05:31 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    نواصل
    فالدماغ مترع بمحتويات اضابير الغربة
                  

12-29-2022, 05:31 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أضابير الإغتراب (Re: walid taha)

    نواصل
    فالدماغ مترع بمحتويات اضابير الغربة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 2 „‰ 2:   <<  1 2  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de