|
Re: الأصولية الإسلامية …… إلى أين؟ /// الدكتور... محمد شحرور (Re: Sabri Elshareef)
|
بودي قبل الإجابة ، أن أبدأ بإلقاء ضوء على المقصود بمصطلح "الأصولية "، الذي شغل وما يزال يشغل حيزاً واسعاً من الأدبيات العربية والأجنبية تحت اسم Fundamentalism .
الأصولية بمعناها اللغوي العام هي الرجوع إلى الأصول. والأصول عند البعض هي الكتاب الحكيم والسنة النبوية، وعند البعض الآخر هي الكتاب الحكيم وصحيح السنة، وعند بعض ثالث هي الكتاب الحكيم والسنة القولية أو السنة الفعلية. وفي ضوء هذا المفهوم، رغم اختلافاته، فإن معظم المسلمين المؤمنين أصوليين، وأنا منهم، لا يمارسون العنف ولا يؤمنون بالإرهاب. وإذا كانت الأصولية مذهباً في الديانة المسيحية، فهي ليست كذلك أبداً في الإسلام.
نشأت المشكلة حين أطلق على الحركات الإسلامية السياسية التي تمارس العنف والإرهاب اسم " الحركات الأصولية". فعندما نتكلم اليوم عن العنف والإرهاب عند الأصولية الإسلامية، فنحن نعني هذه الحركات السياسية المسلَّحة بالذات، وليس الإسلام الشعائري أو التشريعي أو الأخلاقي.
في ضوء ما تقدم، سأحاول الإجابة على السؤال الأساس. فبعد أن تم تثبيت دعائم الحكم في بني أمية، سفيانيين ومروانيين، وصاغ لهم فقهاؤهم الغطاء الشرعي المطلوب لحكمهم بوضع تعريف جبري خالص للقضاء والقدر، انطلاقاً من أن كل شيء مقدر ومكتوب سلفاً، وبعد أن تمت مصادرة المسجد لصالح السلطة السياسية، وتم توظيف الأحاديث النبوية الصحيحة ووضع مايلزم منها لتكريس الاستبداد وخدمته، ظهرت حركات احتجاج توجتها حركة المعتزلة في العصر العباسي الأول ، التي رفعت لواء العقل والمعقول والفكر الحر حسبما كانت تعنيه هذه المفاهيم في وقتها ذاك.
وحين حصل الانقلاب السني الأكبر على يد المتوكل، ظهر وترسخ مصطلح أهل السنة والجماعة، وقام تحالف مطلق وشامل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية، أو لنقل طبقة العلماء والفقهاء، خضعت سلطة الدين بموجبه للسلطة السياسية تماماً حتى يومنا هذا. فالمفتي العام ورئيس العلماء وشيخ الإسلام يجري تعيينه من قبل السلطة الحاكمة في معظم الدول العربية إن لم نقل كلها.
وكانت هذه السلطة أو الهيئة الدينية أكبر سند ومعين للسلطة الاستبدادية، حتى أن إماماً كالعز بن عبد السلام، حين احتج على الحكام المماليك في مسائل الخمر وإعتاق العبيد وغيرها، لم يكن يخطر في باله أن هذه السلطة التي يحتج عندها سلطة مستبدة وغير شرعية بالأصل.
فإذا نظرنا إلى أوربا في الجانب الآخر، وجدنا الصورة معكوسة ومغايرة تماماً. فالسلطة الدينية في أوربا القرون الوسطى هي التي تعين السلطة السياسية، والبابا هو الذي يعين الملوك وليس العكس. وكان التفسير التوراتي هو الذي يحكم فهم الكون وقوانينه من الناحية العلمية. فنشأت الحركات العقلانية أو العلمانية في أوربا مستهدفة أمرين اثنين:
1. فصل الدين عن السلطة السياسية، لسبب وجيه جداً. هو أن البابا بسلطته الدينية كان يعين الملوك والأمراء. وعندما يستولي أحد على العرش دون موافقته، أو عندما يرى ملك ما الانفصال عن البابا سياسياً، فعليه أن ينشئ مذهبه وكنيسته الخاصة به. وهذا ما حصل في انكلترا، حيث نشأت الكنيسة الأنكليكانية منفصلة عن سلطة البابا، وأصبح الملك هو رأس السلطة السياسية والدينية.
2. فصل العلوم والبحث العلمي عن الكنيسة، بعد أن ثبت أن التفسير التوراتي للكون وقوانينه الذي تعتمده الكنيسة غير صحيح، وظهر بطلانه.
لقد تم ذلك في أوربا لأنه لم يكن يوجد هناك بالأصل تشريع وتشريعات. فالديانة المسيحية انفصلت عن الديانة اليهودية بتركها لشريعة موسى. أي أن البنود التشريعية (سفر الاشتراع) في الكتاب المقدس بعهده القديم ملغاة عند المسيحيين الذين لم يأخذوا إلا الوصايا العشر. لذا فإن نشوء البرلمانات ووضع التشريعات عندهم لم يصطدم بالكنيسة لأنها لاعلاقة لها بها أصلاً، الأمر الذي ساعدهم على الإبداع في المجال البرلماني والمجالس التشريعية وحكم الشعب. فكان من المنطقي في رأينا أن نرى في أوربا ما يلي:
1. كان الملك يعين من قبل البابا، فأصبح الحاكم يعين باسم الشعب. أما في البلاد التي بقي فيها ملك، فقد سحبت منه السلطات، وتحول إلى رمز البلاد وتقاليدها ووحدتها الوطنية.
2. كان تفسير الكون وقوانينه يتم طبقاً للنص التوراتي والفهم الكنسي له، فأصبح يفسر من خلال المخابر والتحاليل، فنشأت مراكز البحث العلمي والجامعات.
3. مع عدم وجود شريعة مسيحية، فقد نشأت البرلمانات والمجالس التشريعية وصارت تشرع باسم الشعب، وتثبت الوصايا العشر على أساس منظومة أخلاقية.
|
|
|
|
|
|
|
|
|