|
بداية تطور الأغنية النوبية .. بقلم الفاتح شرف الدين ..أول شعراء النوبة
|
عندما بدأت ابحث في نطاق محدود ( مصادر من اهلي في كويكة وعبود ودبشة ) عرفت بان الاغنية المؤداة بالكلمة النوبية ( بالاخص في منطقة السكوت والمحس لأن منطقة حلفا ازدهرت بها اسمر اللونا وابيض اللونا وكانت الحان نمطية ثابتة يضيف اليها كل متغني كلمات تعبر عن تجربته الخاصة ) قد مرت بفترة اطمحلال وركود وضمور وكان ذلك خلال فترات الثلاثينات والاربيعينات وقبل ذلك ،،، ويبدو ان الهجرة للعمل بقصر عابدين في مصر وكذلك تجنيد بعض شباب المنطقة للمشاركة في الحرب العالمية ونزوح بعض القبائل العربية كان له اثرا في تهميش الكلمة النوبية ،،، وهنا اذكر شخصيات عربية ورد ذكرها مثل ود النقي وأحمدون الذي حفظ له اهلنا ( لا تقولوا احمدون غاب ،، احمدون غاب والعقاب ساب ،،، العقاب حارسينوا تلاب ،،، أنا بحر الميسوري وانتو دوراب وانا النار اللهيبة وانتو ورتاب ) بالرغم من الكلمات النوبية مثل ميسوري ودراب و ورتاب الا ان الابيات عربية قح وبالرغم من ذلك سمعتها من الكثير من اهل البلد ،،، وعرفت ايضا ان الكلمة النوبية انحصرت في التغني بالكلكية(أغاني الشمال ) لدى فئة من القوم تجمعهم جلسات الدكّاي ،،، وبلغني أيضا أن معظم الفانين الذين ظهروا من منطقتنا ( محور دبشة – كويكة – عبود ) قد تغنوا بكلمات عربية امثال يسن اروضة من كويكة ويقال انه قد سجل اغاني عربية بالاذاعة المصرية وسجلت في اسطوانات ويقال ان على سلطان ( دبشة ) قد احضر اسطوانات يسن روضة من القاهرة في عرسه واهتم بان يسمعه لاهله من كويكة ،،، وكذلك يقال ان والدنا محجوب عثمان شيخ ادريس ( عبود –كويكة ) وهو جد زوجتي من امها كان يتغنى بكلمات عربية ذكروا لي منها ماقاله نكاية باحد شباب عبري ويدعى / خليل حيث حاول الاخير منافسته في حبيبته التي تزوجها الاول لاحقا وهي – إن لم تخني الذاكرة - فاطمة احمد من عبري ( أنا وفاطمة بت احمد برانا ،،، نشيل الويسكي والكونياك معانا ،،، خليل التوتا يتمحق ورانا ) ،،، وكذلك كان في عبود افراد من اهلي وهم احمد بدري واخيه فنجري وهم ايضا تغنوا في فترة وبلغة عربية خالصة او بلغة عربية تتخللها رطانة ،،، يحكى ان احمد بدرى كان يساجل الفنان النوبي دهب خليل ويهجو كليهما الآخر ،،، كان الفنان دهب قبل ان يفقد بصره يعمل جزارا ( بمفهوم المهنة في تلك الفترة يشترى بهيمة ويقوم ببيع لحمها وذلك في فترات متباعدة او في مناسبات دينية مثل عاشوراء والمولد النوبي وخلافه ) ،،، ان احمد بدري قد هجاه في ذلك اذ قال ( إير دهب شاري لينا ،،، فاق كوتيباق ويقلينا ،،، باندي بانديل ندّا اوقوديلنا – أي انت دهب المغني الذي يسعى وراء الغنم الضعيفة الهزيلة (كوتيبا ) والذي تذل قدماه في حفر الجروف فيقوم ليقع ثانية ) ورد عليه دهب بقوله ( ايلنا حديد أيلينا حديد تينيمينللينا – أي انا الحديد الذي يستحيل ثنيه _ ) ورد عليه احمد بدري ثانية ( أيلين اوكسجين ايللينا حديدتا تنياري أيلنا – ان الاوكسين الذي يتني الحديد - ) ،،، ويقال ان فنجري قد حضر الى البلد من مصر وكان يرتدي شرابات حمراء ،فهجاه احد المغنين في حفلة عرس مغنيا ( يا اللابس الشراب الحمرا متين جيت من مصرا – لاحظ هذا الفنان النوبي يعرف ان كلمة مصر ممنوعة من الصرف فنطقها صحيحة ) ،،،
واستمرت فترة الاطمحلال تلك حتى عاصرها جيلنا ،،، وفيما اذكر انه وقبيل التهجير في (1964) اجتاحت منطقتنا ظاهرة عربنة الاغاني ولعل لظهور الفنان محمد وردي في الاذاعة السودانية في اواخر الخمسينات اثر على ذلك فكنا نشاهد ونسمع في الاعراس فنانين مثل حسن غانم وسيد دونجة من صواردة يتغنون باغاني وردي وابراهيم عوض وانتشرت في وقتها رقصة السامبا ولم يكن هنالك الا الفنان النوبي الاصيل دهب خليل ممن يتغنون بالنوبية حيث كانت دهبية الشهيرة ،،، ولكن كان مستمعي دهب قلة من الشباب المثقف وهم الاساتذة في صاي وغيرها من القرى المجاورة وما اكثرهم في تلك الحقبة ،،، واستمرت عربنة الاغاني حتى اواخر الستينات ولا انسى زميلنا المرحوم محمد عبده عثمان ( أدم دوللي ) والذي استمتع جميع اهالى البلد باغانيه عندما غنى لحبيبته ابيات من ديوان عربي مشهور حيث كان يردد بلحن نوبي ( إنا محيوك يا عبلة فحيينا وان سقيت كرام الناس فاسقينا ،، وان دعوت الى جلى وكرمة ... الخ القصيدة ) وبالرغم من فصاحة الكلمات بعربيتها الا اننا كنا نطرب لسماع فنانا المرحوم محمد عبده ،،، وكذلك كان الفنان سيد ادريس من عبود ( إيري ) وهو صاحب اغنية (ملاك ) التي طورها محمد وردي ،،، سيد ادريس وهو العائد لتوه من مصر كان يقتبس فى اغنياته كلمات عربية من اغاني لفنانين مشهورين مثل سيد درويش فادخل في احدى اغنياته ( ياعين تبكي على الغايبن ،، ودمعك في الخدود سطرين ،، سطر تقولي راحو فين ،، وسطر تقولي .... الخ ) يغنيها بلحن نونبي اصيل ويطرب الجميع ،،،
وفي مطلع الستينات أي في خضم معمة التهجير اللعين برزت اصوات غنائية ممزوجة بالعبرة والحزن والنواح والانين تعبر بحزن دفين عما اختلج نفوس كل النوبين وعما كانت تمور به النفوس من اسى على فقدان حلفا عروس العتامير ،،، برزت اصوات عديدة اذكر منهم الفنان صالح ولولي " عمدة فامي غفير فامي حلفال جو كويق نامي " ،،، كان تهجير حلفا هو حزن كل نوبي ولذلك كانت اغاني التهجير تنتشر بسرعة حتى كنا في وقت ما لا نتغنى الا بها ،،، وتدريجيا بدأت الكلمة النوبية تستعيد مكانتها في الاغنية ،،، حتى توجها فنانا النوبي الاول براعئته ( اسمر اللونا ) التي كانت تردد دوما في برنامج من ربوع السودان في الاذاعة السودانية ،،، لحن نمطي من حلفا تم تطويره وكلمات نوبية تحرك الاشجان ،،،، هكذا رجعت الكلمة النوبية الى الغناء في المنطقة ،،، ولا ننسى أثر ظهور اجهزة التسجيل الصوتية (الريكودر ) في اوائل الستينات على نشر تلك الثقافات وغيرها ،،،، ويبدو ان ايقاع الطار السريع قد لعب دورا في اغاني المنطقة التي ظهرت بعد ذلك ( في اعتقادي الخاص إن صحيحا ) ،،،،
(نقلا عن منتدي حميد ...
|
|
|
|
|
|
|
|
|