أخلاقيّة المعرفة والاختلاف: مقاربة في مقايسة الكاروري/ منصور محمد علي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 03:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبد الخالق السر(atbarawi)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-28-2003, 03:25 PM

atbarawi
<aatbarawi
تاريخ التسجيل: 11-22-2002
مجموع المشاركات: 987

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أخلاقيّة المعرفة والاختلاف: مقاربة في مقايسة الكاروري/ منصور محمد علي

    هذا مقال قيم خصني به الصديق الارتري العزيز منصور محمد علي آثرت نشره لتعميم الفائدة واثراء النقاش


    منصور محمد على/ ماليزيا

    2003/8/28

    إلى :

    عبد الجبار مصطفي؛ عبدالخالق السر؛ و فاطمة ياسين ..





    " إن الحق في كل أمر بيِّن والباطل في كل حال داحض " قول مأثور





    ( 1 )



    ضمن سجلات الرِدة الفكرية للاتجاه الاسلامي في السودان؛ وفي إطار حالات الاحتراب العصبويّى بداخله، وماتشهده من تنامي جدال كلاميّ _ يوظف فيه كل طرف، ضروباً من التأويل، تهدف في مجملها إلي إستنبات الحجج والتهم في آن يختلط فيه الدينى بالسياسي، والتاريخى باليومي، وهي _ أي تلك السجلات، محاولة من الاطراف إلي إعطاء أقوالها ( الفتاوي والتصريحات السياسية الخ..) وحججها، قدراً من التماسك والانسجام .

    في هذا السياق المهووس وداخل دائرة الجدل المجهض والمسدود _ نشر احد دعاة تلك المذهبيات المتصارعة _ وهو السيد/ عبد الجليل النذير الكاروري في بداية الشهر الجاري، مقالاً بصحيفة أخبار اليوم السودانية: بتاريخ 3 أغسطس 2003م، تحت عنوان: "قبل الجلوس للمفاوضات من جديد ... ماذا كسبت إفريقيا من انفصال إرتريا". وقد طالعنا روداً عليه نحسبها مخلصة ولكننا في نقدنا التالي للشيخ الجليل سننحو منحناً آخر. ولتفادي الاطالة سوف نوجز اهم ما جاء في المقال في نقاط الآتية:

    أولاً : مماثلته القضية الارترية (التاريخية) مع قضية جنوب السودان من خلال الالماع إلي المأزق العميق الذي عاشته إفريقيا ككل والسودان بوجه خاص إثر إنفصال إرتريا من إثيوبيا الكبري؛ وبإعتبار أن ما ألت إليه (القضية الإرترية) تعتبر في رأي الكاروري واقعاً لا معقولاً ولا مقبولاً (والتشديد على هذا النحو من عندنا وهو عمل مقصود). وبناءً علي ذلك فإن إنفصال جنوب السودان سيؤدي إلي ذات العواقب الوخيمة، فالقضيتن عنده متماثلتين.

    هذا اهم مفصل في المقال والنقاط الآخرى تعمل على تقويته ولذا سوف نشير إليها لاحقا.

    رغم أن المقال _ ليس فيه مايدلّل علي نظر يغلّب صفحات التاريخ أو عن تمحيص لطبائع العمران؛ ولكنه مع ذلك وبإدعاء فج _ إختزل القضيتين إلي مجرد ذكري سيئة تثير الغضب وتجلب الندم. ولو شئنا تبسيطها في كلمة لقلنا : أنها محض أدلوجة مبسطة تهدف إلي إستمالة العامة أو أنها تكتيكاً يهدف إلي تبرير موقف الجماعة في الجدل الذي أشرنا إليه أنفا.

    وعلي الرغم من ضآلة محتوها الفكري والتاريخي _ فإنها تمكنت من إثارة لقط واسع، خصوصا علي المستوي الإرتري _ وربما علي إثره إرتفعت أصوات هنا، و مواقف تشنجية هناك !! ولعلّ هذه الردود تكشف في إحدى جوانبها النبيلة _ عن إستعداد جماعيّ، لما تعتقد الجماعة أنه يمارس ضدها أوخصماً علي عدالة قضيتها. وهي على كل حال، جاهزّية سلبية، فيما نعتقد؛ لكونها لاتستطيع إستيعاب نزق المختلف، ولاتوفر إمكاناً لتجاوزه.

    وإذا تجاوزنا ردرد الافعال الشفوية، ودلفنا إلي مساءلة الردود المكتوبة _ ونشير إلي مساهمة الاخوين الفاضلين - - فهي مع أهميتها لجأت إلي إستجرار الخطاب التاريحي المتعلق بحق تقرير المصير _ وانتهت إلي نوع من إستحالة المماثلة بين القضيتين ولامنطقية أى مقارنة تروم الربط بينهما.

    بالاضافة إلي هذه النقطة هناك عدد من وجوه الاختلاف مع الأخوين سوف اشير إليها، ولو ضمنيا في هذه المساهمة. فبدلاً عن الإرتكاز إلى الخطاب التاريخي كان ينبقي أن ينصرف النقد - في رأينا - إلي فحص نظام الخطاب (الذي يعكسه حديث الكاروري) ذاته، وآليات إنشغاله، لأنه المنظور الأفضل لمواجهة خطاب الكاروري، إذ يوفر ذلك كشفاً لمرامي الكاروري وأهدافه، وتصلنا إلي تجاوزه بعد إثبات وجوه التهافت في خطابه. بالإضافة إلي ذلك، فإن اللجوء مباشرة إلي التاريخي يعني قبول جزئي بنتيجته _ لأن كل نقدٍ يكتفي بمناقشة النتائج يبقي أسيراً لها !! ثم أن التشبس بالمعطى التاريخي كسند وحيد للمحاججة، بالضرورة يؤدي إلي تطمئن الذات والتباهي بالنقاء الذاتي والتجانس الكلّي. إن إنتهاج كهذا أقل مايقال عنه أنه مسعى تضليلي، يفوت علينا سؤال الهوية، لجماعة ماتزال في طور التكوين وتحتاج إلي إستنهاض سؤال الهوية إلي أعلي مستواه، كحاجتها إلي توتر جماعياً يتعمد إثارة أسئلة من نوع: من نحن ؟، ومن أين جئنا؟ وماذا نريد؟ وإلى أين نذهب؟ وكيف نتعايش؟.. من نوع تلك الأسئلة المُكونة لسؤال الهوية. ولاشك أنها تحتاج إلى وعي خلاّق _ يعمل على تقويض البنيات التعريفية الجاهزة، ويعيد تركيبها، وهكذا …!



    ( 2 )



    لنرجع الآن إلي الكاروري ولنري كيف يعمل خطابه، ولنعاين بحذر الكيفيفة التي يشتغل بها ميكانيزمه.

    يقوم هذا الميكانيزم علي مبدأ مشهور وهو القياس، أو ما تعارف على تسميته ب"مبدأ المقياسة". وهذا المبدأ

    يعمل على المماثلة بين (أ) و (ب). فمتى ما تم إثبات هذه الماثلة وجب على المثيل أن يتطابق مع مثيله المتقدم عليه، ليصل إلى النتائج التى وصل إليها"1. وهو نوع من المقايسة أعضل وأربك الكثير من المفكرين العرب بما

    فيهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، الذي دعى في كتابه المشهور "مستقبل الثقافة في مصر" إلى إلحاق

    مصر بالغرب، حتي تصبح جزءً منه " لفظاً ومعنى وحقيقة وشكلاً". ولعلّ ما جعل طه حسين ينتهي إلي تلكم

    الملابسات الشهيرة - هو مبدأ المماثلة، كما أشار بحق الدكتور عبدالله إبرهيم.

    وفساد هذه المقايسة يكمن في كونها " لاتعبأ بالفروقات الجغرافية ولا بالخصائص المضمونية للعناصر المكونة

    لطرفي المماثلة "،2 فالهاجس الأساس لهذا النوع من المماثلة " تجريد العناصر عما يمثل فرادتها " وكل ما كان

    تجريده أقوى، كل ما ضمن " تحقيق إجراءته بسهولة".

    فلا ضيرى إذاً، لو وجدنا الكاروري، يحاول وبكثير من الميكانيكية والتهجين التعسفي ربط لحظة تاريخية (وهي

    إرتريا) بلحظة سودانية (قضية جنوب السودان في مآلها الأخير). إذ أن همه الأساس تجريد اللحظتين من الشروط

    التاريخية التي شكلَّتها كقضايا، ليصل إلي نتيجته: "حتمية المطابقة بين اللحظتين". ولايخفى مافي هذه المقياسة

    من قصوروفساد منطقي. وفضلا عن ذلك فإن الدراسات الحديثة أثبتت بطلان مثل هذه "المطابقة " لان لكل شيء فرادته وخصائصه.

    ولو قبلنا من باب الجدال النظري، إمكانية عقد المقارنة، ثم نظرنا إلي طريقة إنشغال المعادلة، سنجدها هي الأخرى تعاني من تناقض وعدم تماسك ظاهرين. لا سيما إذا اعتبرنا كلامه من قبيل " تعميم " صادر بعد تأمل عقلي لمصائر حدث محدد، وهو الإنفصال الإرتري، ولكن ياترى هل سيتوفر تعميمه علي كل الشروط الإجرائية؟ فأي تعميم لابد له من جملة شروط إجرائية وموضوعية ينهض عليها حتي يثبت صحة الإدعاء أو الفرضيات. ولنظر الآن إلي المعادلة علي ضوء هذا الفهم، ولنرى مدى إستيفاءها لتلك الشروط.

    المعادلة كالاتي : إن إرتريا إنفصلت عن إثيوبيا، وهذا الانفصال قد أثار عددا من المشكلات، وبالتالي فإن أي إنفصال سيؤدي بضرورة إلي مشاكل، ومادام الامر كذلك فإن الجنوب أفضل أن لا ينفصل.

    إن شطط هذا الكلام يكمن في أنه يأخذ بالجزئيات، والمواقف المظنونة، حتي يستميل الناس إلي إستنتاجاته. صحيح أن أسياس أفورقي إرتكب جملة من الحماقات لكنها في الغالب لايمكنها إلا ان تكون أشياء جزيئة ولادخل لها البتة بعدالة القضية. كذلك لا يمكن أن تُرقى ممارساته لدرجة إعتبارها مقياساً لاي أنفصال. ونقول " أن الجزيئات بطبيعتها مظنونة (وربما متوهمة) والمظنون لايمكنه قطعا أن ينوب عن الاصل .

    ينبقى أن نشير كذلك إلى أمر آخر وهو إذا كان حقا يريد التحقق من فرضياته، فإن ذلك بحاجة إلى " إجراء سلسة من عمليات التحقق والاختبار على مستوى تجارب أخرى ليس بالضرورة أن تكون داخل منطقتنا الجغرافية فهناك تجارب انفصال أخرى هل نظر الشيخ الجليل في مآلاتها قصد التعرف على صحة فرضياته المزعومة.

    وهو أمر نعتقد ليس في مكنة الكاروري القيام به، ولذلك إكتفى بالانزلاق للمماثلة، بوصفها أداة سهلة. وهو مبدأ لانؤمن أصلاً به، ونرى أن المقارنة التى عقدها الكاروري غير متوفرة علي شرووطها الأساسية.



    ( 3 )



    عند هذا الحد يمكن أن نتسأل ألى أي حدِّ يصح التماثل بين القضيتين الارترية و الجنوبية، هل يكمن في البواعث التاريخية لكل منهما ؟ أي المبررات والشروط التاريخية التي صاغتهما كقضايا؟ أم في الإكراهات الاجتماعية التي عانت منها القضيتين؟

    لاشئ في المقال يبين وجوه الاشتراك، اللهم إلادرايتنا، بأن القضية الارترية قدحسمت و دخلت التاريخ من اوسع أبوابه، وأن قضية الجنوب في طريقها للتحقق، سواء تم ذلك من خلال تسوية تاريخية بين الاطراف او ثورة تحررية.

    والسؤال الان: ما الذي حمل الكاروري إلى إستحتضار سابقة متحققة _ وهي القضية الإرترية، وأخرى محتملة التحقق – وهي قضية الجنوب ؟؟ والاجابة بديهية كما يقول بحق المفكر المغربي عبدالله العروىّ – " عندما تربط حدثاً بقاعدة إستقرائية عامة، فإنما تربط في الحقيقة مفهوم الحدث لا الحدث نفسه ".3

    والمسألة تبدو شبه واضحة الان، وتتكشّف مراميه الحقيقة لان هدفه فى التحليل الاخير _ معارضة إنفصال الجنوب بأي شكل كان، حتي لو إضطر إلي مصادرة حقوق الاخريين ، مادام ذلك سيساعده على الوصول إلي مبتغاه، ويرضي طموحه السلطوي. وليس هناك أكثر إمتهاناً للقيم الآخلاقية من سلوك كهذا.

    ولو أنه حقاً حزين على مآلات الاوضاع في إرتريا، فإن عليه ان يبحث عن ما يعيد إلي التحرَّر الوطني دلالاته !! لا الارتكان إلي تعميمات بئيسة.



    ( 4)



    ولنعود مرة أخرى إلي نص /كلام الكاروري، ونفككها: يقول " ماذا أستفدنا من إستراتيجية الدولة التي أنشأنها جوارنا، توهما لمصلحة"

    لسنا في حاجة لخوض النقاش حول أسبقية الانقاذ عن وجود ارتريا، فهذه فرية لن نقع في فخ مناقشتها وفق هذه الاغلوطة لانها ببساطة لا تاريخية، لكن ما يهمنا حقا هو مناقشة الاغلوطة التي يعقدها الكاروري في مسلسل الحساب البائس: "ماذا أستفدنا؟".

    فهنا تتبدَّى أغلوطة " النافع والصحيح "

    "فالمنطق السليم يفترض أن تكون قضايا الشعوب حق صحيح، والمنفعة مفهموم نسبي "

    بمعني آخر، أن القضية الارترية أوالجنوبية صحيحة متي ما توفرت علي مبرارت منطقية، أما عدم الاستفادة والمصلحة المتوهمة فهي نسبية.

    وبين الاثنين فروق حيث "يرتبط النافع باليومي، ويرتبط الصحيح بالتاريخي، ويرتبط النافع بالفرد، ويرتبط الصحيح بقضايا الشعوب، والمنفعة ترى الهدف الاخير للقائل بها ولاتكترث بالآخر "4

    تأسيسا علي ماسبق نقول: أن المصلحة او المنفعة التي توهمها الكاروري ترجع إلى آثارها اليومية و إلى جملة الملابسات التى إكتنفت تحالفات جماعة عمر البشير ومجموعة اسياس أفورقي _ فكل مدار للنقاش خارج ذلك السقف لهو محض سقم.

    أما الصحيح فيشير إلى الفضاء التاريخي التي تشكلَّت فيه القضية الارترية – خصوصا مصير المستعمرات الايطالية عشية إنتصار الحلفاء والمدولات الشهيرة التي دارت علي إثره في اروقة الامم المتحدة. وكذلك فإن الصحيح يشير إلى الاكراهات الاجتماعية التي في ضؤها تأسست قضية جنوب السودان.



    ( 5 )



    يجب أن لا يفهم حديثنا في نقد ميكانيزم الكاروري _ أنه إنتصار لقضية على حساب الاخرى؛ قطعاً ليس ذلك هدفنا، بل هو أمر نختلف فيه مع آخرين، بإعتبار أن ما يمكن يوحد بينهما هو الحق كلَّ الحق، المحايث لعدالتهما ومشروعيتهما تأريخياً، وإذا كان الامر كذلك فلا خوف إذن "لان الحق لايضاد بحق، بل يوافقه ويشهد له". كما أن إيماننا بقضية ما لا يعني تعلقنا التام بأليات تيسيرها، وما تعكسه ملابسات التجربتين وخطط القائمين على أمرهما لا شك فيه مجال كبير للإختلاف.

    لكن الاشكالية في خطاب الكاروري، تكمن في أن الاطار التصوري الذى عقده، والذى يمكن أن يلخص جوانب المماثلة ويقيَّم عبره الرابطة المشتركة، غير واضح. فبدل من دراسة قضية الجنوب ضمن أسبابها التأريخية، وإعتبارها أحد مشكلات الدولة القطرية المعاصرة، التي اقتضت تأسيس الدولة الحديثة على حقوق مثل: المواطنة والحريات والعدالة والمشاركة في الثروات ... وبشكل خاص "إشكال مفهوم المواطن و حقوقه واوجباته كعلاقة في عقد ضمني بين جماعة وطنية". نقول بدلاً عن مواجهة الكاروري لهذا الإشكال انصرف كلامه إلى المشابهة بين القضين في نوع من الهرب عن مواجهة الواقع، وعجز عن فهم التقلبات التاريخية العميقة التي تكتنف مسيرة الدولة الوطنية.



    ( 6 )



    إلى جانب ما ذكرنا، هناك قضية اساسية تتعلق بأخلاقية الكتابة! ولكن دعونا قبل ذلك ان نوضح ما نعنيه بالاخلاق؟ بإختصار " أن يكون الشخص أخلاقيّا يعني :" أن ينتج بشكل متسق معرفة صحيحة مرجعها الواقع الملموس وتاريخ الوقائع، ويبين إتكاءًا على هذه المعرفة مواقفه من الحياة في وجوهها المختلفة، ليسعف القارئى على إتخاذ موقف صحيح " 5

    إنطلاقا من هذا الفهم هل كان الكاروري أخلاقيّا ؟، بمعنى آخر هل كان أميناً في رصد الوقائع؟؟

    نجد العكس تمام في خطاب الكاروري، حيث عمل علي ما يمكن أن نسميه "بالتمثيل التصويري" لأن جلَّ مايهمه هو تعميم رائه، دون الاستناد إلى الوقائع الموضوعية.

    "والاخلاقية تفترض منظوراً يمتثل إلى الوقائع الموضوعية بعيداَ عن إي مراجع معيارية "6

    بالاضافة إلي ذلك فإن تعميمات الكاروري يدفعها شعور داخلي بالاستعلاء، تجسدت في عبارات مثل ("نحن ، أنشأنا ، مصلحتنا ) وهو ما جعل إستنتاجاته تأتي وفق للرؤى المستبطنة _ وليس عن تصوير واقع موضوعي.

    ولايخفى كذلك على ما في المقال من " إستحواذ سلبى وتنكر خفي" لان الأرتري او الجنوبي لايحضر هنا كعامل إيجابي أو مشارك فاعل بل يستدرج هنا كعنصر سلبى يملأ به الفراق الشرير؛ في عالم ثنائى التكوين؛ يحتل فيه الكاروري وجماعته الجانب الخيًّر، أم الآخر فيمثل الشر كلَّ الشر. لكأن الارتري أو الجنوبي لايتحدًّد إلا بسلب ماهيته!!

    ومادمنا نتحدث عن تصوير الآخر والاستحوذ السلبي، فلابد من التعرض إلي كتابات دكتور حسن مكي، بحسبان أنه أسس إلي هذه المركزية الاستعلائية ولما يمثله من رمزية في هذا الصدد؛ فهو المؤرخ والباحث والخبير في القرن الافريقي وغير هذه من نعوت تلصق به،7 فخطاب مكي المؤسس مخاتل بإمتياذ. يقول في مقدمة أحد كتبه في الشأن الإرتري مبررا إهتمامه به " إن دواعي التدين وعرى الاسلام تلزم " 8 الاهتمام والمناصرة. فالخطاب هنا يتخذ صورة التبشير الديني دون مواربة. لكن المشكلة أنه سرعان ما يتحول إلي النقيض، ففي ذات الصفحة يقول "أن نزيف الدم في الجنوب مرتبط بمايدور في إرتريا". ويبدو أن ثنائية الدين + و قضية الجنوب جعلت خبير القرن الأفريقي يقع في عدد من التناقضات، أدناه جانب منها:

    إن كلام حسن مكي يأتي تارة مرتكزاً علي الديني ومن وجهة نظر حركية قلقة على مصلحة المسلمين، فيقول" إن المسلمين في إرتريا يفتقرون إلى أدوات العمل الاسلامي، للتنمية الروحية وتفجير الطاقات الايمانية"،9 ولايخفي مافي هذا من إستعلاء، ليس هذا الموضع الصحيح لتقويمه. فقط لاحظ أخي القارئ الكريم المفارقة القادمة التي يقول فيها هذا المفكر الكبير "إن الوجود الارتري في السودان يشكل عبئاً إقتصاديا وأمنياً".10!!

    هذه طلاسم لايقدر علي تفكيكها إلا دكتور حسن مكي، لكن على كل حال هذه المكيافيلية- المنفعية ليست جديدة علي هذه الجماعة.

    فلا يستغرب بعضنا - والحال هذا - من التباين الذى يتبدىَّ على السطح من إختلافات تظهر بين الجماعة الاسلامية في السودان _ فهي محض تبادل أدوار.

    ومن يقول العكس، ليبين لنا بحق الله: هل كان في مكنة الكاروري أو الطيب مصطفي التشدق بإفكارهم علناً _مالم تتوفر لهم ضمانات إيدولوجية وأمنية، سمحت بتدوال أفكارهم والترويج لهم والاصغاء إليهم ؟!!



    منصور محمد على/ ماليزيا
    *لم يكن لهذا المقال _ وغيره من الافكار - أن تتبلور لولا المدراسة المتواصلة مع الاستاذ/ أبوبكر محمد أحمد . مع الاشارة إلى أنه لادخل له البتة بمحتوى الافكار، فمسؤوليتها تقع عليّ وحدي. [email protected]



    --------------------------------------------------------------------------------

    1- عبداله إبراهيم ، الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة ، بيروت ، المركز الثقافي العربي

    2 - أنظر المرجع السابق

    3- عبدالله العروى ، مفهوم التاريخ( الالفاظ والمذاهب) بيروت، المركز الثقافي العربي 1992ص301-310

    4 - فيصل درَّاج ، بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطنية ،بيروت،دار الاداب، 1995ص87

    5- 4فيصل درَّاج ، بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطنية ،بيروت،دار الاداب، 1995ص120

    6- المرجع السابق

    7- هذه جزء من دراسة مطولة سوف نقوم بها حول مساهمات دكتور حسن مكي في القرن الافريقي ..في الغريب العاجل ، وهي كذلك دعوة للقارئ الكريم أن يمدنا باي مادة لحسن مكي _خصوصا المقالات المنشورة في فصلية : دراسات إفريقية .

    8- د. حسن مكي ، تطور أوضاع المسلمين الإرترين ، الخرطوم ، دار المركز الاسلامي للطباعة ، 1989 أنظر المقدمة

    9 أنظر حسن مكي، ص 32

    10 المرجع السابق ، انظر المقدمة








                  

العنوان الكاتب Date
أخلاقيّة المعرفة والاختلاف: مقاربة في مقايسة الكاروري/ منصور محمد علي atbarawi08-28-03, 03:25 PM
  Re: أخلاقيّة المعرفة والاختلاف: مقاربة في مقايسة الكاروري/ منصور محمد علي منعمشوف09-10-03, 07:39 PM
    Re: أخلاقيّة المعرفة والاختلاف: مقاربة في مقايسة الكاروري/ منصور محمد علي هدهد09-10-03, 08:12 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de