** اعتذاراتي الصادقة عن التطويل فيما سبق، وعن غيره، ولكنني لم أجد طريقة لتناول مبحث جمال الدين العجيب هذا غير هذه الطريقة على علاتها.. وأشعر بالتقصير!!
** لما بقي من مفاكرات أو جدّت، لو الله أحيانا، سالتزم قُصر الكلام.. وهيهات.. لا جن ولا سحرة قادرين أن يلزموه ما وعدا.. الصبر الصبر..
===== عن سطوة الكناية:- في البوست الآخر؛ (لمحمد جمال عن منصور خالد كاتبا عن الحقيبة و’يبيع ساعات سياسية‘): أتحفنا العزيز جلالدونا بموشح (جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس).. ولتعلقه باشارات متعددة من صديقنا محمد جمال الدين، في هذا لبوست وغيره، إلى (الحنين في أشعار الحقيبة لفردوس ’الأندلس المفقود‘ بقرينة من كون الزجل في أصله أندلسي وأن هذا الأصل الأصفى والمحسن مملوكيا بالذات هو ما قلده وحاكاه شعراء الحقيبة ــ وهذا التصنيف لزجل الحقيبة، على تجاوزه عن سودنة الإيقاعات والأوزان، هو النصف الصحيح المتفق عليه من أطروحة محمد جمال الرائدة ــ إلا أن؛ الفردوس المفقود لغناء الحقيبة، فمثار لنقاش قد يتمدد في جغرافيا أوسع من الأندلس وإلى تاريخ أبعد من تاريخها.. ولذا فقد علقت عليه بالتالي:-
مناسبة الفردوس المفقود، وربما بفضل من هذا الموشح للسان الدين الخطيب (جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس)، فالأندلس كان وسيظل مجازا أيقونيا وغاية في الفاعلية التعبيرية عن هذا الفقد الحضاري النفسي لكل المجال الحضاري الثقافي العربي.. ولكن، فذلك صحيح فقط من حيث ارتباط الأندلس بتاريخ أثيل وبمجد طارف أكبر منها، يشملها كجزء منه، وكله مضاع.. وربما أيضا من ارتباط الأندلس وشعرها بحنين يخص ويرتبط كل امرأة إلى فنتازيا ولادة بنت المستكفي، وكل رجل أديب إلى بكائية ابن زيدون لفراق حبيبته.. كل هذا يجوز في فردوس "الأندلس" المفقود، ولكن، لا .. العلاقة بينه والحقيبة ليست في ارتباطهما بالزجل.. الزجل مجرد شكل ونوع شعري لم يندرج في كلاسيكيات المجد الأدبي ذاك التليد الذي استعدته الحقيبة، أو قل بعده لم يندرج في الكلاسيكيات.. وربما لولا دارسين كصفي الدين الحلي لما عرف زجالو العهد المملوكي اسما لفنهم هذا.. بالضبط كما هو الآن حيث للزجل اسما في كل مكان وبكل شكل ولكل غرض ولا أحد يذكر سيرة ’الزجل‘ المعرف بالألف واللام، لا بخير ولا شر، لولا مهابشات محمد جمال بالطبع..
وعليه، بمناسبة الموشح إيّاه وما سبق من كلام، أظن وبعض الظن كويس، أن "فردوس" الحقيبة المفقود إنما هو نفسه فردوس محمد عمر البنا والعباسي والتليب من شعراء الفصحى السودانية قبيل ولحين الحقيبة، وفردوس من قبلهم كذلك.. وهو هو بذاته فردوس الحلِّي وابن حجة والمعمار الشعراء والزجالون من أبناء العصر المسمى بـ "عصر الإنحطاط الأدبي" المملوكي، والذين كانوا قد استعادوا فن الزجل هونا من عامية الأندلس والمغرب إلى تفصيح وبنية مشرقية، وأحيانا فلا يمتنع عن تزويق وتوشيح أوإيقاعية مغاربية زادته حلاوة وطلاوة.. بالتالي فهم قد اثبتوا تقعيده فنا شعريا شعبيا مشرقيا صالحا للعامة والعوام.. وكلهم، الزجالون على الفصحاء، وسواء في العهد المملوكي أم في السيرورة الشعرية السودانية لما بعد التركية الأولى، وعبر هذا الشعر المقلِّد لما قبله والمتكلِّف في بديعه ومحسناته اللفظية والمعنوية، فإنما، بصفتهم طليعة ثقافية، قد كانوا يحاولون جهدهم الفني للإنتقال والعبور، نفسيا وروحيا، إلى حيث فردوسهم المفقود في (كل ومجمل المجد التليد التالد) لتاريخ الدولة العربية الإسلامية الراشدة والأموية والعباسية والأندلسية، والتي كلنت قد دانت لها الدنيا فيما قبل جائحة هولاكو وما قبل عصر المماليك وعصر ايزابيل وجائحة كرري..
نعم، هو طيران شعري بأجنحة الفن إلى عصور ما قبل الهزائم.. هذا هو الصحيح، ولكنه سيحتاج إلى مجاز باتع، وقد توفر لهم بأحرّ ما يبكي، من موشح لسان الدين الخطيب.. فإذن لا .. فردسة الأندلس في الحقيبة وغيرها، ليست عن ارتباط بالزجل، رغم أصله الأندلسي.. بل بما لخصها لكل ماضي “أمة الأمجاد والماضي التليد”، وأيقنها لهم في الأيقونات، هذا الموشح من لسان الدين الخطيب عن زمان الوصل بالأندلس.. جادك الغيث إذا الغيث همى!!
لمعرفة وتقدير مدى وعمق ما أيقنه موشح (زمان الوصل) واستقراره مجازا أبديا عن الافتقادات الحضارية والاستعادات الماضوية الأبدية كما تنفعل بها الحساسية العربية الإسلامية كالتي سادت أم درمان بوقت الحقيبة.. بالله عليكم استمعوا، ولنترك فيروز وصوتها الذي سيطير بالعقل، وقارنوا بين هاتين النسختين الأولي القصيرة (العلمانية) والثانية الطويلة (الإسلامية) وتأملوا استرجاعيا في أيام الحقيبة والخليل يغني في دار فوز عن (مشارع خولة والرباب).. عذاب حضاري!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة