|
Re: دردشاتٌ مُزعِجة (Re: هشام آدم)
|
الأخ محمد علي طه الملك تحيّاتي
حسنًا عزيزي .. رغم أنَّني لا أرغب في مُناقشة التعليقات على محتوى الفيديوهات لأنَّه سيكون أمرًا مُرهقًا، بالإضافة إلى انشغالي الدائم بالإعداد للحلقات، ولكن كانت بي رغبة للمُناقشة ومُطارحة الأفكار، لكنتُ نشرتُ المحتوى كتابيًا هنا على المنبر. ولكن لا بأس، سوف أعلّق إكرامًا لك.
أولًا: فيما يتعلَّق بدور محمَّد الاجتماعي. واحدة من أكبر جرائم التاريخ الإسلامي -عزيزي محمَّد- هو أنَّه صوَّر لنا مجتمع العرب قبل الإسلام مُجتمعًا بدائيًا "جاهليًا" مُتناحرًا، يتقاتلون فيما بينهم، ويأدون البنات وما إلى ذلك، حتى تكون هنالك مُقارنة مُجدية. لن أقول لك أنَّ مجتمع العرب قبل الإسلام كان مُجتمعًا مثاليًا، ولكنَّه حتمًا لم يكن كما صوّرته كُتب التاريخ الإسلامي. النظام القبلي عزيزي محمَّد هو نظام اجتماعي يعتمد في المقام الأوَّل على نمط الإنتاج السائد، فالمناطق الرعويَّة غالبًا ما تقوم على أساس قبلي، وفكرة الانتماء والافتخار بالقبيلة كان ضرورة حياتيَّة لأسباب كثيرة جدًا في تلك البقعة الصحراويَّة المميتة. الإنسان عزيزي محمد في مثل هذا الإقليم الجغرافي الذي يمتاز بشح الموارد، وقساوة الطقس يحتاج إلى الانتماء إلى كيانٍ اجتماعي يحميه، القبيلة هي التي توفر له الحماية، وهي التي توفر له الغذاء، وهي التي توفر له الأمان. القبيلة هي التي تدفع له ديَّة القتل الخطأ، والتي إن لم تدفع، قد يدفع حياته ثمنًا له. ولو أنَّك اطلعتَ على كتاب (المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام) لجواد علي، لوقفتَ بنفسك على بعض مناحي الحياة الاجتماعيَّة التي كان يعيشها العرب، وكيف أنَّ العرب كان حرًا طليقًا، حرًا في أفكاره، وفي معتقداته، وحتى في انتمائه للقبيلة أو الخروج عنها، واختيار حياة الصعاليك المنبوذين. القبائل العربيَّة قبل الإسلام يا عزيزي لم تكن تعرف القتال على الدين ولا الخلاف على المُعتقد، ولم تكن تعرف النفاق وإبطان ما يؤمن به وإظهار ما لا يُؤمن به. الإنسان العربي يا عزيزي كان عزيز النفس كريم اليد، حتى النساء كان لهن شأن كبير في ذلك الوقت، فكانت هنالك الشاعرات كالخنساء (راجع كتاب: معجم الشعراء. للدكتور عفيف عبد الرحمن)، والتاجرات كخديجة بنت خويلد، وسيدات القوم كهند بنت عتبة، والحكيمات كأم قرفة الفزاريَّة. ولم تكن هنالك عصبيَّة قبليَّة أصلًا بتلك الصورة التي يُحاول التاريخ الإسلامي إظهارها لنا، كان الأمر مُجرّد فخرٍ بالقبيلة والأنساب لا أكثر، ولم تكن هنالك حروب بسبب القبليَّة، وليتك تذكر لي حربًا كان سببها العصبيَّة القبليَّة. القبائل والبطون كانت تتحارب فيما بينها، ولكن لم يكن دافعها إلى ذلك العصبيَّة القبليَّة، فأبناء العمومة كانوا يتقاتلون فيما بينهم لسنوات طويلة، ولكن كانت الأسباب إمَّا صراعًا على الموارد الشحيحة أصلًا أو بسبب الثأر. أمَّا الفرقة الاجتماعيَّة التي تتحدث عنها، فالمجتمعات القبليَّة هي أكثر الأنظمة البشريَّة تماسكًا ولُحمة، ولا أعرف عن فرقةٍ اجتماعيَّة تتكلَّم تحديدًا، إلَّا إذا كنتَ تقصد توزع العرب في قبائل متفرّقة، فإن كان ذلك ما تقصده، فهذا قياس زمني خاطئ، فأنتَ تقيس ما هو حاصل ما كان حاصلًا، فتجعل مما هو حاصل معيارًا للصحَّة، فيكون بذلك ما كان حاصلًا خارجًا عن هذا المعيار فيبدو لك بأنَّه غير صحيح؛ تمامًا كما يفعل آل سعود بالسعوديين، حيث يمنون عليهم بأنَّ الملك عبد العزيز وحَّد بين القبائل العربيَّة بعد أن كانوا متفرّقين. وأنا هنا أتساءل: هل كانوا متفرّقين بمعنى مُتشاحنين أم كانوا مُتفرقين مكانيًا؟ فإن كانت الأولى فهذا لم يكن حاصلًا أبدًا، فلم يعمل الملك عبد العزيز على إزالة الشحناء والبغضاء بين القبائل ولم يُوحد قلوبهم المتنافرة، وكذلك لم يفعل محمَّد، وإن كانت الثانية، فعلينا أن نسأل: هل توحيد القبائل تحت راية واحدة يصب في مصلحة القبائل أم في مصلحة الشخص الذي وحّد بينهم؟ الملك عبد العزيز كان بحاجة إلى رجال في جيشه من أجل مشروعه، فكان توحيد القبائل يصب في مصلحته هو الشخصيَّة، وكذلك كان محمد أيضًا، فهو لم يفعل ذلك حبًا في سواد أعين العرب، وإنَّما خدمةً لمشروعه الذي كان يحتاج إلى هذه الوحدة العربيَّة ليقوم مشروعه على الشكل الذي يُريده. ولكنه أيضًا بهذا التوحيد زرع في قلوب المُسلمين عصبيَّة دينيَّة لا تقل ضراوة عن العصبيَّة القبليَّة المزعومة، فصارت القبائل العربيَّة تتقاتل من أجل الدين، وذلك ما لم يحدث في تاريخ العرب قبل الإسلام أبدًا.
ثانيًا: أمَّا بالنسبة للحضارات الأخرى: الفارسيَّة والرومانيَّة والصينيَّة، فسؤالي لم يكن عمَّا أجبتَ عنه؛ بل كان سؤالي: "مَن مِن أصحاب هذه الحضارات ادعى النبوة من أجل رفعة شعبه ومُجتمعه كما فعل محمَّد؟" إنَّ فكرة أنَّ الدين مُنظم للمُجتمع لهي خديعة كبرى. لا أعرف لماذا يعتقد البعض أنَّ الإنسان قاصرٌ ويحتاج دائمًا إلى دين من فوق سبع سماوات لكي يُنظم حياته؟ هل تعتقد يا عزيزي أنَّ الإنسان غير قادر على وضع قوانين تنظم حياته دون الحاجة إلى الدين والماورائيات؟ لقد كان الأمر كذلك عندما خرج الدين من عباءة السحر أول الأمر، وكان ذلك لضرورات تاريخيَّة لا علاقة لها أبدًا بالغيبيات؛ إذ كان الغرض منها تحقيق مصلحة شخصيَّة لطبقة الكُهَّان والذين أصبحوا رجال الدين فيما بعد. أكثر البشر بدائيَّة بإمكانهم وضع قوانين تنظم حياتهم وتحمي حقوق أفرادهم، وبإمكانها أن تسن تشريعات وقوانين عقوبات؛ بل وحتى مكافآت عينيَّة ومعنويَّة للأفراد، فلقب كلقب (فارس القبيلة) مثلًا ما هو إلا مكافأة معنويَّة للفرد الذي يُسهم بشكل فاعل في الدفاع عن القبيلة.
ثالثًا: تعجبتُ في الحقيقة من جُملة (على فرضية صحة احتلال البلدان الأخرى). إن الغزو العربي الإسلامي ليس فرضيَّة يا عزيزي؛ بل هو واقع نعيش نتائجه اليوم، وتعاملك مع الغزو الإسلامي للبلدان والحضارات الأخرى (الفارسية والرومانية) وغيرها باعتبارها فرضيَّة غير مؤكدة، تتواضع لها جدلًا، لهو أمرٌ غريبٌ وغير مفهوم أبدًا. كيف وصل العرب المسلمون إلى بلاد الشام؟ كيف وصلوا إلى الهند والصين؟ كيف وصلوا إلى شمال أفريقيا وأوربا؟ شيء عجيب! أمَّا قولكَ بأنَّ الشعوب "العلمانيَّة" استعمرتَ أيضًا، فهو من قبيل تبرير الخطأ بحجَّة أنَّ الآخرين يُخطئون أيضًا. ولعلَّك تنسى يا عزيزي أنَّ محمدًا "نبي" مُرسل من الله، وليس بشرًا يُخطئ ويُصيب كالآخرين، والإسلام دين (أي من المفترض أنَّه يقوم على المبادئ الأخلاقيَّة) وليس كالعلمانيَّة والتي تعتبر منهجًا بشريًا قد تعتريه الأخطاء ويجب أن تعتريه الأخطاء حتى يُصححها؛ فذاك هو ناموس الحياة البشريَّة والتي تكتسب المعرفة من خلال تراكم التجارب. فأن تقارن بين نظام "ديني" يزعم أنه يستمد تعاليمه من الله وبين نظام لاديني بشري لهي مقارنة تضع الدين نفسه في مأزق كبير جدًا. هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى لا أعرف أحدًا أقر الدولة الاستعماريَّة على استعمارها حتَّى تقول إنَّ الإسلام لم يكن الوحيد الذي استعمر واحتل دولًا. الخطأ خطأ دائمًا بصرف النظر عن فاعله، وما يجعل خطأ الإسلام أكبر وأفدح هو أن يتم ارتكاب الخطأ باسم الله. أمَّا في دوافع محمَّد التي تزعم بأنَّها دوافع تعبديَّة ولم تكن دوافع ماديَّة، فلم أفهم: كيف يُمكنك أن تُبرر احتلال دولةٍ لدولة أخرى أو شعبًا لشعب آخر بمبرر كالدوافع التعبديَّة؟ دي ما فهمتها؟ هو إكراه الناس على الدخول في الإسلام أو قبول الجزية عند دافع تعبدي؟ أم تراكَ نسيت الإغراءات الماديَّة التي كان يُغري بها محمدًا أصحابه بفتح قصور كسرى وقيصر وهم يبنون المسجد في المدينة، ووعده لسراقة بن مالك بسواري كسرى وقيصر، ومقولته لسادات قريش: "أريدهم على كلمة يقولونها تدين لهم بها العرب، وتدفع لهم العجم الجزية." يا عزيزي الدولة الإسلامية منذ قيامها في المدينة في السنة الأولى للهجرة وحتى سقوط الدولة العثمانية لم يكن لها أي مورد اقتصادي أبدًا سوى اقتصاد الغزو والغنائم، وتتكلَّم عن مصالح تعبديَّة!
عمومًا، أشكرك على تعليقاتك ومشاركتك
محبتي
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-18-18, 11:11 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-18-18, 11:12 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-18-18, 11:13 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-18-18, 11:14 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-18-18, 11:15 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-18-18, 11:15 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-18-18, 11:16 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | النذير حجازي | 01-19-18, 02:35 AM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | النذير حجازي | 01-19-18, 02:41 AM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | Ahmed Alim | 01-19-18, 04:13 AM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | أبوبكر عباس | 01-19-18, 04:39 AM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | muntasir | 01-19-18, 09:17 AM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-19-18, 09:13 AM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-19-18, 09:13 AM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | محمد على طه الملك | 01-19-18, 03:18 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-19-18, 09:26 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | مرتضي عبد الجليل | 01-19-18, 10:43 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | محمد على طه الملك | 01-19-18, 10:56 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-20-18, 00:28 AM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-20-18, 00:28 AM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | محمد على طه الملك | 01-20-18, 01:47 AM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | سيف اليزل برعي البدوي | 01-21-18, 03:16 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | هشام آدم | 01-22-18, 06:13 AM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | محمد حمزة الحسين | 01-22-18, 02:25 PM |
Re: دردشاتٌ مُزعِجة | محمد على طه الملك | 01-22-18, 10:27 PM |
|
|
|