|
Re: ((يا ساكن الهودج))...أروع ما كتب أبوجهينة * (Re: walid taha)
|
يا ساكن الهودج .....
( هاتف دعاني بأن إخلع نعليك و قف مبهورا فأنت في وادي البوح المقدس لا محالة قد هوى ) و من حيث أجهل و لا أجهل ،، قلت لبيك و رحت أقود راحلتي عبر سنوات التيه ،، أقودها برسن الترقب ،، في صحراء شوقي الظمآن و متاهة قلبي الولهان ،، حافي القدمين ،، معفر الجبين بغبار الأيام و السنين ،، شاخص البصر حَذَر الغدر و المباغتة ،، و القلب ذو وجيب ، أمد أكف ضراعتي علني أجد شجاعة تكفيني النظر إلى حزم النور المنبثقة من شعاع البدر المرتجى. لاحت عند الأفق ، كنيزك يفلق دياجير الظلام و يشتت جحافله ، تتهادى بين القافلة و حادي الركب يدندن بمزمار تنساب منه تواشيح التبتل بالأمل. تقبع داخل هودج .. خيوطه منسوجة من عبق حروفها ، تجلس خلف أستاره و كأني أراها من وراء حجب ، يشق ضياؤها مسام الليل و دسر الظلام. ضجتْ أركاني بصدى حديثها المنساب لحنا. أطلتْ عشرات الزنابق في عتاميري التي تشكو الجفاف. و صدح الكون بكل ألسنة الطير ، كروانه و بلابله و قماريه. و تلونت الدنيا بكل ألوان الطيف ،، بل و بألوان أخرى إنبتقتْ من طيفها الكريستالي المصقول بوهج هواجسي و وميض أوهامي. و خُيِلَ إلي أنني فهمت ما تزمجر به الرياح ، و إستمعت متبتلا خاشعا لتسابيح أوراق الشجر و سعفات النخيل في حفيفها و تمايلها بفعل هوج العواصف. و مازحتني النجيمات بأن أبشر فقد مضى زمن السهر و التحديق فيها و مناجاتها ، و قالت : لا تخف ،، فهناك آخرين سيبثونني نجواهم و سيشكون إلي عذاباتهم ، إمض في طريقك يا فتى. و ما أن بدأتُ رحلتي المجهولة ، أتحسس وقع أقدامي ، أتلفت في حذر ، حتى تفتحت زهرات كانت ذابلة ترنو لدفق الندى الآتي ، و تماسكت حبات الرمال تحت أرجلي ، و هللتْ شجيرات الصنوبر فبدتْ من بين رقراق السراب كدراويش في حلقة إنشاد صوفي يرفعون أكف الضراعة بتوسل يطلبون العون و المدد. و تنساب عبر رحلتي أنهار أنغامها المعزوفة على أوتار مشدودة من تلهفي و ترقبي ،، تموسق خطواتي ،، تقتل رتابة أيامي ،، تعيد روزنامة حياتي عشرين عاما للوراء ،، و تعيد لقاموسي القديم كلماته ،، قاموس المراهقة و العشق البريء ،، فأكتب على جدران بيتها ( أشتاق إليك كما يشتاق الزرع للماء ) ، و أرسم على لحاء الشجر قلبا نازفا يخترقه سهم كيوبيد ، و أراها تهديني منديلا مطرزا ترقد على أطرافه الأحرف الأولى من إسمينا. تمنيت أن يكون لي هدهد قد نجا من سلالة هدهد سيدنا سليمان الحكيم ، فأبعثه ليأتيني منها بالخبر اليقين ، أنا لا أطمع في قصر ممرد و لا قوارير من فضة أو ذهب أو حورية من الحور العين ،، فقط يقف عند حافة نافذتها و يرسل البصر عبرها و يصيخ السمع ثم يأتيني بما يذهب الظمأ و يقتل هذا العطش في مهده . أو أن أكون مالكا لعفريت من الجن يكون للحظة واحدة طوع بناني و رهن إشارتي فيأتيني بها و بمملكتها قبل أن يرتد إلي طرفي. ثم .......... تلبدت السماء بالغمام و السحب الداكنة و أكفهر وجهها الصافي. و لمعتْ البروق في ومضات متلاحقة متسارعة. و كركر الرعد في دوي ملأ جنبات الوادي فأصاب راحلتي ما جعلها تجفل و تحيد عن الطريق. تبعثرتْ الإتجاهات أمامي فلم أعد أدري وجهتي. فجفلت الطيور و توقفت عن الشدو الجميل و توارت الزنابق بين فتحات تربتها و أرْختْ أشجار الصنوبر أياديها المرفوعة و جن جنون العاصفة فراحت تعصف يمنة و يسرة و لم أعد أدر ماذا تقول و ماذا تبتغي و تمزقت أستار الهودج و تطايرت خيوط نسيجه و بقى هيكله شاهدا على حكاية لم يكتب لها البقاء. ترقبت ... ثم إسترقت السمع علني أسمع الهاتف يدعوني مرة أخرى و لكني لم أسمع غير صفير الريح على قمم الجبال البعيدة و حبات الرمال تتطاير و تلسع أطرافي ، و أسراب الطيور تحلق بعيدا تبحث عن دوحة آمنة أو واحة ساكنة. ( عجبي ................ )
|
|
|
|
|
|
|
|
|