|
Re: تشابه الطغاة.. حكم ديكتاتور الدومينيكان…� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
مؤسسة مما قرأت الثقافية: دينا نبيل
مارس ٢٠١٧
رواية حفلة التيس تأليف ماريو بارغاس يوسا اسم الرواية: حفلة التيس
تأليف: ماريو بارغاس يوسا
ترجمة: صالح علمانى
عدد الصفحات: ٤٣٩ صفحة اصدارات دار المدى التقييم: ٥/٤.٥
حين ينتهي قارئ الأدب اللاتيني إلى حفلة التيس -و ذلك القارئ حتما سوف يهتدي إليها في مرحلة ما في حياته- يكون قد توقع منها مستوى رفيع يليق بكل المدح و مقالات الادب التى تدعوها تحفة فنية. و بينما ذلك القارئ يتأرجح في البداية بينها وبين رائعة غابرييل غارسيا ماركيز “خريف البطريرك” التي تتناول نفس الموضوع وبين “حرب نهاية العالم” ل يوسا أيضا ، ينتهي إلى أن السمعة الحسنة للرواية الضخمة بين أيدينا لم تأت من فراغ.
هى ليست عمل آخر عن الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية التي -مثلنا- عانت من انواع و اصناف من الرجال شبه العظماء أنصاف المجانين، في الأدب اللاتيني يزخر بهذا النوع من الروايات. فهى بمثابة إنجيل روايات الديكتاتورية مزدحمة بتفاصيل فنية و وصف حى و تقنيات سردية متطورة تجعل المنافسة منها صعبة ، اللهم إلا إذا حازت رواية منافسة علي حيلة أخرى رائعة من حيل السرد ك”خريف البطريرك ” العظيمة التي تكاد توضع في تصنيف وحدها من فرط رقتها و دقة استخدام الواقعية السحرية فيها كما لم يفعل أحد ولا حتى ماركيز نفسه في القصة التي دوخت العالم و أجبرت نقاد رابطة العنق علي الغوص حتى الركبتين في العالم الشعبي نصف الخيالي. فان أخرجنا “خريف البطريرك” من المنافسة -لفرط تميزها- فان “حفلة التيس” هى أقوى ما كتب عن عالم السياسة المزدحم لأمريكا اللاتينية.
“حفلة التيس” لا تضم قصة حب تتطلع إلى المستقبل علي عادة أهل الأدب، بل هي رواية من الماضي من اجل الماضي فلا تتطلع إلى مستقبل حزين كان أم بهيج. رواية يمكنها نفخ الروح في الصور القديمة المحدودة بالابيض و الاسود لكنها لا تقف عند الحاضر ولا تعطيه اهتمام يذكر.
“و لم تكن تصفية خوسيه ألمونيا إلا واحدة من سلسلة عمليات باهرة أنجزها الكولونيل وأدت إلى مقتل أو عطب أو جرح عشرات من أكثر المنفيين صخبا … عمليات خاطفة بهرت المنعم. كل عملية منها هى عمل عبقري بمهارته و خفته و دقيق كآلية الساعة. و في معظم الاحيان اضافة الى تصفية العدو كان أبيس غارسيا يتدبر الأمر لتقويض سمعة ضحاياه. النقابي روبيرتو لماذا اللاجئ في هافانا ، توفي نتيجة ضرب تلقاه في ماخور في الحى الصينى علي يد بعض القوادين الذين اتهموه أمام الشرطة أنه حاول أن يطعن أحد المومسات لأنها رفضت الانصياع للانحرافات السادية التى طالبها المنفي ، و قد ظهرت المرأة المعنية وهي خلاسية شعرها مصبوغ بلون اشقر ضارب الى الحمرة في مجلتي كارليس وبوهيميا و هى تبكى و تعرض الجراح التي سببها لها ذلك المنحط و المحامى سيبيريا مات في كاراكاس في مشاجرة بين مخنثين، وجدوه مطعونا في فندق سيئ السمعة و هو بسروال و حمالة صدر نسائية و فمه مطلي بأحمر شفاه. و قد اثبت الطبيب الشرعي وجود منى في مستقيمه. “
من البداية يضع يوسا قواعد اللعبة التي ستستمر إلى نهاية الحكي. السرد ها هنا أقرب إلى التداعي الحر فلا فواصل بين زمن و زمن ولا حتى بعلامات الترقيم. يمكن لشخصية أن تتحدث في الزمن “أ” ثم يتحول الحديث بلا مقدمات الي الزمن “ب” ، لذا فالقضية تتطلب قارئ نابه يقرأ بحواسه مركزة لا يتعجل خط درامى دون آخر ولا يتخطى فصل و احيانا ولا سطر. يلتزم يوسا من البداية بوضع لمحات يفسرها لاحقا. تتقاطع الخطوط الدرامية برشاقة البالية و ذكاء الشطرنج. الأزمنة تتحرك في حرية نسبية و نحن -القراء- قد تشوش احيانا لان الجامع الوحيد لخيوط اللعبة هو يوسا و يوسا فقط. كما أن السرد يتطلب أحيانا مجموع نشط من القارئ الذي سيكون في ذهنه قطع البازل تلك التسلسل الزمني للأحداث بنفسه.
تجسد عظمة و خسة أي ديكتاتور ، تعففه عن المال و طمعه إلى السلطة. الديكتاتور يعلم أن المال لا يصلح لشئ إلا لشراء الأنفس و الولاء و ربما الانتقام الدموي بين حين و اخر ، الديكتاتور يعلم أن كل من حوله يَحتقرونه و يخافونه و هو حريص علي العلاقة المريضة تلك. الديكتاتور -أي ديكتاتور يعلم أن كل من حوله يعشقون المال و يسرقون اموال الدولة حلالا طيبا وهو يغض البصر حين يحب و يضرب علي اليد حين يريد. الديكتاتور حبيب امريكا طالما عذّب و قتّل و رشا و تسلّط في صمت أما حين تُسمع الصرخات العقوبات الاقتصادية لا تضر الا شعبه. الديكتاتور لا يضع الأذكياء ابدا في موقع السلطة في الذكاء يقود إلى الفهم و منه إلى العصيان اما الاغبياء من القذارة الحية للمخيخ للدستور السكران في أدوات طيعة تبنى نظام لكن لا تبنى دول.
لكن كتابة تلك السطور تتحيز لرائعة يوسا الاخرى الاقل شهرة و التى تراها أعظم فنا و أكثر تأثيرا ، في مقارنة ليست في محلها و في مسابقة لم تقيمها لجنة و في تفضيل لم يطلبه أحد ، تدعو كتابة تلك السطور إلى قراءة “حرب نهاية العالم” التى لم تخيب ظن من يكملها ابدا.٥/٤.٥
|
|
|
|
|
|
|
|
|