كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!!
|
لشاعر العامية المصرية الأشهر أحمد فؤاد نجم قصة طريفة لا يمل عن تكرار حكايتها تتعلق بالتدني الذي وصلت إليه الصحافة المصرية إبان عهد السادات والبحث جهداً عن كل ما يرضي السلطان والشماتة في أعداء النظام، حتى وان دعى الأمر أن تكون القصيدة تهمة توجب التعريض بصاحبها كما جاء في إحدى مانشيتات الصحف وقتها على النحو التالي: "القبض على الشاعر أحمد فؤاد نجم "متلبساً بقصيدته" !!!0
وها أنا أجد العنوان يستهويني ، وان كان الغرض هذه المرة مختلفاً جداً ، فما أنا بصدد الكتابة عنه في هذه السانحة هو فنان كبير وقامة إبداعية سامقة تستعصي على التعريض ، لذا كل ما أستطيع قوله في هذه السانحة أنني ومن خلال تربصي به "محبة" منذ أزمان طويلة لم أجده في كل مرة سوى متلبساً "بالبهجة" تلك التي تشكل كامل نسيج كيانه وتصيب بالعدوى كل من يقترب من أغنيته أو شخصه على السواء0 ولا أظن أنها نشأت من فراغ تلك المزحة "ذات الدلالات العميقة" التي انتشرت إبان عهد الفترة الانتقالية التي سبقت الديمقراطية الثالثة، والتي فحواها: أن زيدان وعوض دكام بصدد إنشاء "حزب البهجة والمسرة"، وان كانت المزحة وقتها لم تخرج من صيغة التهكم بما وصل إليه الحال من حمى إنشاء أحزاب من كل شاكلة ولون، إلا أن من صاغوها بحصافة لم يجدوا ما هو أنسب من البهجة لتكون المقابل الموضوعي لشخصية زيدان، وهم في هذا لم يجافوا الحقيقة إن لم يكن قد لامسوها تماماً0 فزيدان الممتلئ فناً حتى النخاع والمتنفس إبداعا ما كان من الممكن أن يكون شخصاً سوى زيدان "مصنع البهجة والمسرة"0 والمتتبع لمسيرة هذا المبدع العبقري لا يجهد كثيرا في أن يكتشف ما وصل إليه من مكانة فنية عالية شكلت علامة فارقة في مسيرة الأغنية السودانية وكانت عاملاً في تشكيل وجدان أجيال أواخر الستينات وكل جيل السبعينات وجل جيل الثمانينات أو " أجيال الزمن الرومانسي" - إن صح التعبير - ليست محض حالة إبداعية عابرة بقدر ما هي عبقرية متجذرة ، وما أسهل التدليل على ذلك عندما يتكشف لنا أن هذا المرهف ذو الحساسية العالية في اكتشاف النصوص الشعرية والقدرة الفذة على استشفاف الألحان العذبة هو من انتقى نص "داوي ناري" للشاعر المصري د0 إبراهيم ناجي عندما كان في السادسة عشر من عمره!!! وإذا كانت تلك هي البداية، إذاً ما تم إبداعه خلال مسيرته الطويلة العامرة من أغاني على شاكلة معذرة، أخونك، امتهان، بالي مشغول يا حبيبي، في الليلة ديك، كاد يمضي العام، فراش القاش، لو أحبك العمر كله 000الخ من الأغنيات الخالدة على مر الأزمان ما هي إلا نتيجة حتمية لمقدمات رائعة 0ومن ينحاز إلي فنه عقيب التعرض لاختيار قسري يخيره بين الدراسة والغناء الموسوم (صعلكة وعيباً في تلك الأزمان) لابد أن يكون قد خلق فناناً بالفعل حتى لا يتلجلج في مثل هذا الموقف الرهيب ولكنه زيدان المتجاوز واقع ذلك الزمان وكفى 0 وزيدان بلا شك هو واحد من أولئك الذين تربعوا على عرش الأغنية العاطفية بما أسبغه عليها من إضافة نوعية على المستويين الشعري واللحني0 وهو بحضوره الطاغي الذي يميزه على كثير من المبدعين وبحنجرته عظيمة التطريب كان وما زال مبدعاً نموذجي قل أن يجود الزمان بمثله 0 وزيدان لمن يعرفونه عن قرب مثقف عالي الثقافة ذو حساسية عالية في انتقاء النصوص الشعرية كثيفة الصور الجمالية وهذا ما جنبه مزالق الأغاني الهابطة دوماً0 و لزيدان محطات تعاون إبداعية مع كثير من الملحنين والشعراء الذي شكلوا نقلات مهمة في مسيرة إبداعه، إلا أن ثنائيته المتفردة مع الملحن الرائع عمر الشاعر تبقى نقلة استثنائية مهمة لما توفر لها من "تناغم" على الصعيدين الشخصي والإبداعي مما أنتج أغنيات شكلت بدورها علامات فارقة في مسيرة الأغنية العاطفية 0 والحديث عن زيدان وأقرانه من المبدعين ذوي الشخصيات ذات الأبعاد المتعددة لا يكون من السهولة بمكان لأنه يستلزم جهد ودقة وتقصي في المعلومة لا تتوفر على الأقل حاليا لكاتب هذه السطور حتى يتسنى الإمساك بكافة خيوط هذه الأبعاد، ولكن إن كان لا بد من تسليط إضاءة مهمة لإحدى جوانب شخصيته فهي بلا شك البعد الشعبي في شخصية زيدان المنتمي روحا وجسدا إلى حي العباسية الشعبي بامدرمان ، ولا يغيب عن أي متابع عادي ذلك العشق المتبادل بين زيدان ومحبيه من سكان حي العباسية وكذلك حي بانت المتاخم، حتى أنه صار من العسير التحدث عن زيدان بمعزل عن هذين الحيين العريقين أو دون التطرق إلى تلك الروايات الطريفة التي تجسد من مثل هذا التلاحم المعنوي حد الأسطورة أو تلك المداعبات خفيفة الظل والمحملة بدلالات كثيفة من المحبة لهذين الحيين والتي أصبحت بمرور الوقت طقوس مطلوبة ومكملة للبهجة في جل حفلاته0 وهو في هذا شأنه شأن أي مبدع حقيقي تربطه بالمكان علاقة صوفية تمثل منبع لا ينضب من الثراء الوجداني0 الذي يستمد منه الالق والهوية0 إن تكثيف الحديث عن زيدان وغيره من المبدعين من كافة ألوان الطيف الإبداعي ضرورة ملحة تفرضها إرهاصات السودان الجديد الذي يكثر الحديث عنه والذي لا يمكن أن يكون إن لم تتغير الذهنية التقليدية التي فرضت علينا بعداً أوحداً للتاريخ لا نرى فيه سوى السياسي الذي يتمطى ليحتل كل سطوره مغمطاً حقاً أصيلاً لهؤلاء الذين يشكلون بصبر وأناة الوجدان الجمعي للأمة والمحركين بحق كافة آليات التغيير الحقيقي الذي انتظم مجتمعاتنا منذ أزمان وما زال0 إنها دعوة خالصة لإضافة أبعاد أخرى مضيئة في تاريخنا المفصل بشكل محزق لا يتسع لغير السياسي وما أبأسه من مقاس0
عبد الخالق السر/ ملبورن 15/يناير 2003م
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | atbarawi | 01-15-04, 03:28 AM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | mustafa mudathir | 01-15-04, 06:44 AM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | yasiko | 01-15-04, 06:59 AM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | maia | 01-15-04, 12:07 PM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | Yasir Elsharif | 01-15-04, 12:20 PM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | atbarawi | 01-15-04, 04:47 PM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | ترهاقا | 01-15-04, 10:54 PM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | خالد الحاج | 01-15-04, 11:19 PM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | atbarawi | 01-16-04, 03:34 AM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | ترهاقا | 01-16-04, 07:21 AM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | atbarawi | 02-05-04, 03:26 PM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | Elmosley | 02-05-04, 09:06 PM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | Elmosley | 02-05-04, 10:32 PM |
Re: القبض على زيدان إبراهيم "متلبساً" 0000 بالبهجة !!! | توما | 02-07-04, 11:01 PM |
|
|
|