|
مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم
|
مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! مقال نشر بصحيفة السوداني الأحد 29/7 عيسى إبراهيم * المعركة التي يدور رحاها بين جماعة أنصار السنة المحمدية بشقيها "الهدية" و"أبوزيد"، والتي تمحور اختلافها (ابتساراً) حول قبول المشاركة السياسية للجماعة من جهة ورفضها من الجهة الأخرى، والتي تزيد أوارها اشتعالاً الصحف الآن، أدت إلى الفصل والفصل المضاد للقيادتين، وإلى ادعاء الشرعية من قبل المجموعتين المتصارعتين، كل يدعي أنه الممثل الحقيقي للجماعة، هذه المعركة تقودنا للنظر من زاوية مغايرة لطبيعة المشكلة ولفت الانتباه لمأزق الفكر الاسلامي المعاصر تجاه قضايا التراث والمعاصرة، وعلاقة الاتفاق والاختلاف بين الشورى والديمقراطية!. إعادة انتاج الأزمة من جديد * صراع جماعة أنصار السنة بكيفيته الماثلة، يعيد إلى الأذهان أحداث الفتنة الكبرى، ومقتل سيدنا عثمان بن عفان، والأسئلة الصعبة المترتبة على تلك الأحداث، مثال: هل يمكن عزل الخليفة (أمير الجماعة هنا)، ومن يحق له ذلك، في مواجهة الآيات القرآنية الحاثة على السمع والطاعة "...أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم..." وكذلك الأحاديث النبوية "اسمعوا وأطيعوا ما أقام فيكم الصلاة" و"اسمعوا وأطيعوا وإن وُلِّيَ عليكم عبدٌ حبشيٌّ كأن رأسه ذبيبة" وما الموقف من مقولة سيدنا عثمان: والله لا أخلع قميصاً ألبسنيه الله!. الشورى ما هي؟! * الشورى عند جمهور المسلمين بالمعنى الاصطلاحي المعروف "مُعْلِمة" وليست "مُلْزِمة" أي أن النبي صلى الله عليه وسلم على الخيار في الأخذ بشورى أصحابه حين يشيرون أو الترك، فاذا عزم برأي مخالفاً فيه رأيهم مضى فيه متوكلاً على الله وفق منطوق الآية الكريمة "...فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين"، وحينما اعترضت هذه الإشكالية طريق الجبهة الإسلامية الموحدة قبل الإنقسام خرجت من المشكل بإلزامية الشورى، وبجعل سلطة المكتب التنفيذي فوق سلطة الأمين العام (المرشد)، مما عرضهم للفصل من حركة الأخوان المسلمين العالمية بحجة "أخذهم بخطة في الشورى لا يرون لها مستنداً فيما يقرأون ويعلمون" (أمين حسن عمر ـ أصول فقه الحركة ـ سلسلة رسائل الحركة الإسلامية الطالبية). بين الشورى والديمقراطية * الشورى وصاية رشيدة وفيها تدريج وتأهيل ومساوقة من النبي المصطفى المعصوم للأمة من حالة قصورها البادي إلى مراسي كمالها المنشود، أنظر إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عن رأي النبي صلى الله عليه وسلم: "يأيها الناس إن الرأي كان مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مصيباً لأن الله كان يريه، وانما هو من الظن والتكلف، السنة ما سنه الله ورسوله، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة". " إذ كان قد روي فيما ورد أن كاتباً لسيدنا عمر بن الخطاب كتب في فتيا لعمر "هذا ما رأى الله ورأى عمر" فقال له: "بئسما قلت، هذا ما رأى عمر فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمن عمر" ثم قال" السنة ما سنه الله ورسوله لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة". أما الديمقراطية كما هو معروف فهي حكم الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية وهي اجتهاد بشري وصلنا عبر تجارب طويلة للإنسانية وعبر الدماء والدموع وقد استقرت الآن عبر أنماط مختلفة في الشكل متحدة في المضمون، مباشرة "مثل سويسرا" وبرلمانية "مثل وست منستر البريطانية" و"المزاوجة بين المركزي والولائي مثل ما يجري في ألمانيا"، وغيرها الكثير!. أبوزيد بين الشورى والديمقراطية * طلب أبوزيد محمد حمزة، في زمان مضى، قبيل المفاصلة بين الطرفين وفصله من الجماعة، طلب من قيادة الجماعة، المتمثلة في الهدية، إعمال المؤسسية وتوفير الشفافية، والمؤسسية والشفافية وفق الرأي الشرعي المعتمد تمضي وجوداً وعدماً مع أمير الجماعة المعتمد، وهو في هذه الحالة الهدية، وكان على أبوزيد أن ينصاع للرأي الصادر من أمير الجماعة. ولحكمة تلتمس في تغير المحيط الزمكاني "ودوام الحال من المحال" رفض أبوزيد الانصياع ومضى في طريقه شاقاً عصا الطاعة ومفرقاً للجماعة بالمنظور الشرعي التقليدي، وهو بذلك انما يخالف الشريعة المبنية على قواعد الشورى، وفي نفس الوقت يتوافق مع الديمقراطية الداعية إلى تحكيم رأي الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية، وليس بعيداً عن الأذهان تلك المعركة المماثلة التي دارت في اطار الشورى بين مجموعتي القصر والمنشية والتي انتهت إلى المفاصلة بين مجموعة الترابي ومجموعة البشير وأنتجت حزبي الوطني والشعبي، ولم تُكشف للناس توصية مجموعة الترويكا "القرضاوي، الزنداني، فتحي يكن" بعد أن تم لها المحاولة في تليين مواقف الطرفين المتصارعين، وأعلنت فشلها، والتي لو كُشفت ـ في اعتقادي ـ لأجْلت موقف التراث من المنشقين باعتبار البشير زعيماً للجماعة. المشكل السياسي في إطار الشورى * بعد أن اتضح أن الشورى "مُعْلِمة" وليست "مُلْزِمة" للنبي (صلى الله عليه وسلم)، المعلم يستشير أصحابه ليدرجهم في طريق التربية مترفقاً بهم، وهو الرحمة المهداة، العافي عن الناس ليِّن الجانب، موطأ الأكناف، الذي يألف ويؤلف، والذي ما عرفه غير ربه، فبعد أن التحق هذا المثل الحي مجسد الكمالات بالرفيق الأعلى، مَنْ مِنْ الناس يمكن أن يملأ هذا المقام، يشاور الناس في الأمر، فإذا عزم برأي أخذ به وإن خالف رأيه الأغلبية متوكلاً (في ذلك) على الله؟!!. * المشكل السياسي إذن في الإطار الشوري، أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، اختاره ربه في الأصلاب الطاهرة من الأصلاب الطاهرة، فهو خيار من خيار من خيار، شق صدره، واستخرجت من قلبه العلقة السوداء وطرحت، وغسل قلبه وبطنه بالماء والثلج والبرد حتى أنقيا، ثم أدبه ربه فأحسن تأدبيه، فأصبح على خلق عظيم، وأعد عبر الزمن لتحمل الأمانة، بإلقاء القول الثقيل عليه، ثم هو بعد كل هذا الإعداد مشفوع بالوحي يصححه إن أخطأ فهو النبي المصطفى المعصوم، فمَنْ مِنْ الناس في زماننا هذا يمكن أن يملأ هذا المقام اليوم!؟ فهل الشورى هكذا هي، قمة المشكل السياسي؟ أم هي مرحلة نحو الديمقراطية، والشورى قطعاً غير الديمقراطية ؟!. وبعدُ!! * قدم الأستاذ محمود محمد طه رؤية واضحة عن تطوير التشريع الاسلامي من نص فرعي في القرآن الكريم خدم غرضه أجل خدمة حتى استنفده إلى نص أصلي مدخر لحياة الناس اليوم، واعتبر الشريعة الاسلامية في مستوى السياسة والاقتصاد والاجتماع هي المدخل على الدين وليست الدين، حسب الآية الكريمة "وأنزلنا إليك الذكر (القرآن كله) لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم (القدر من القرآن الذي تطيقه الأمة؛ "نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم") ولعلهم يتفكرون" (وهو المعلول وراء العلل والمقصود بعد انقضاء المقاصد)"، ما بين الأقواس الكبيرة من وضعنا، ولا يغيب عن ذهن القارىء الفطن الاختلاف بين مادتي "أنزلنا" و"ما نُزِّل" في الآية المذكورة آنفاً وفي العربية: كل زيادة في المبنى تتبعها زيادة في المعنى، وفض محمود بذلك التعارض البادي بين التراث والمعاصرة، ونحن الآن ندعو جماعة أنصار السنة المحمدية ومن ورائها كل الجماعات الاسلامية المعاصرة إلى إعادة قراءة الأستاذ محمود محمد طه بروية وتدبر لعل وعسى بعد أن جاء هذا المثال الحي الصارخ في مفارقة الشريعة من أكبر الجماعات السلفية المعاصرة، والله من وراء القصد!!.
|
|
|
|
|
|
|
|
|