من مقولات الفيلسوف الإيطالي نيكولو دي برناردو دي ميكافيلّي: "إنها متعة مضاعفة عندما تخدع المخادع". وإلى ميكافيلي هذا نسبت الميكافيلية التي هي ثقافة أوروبية منبتا ومنبعا، وهي سياسة "الغاية تبرر الوسيلة". واليوم تحاول أوروبا المتحضرة اتباع أي وسيلة لوقف موجات اللاجئين من مستعمراتها السابقة المثقلة بالحروب والأزمات والفقر بسبب سياسات أنانية مصلحية آثمة اتبعتها في السابق. أوروبا الماكرة تخدع اليوم الأنظمة الفاسدة والمخادعة لشعوبها لأجل حل مشكلة اللجوء نيابة عنها مقابل بعض الفتات المالي. قبل عامين كشفت قناة ألمانية عن تسريب وثيقة سرية رسمية تؤكد سعي المفوضية الأوروبية للتوصل إلى اتفاق مع أربع دول أفريقية هي إريتريا وإثيوبيا والسودان والصومال، بحيث تلتزم باستعادة لاجئيها من أوروبا. وذلك مقابل مزايا تشمل مساعدات اقتصادية وتسهيلات بتأشيرات دخول الدبلوماسيين للبلدان الأوروبية. ولم يكن في خلد المفوضية أن تفوح رائحة هذا الاتفاق إذ شدد سفراء دول الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع لهم في مارس 2016، على أهمية عدم تسرب الوثيقة للرأي العام الأوروبي. الأمر المدهش أن تلك الوثيقة تعرضت لأوضاع حقوق الإنسان في تلك الدول، ووصفتها بالكارثية، بيد أن الميكافيلية كانت حاضرة حين أقرت تلك الوثيقة بأن سوء تلك الأوضاع لا يمنع التعاون مع تلك الدول في المجالات الأمنية. وفيما يبدو أن هذه السياسة قد حققت بعض النجاح ولكن على حساب القيم الأوروبية وحقوق الانسان؛ فقد أعلنت وزارة الداخلية الإيطالية، أن 6161 مهاجرا وصلوا إلى السواحل الإيطالية منذ بداية العام الحالي 2018، بينهم 4399 مهاجرًا قادمين من ليبيا، وهم أقل بنسبة 71.73 % مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017، وأقل بنسبة 66.12 % مقارنة بعام 2016. ومثلما شكل الموقع الجغرافي لليبيا فضلا عن أوضاعها السياسية المضطربة بيئة مواتية لزيادة الهجرة عبرها إلى أوروبا؛ فإن ذلك أيضا شكّل في ذات الوقت استعدادا من قبل ليبيا للاستجابة والتعاون مع الاجراءات الأوروبية القاسية تجاه اللاجئين ليواجهوا أهوالا أسوأ من تلك التي دعتهم لركوب قوارب الموت لعبور البحر المتوسط غبر ليبيا على أوروبا. اليوم الجنرال خليفة حفتر قائد أكبر تمرد على الحكومة الشرعية والذي يسيطر على رقعة واسعة من التراب الليبي، سيكون سعيدا برفع حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا منذ العام 2011 وتتبناه ايطاليا. يقول وزير الداخلية الإيطالي وهو ايضا زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف المناهض للهجرة: إن إيطاليا تريد إنهاء ذلك الحظر لتساعد ليبيا على ما أسماه بمكافحة مهربي البشر ووقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا. في ألمانيا أجبر وزير الداخلية ورئيس الحزب المسيحي الاجتماعي اليميني المتشدد حليفته المستشارة الألمانية أنغيلا الاثنين الماضي على انتهاج سياسة ضد اللاجئين بعد أن هددها بالاستقالة مما هدد الائتلاف الحاكم بالانهيار. ونص الاتفاق الذي تم التوصل إليه بينه وبين ميركل على أن أي مهاجر غير شرعي يصل إلى ألمانيا بعد أن يكون قد تم تسجيله في دولة أخرى من دول الاتحاد الأوروبي، يتم نقله إلى مركز عبور يقام على الحدود الألمانية بدلا من أن ينقل إلى مراكز إيواء موزعة في سائر أنحاء ألمانيا. تقليديا ظلت الأحزاب اليسارية في أوروبا تتبنى سياسات متصالحة مع اللاجئين لكنها منذ أقل من عامين تعرضت إلى خسائر تاريخية في كل من فرنسا وهولندا وألمانيا وإيطاليا. وهذا ساهم بشكل ملحوظ في تبني أوروبا وبشكل متصاعد نهجا متشددا تجاه اللاجئين. وهذا يعني أن الناخبين الأوروبيين يعارضون الهجرة بشكل متزايد، ولا يعتقدون أن أحزاب اليسار تستطيع الحد منها. ولذا استثمرت الحركات اليمينية الشعبوية في مخاوف الناخبين وإقناعهم بأن الأحزاب اليسارية متساهلة مع ظاهرة الهجرة ولا تفعل ما يلزم للحد منها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة