حبيبنا على شكرا ليك وسلام سلاما يسـر لى كل خاطـرٍ محـزون ويرشف من دموع الساقية شجون أنا قلت ليك من زمان إنك إنت خازن التراث وباعث الأمل فى الذاكرة الجمعية بنظام ومنهجية مريحة. والله أنا بفرح لما أقرا ليك وصف لواقع الثقافة الحضارية للنوبيين، ونمط الحياة وتحدياتها وجمالها رغم الأسى والغبن والعذابات اللى جلبتها ليهم السياسات المجحفة. وفى رأيى أن أبداعك يتجلى فى إختزال إيدولوجية الوجود فى الثقافة النوبية فى"هذا الثالوث لا يمكن ان نفضل طرفاً فيه النيل هو المصدر الساقية هي الوسيلة النخلة هي الهدف (الحياة) فهذا الثالوث لا ابالغ إذا قلت أنه في اللاوعي النوبي من القداسات." فشكرا.
توقفت عند حديثك عن الطنبور "كيسـر" والذى كان وردى من أجود من طوعه ليأتينا بأصوات موسيقية نادرة لا يقدر عليها إلا من تملكه حب الأرض وأهلها، فسكب حبه الحانا مميزة تستنطق أوتار الطنبور.
فالطنبور يا صديقى وطبيعة موسيقاه وكيف أن محمد وردى فى رسالته لصواردة "صواردة شـو"، التى تعد واحدة من روائعه، نجح فى أن يحتوينا بالحنان والحنين والتحنان البيولدو الطنبور. فروعة الطنبور تتجلى فى رنين صدى موسيقاه العميقة التى تربط صوت وردى مع اللحن والكلمات فيتكامل مع الإيقاع ويوحده مع أصوات المجموعة كعمق يغلف السمع زى الكوادروفونك والسيراوند ساوند؛ حتى تشعر وكانك تسبح فى نهر من الموسيقى مركز بالإيقاع وصوت وردى وترجيع المجموعة مع الصفقة و النبرة الحنينة، فىتكامل متناهى السلاسة كأنه فيض ماء من الموسيقى.
وتعود حنية صوت الطنبور لأصل نشوءه وتطوره كـ"آلة أنيسة"؛ أى أن عازفها كان يؤانس بها نفسه فى وحدته تماما كالناى والصفارة. ولأن المؤانسه فيها كثير من النجوى سمت إيقاعات الآلة إلى درجة الصفا الروحى ومخاطبة القوى الغيبية. ومن عجائب الآلات الموسيقية الأنيسة أنها حينما تعزف فى حضور مجموعة من الناس فإنها توحد مشاعرهم على قلب رجل واحد هو عازف الطنبور. لذا ولتلك الخاصية وصدق المناجاة تم إستعمال الطنبور كآلة مقدسة تصاحب الترانيم والطقوس الدينية، حتى صارت أهميته كبيرة جدا كما تشهد بذلك رسوماته التى تزين عددا من جدران المعابد النوبية ولاحقا المصرية القديمة. وهى التى تم نقلها حرفيا إلى أوربا فى شكل الهارب النوبى القديم، لتعم الكنائس والقداسات وحتى السيمفونيات.
فمما لاشك فيه أن الطنبور يعد أقدم آلة وترية على وجه الأرض، إبتكرها النوبيون، ثم أنتشرت من هناك إلى أطراف الأرض التى غزاها أو هاجر أو نزح أو هرب أو إلتجأ أليها النوبيون. وحتى الكلمة العربية قيثارة التى تصر المراجع العربية بإعتبار أنها إما إيرانية أو إغريقية أو هندية فإن أصلها نوبى فهى تصريف لكلمة "كسـر" أو طنبور.
وقد حاولت جمع كل تلك المعانى والمشاعر فى ملحمتى النوبية مستثيرا الأرث الحضارى الثقافى الذى يوحد أبعاده عمق ذلك الصدى الروحى المنبعث من آلة الطنبور. فهو يعبر عن لحظات إندغام العازف فى كيان الوجود، إندغاما كاملا مع ما حوله من طبيعة تردد صدى وجدانه فى تجاوب تحمله النسمات لكل الناس فيتراى له إهتزاز جريد النخل مع الأنسام كرقص حالم تجاوبا مع ألحانه المتناسقة مع صدى إيقاع الساقية المتواتر الموقت للإيقاع دون ملل من الرتابة المحببة، الشاهدة على إستمرارية الوجود ورفده بماء الحياة المنساب أبدا: غَـنـِّى أُهـزُوجـةَ وجـدى فى غـسـقِ العـتـمةِ أو فى ضـوءِ الفـجر رجـّع نـَغـمَ الـطـنـبـورِ حـنيـناً فـى قــمم ِ جبال ِ الـعـزةِ والسحـر وفـى وديـانِ الــوفــرةِ فـى أرجاءِ الصحـراءِ وفى ثـَبـَج ِ البـحـر إمــلأ أصـقـاعَ الـعـالـمِ نـوراً يتـَمـوسَـقُ أملا ً وبـشـائرَ بالخـيـر إرفـع إســمَ الـنــوبــةِ نـفـّاذا يتـضـّوعُ حُـبـاً كنـفيـس ِ العـطـر عـلـّم أبـنائـى وبـنـاتـى معنـى العـزةِ... قُـدهُـم بنـشـيـدِ النـصـر إحـفـظ لــغـة الأجــداد حِداءً للمستقبل للماضي إثراءً للعصر "عــلـمـهـم مـعـنـى الـحـب الـنـوبـى: مـلـحـمـة شــعـريـة"
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة