آفة السراريق ومِحنة المساحيق - د.الوليد مادبو (الازمة الراهنة)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 05:06 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-23-2017, 09:41 AM

Nasser Amin
<aNasser Amin
تاريخ التسجيل: 02-07-2017
مجموع المشاركات: 3562

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
آفة السراريق ومِحنة المساحيق - د.الوليد مادبو (الازمة الراهنة)

    08:41 AM August, 23 2017

    سودانيز اون لاين
    Nasser Amin-الامارات
    مكتبتى
    رابط مختصر




    (تعليق علي اختطاف الدّولة لزعماء الإدارة ألأهلية) (3/1)

    أبلغ طفل والده عن نيته في الانضمام "للجريمة المُنظَّمة" واستشاره في الانضمام إلى إحدى الفريقين: الحكومة أم القطاع الخاص؟
    هكذا وبدون إعطائه أيّ مهلة لإبداء رأيه في جدوى قراره العملية أو مبدئيتها - طريقة الأولاد هذه الأيام - إنّما فقط تبيان لذويه
    خيراته الواقعية. فكُلُّ ثلاثة لصوص احتاروا في طريقة يتجاوزون بها الضائقة الاقتصادية وقد راعهم تدهور الدولار شيَّدوا بنكاً،
    وكُلُّ خمسة مجرمين محترفين وفاشلين اجتماعيين نضب معينهم من الحِيل وخارت عزائمهم عن التكسُّب بالحلال لجأوا لاختلاس
    إحدى الدواوين الحكومية ولنراجع تقرير المراجع العام الأخير(يكفي مراجعتك أيُّها القارئ الحصيف قائمة أعضاء مجلس الإدارة
    لأيِّ بنك في السودان أو غيره كيف تدرك حقيقة ما أقول). هذا في العالم قاطبة وفي البلد المنكوب خاصَّة. إذا كان بنك امدرمان الوطني
    قد تمَّ إسعافه من الإفلاس ثلاث مرَّات على أيَّام حرب الجنوب، فإنَّ اليونانيين تظاهروا علي أيَّام ورطتهم المالية قبل أعوام لأنَّهم اكتشفوا
    أنَّ كُلَّ مئة دولار يؤدِّي سدادها يكون نسبة مالكي البنوك منها 98.8 فيما أنَّ القيمة الحقيقية لما اقترضه المواطن لا تتجاوز 1.2%.
    بمعنى أنَّ مالكي البنوك موّلوا مشاريعهم الخاصَّة واشتروا أملاكاً اقتراضاً باسم المواطن، فمَن كانت له مركبة بحرية فاخرة
    قيمتها 5 مليون دولار أمكنته القروض شراء مركبة أخرى بـ 15 مليون دولار، ومَن كانت له فيلا اشترى قصراً وهلم جر.

    تأتي الشرطة البلهاء صبحاً لتقتفي أثر الجريمة الذي أزالته المخابرات ليلاً، فيما يتشدق السياسي"الضمين" و "النابه" وعلى يمينه مدير
    الشرطة "المتين" و"الوله" ولسان حاله يحكي الدراما الهزلية التي اختصرتها الحكمة الشعبية بقولهم
    "فلان بالليل مع السراريق وبالنَّهار مع لقَّاطين الدروب." الفرق بين العالم الأول والعالم الطيش هو فقط في الحذقة والحبكة،
    وليس الدربة والحرفة. فكلهم لصوص.

    لا يحتاج ذاك الطفل أو غيره لاكتشاف الأزمة الأخلاقية التي يعيشها العالم اليوم الذي أصبح في قبضة لصوص مسلَّحين
    (ولذا فحملة "نزع السّلاح" يجب أنْ تبدأ "بتجريد الدّولة" من بضاعتها المُزجاة والتي تستخدم لتغبيش الرّؤية ومنع المواطن حقّه في
    التوصُّل إلي صيغة مُرضية تجعله في سِلمٍ مع نفسه والآخرين). قال له والده وقد أعجبته نجابة ابنه وبراعته في التعرُّف على
    "جهتيْ الإبداع،" أُفضِّل أنْ تنضم إلى الحكومة، لأنَّها لن تعدم حِيلة في إيجاد مَن تدخله السجن نيابة عن محسوبيها
    أي السّراريق (جمع سارق) الأصليين!

    ظلَّت النُّخبة المركزية تُسخِّر موارد غرب السّودان منذ الاستقلال، وما قبله، لصالح الطّبقة الطّفيلية التي ظلَّت تستفيد من الثمرة،
    في الفول السوداني، حب البطيخ، الصمغ العربي، المواشي ... إلخ، دون أنْ تفكر في تخصيص نسبة من العائدات لتطوير
    البحث العلمي، أو زيادة الوعي الإنتاجي، أو إنشاء بنية تحتية علّها تُوظَّف لصالح تنمية أو استدامة هذا الثّراء المهول.
    كانت هناك أُسس إدارية ومعايير اقتصادية، تنتظم الحياة رغم حيفها أو عدم عدالتها حتّى جاءت "العصابة" مُتزعمة التّدمير
    وليس التّغيير أو التّطوير؛ فعبثت بالنُّظُم وَسَخِرت من الموروث ووظَّفت كُلَّ ما لديها من قدرات لاستبقاء الأهالي في حالة من
    الأسر المعنوي (الهلع،والإحباط، واليأس، الخوف من المستقبل، استباق إبليس شره) الذي تؤكّده المسغبة وتقننه سُبُل الفقر المادي
    لأفراد ومن عجبٍ، أغنياء. بل هُم نُجباء يسعون في أحلك الظّروف وأخطرها للكد والكسب من جهد أيديهم: تخرج العجوز
    منهم للاحتطاب، يتلقى الأطفال النجمة وهو في السَرْحَة، يخرج الرجال للزراعة والتّجار للسّوق، فلا تكاد
    تجد في الفَريق إلا عضير أو مسكين.

    إحتبس الدّهر الزُّراع الأصليين، مضى إخوانهم يتلفتون من هول المصيبة ويجأرون للخالق كي يُجنِّبهم مغبة الظّلم. فلا يمضي
    خمسة أو سبعة إلى الخلاء يكبرون زرعاً أو يزربون أرضاً، لا يعرفون شيئاً عن سيرة مالكها، إلاّ وهُم حاملين السلاح.
    وهُم في هذه المِحنة لا شكَّ أنَّهم يرجون يوماً يرجع فيه الأمر لما كان عليه، وقد شهدوا بأمِّ عينهم آفة المقولة الجاهلية
    (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) وخبروا فداحة البسالة الكاذبة (أمسح أكسح). لكن الحكومة (وعملائها من المؤتمرجية)
    لا تريد لهم أنْ يرجعوا إلي سيرتهم الأولى وقد أفاقوا. فما السبيل؟

    ما هي مصلحة "الدّولة" في الصَّدِّ عن السّبيل، التّغرير بالشّعب وتدمير موارده؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلَّب مراجعة
    المصطلح، فهذه ليس "دولة" إنَّما هي "عصابة" تواطأت على اختطاف الموروث وارتهان المستقبل لصالح أوهام أيديولوجية.
    ما آل إليه الأمر هو مزيجٌ من الوهم والجهل تختصره عبارة "الضَّابط الرِّسالي" منذ اليوم الأول وقد تعرضتُ لهذا الأمر بتفاصيل
    أوردتها في مقالي: الحكمانية - تَحكُّم أمْ إحكام (تعليق علي تجربة الحكم المحلِّي في العالم العربي/السودان حالة خاصَّة).

    إن العقيد أنس عمر، والي ولاية شرق دارفور، هو نموذج مثالي لذاك الضابط الرسالي، لأنه ليس له أدني تأهيل أكاديمي أو مهني
    في أيٍ من مجالات التنمية أو الإدارة أو التخطيط كما لم يصَّعد في إحدى دواوين ألحكم المحلي. فجل ما حازه من فخار هو الاشتراك
    في إبادة شعب الجنوب ولذا فهو يبرع في الخطابة والحديث عن الجهاد بمناسبة ومن دون مناسبة لكنه لا يتطرق مطلقاً للحديث
    عن التنمية فأفضل وظيفة نالها وأقربها للمتطلبات المهنية، قبل أن تعهد إليه مسؤولية الولاية المنكوبة والهاملة بفعل ما ارتكبه بنيها
    ونخبتها، هي وظيفة "مسؤول التأمين لمؤسسة بترولية." مثل هذا الشخص يمكن أن يعهد إليه بمسؤولية في الشمالية أو نهر النيل،
    أمّأ أن يعهد إليه بمسؤولية في ولاية حدودية فأمر مخزي ومحير.

    منذ اليوم الأول كان هم الجبهة الإسلامية اعتماد "الفوضى الخلَّاقة" كوسيلة لضرب الولاءات التّقليدية واستتباع الريف من
    خلال التّمكين لنُخب طفيلية، متجاوزة حتى مفهوم الاقتصاد الرِّيعي إلى (لا) اقتصاد، إنَّما فقط السّمسرة. لكن كيف ينجح هذا
    مع شخص (مزارع) يملك كافَّة سبل الإنتاج (مطر، أرض وسواعد فتية)؟ لن تعدم الإنقاذ حِيلة، فقد فتحت أبواب التّصدير للزيوت
    بكافَّة أنواعها من ماليزيا وغيرها؛ فكسدت البضاعة وافتقر المواطن، بل عدم أيّ حِيلة لتغطية فاتورة العلاج والتّعليم مِمَّا
    اضَّطره لحمل السّلاح. كانت هذه الفرصة التي تنتظرها النُّخب العسكرية والأمنية التي احترفت التجارة في زمن الحروب
    - خاصَّة حرب الجنوب - وتعرِف كيف توظِّف هذا الظّرف لصالح جيبها وجيوب محسوبيها. من أخطر هذه الأُسر،
    أسرة العقيد أنس عمر، الذي انضمَّ هو وأخوته منذ اليوم الأول في الإنقاذ إلي الجهاز، وكان لهم القدح المُعلى في
    "دحر التمرد" مستخدمين مقدرتهم على الكيد، وليس جرأتهم على التّصدِّي مستخدمين حِيلاً تنموية أو تدابير مُؤسَّسية وطنية.

    إذا تفحَّصت قائمة جميع الشركات التي تعمل في خطِّ الإمداد من الخرطوم إلي دارفور؛ تجد أنَّ كُلَّ الموردين للسّلع التّموينية
    ومواد البناء ووكلاء شركات الطيران ومُتعهِّدي الأدوية ومواد "التّخدير" كافَّة من الشركات الأمنية التابعة للنِّظام أو الدّولة.
    هل لهؤلاء مصلحة في انتهاء الحرب واستتباب الأمن، وقد اغتنوا من السُّوق السَّوداء وتزوَّدوا بفرق السِّعر الهائل في البضاعة،
    أمْ إنَّهم يُريدون أنْ يمارسوا احتكاراً للذخيرة والسِّلاح تجعل المواطن تحت رحمتهم، أكثر مِمَّا هو عليه،
    إذ إنَّ "التَفلُّت غير المُتحكم فيه" قد يضرُّ بمصالحهم الآنية ويقلِّل من فوائدهم التِّجارية؟

    سبق لي أن قدمت ورقة بالتعاون مع الأستاذ حامد علي محمد نور، الأمين العام لمبادرة المجتمع المدني، وناشطين مدنيين أخرين
    أن تقدمنا بورقة استراتيجية - وذلك قبل عدة سنوات – لعدة مؤسسات كانت تهدف إلى خلق هامش تثاقفي يعتمد القبائل العربية
    عنصراً من عناصر البناء وزاداً يدعم مشروعية الإخاء(Arabs for Integrated and Peaceful Darfur) ،
    وحذرت من إضعاف العرب وتبعيضهم وسيلة لتأمين المركز؛ لأنَّ ذلك يفلُّ من عضد دارفور ويجعل من المستحيل الوصول
    إلى حلٍّ سلمي للأزمة قد يُرتجى مستقبلاً. لقد دخلت الدّولة باستهانتها للأمر في "أم كبك" لأنَّها بتفتيت الكيانات العربية
    قد هيّأت لبعض المجموعات الانتهازية الاستحواذ علي منصَّة المشهد السياسي والعسكري دونما أدنى أهلية،
    وهزأت بالنُّخب المحلِّية والقومية وبالإدارات الأهلية، وضربت عرض الحائط بالتَّحالفات الاستراتيجية التي حكمت
    دارفور خمسمائة عام. وإذا ذاك هو الحال فإنَّ "الدّولة" لا تستطيع أنْ تستعين بعُنصر الفناء اليوم لدعم مشروع البناء.
    إذن، لا بُدَّ لها من عناصر بشرية جديده تتمتع بأهلية شعبية، والأهمُّ من ذلك؛ تمتلك رؤى مستقبلية. من أين لها بهؤلاء؟
    مَن الذي يرتضي لنفسه التَّعامل مع "العصابة"، بل من ذا الذي يقوى على تحمُّل وزر الإبادة والله عز وجل يقول
    (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّار) (هود 113) والرّكون هو مُجرّد المَيل القلبي، ما بالك بالتخطيط والتنفيذ
    والإمعان في التّدليس وبخس الحقِّ أهله؟ لا غرو، فقد عرضت الدولة منصب وزير العدل مؤخراً علي أربعة عشر
    مرشحا قبل أن تجد شخصا واحداً مؤهلاً يقبل هذه الوظيفة التي جل مبتغاها التستر علي الجناة؟

    ليس هنا المجال للتّوسُّع، لكنني سأفرد مقالاً يُبين الأدوار التي قام بها اللواء دُخري الزَّمان - الأخ الأكبر للعقيد أنس عمر-
    في شأن الإبادة العرقية في الجنوب، وفي دارفور، وقيمة ما جناه من ثراءٍ مادي هو وإخوته مقابل إثبات ولائهم للإنقاذ
    ولعصابات المركز كافَّة. كان أحد أعمامي العسكريين مُعجباً باللواء دُخري الزَّمان وبأدائه عندما كان ضابطاً في نيالا،
    وكان كثيراً ما يقول لي "اللواء دخُري الزَّمان رجلٌ محترم." كنتُ أعجبُ من سذاجته، لكنني أكتفي بالقول
    "التَّهذيب هو أداة العُنصريين للتّشذيب. وذلك منذ فجر التَّاريخ. إنَّك لن تجد تهذيباً يفوق تهذيب جنرالات هتلر
    وعُتاة طاقمه الأمني، هُم يُسلونك ويؤنسونك بل يضحكونك وهُم آخذيك من باب الزّنزانة إلى حائط الدِّروة،
    بل إنك لن تجد رجلاً اليوم يفوق "الرجل الأبيض" اليوم في رُقِيِه وابتسامته الصفراء التي ساد بها علي الأمم البلهاء."

    لعلَّ أكثر ما يحرجهم اليوم تصرُّفات الرئيس ترمب، ليس لأنَّها خرقاء؛ لكن لأنَّها تكشف حقيقة مُؤسَّستهم العُنصرية والإمبريالية؛
    فَتُعَجِّل بذلك في فضحهم ومن ثَمَّ تستدرج كافّة القوى لمقاومتهم؛ وهذا ما يخشونه. الأمر إذن لا يختلف عن واقع
    النُّخب المركزية في السُّودان لأنَّها سادت يوم أنْ سادت مُعتمدةً على المكر والدّهاء والمقدرة علي التلوُّن كالحرباء -
    دعوات أخروية تبنَّتها الطَّائفية والجبهة الإسلامية القومية ودعوات تقدمية تبنَّاها اليسار والجبهة الثَّورية،
    فلما انفضح كُلَّ هذا الإفك اتَّخذ اليمين من الدّولة غنيمة، واتَّخذ اليسار من منظمَّات المجتمع المدني رهينة
    (تجد التفصيل في مقالي القادم تحت عنوان مُبادرة المجتمع المدني: سفينة غرقت في بحر الكبر والوهم والطمع)؛
    أمّأ البؤساء من أبناء الهامش فهم يقتاتون من هذه الموائد إذ لا يملكون لأنفسهم موتاً ولا حياة ولا نشورا، أو هكذا يتوهمون.

    لعلَّها دارفور بهذا تكون آخر المستوطنات، إذ إنَّ قادّة المركز قد اختلفوا ولم يتفقوا على تفويض "دي كليرك" كي
    يفاوض بالإنابة عنهم؛ ولذا فَهُم لن يستبينوا النصح إلاّ ضحى الغد - يوم أنْ تتقاطع الدوشكات في شارعي الستين وعبيد ختم -
    حينها لن تُجدي الاستعانة بالعقلاء وسنتركهم للسفهاء يحسمون أمرهم معهم - وهذا ما يستحقونه حقّاً. إذا لجأت "مايو الحمراء"
    لسلاح الجو المصري لقتل العزل في الجزيرة أبا فحصدت اثني عشرة ألفاً من الأهالي وبذات الدوافع التي قُتِل بها المدنيين
    في دارفور، فلا أدري لمَن ستلجأ النُّخب المركزية هذه المرَّة والأعداء يتربَّصون بها من كُلِّ صوب ولا صليح لها من أبناء الشَّعب؟
    ما لم نتدارك هذا الفدح المعنوي ونعترف بمسبباته؛ فإنَّ دائرة العنف هذه لن تنتهي، طالما هنالك غُبن فتأكد أنَّ هنالك عنفاً،
    والعنف يجتر عنفاً مُضاداً. الأمر الذي لن تعالجه الأغاني الوطنية (كرري تحدث عن رجال كالأسود الضَّارية،
    علماً بأنَّ البيوت التي تسود اليوم قد تسلل أسلافها بالليل عشية كرري من أمدرمان - بلد كبار الجواسيس آنذاك -
    وأجهزت علي الجرحى وسلبت الأسرى. لا داعي للتَّطريب، دعونا نتكاشف ونرمي هذا التَّاريخ وراءنا ونمضي
    في طريقنا لتنمية الذَّات الوطنية)، إنَّما المعالجات الدّستورية والسِّياسية والتَّعليمية التَّربوية الرَّاشدة.

    لقد تحقَّق الهدف الاستراتيجي للجبهة الإسلامية ولو بصورة دراماتيكية مُتمثِّلاً في خلق انسيابية في ملكية الأرض،
    وميوعة إدارية وسياسية واعتباطية لم تكن متعمدة في التعاطي مع هذا الشأن المُعقد. لا يهم كم من الألوف ماتت أو قُتِلت
    أو نزحت أو شُرِّدت، المُهمّ أنَّ الجبهة قد نجحت في "زحزحة الولاءات التقليدية"! هذا العبارة الخبيثة والجهولة والحقودة
    التي استخدمها الشيوعيون في حلِّهم للإدارة الأهلية، واعتمدها الإسلاميون في محاولتهم "لإعادة صياغة الإنسان السُّوداني"،
    بيد أنَّ الأخيرين قد رأوا مصلحة في احتواء الإدارة الأهلية وتجريدها تدريجياً من كافة صلاحيتها، مع الإبقاء عليها
    إلى حين مجيء اللحظة لركلها، وقد أزفت تلكم السَّاعة.


                  

08-23-2017, 11:35 AM

Nasser Amin
<aNasser Amin
تاريخ التسجيل: 02-07-2017
مجموع المشاركات: 3562

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آفة السراريق ومِحنة المساحيق - د.الوليد ما (Re: Nasser Amin)

    (3/2)

    إنَّ التَّعاطي مع الشأن الدارفوري، يتطلَّب استصحاب عوامل عديدة للتَّحليل، منها ما هو سلوكي (إجرام بعض القيادات، عُمد وغيرهم، وإمكانية ضلوعهم
    في بعض الممارسات غير القانونية الأمر الذي يجب أنْ يحدِّده وزير العدل وليس منسوبي الأمن أو الشائعات)، منها ما هو مؤسَّسي (انهيار الهرم الاجتماعي،
    اضمحلال المسودة العُرفية، تداعي الهيكل الإداري، إلى آخره)، ومنها ما هو بنيوي (ضعف التكامل الأيكولوجي بين الرَّاعي والمزارع، والمصلحي الاستثماري
    بين المزارعين أنفسهم، الحاجة الاقتصادية للاستقرار والسَّيادية للملكية والمشاعية للانتفاع، محدودية الرقعة الجغرافية إلى آخره).
    إنَّ غياب الأفق التَّنموي يجعل كُلَّ هذه العوامل تتضافر لصالح الدّمار والانهيار، كما قد توضِّح حادثة مجيليد.

    تقصى بعض المعاليا أثراً لبهائمهم، قادهم الأثر إلى بادية أولاد حاج إسماعيل حامد (رزيقي) والذي من المُرجح بل من المؤكد
    أنَّ السراريق- والذين لم تتبين هُوِّيتهم هذه اللحظة - قد تعمَّدوا دسّه-أي الأثر- في هذه الناحية (بادية رزيقات) كي لا يقتفي أحد
    أثرهم فيخرجوا من القرية سالمين على أقلِّ تقدير، ويستطيعوا الإيقاع بين الفريقيْن على أسوأها. قد كان لهم ما أرادوا فالناس
    يحتكمون إلى السِّلاح في غياب الدّولة وإلى الظّلم في غياب أهل المشورة. بدأ المعاليا (المجموعة المقتفية آثار البهائم) في الضّرب بالسِّلاح،
    هكذا وبدون مُقدِّمات. لم تمض دقائق حتى قُتِل من أبناء حاج إسماعيل حمدان والطيب ومن أبناء أخيه حاج موسى حامد وحمدان. وصل الفزع إلى البادية
    التي تحرَّكت على خلفية الأحداث الكثيرة المتراكمة، لكنها لم تتحقّق من هذا الواقعة بالذَّات ولم تتبين من السَّالفة حتّى كانت قد ألحقت بالمعاليا ضرراً
    وقتلت منهم غِيلة العدد الكبير.

    هذا الحدث الدّرامي وغير الإنساني - رغم فداحته- تصدق روايته مع تبديل المُسمَّيات - أشخاصا وقبائل- لكُلِّ المحلِّيات يموت
    زهاء المئة مسلم وتزهق أرواحهم فلا تنجح النُّخب المركزية (لحاجة في نفس يعقوب)، وتلكم المحلِّية (لضيق الأفق وبؤس المخيلة)، في شيء قدر تفعيلها لثنائية
    رزيقات ومعاليا ومن تَشَطّر منهم وبرع أفتى في قانونية الطَّوارئ أو عدم قانونيتها، وثيقة مروي ونجاعتها، تاريخية الحاكورة وقُدسيتها، بل تشكَّكت
    في ولاءات المسؤولين على خلفياتهم القبلية؛ حتي زعموا أنَّ العقيد أنس عمر معلّاي (وأنس معروفة جهته وحلته)، وينسون أنَّ هؤلاء ( ها .... أولاء)
    ولاءهم لكُلِّ شيء إلَّا العشيرة والله والوطن.

    فلندع أمر الخلفية القبلية والاجتماعية جانباً، ولنرجع إلى إجرائية المعالجات الأمنية. إذا كان كُلُّ إناءٍ بما فيه ينضح فإنَّ
    والي شرق دارفور، قد رأى أنَّ نجاعة الحلّ السِّياسي تتمثَّل في إحكام القبضة الأمنية؛ خاصَّة بعد أنْ تجمَّع الرزيقات في كليكل والمعاليا في أب كارنكا.
    رغم تحفُّظنا على هذه الخطوة، إلَّا أنَّنا نستغرب كيف يتمّ استدراج زعماء أهليين إلى موقع حدث لم يكونوا في الأصل جزءاً منه، ويتمّ اعتقالهم وهُم مَن
    تحمَّلوا عبء التَّصدَّي لعبث الإنقاذ طيلة هذه السنوات، وبذلوا قصارى جهدهم لامتصاص الصَّدمات بالرغم من شُحِّ الإمكانيات وضياع الصَّلاحيات وغلبة المشورات؟
    لماذا إذن اعتقال عُمد الادارة الأهلية في هذه الّلحظة؟ بل كيف يتجرأ معتمد الفردوس (أضان الحمار سابقاً)، محمد سليمان جود الله الغالي،
    خريج الجامعة الإسلامية 2004، أنْ يرفد عُمداً علي رأسهم العُمدة محمود خالد محمد نور، عُمدة العُمد ورجل الإدارة الأهلية والعيار والسند؟ ما هذه المسخرة؟
    هل اغتررتم بسلطة الإنقاذ أم إنكم قد أيستم من زوالها؟

    ساءني ما فعلتم بقومي وسرّني. ساءني لأنّكم عدوتم علي قوم كرام، وسرّني لأنّهم ومنذ اليوم سيعملون على الإطاحة بالعصابة وإذا لم يفعلوا فخاب
    رجائي فيهم. كان بعض أصحابي منهم يبلغونني أنّ صحبي، يقصدون الناظر أحمد السّماني (رحمه الله)، بقول "الله يفتن الرِّزيقات مع الحكومة"،
    وهم إنّما يودون القول ويدللوا على إنّه غير مخلص في خوته للرِّزيقات وأنّه يتظاهر بالحبّ والإخلاص لهم.

    فكنت أرد بقولي "إنْ قالها فقد صدق وأحمد رجل تيجاني لا يعرف النفاق وأنا علي دينه، بل أؤمِّن على دعوته." لقد أدركت خطورة التنامي العسكري والبشري لهذه القبيلة،
    والآن أيقنت بأنَّها في حاجة إلى مَن ينقذها من نفسها، قبل الأخرين. ولا يكون ذلك إلاّ برسم خطٍّ إستراتيجي أسعى لتبيانه في هذه المقالة أو الورقة المفاهيمية.

    إنّ بعض الزلنطحية والعمد الإنقاذية (ومَن أسميهم أحياناً "البجعات البرية" تأسياً بالرواية العالمية) كان يقول ويفاخر "الرئيس بحبّ الرّزيقات."
    وأنا أقول في نفسي "ما هو قدر المُحبّ وما هي يا ربِّي قيمة هذا الحبّ؟" إنّ المُحب لا قدر له، وقيمة الحبّ معيارها التنمية التي كان حظ المنطقة منها
    صفراً كبيراً ودونك المشاريع الفاشلة: مطار الضعين ومشروع أبو فاما الذي خصّ به العقيد أنس عمر محاسيبه من الإنقاذيين -- وغزالة جاوزت.
    بل إنّ حظّ الأقاليم من القروض التي أُخذت باسم كافة السّودانيين والتي ستدفعها الأجيال القادمة يبين القسمة الضيزى، إذ إنّ حظّ إنسان الوسط من
    هذه القروض 390 دولار للفرد، مقابل إنسان دارفور والجنوب 39 دولاراً فقط. حتى هذه النسب غير دقيقة، لأنّها؛ أيّ القروض المدرجة والمسجلة
    قد ذهب ثلثها إلي جيوب أفراد. الآن فقط سيعلم العُمد أنّ "من الحبّ ما طبل في السجن وقتل"!إنَّ إدارة الرِّزيقات في الجنوب تُمثِل القلب والعقل للرِّزيقات
    في السُّودان قاطبة. فهم مهما تتضعضع كيانهم واضمحلّت عُرى الوثاق بينهم؛ تبقي لديهم حكمة راسخة ورؤية متوارثة وتؤدة في التعاطي مع الشأن العام.
    كان الناظر محمود موسي مادبو (رحمه الله) دائماً ما يقول: "نحن العطاوة ديل جبتنا كبيرة وشدرتنا ضليلة تسع كُل القبايل" (رواية الشيخ جبير عبدالشافي).
    ولذا فقد حرص النِّظام على عزلهم من إخوتهم في المقدومية (جنوب دارفور) ومن إخوتهم في شمال وغرب دارفور من خلال الاستحداث لولاية شرق دارفور.
    رغم ذلك فقد استمرَّ نفوذهم، مِمَّا استدعى ليس فقط عزلهم إنما أيضا اعتقالهم؛ كي يتمّ تنفيذ المخطط أو السيناريو القادم بالكيفية أو الحرفية التي يريدها جهاز الأمن؛
    وهي اقتتال الرِّزيقات حتّى يفنوا عن آخرهم. يساعد في ذلك هواجة الفريقيْن والغشامة المتحكمة فيهم بتفشِّي عامليْ الفقر والجهل. يكفي فقط استبقاء سبعة ألف لحماية البشير وإخوانه.
    حتي هؤلاء، لم يرتاح بال بكري حسن صالح حتي أخرجهم لأنه يفضل الاستعانة بأبو طيرة وقوات السلام والدفاع الشعبي وذلك بدافع الانسجام العرقي.
    علماً بأن عددهم يتجاوز الاربعين الف يتزودون من أمواج ولا يأتون البأس إلا قليلا.

    عاد الرئيس البشير النَّاظر سعيد محمود موسى مادبو(رحمه الله) إثر وعكة أصابته قبل عاميْن، فكان فيما قال له: "أنا عندي 20 ألف من الرزيقات مسلَّحين"،
    وطمأنه بأنَّه سيرعى أولاده (أيّ الرزيقات) وطلب منه ألاّ يحمل همّاً." صمت الناظر وأطرق بنظره إلى أعلى لأنَّه يدرك بأنَّ هذا النّوع من "الرِّعاية"
    سيكلِّف القبيلة كُلفة عالية ويجعل تماسُّكها مرهوناً ببقاء النَّظام الذي ما فتأت الحادثات تنوشه حتَّى اعتزم قادته تفتيت كيان الرِّزيقات وضرب وحدتهم دون كُلفة،
    إنَّما التَّحريش والوقيعة بين مجموعات غير راشدة ولا تعتزم الاعتبار أو الاستبصار.

    لا يكاد المتتبع للرسائل الصّوتية التي يبثها الشّيخ موسى هلال حتي زمنٍ قريب يتبين هدف استراتيجياً أعلى أو حتّى تكتيكاً سامياً،
    إنَّما يستشف فقط مناورات قد يكون الغرض منها كسب أرضية سياسية أو عسكرية، أو الاثنان معاً. إنَّ العمل السِّياسي يتطلَّب العمل
    عبر حزبٍ سياسي أو الانخراط داخل المؤتمر الوطني حزبه الأصل، أمّا العمل العسكري فيتطلَّب الانصياع لأمر القيادة العليا للقوات ا
    لمسلَّحة أو جهاز الأمن في حالة حرس الحدود، أو الخروج علي الدّولة خروجاً بائناً، فلم يعد هناك مساحة للمناورات أو المساومات أو حتّى
    الاتهامات التي تشبه طعن القناص للفيل في ظلّهِ وعوده قائم. أما وقد عزم علي ألاّ يمكننَّ "عيال أم شطيطة" من رقبته، فإنه من غير الواضح
    أنه قد قرر مواجهة البشير وعصبته. ليس أسوأ من أن يغتال وهو في تلك الحال أو أن يهلك في محاولته الوقوف بين سرجيْن فيصدق عليه قول الشاعر
    والأديب إيليا أبو ماضي "كفارس تحت القتام لا يستطيع الانتصار ولا يطيق الانكسار."واذا كان في القصص عبرة لأولي الألباب فإن استدعي محاضرة
    القاها إحدى الجنرالات الأمريكان. كان في ما قاله أنّ علي طالب البحرية الأمريكية اجتياز سلسلة من السباحة لمسافات طويلة منها السباحة في الليل.
    قبل السباحة يختصر المعلم بمتعة للطلاب كل أنواع أسماك القرش التي تقطن في مياه "سان كليمنتي" ويؤكد عليهم بأنه لم يسبق وأن أكلت أسماك القرش طالباً،
    علي الأقل هذا ما يتذكرونه في الأكاديمية. لكنهم يُعْلِمون الطالب أنه في حال أن طوقت أسماك القرش موقعه وهي جائعة تبحث عن وجبة خفيفة بالليل،
    فعليه أن يلزم مكانه ولا يسبح بعيداً؛ الأهم الاّ يظهر خوفه. أمّا اذا اسرع أحد أسماك القرش تجاهه فعليه أن يستجمع كل قوته ويضرب وجهه،
    حينها سوف يستدير ذاك الوحش ويسبح بعيداً. يختم المعلم العسكري محاضرته بقوله: في العالم كثير من أسماك القرش،
    إن أردت إكمال السباحة فعليك التعامل معهم وإن أردت التغيير فلا تتراجع بسبب أسماك القرش.

    نصيحتي للشيخ أنْ يصطبر علي النهج الذي اختطه لنفسه منذ فترة غير قصيرة، والتي عمل فيها علي "رتق" النسيج الاجتماعي،
    فحذاري أنْ يعمل على "فتقه" بالتعرُّض لإخوانه (وأهلنا قالوا "المِحن ضيفات")، الأهمّ تفويت الفرصة على العصابة؛ بعدم التقاطه الطعم هذه المرّة،
    لأنّهم يريدون أنْ يتّخذوا من دارفور وللمرّة الثانية ساحة أو حديقة خلفية لتصفية حسابتهم الشخصية، والتي تمحورت هذه المرّة
    في "ضرورة إقصاء عناصر غرب السودان من العاصمة" بعد أنْ استنفدت أغراضها منهم. إذا كان الخلاف في السابق بين الشعبي والوطني،
    فهذه المرّة الصراع مُحتدم بين العسكريين والأمنيين. وفي كلِّ مرّة تلقى صراعات المركز -- التي لم تتّسم يوماً بجدية ترتقي بالبلد فكرياً أو روحياً،
    إنّما عبثٌ شخصيٌ وتنفيس عن أحقاد شخصية، وذلك منذ الاستقلال -- بظلالها السلبية على الهامش الذي يحترب دون هوادة، ويقتتل في غير ما تريث.

    رغم كُلِّ الاصطفافات الأيديولوجية التي تنتظم القوات النظامية وجهاز الأمن الوطني والدفاع الشعبي وأبو طيرة المقننة قبلياً (شوايقة وبديرية ودناقلة ونوبيين)
    ومناطقياً (جزيرة وشمالية)، ورغم البغض والكره التاريخي الذي يحملونه لبعض، لم يخرج علينا واحدٌ من هؤلاء ليعير مخالفيه الذين وصل بهم المكر
    حدّ الاقصاء أو حتى الإلغاء، أو يقول إنّ فلاناً "أكل" حصيلة الصفقة الفلانية، فكُلّهم لصوص "والحمد لله ما في شيء مقصر لهم والخير باسط." سُئلت
    إحدى النازحات عن قروش المنظمات التي "أكلها" المتعهدين من ناشطين مدنيين وحكوميين، فقالت بيقين لا يهتز وبداهة لا تجارى
    "تعبان الشال المال ما تعبانة أنا." نحن ما تعبانين تعبان الشال المال، فسيحتمله على ظهره أوزاراً كأمثال الجبال في يوم كان مقداره
    خمسين ألف سنة، فاصبر صبراً جميلاً، إنّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.

    أمّا مَقدم فلان من الناس مؤخراً أو تسلق آخر على ظهورنا فأمر لا يضير ولا يثير، لا يضيره هو ولا يثيرنا نحن، لأنّ أغلب الحاكمين
    في المركز اليوم متسلقين وجُلّهم قدم من غرب إفريقيا هارباً أو متسسللاً صحراء الغرب ومنحازاً إلى الشمال حيث الماء
    وليس النقاء (العِرقي) أو الصفاء (السلالي).

    السؤال: هل الموضوع موضوع منافسة شخصية أمْ نشدان لمصلحة وطنية؟ إذا كانت الأولى فسوف نعتزل المعترك،
    واذا كانت الثانية فلنتعاون على تنمية القواسم المشتركة وتغذية الروح المدنية التي تقول بأنّ الإشكالات تُحلّ عبر التفاهمات
    وليس الملاسنات. فحريُّ بذلك أن يبقي الحشمة بين الناس والاهل خاصة. إن كان ولابد فوجه سهامك لعصابة المركز،
    حينها ستجد تعاطفاً لأن كل الالفاظ النابئة لا تفي بوصفهم، أو كما قال مظفر النّواب.

    صحيح أنّ هنالك تقاطعات بين ما هو قبلي وما هو سياسي (حكومة أو معارضة)، إلاّ أنّ رجل الإدارة الأهلية يجب أنْ يقاوم قدر
    جهده محاولة النُّخب المركزية لاستدراج القبيلة الي حرب.

    إنّ لك في عمّك النّاظر سعيد مادبو (رحمه الله) وإخوانه من الرجال الزينين أمثال والدك (رحمه الله) وأخرين أسوة حسنة،
    فقد حاولت الحكومة استدراج الناظر مادبو إلى قتال الزرقة فقال لهم "ديل ناسي" ولقتال الجنوبيين قال "ديل أهلي."
    وهذا لعمري ما يوضع في الميزان يوم لا ينفع مال ولا بنون. فلمّا أيس الناظر مادبو من محاولاته إثناء العصابة العنصرية
    عن عزمتها قال لهم "ضعوا خيمتكم في النقعة، فمن جاءكم للتجنيد فهو حُر في نفسه، أما أنْ تقحموا القبيلة في هذا الشأن فلا،
    لأنّ السياسة عارضة والقبيلة باقية، وليس لها مصلحة في خلق عداء مع أيّ مكوِّن من مكوِّنات المجتمع الدرافوري أو السوداني.

    "لم تغلب الحكومة حِيلة وأظنُّ الكُل يتذكّر أنّها استطاعت اختراق المجموعات العربية في مناحٍ أخرى من الإقليم، مستغلة انتهازية
    بعض القيادات القبلية والمجتمعية، ومستفيدة من خطأ استراتيجي ارتكبته "الحركات" إذ أغفلت أهمّية التنسيق مع المجموعات العربية --
    الأمر الذي استفاد منه إعلام الحكومة وجهاز أمنها الوطني في بثّ خطاب الفرقة وتعميق الهُوة النفسية. لا غرو، فقد استطاع النظام
    استمالة نسبة ضئيلة من أبناء القبائل العربية (بالرغم عن تكثيف الإعلام الغربي لحجم المجموعات التي ساهمت بغرض شيطنة الكيان بأكمله)،
    وقد اعتمدت الدولة استراتيجية الأرض المحروقة متجاوزة "المقاومة" إلى "الإبادة" لأُناس لم تزل أرواحهم ترفرف بين السماء والأرض
    يستحثها الغبن على الهبوط وتقاوم الأغراء بالصعود حتى يحكم الله أمره في العصابة ويبسط عليها غضبه، وإنْ كان سخطه بالظالمين للاحق.
    حينها ستفيئ أرواحهم إلى السماء راضية.الآن قد وعت هذه المجموعة (لا أقول المجموعة العربية فهؤلاء ذهبوا بصفتهم الشخصية) حجم الكارثة
    وفداحة الخطب، فلعلّها تبحث عن مخرج وهذا في حدّ ذاتها مندوحة عن الكذب، والنفاق والتمادي في الباطل الذي احترفه آخرون ممّن
    استحسنوا الإفك واحترفوا الارتزاق وقالوا في أنفسهم "دار أبوك كان خربت شيل ليك منها عود." بَيْد أنّ المخرج من مثل هذه المأزق
    لا يمكن أنْ يكون ملتوياً، بل يلزم أنْ يكون مستقيماً يتمثل في الآتي:
    الاعتذار التاريخي لأهل الإقليم وللضحايا في المعسكرات خاصّة، وذلك لا يحول دون المقاضاة في الجرائم الجنائية، ولا يشمل
    الجرائم السياسية التي لا تسقط بالتقادم.
    توحيد الرأي الدرافوري ومدّ جسور الثقة لكُلِّ مجموعات الهامش التي تتطلّب تطوير خطاب يعلو فوق الكراهية، وينأى عن النرجسية والميكافيلية
    والغيرة شخصية.

    إنّ مصارعة المركز بالبسالة الفكرية والعسكرية اللازمتيْن -- يد في الزناد وأخرى في المداد، يتطلب "خلق وحدة اندماجية مع
    بقية حركات المقاومة" (جلال رحمة، الفيسبك)، لن تتأتى إلا إذا استطاع الكل ابتلاع المرارات والتقلب على الحسرات في شأن التحضير
    لمستقبل أفضل للأجيال القادمة.

    تجاوز المصطلحات والتقاطعات التي اختصرها حرف (الجيم) الاجتماعية على حدّ تعبير السيد/ آدم على أبوحلجة الذي يقول إنّه
    "تمّ تعميم مصطلحات جلّابة، جنجويد، جنقجور، وجنقي على حساب الخارطة الانثولوجية والأنثروبولوجي السودانية" بصورة مجحفة
    أعاقت إمكانية خلق وحدة شعورية لازمة لتطوير مشروعية البناء الوطني وتقنيته بصورة لائقة.إنَّ الخروج على الدّولة يتطلَّب
    حيطة وحذر وتدبُّر ينقل المعركة إلى أرض العدو ويجنِّب البادية شرِّ الاحتراب الأهلي والقبلي، لا العمل في المكشوف،
    كما يتطلّب تجاوز النظرة خشم بيتية إلي ضرورة عقد تحالفات مع أهل الهامش قاطبة، إذا أبقى الدهر منهم صليح.
    فها هم اليوم يشمتون على تكبد الشباب للخسائر في اليمن وهم ينسون أنّ كُلَّ المهمشين اليوم كانوا وما زالوا ضحايا استنفار في
    الحروب التي خاضتها النُّخب المركزية ضدّ أهلنا في الجنوب ودارفور وجبال النوبة.
    يحتاج الشعب الي نُخب شفيقة لا تلك التي تحمل ضغينة فليس سيد القوم من يحمل الحقد.إنّ الدولة على بؤسها لا تعتمد في بقائه
    ا على السَّاعد العضلي فقط؛ إنَّما أيضاً الفكري والعقائدي، بمعناهما التَّآمري وليس التَّنويري، وهذا ما يلزم الكل استيعابه.
    وهي لن تجلس مكتوفة الأيدي حتَّى يتم اقتلاعها، وستقاوم كُلَّ مَن يجترأ في التآمر أو إعلان التَّمرُّد عليها.
    أنا لا أسعى لإخافة أيِّ شخص أو جماعة، إنَّما أودُّ أنْ أُبيّن أنَّ العمل الثَّوري لا يتحمَّل ضبابية في الرُّؤية الأخلاقية أو ضحالة
    في التعاطي الفكري، إمَّا (ثوري) وإمَّا (منضوي)، أمّا الاثنان معاً فثالث الأثافي ومِحنة القوافي.

    بالنسبة للفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فالأمر يسير لأن َّالأخير قد قبل بدوره كجندي يأتمر بإمرة قائده عمر البشير،
    وهو بذلك قد جنَّب نفسه وساوس القرين السياسي أو العسكري، ووفَّر على مجموعته مشقَّة البحث عن بديل. خطورة هذا النّوع من الامتثال
    تكمن في أنَّ الجندي لا يدرك مغبة الاتباع للقائد المُفلِس حتَّى يقف على درك الحبس (الحسِّي والمعنوي) أو يعاين الهاوية.

    ولننظر إلى قضية "نزع السلاح" والتي تعتبر من أَشكل القضايا وأعقدها في مهمَّة بناء السَّلام، وقد استغرقت عقوداً في نيكارغوا وكولومبيا وفيتنام،
    وهي مازالت مستمرَّة لأنَّها ذات طابعٍ سياسي وثقافي واجتماعي، وليس فقط عسكري ميداني.
    ينبغي لقادَّة الدّعم السَّريع أنْ يعلموا أنَّ هنالك مفوضيات تنشأ لهذا النّوع من المُهمات "وكل شوكة بسلوها بدربها" وأنْ يتحسسوا مواضع أقدامهم قبل القبول
    بتكليف الغرض منه التشفيف - بمعنى فحص نواياهم - أكثر من حرص "القائد الهمام" إحلال السلام بقراهم.

    في حوار أجرته الصحفية أيمان كمال الدين في جريدة السوداني 15/8/2017 مع الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)،عوَّل الأخير علي نظامية قواته
    - أي قوات الدعم السريع - وفي نفس المقال أشار سعادته إلي أنّ هذه القوّات أُنشئت في ظرف استثنائي وفي ظلِّ ملابسات معلومة للكل.
    وإذ ذاك هو الحال فإنّ قانونية هذه القوّات لا تضفي عليها مشروعية، عليه فالمطلوب والمرجو من هذه القوّات تحسُّس موضع
    قدمها قبل الولوج أو التصدِّي لحروب "العصابة" الداخلية والخارجية.

    فإذا كانت هنالك مطالباً دفعت بهم في مرحلة ما لحمل السلاح ضد "الدولة" والتمرُّد عليها (عام 2007)، أو التحالف معها ضدّ "التمرُّد" وبمبررات قد تبدو مقنعة لكثيرين
    في معسكرهم، فإنّ أهل الهامش، النوبة مثلاً، لم تزل لهم مطالباً تتمثل في الكرامة والعيش الكريم لكلِّ الشعب ولا تختصر على فئة بعينها.
    كما أنّ للشعب اليمني حقوقاً تاريخية هُضمت وقلاعاً هُدمت وأراضٍ اُغتصبت لا بُدّ له من المثابرة لأخذها من أنظمة رجعية لم تراعِ
    حقِّ الجيرة أو العقيدة أو الرحم، بل حرصت على استبقائه في خانة الفقر ومن ثم استعباده. تماماً كما فعلوا مع السودان، إذ كانوا يدعمون
    التمرُّد في فترة من الفترات ووصلت بهم الوقاحة أنّهم ظلّوا يدفعون لشركة شفرون أموالاً طائلة كي لا تستخرج البترول في السودان.
    وخيانة الأعراب معروفة عبر التاريخ والخير كل الخير في فك الارتباط منهم والي الأبد.

    عندما استمع إلى مسؤول يتكلم عن "بسط هيبة الدّولة" تجول بخاطري حيثية تجعلني أتسأل عن أيِّ دولة يتحدَّثون وأيِّ هيبة يبتغون ؟
    هذه الحيثية لها صلة بذكرى عطرة لرجل وطني وسوداني متفانٍ، مرَّ عامٌ على رحيله، وقد كان تأبينه قبل أسبوع، ألا وهو ابن الدويم
    الأصيل وأحد علماء السودان الأجلاء، دكتور الطّيب حاج عطية رحمه الله. سأورد هذه القِصَّة التي تُزكِّي ساحته وتسوِّد صفحة غيره .

    جاء وفد برلماني ياباني في عام 1988، وقد تأثر كثيراً بمنظر النازحين الذي كانوا يأتون من الجنوب إلى كادقلي فراراً من حرب
    قد استعر أوارها واشتدّ، مِمَّا أدَّى إلى سقوط أكثر من 18 حامية، الأمر الذي كان تهلل له الجبهة الإسلامية القومية التي كانت حينها تهيئ لانقلابها المشؤوم.

    تبرعت الإغاثة اليابانية بمبلغ 35 مليون دولار أُسندت للدكتور الطيب حاج عطية الذي كان آنذاك مفوض شؤون النازحين والإغاثة.

    اتبع الطيب الإجراءات السليمة التي يتبعها أيُّ رجل خدمة مدنية محترم في إنزال عطاء رسمي بالصحف، حدّدت المواصفات والمعايير
    وشرع هو ومفوضيته في الفرز. وقع العطاء لشركة إسلام لخدمات المعسكرات، والتي كان مديرها العام عبدالقادر عبدالرحمن عبدالقادر
    (جبهة إسلامية). سُلِمت الإغاثة للشركة المذكورة أعلاه، لم يكتف الطيب بذلك؛ بل تابعها شخصياً من بورتسودان حتَّى قطعت كبري
    كوستي وهنالك اختفت، كأنما ابتلعتها الأرض. ما وصل لم يكن أرزاً إنَّما ذرةً فاسدةً. انزعج الطيب لأنَّ الجنوبيين في تلك الإثناء
    كانوا يموتون في السُّوق وأمام المحكمة وتحت الأشجار. فتح الطيب بلاغاً تحت طائلة "خيانة الأمانة من مُتعهِّد النَّقل."
    كعادتهم حاول الجبهجية التَّلاعب في التَّحري مِمَّا اضَّطر القاضي المختص تولِّي الأمر بنفسه.

    كان فيمن تم التحقيق معهم آنذاك قائد الكتيبة عمر حسن أحمد البشير وأركان حربه عميد/ عمر عبدالقادر، كانت الإشاعة في المدينة
    أنَّ ناس الجيش مع ناس الجبهة قد تلاعبوا في الإغاثة التي كان من المفترض أنْ يوكل أمر توزيعها للضُّباط الإداريين. حتى تلكم اللحظة
    لم توجه تهمة صريحة لقائد الكتيبة أو أركان حربه - الضَّابط الوحيد من دفعته الذي ومن عجب لم يحال للمعاش حتي اليوم.


    يبدو أنَّه تمّ استدعائهم للمحكمة. جاءوا مُتذمرين وتزرَّعوا بأنَّهم مشغولين، إلَّا أنَّ القاضي زجرهم وأمرهم بتحية المحكمة ذهاباً وإياباً.
    انصاعوا حينها، لكنهم بيتوا النية للانتقام وأبلغ القاضي التّهمة من أحد أقرباء البشير فطلب منه الأول إبلاغ البشير بأنه، أيّ القاضي،
    مُجرَّد مواطن سوداني ليس له أي انتماء أو حتى توجُّه سياسي، لكنه قال له: قل لقريبك بأنَّه جبهة. فخرج الأخير مذعوراً إذ خشى أن
    ينكشف الأمر قبل أوانه. لم يمضِ وقت حتَّى تدخَّل وزير العدل والنائب العام آنذاك د. حسن الترابي، بموجب قانون الإجراءات الجنائية،
    فتمَّ التحفُّظ على البلاغ "للصالح العام" وفرض التسوية مستخدماً سلطات النائب العام في حفظ الإجراءات الجنائية (Nolle Prosequi).
    علماً بأنَّ الفقيه أبو زهرة كان الأكثر تشدُّداً في شأن سرقة المال العام، بل كان لا يرى سارق أولي بقطع اليد وتطبيق حدِّ الحرابة غير أولي الأمر.
    فانظر الفرق بين الفقيهيْن، رحمك الله!


    حتَّى الآن لا يعدو الأمر كونه مُجرَّد محسوبية، لم يشك أحد في مؤامرة سياسية إلى حين مجيء مدير عام شركة إسلام لخدمات المعسكرات
    مهنئاً البشير على رأس وفد ظهر اليوم التالي من عشية الانقلاب المشؤوم. هذه القِصَّة تدحض كُلّ كتابات المحبوب عبد السلام والتي يزعم فيما أنَّ مساراً
    غير الذي نراه قد اختطه الشيخ للسّودان. إنَّ الشّيخ قد اختار لهؤلاء بناءً على مقدرتهم ومدى استعدادهم للاجتراء على المقدس. كُلُّ ما كان يهمّ شيخهم هو
    تحقيق طموحه الشخصي في حكم السودان الذي كان يتطلَّب ولاء هؤلاء المطلق له دون غيره.
    ومن كان ولاؤه لغير الله كان عرضة للأغيار. من هنا تفهم دواعي الانهيار في القِيم والمثل،
    والانقسامات وتبدّل الولاءات.

    ونواصل بإذن الله .......

    (عدل بواسطة Nasser Amin on 08-23-2017, 11:38 AM)
    (عدل بواسطة Nasser Amin on 08-23-2017, 12:22 PM)

                  

08-24-2017, 11:34 AM

Nasser Amin
<aNasser Amin
تاريخ التسجيل: 02-07-2017
مجموع المشاركات: 3562

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آفة السراريق ومِحنة المساحيق - د.الوليد ما (Re: Nasser Amin)

    الجزء الثالث والأخير

    إنَّ "الدّولة" مسؤولة عن اختراق كيان الإدارة الأهلية، تسيسه، إفساده، تميعه، إبطاله، بل عزله عن مكوِّنه الاجتماعي، ردفه ولفظه
    في قارعة السُّوق حتى اعتزله الكرماء واحترفه الأشقياء الذين صار الكُلُّ يتندَّر بهم لعدم أهليتهم وشُحِّ معدنهم. إنَّ كيانات الإدارة الأهلية
    قد تضخَّمت بنسبة فاقت تضخُّم الجنيه السُّوداني، وهزلت بطريقة تدنَّت عن قدرة الأخير الشرائية. ومع ذلك فإنَّ هناك عُمداً وشيوخاً
    ونظّاراً أحسّوا ضرورة البقاء استشعاراً لمسؤوليتهم الاجتماعية واستلهاماً للعبرة التَّاريخية التي تُفرض على المرء ألَّا يبرح ساحة
    أهله ولا ينقض عُراهم مهما استعظم الشّر.

    أعود فاتساءل، كيف يمكن للحلول أنْ تُقتصر فيما هو أمني، وأنْ تُحمَّل الإدارة الأهلية مسؤولية إخفاق هو في الأصل سياسي وإداري؟
    وإذا احتجز كُلَّ أولئك المتهمين بالتواطؤ مع السّراريق (جمع سارق) هل ستضمحل الظاهرة في غياب أيِّ أفقٍ تنموي
    (وحدات إنتاجية، قنوات استثمارية، مزارع رعوية .... إلخ.)؟ كيف يمكن لتنمية أنْ تحدث في حالة انعدام الوجدان المُشترك، والرّؤية
    الأخلاقية والعدلية الرّاشدة؟ بل ما هي المرجعيات الدّستورية لتقنين المُرتكزات الوطنية اللازمة للدَّفع بالمسيرة نحو الأمام؟ في ظلِّ هذا الفراغ،
    لا يمكن لأيِّ رؤية أنْ تتحقّق، ناهيك أنْ تكون مُرضية وواعدة. ولذا فمن العبث لأيِّ مجموعة أنْ تتحرّك في صعيد قبلي كأنْ يحتشد أبناء
    الرِّزيقات أمام البرلمان أو أنْ يمضي أبناء المعاليا عرائض، لأنَّ المشكلة لم تُعد مشكلة قبلية، بل هي مشكلة سياسية تفاقمت بفعل
    المؤامرات والاستقطاب، ومشكلة تنموية تردّت بفعل الإهمال المُتعمّد لدارفور ولشرقها خاصَّة، بل توظيف مواردها للمركز.
    لو أنَّ نسبة ضئيلة من بترول أب جابرة وظِّفت لتطوير البنية التّحتية وزيادة الوعي الإنتاجي لاستطعنا تجاوز هذه الثنائيات، بل ولنجحنا
    في تجاوز الخانة القبلية إلى مستوى تعزيز الرابطة المدنية. مثلاً، إنشاء نقابات عُمَّالية وتجمُّعات إنتاجية واستثمارية تجعل المزارع الرّزيقي
    والمعلاي نصيرين يقارعان الرّاعي المعتدي، رزيقياً كان أو معلاي، ويقاضيانه كما كان يحدث من قبل إلى العُمدة ومن ثّمَّ مدير المحلِّية.
    لم يك منظوراً لأحد الالتجاء إلى السِّلاح لحسم مثل هذه الأمور وبهذه السهولة حَتَّى جاءت الإنقاذ وجعلت السِّلاح متوفِّراً للغاشي والماشي.

    هذه المنطقة فيها أُفق تنموي فسيح ولها إمكانيات مهولة يمكن أنْ توظَّف لصالح الكُلّ، ولذا فالتعويل يجب أنْ يكون على خلق تكامل اقتصادي
    يتجاوز المفاهيم القروسطية، ولاية، نظارة وحاكورة إلى آخره، التي من عجب تطالب بها النُّخب العاطلة ويدفع فاتورتها دماً الغلابة.
    ما الذي جناه المعاليا من النظارة من يوم أنْ أُسندت لهم حَتَّى اليوم؟ بل ما الذي جناه الرزيقات من الولاية من يوم أنْ فُصِّلت لهم حَتَّى اليوم؟
    إنَّ النُّخب المركزية اعتمدت أسلوب "جوِّع كلبك يتبعك"، لكنها حَتَّى عندما تجود على هؤلاء "الغرَّابة" لا تعطهم عظم حقيقي إنَّما ترمي
    لهم عضمة بلاستيك. لو أنَّها ركَّزت على التّنمية لاستطاعت تنفيس هذه المؤامرات، لكنها تريدها فتنة مستديمة الشّرر.
    لنأخذ مثال الفول السوداني الذي يحتاجه العالم اليوم والذي يمكن تخصيص أراضٍ شاسعة لزراعته في هذه المنطقة بالذات.
    إذا كان المُخمّس ينتج 10 شوالاً فول في المناطق الجنوبية فإنَّه في المناطق شمال شرق الضعين، مثل شقّ تبلدي، القدامية، أب كارنكة،
    أم سعونة ودار برتي ينتج 40 شوالاً، وقد لا تحتاج الأرض لجنكاب أكثر من مرَّة واحدة. وها هو مصنع دارفور للفول السوداني
    كتجربة رائدة وفريدة يوظِّف 1200 شاباً وشابة؛ علما بأنَّه يعمل بأقلِّ من إنتاجيته بكثير نتيجة لعدم الاستقرار وعدم توفُّر المدخلات الكافية.

    لا يحتاج المواطن إلى حكومة عليمة قدر احتياجه إلى قيادات رشيدة تعمل من أجله لا من أجل مصالحها.
    لا يمكن لحكومة أنْ تجعل المواطن عرضة للنازلات، وتأتي لتلومه على فعل المنكرات. وإذا كانت الحكومة لا ترعوي فعلينا أنْ نتذكّر
    الله واليوم الآخر، لأنَّ مثل هذه السُّلوكيات تفقدنا دنيانا ولا تجعل لنا ملاذاً في أخرانا، فالله الله في العقيدة والرّحم.
    كان النَّاظر محمود موسي مادبو في أحلك الظروف التي مرّ بها عام 1967 إذ كانت تلك أول مرَّة يقتتل فيها أبناء العمومة من رزيقات
    ومعاليا بعد أنْ تآمرت عليهم النُّخب الطائفية التي كانوا يدينون لها بالولاء (يعني كان من المفترض أنْ تزكيهم وتدخلهم الجنّة من
    أوسع أبوابها، فإذا بهم يعانون الجحيم في أشقى أحوالها)، فكانا ضحية استقطاب سياسي طائفي، يقول مستشفعاً بالأهل وبالأجاويد
    "يا عيالي المعاليا ديل عيالي ومن زمان بلعبوا لي في حدقي (الرمش أو الحاجب) وتوي جغوني في عيني (بمعني استهدفوا نظارتي)،
    يا عيالي ويا أهلي الشورى شنو؟"

    أورد هذه الرواية كي أقول إنَّ الخلاف بين الرّجال وبين الأهل مهما احتدم فيجب أنْ يؤطّر بالقِيم، في غياب الأُطر الدّستورية وانهيار المنظومة
    الأخلاقية، نتوقَّع كُلَّ شيء من السّلب والقتل إلي اقتياد بنات العم (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)( البقرة 281).
    رجائي من النُّخب أنْ ترجي كُلَّ المطالبات وأنْ تستعصم بالعروة الوثقى إلى حين مجيء الفرج فيأخذ كُلُّ ذي حقٍّ حقّه دون عطل أو مطل،
    أمَّا الآن فنحن في لحظة الهرج والمرج التي وصفها النبي (صلي) وفي خضم فتنة الجالس فيها أفضل من الواقف والواقف أفضل من الماشي
    وكونوا إخوتي على حذر فالنار من مستصغر الشّرر. إنْ كان ولا بُدّ فلنتحد ضدّ الغُزاة والمستوطنين الجدد ولنجعل من الأمنجية هدفاً للمقاومة الدّارفورية.
    إنَّ استهدافك لأمنجي قد يكون مُبرّراً، أما استهدافك لمزارع غلبان كَبَر شديرات وسرح عياله ببقيرات فأمرٌ غير مُبرّر.
    الأهمُّ إنَّه غير مُجدٍ لأنَّنا نقتتل فيما يتفرَّغون هُم للبنايات، تشييد العمارات وتسجيل الشركات والأهمّ تعليم الوليدات. أبناء الكيزان،
    من سلم منهم من تعاطي المخدرات، يتعلّمون في كبريات الجامعات الأوروبية والأمريكية، فيما يتسكع أبناء الغلابة، أبناء الريف خاصّة،
    حملة الدكتوراة من الجامعات السودانية، في أسواق (أم دورور) يبحثون عن عمولة وليس تجارة يسدون بها رمقهم.
    كلما طال الزَّمن كلما أصبحت الهُوة غير قابلة للردم وكلما ازداد الغبن.

    كتب أحدهم "شعرت بحزن عميق وأنا أتابع تصريح إذاعي للأستاذ / آدم الحبيب إسحاق بعد مؤتمر صحفي عقده أمس الوالي أنس عمر
    بدون صحفيين، وفي سرية شبه مقصودة في نهار رمضان عن إعلان نتائج المائة الأوائل بالولاية في الشهادة السودانية.
    وصف آدم الحبيب، المدير العام المُكلّف لوزارة التربية والتعليم، النتيجة بأنَّها (مُشرِّفة) وأضاف عليها ..
    نشكر الأخ الوالي على اهتمامه بالتعليم والبنيان. وقتها خلت أنْ تكون النتيجة كبيرة، ولكن تفاجأت بأنَّ سعادته قال:
    إنَّ نسبة نجاح الولاية هذا العام ٦٥،٤ ٪. ويا للهول إذا عرف أبناء الولاية أنَّ نتيجة هذا العام لولا العزلة التي عاشتها محليتيْ
    عديلة وأبوكارنكا والترتيب العالي لمدارسها لكانت النتيجة أقلّ ما توصف "بالكارثة".

    "وعليكم القياس والنتيجة أمامكم :عدد الممتحنين بالولاية (٧٩٠٢) طالب وطالبة النجاح: ٥٠٧٩ الرسوب: ٢٦٣٩، نسبة نجاح البنات (٦٢،٤٪)،
    نسبة نجاح البنين (٦٧،٧٪)، النجاح الحكومي (٦٠٪)، النجاح الخاص (٧٠،٧٪)."

    يواصل الكاتب حديثه ويقول "اخترت نموذجاً محدوداً لنسب النجاح في المحلِّيات وهي كالآتي :
    مدرسة المزروب نسبة نجاح (١٠٠٪)، أبوكارنكا بنين ( ٩٧)، الأمل الخاصَّة (٪٩٥) بنين بنات (٩٧٪)، المستقبل عديلة (٨٩٪)،
    عديلة بنين( ٨٩٪)، شعيرية بنين (٣٨٪) يايسن بنين (٢٩٪)، صليعة بنات (٢١٪)، لبدو (٢٩٪)، خزان جديد (٦٠٪)، عسلاية بنين
    (٣٩٪)، أبومطارق بنين(٥٩٪)، الفردوس بنات (٤١٪)، أبوجابرة (٥٢٪)، الضّعين الشمالية (٤١٪)، الأميرية بنات الضّعين (٧١٪)،
    وما خفي أعظم، هنالك سقوط حَتَّى في المدارس الخاصَّة داخل مدينة الضّعين. يقيني هذه البلد لا وجيع لها ولا أحد يهتم بها"
    (منقول من صفحة أبناء الضّعين على الفيسبوك).

    إنَّ الشّجاعة هي أعظم خصلة؛ لأنَّ صاحبها تعامل مع قيمة الحياة باقتصاد. مات هو ليعيش أبناؤه حياة أفضل. مات أسلافنا،
    هل عاش أحفادهم حياة أفضل؟ لا أعتقد. إنَّ الشجاعة بالطريقة التي يبديها إنسان السّودان ويعيشها إنسان دارفور خاصَّة، هي عبارة
    عن قيمة مندلقة، يموت صاحبها حتف أنفه فيما تبقى العبرة منخنقة. مع احترامي لمجهودات الصلح كافّة فإنّها عبارة وثائق تاريخية تفتقر
    إلى أُفق تنموي يستوعب المتغيرات والمستجدات على الصعيد الدِّيموغرافي، السياسي والجيواستراتيجي ولو أنَّها بُرئت من كافة العلل،
    فإنَّه لا يمكن تطبيقها في ظلِّ فراغٍ دستوري وهيكلي وإداري. إنَّ أفضل ما يمكن للدّولة فعله في ظلِّ الظّروف الحالية هو وضع مساحيق
    لا تُحَسِن من فاعليتها، إنما تُجَمِّل من شكلها عند الآخرين، في هذه الحالة الغربيين لأنَّها غير معنية بالسودانيين. كما إنَّها غير معنية
    بمكافحة الجريمة، لأنَّها تدير جهازاً لتوظيف العنف (العنف غير القوّة، القوّة قناعة أخلاقية وفكرية بالقضية، العنف محض إفلاس)،
    وتملك آلية إعلامية دأبها جعل الجاني ضحية.

    في أوج غمرتها "بالجهاد" وشدّة حماسها لحرب "المرتدين" استعانت مختلف الحكومات، الطائفية منها والدينية الأيديولوجية،
    بالمسيرية وسنَّتهم (بمعني شجَّعتهم) بقولها "أنتم أشجع الرجال"، علماً بأن الشجاع لا يدخل مدخلاً وهو لا يرى منه مخرجاً،
    أو كما قال فارس عبس. لم تخوض الجبهة الإسلامية القومية الحرب حرصاً على الوحدة الوطنية، إنما استشعاراً لضرورة فرض
    هيبتها داخلياً، أي في شمال السودان. فَما أنْ لاحت بارقة لفصل الجنوب، اغتنمتها ولم تتوان. إنها إذن قدمت هؤلاء الشباب قرباناً
    لألهتها الكاذبة، وليس قرباً لله الواحد القهّار. عندما كانت النُّخب المركزية تفاوض الجنوبيين، لم تشرك أبناء القبائل المتاخمة
    (قبائل التمازُّج)، ولم ترع مصالحهم التي تضرّرت أيما ضرّر بالانفصال. فالمسيرة فقدوا 40% من ثروتهم الحيوانية في أقلِّ من
    خمس سنوات بعد الانفصال. هذا غير الأرواح التي أُزهقت نتيجة لضعف التدابير الأمنية والإدارية وإذا شئت انعدامها، استشهد من
    المسيرية فقط 16 ألف قبل أنْ نحسب عيال عطية وحيماد الآخرين.

    ليت الضرر توقّف هنا؛ عندما أحسّت النُّخب المركزية بتذمُّر قبائل المسيرية وتأثرهم بالأضرار البيئية والأيكولوجية، أسرعت لإشعال
    الحرب بين المسيرية الحُمر والمسيرية الزُّرق، تلتها حرباً بين العجايرة والفلايتة. تماماً كما تريد أنْ تفعل بين المهرية والمحاميد اليوم.
    وهي في كُلِّ مرَّة، أيّ العصابة لا تعدم في إيجاد أحمقاً يؤذي بكلماته أو متلهفاً يقصى بفعلاته.

    بَيْد أنَّ الدّولة لم يعد لها ذلك المتنفس، فالظرفيْن -- القومي والإقليمي -- تغيرا تماماً، وهي اليوم تواجه إمكانية الاجتياح من كُلِّ جهة،
    وتتنازعها الأهواء (خلاف بين الجيش والأمن في نظرة كليهما لمفهوم الأمن الاستراتيجي). إنّها لا تستطيع التعويل على حلفاء داخليين أو
    خارجيين، وهي لا محالة ساقطة. داخلياً، لا تستطيع الدولة التعويل على البوادي الثلاثة الأساسية: البادية الغربية
    (بادية الرِّزيقات ومن حولها من عيال عطية وحيماد)، البادية الوسطى (الكبابيش والمجانين والتنابلة وبني جرار)، والبادية الشرقية
    (البطاحين والشكرية وقبائل رفاعة)، لأنَّ هذه البوادي قد وعت الدرس وعلمت أنّ التحالفات العِرقية لا معنى لها وأن الحليف الاستراتيجي
    للنوبة هم الحوازمة، وللرِّزيقات الفور والمساليت، إلى آخره. كما أنَّ القوى الثّورية قد علمت بأنّه لا مجال لتجاوز هذه البوادي وأيقنت
    بضرورة التنسيق معها من أيام المرحوم قرنق. لقد بطلت إذن حيلة الـــ Hegemon (المهيمن أو الطاغوت أو الكهنوت). فالدّولة مهما
    برعت في المُكر، فإنّها لن تستطيع اقتلاع مكوِّن من موقعه الجغرافي والتاريخي، لأنَّ ذلك ضد طبيعة الأشياء، وإذا أرادت تأمين
    هذه البوادي بفرق عسكرية فمن أين لها بالمال والرجال؟

    خارجياً، الدّولة أو العصابة في موقف لا يُحسد عليه، لأنّها دخلت في حلف قبلي دون أنْ تختط لنفسها هدفاً إستراتيجياً أعلى، فقط السمرة
    للكبار والغنيمة للصغار. هكذا يُدار السودان بحفنة من الأغرار أو الأذكياء الذين لا خلاق لهم. السودان في حلف مع الإمارات والسعودية
    ومصر، وقد أدار ظهره لقطر بعد أنْ رعته وأغدقت عليه لسنوات، الإمارات حليفة حفتر نكاية في قطر، كما أنّها أيّ الإمارات،
    حليفة السعودية في اليمن، وهي في ذات الوقت تعمل لفصل جنوب اليمن القحطاني (وموطن شيخ زايد الأصلي)، ومصر عينها على
    موانئ السوداني ومنافذه البحرية. وكُلُّ هذه الفوضى ينظمها خطٌ واحد: غياب الرؤية الاستراتيجية التنموية والاغترار بأوهام أيديولوجية
    ونبوءات قبلية لم تتحقّق لأسلافهم منذ معركة داحس والغبراء، فأنَّى لها أنْ تتحقّق لهؤلاء؟

    قبل أنْ أسدل الستار على هذا المشهد العبثي، لا بُدَّ من التعرُّض لموضوع استضافة الحكومة للأمريكي نائب رئيس الأفركوم
    (القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا)، السفير ألكسندر م. لاسكاريس الذي جاء إلى السودان قبل أيام من اعتزام الحكومة جمع السلاح،
    وإعلانها ضرورة إنفاذ هذا الأمر في أقلّ وقت ممكن. لم تجد العصابة مكاناً تبدأ به قبل الضعين، والتي كانت إلى حين المدينة الأكثر أماناً
    في دارفور قبل أنْ تنجح الدّولة في توغُّلها واختراقها بالقوات القادمة من الجنوب: الدفاع الشعبي، الشرطة الشعبية والمجاهدين،
    إلى آخره، والمتمرسة في قملاية وعسلاية ، والضعين، أب كارنكا وأبو جابره، الي آخره.

    نبّه كثيرون في الصحف وقنوات التواصل الاجتماعي، منهم الصحفي المخضرم الأستاذ/عبدالله آدم خاطر والشاب النابه
    السيد/ علاء الدين بابكر إلي ضرورة إيجاد حلٍّ جذري للأزمة وعدم الاكتفاء بالمسكنات وعوَّلوا على ضرورة تحقيق الآتي:
    العمل الجدي واللازم لإزالة المظالم التاريخية التي حلّت بالإقليم ومعالجة المسببات التي أدّت لامتلاك السلاح، لا النتائج.
    توفير الأمن للمواطنين كافة دون تمييز والعمل على إعادة النازحين واللاجئين إلى قراهم مع توفير الخدمات اللازمة لهم.
    معالجة الأسباب التي أدّت إلى اندلاع الحرب وتحقيق تسوية حقيقية مع القوى التي تحمل السلاح، لأنَّ جمع السلاح يجب أنْ
    يستهدف مليشيات الحكومة والحركات معاً.
    عدم التدخل في شؤون دول الجوار، الأمر الذي من شأنه أنْ يقينا كلفة المراقبة الدؤوبة لهذه الحدود المهولة، ولا يعفينا من
    أهمّية وضع فرق من القوات المسلحة تحول دون وقف السلاح من جراء الصراعات الداخلية والمستمرة بين الليبيين،
    والتشاديين، والجنوبيين إلى آخره.
    خلق آلية قانونية قادرة على إنفاذ القرارات السيادية، واعتماد الدستور كوثيقة تفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية.

    حينها لن تحتاج الدولة إلى قرارات اعتباطية تمنع الفزع، أو تبطل مشروعية امتلاك المواطنين لعربات الدفع الرباعي -- فهذا الأسلوب
    أقرب للنهج الذي انتهجه الوالي كبر في إبطال "سوق المواسير". كما لن يجرؤ والى مغرور أو جاهل على اعتقال العُمد وترحيلهم إلى
    بورتسودان، وفيهم من فيهم من المرضى وكبار السن، بل الإمعان في الإساءة إليهم بإيهام العامّة بأنّ العُمد متواطئون مع السراريق.

    إنّ إهانة هذه القبيلة الباسلة (وكل القبائل في السودان) من قبل الحكومة وعُصبتها كان بسبب نخبتها المتعهرة
    (برلمانيين، ودستوريين، وعسكريين، وأشباه مثقفين، ورأسماليين طفيلين، ومتطلعين غير واثقين، وصحفين متوهمين، إلى آخره)،
    التي ارتهنت إرادتها للعصابة كِبْرها من تملقها للإنقاذيين والأمنية التافهين، كان حريُّ بهم أنْ يستمدوا كبرياءهم من تاريخهم المجيد
    وبذلهم للروح دون مقابل واسترخاصهم لها دوماً في سبيل الوطن. أحمد لله عزّ وجل أنّه قد استبدلهم بجيل يحمل وعياً ويعي إرثاً
    ولن تطول الأيام قبل أنْ يلفظهم إلى مذبلة التاريخ، فهؤلاء من أساءوا إليه، ليس الإنقاذ، وهم من سرقوا باسمه واستثمروا محنته،
    هم لا يشبهون السلف، وأتمنى ألا يحمل سِماتهم الخَلف. باختصار هؤلاء اختطفوا القبيلة والآن يهددون السودان بالدّمار فهذا جُلُّ
    ما يجيدون صنعه. لا أدري بأيِّ صوتٍ أنادي وأي قبلة أهادي، يا وطني؟

    يزعم بعض الأهالي أنّ البلد قد أمنت وأنّ باستطاعتهم الآن الذهاب إلى مزارعهم. وهذا زعم كاذب لأنّ الهدوء الحالي هو نوع السكون الذي
    يسبق العاصفة التي سيكون الوالي البليد والمغرور أول ضحاياها. ولذا فهو يحترس بثلاث دبابات إذ سمع مؤخراً عن سجين في "كولومبيا"
    تم القبض عليه بتهمة تهريب المخدرات بكميات هائلة إلى الولايات المتحدة وحكموا عليه بالشنق حَتَّى الموت. وبعد أسبوعين من الحكم وقبل
    أنْ يتم تنفيذ الحكم ردّ أصدقاؤه بقتلهم القاضي الذي وقّع على ورقة الإعدام والمحقّق الذي حقّق معه والفرقة التي قبضت عليه، وأحرقوا
    مركز الشرطة وفجّروا مبنى الجريدة التي نشرت خبر القبض عليه وخرج من السجن بدون سوابق.
    لا تتصوّر أيها الوالي إنّه السافنا (نصره الله) أو خريف (رحمه الله) فيُنَقِّص ذلك عليك منامك، إنه بابلو إيميليو ايسكوبار كافيريا.
    فهل تذكّرته أيها المستوطن؟ اذا لم تتذكره فتذكّر أنّ "أُم نوامة" (الأفعى ذات السم القاتل والتي يُكنَّى بها الجكره عيال الهراجات قتالين الخيل روسيهن)
    تتحمّل العفصة الأولى والثانية، أمَّا الثالثة فأنت وأمثالك من الجبناء في مساكن من لا حِيلة لهم ولا قدرة لهم على التسبيح. أنصحك بالذهاب
    والإشراف علي ترحيلاتكم التجارية فبلادك أكثر أمناً والتهريب الذي احترفتموه أهون جرماً من التخريب.

    في هذه الأثناء يخرج علينا بعض المتعطلين والمتبطلين الذين ما سمعوا عن مشكلة "قبلية" في دارفور حَتَّى اتهموا أهل الغرب (أو الغرَّابة)
    بالتخلُّف، علما بأنَّهم يقتاتون من كسبهم ويختالون ويتغنون بإرثهم، فالرّعاة الذين يسهمون في الناتج القومي الإجمالي بـــ 18% يتلقون أقلّ
    من 1.8% ، وقد لا تصلهم. والمزارعون في غرب السودان الذين يزرعون المحاصيل كافة ويفلحون أرضاً لم يعمل أحد على تطوير أو تثويرها
    منذ أنْ فطر الله السموات والأرض لا يتلقون بالمقابل ما يعوضهم ولو بعض خسارتهم. علماً بأنَّ البرازيل تُخصِّص لكُلِّ محصول وحدة إدارية
    وبحثية تُعنى بتطويره وعقد التعاقدات الدّاخلية والخارجية لتسويقه وفق أُسس مهنية وفنية مُحكمة. مثل هذا التوجه يتطلَّب واقعية ورؤى علمية
    تتمثل في توفير مستلزمات الإنتاج على محدوديتها وتطوير وعي المزارع، فالعجوز مثلاً، التي زادت إنتاجية فدانها من 3 إلى 13 شوال عيش
    للفدان في القضارف، غير تلك التي يحتاج تثقيفها إلى أفق يتجاوز الحاكورة إلى المعمورة (عمارة الأرض وليس فقط استحواذها). حينها سينفسح
    الأفق المعنوي وينبسط ذاك المادي. لقد اعتمدت الدولة انعدام الكفاية وسيلة لاستتباع الريف مِمَّا حدى بالكلِّ لحمل السّلاح.
    إذا أرادت الدّولة نزع السِّلاح فعليها بنبذ العنف، الأمر الذي لن يتحقّق إلاّ بالتأكيد على حياديتها وجديتها في تحقيق مجتمع الكفاية والعدل.

    ختاماً، إذا كان السودانيون يظنون أنَّ الليالي السُّود قد أوشكت على الانقضاء، فإنِّي أبشرهم بأنَّها لم تأتِ بعد. عليه، فإنَّ من واجب النُّخب،
    قبلية كانت أو فكرية، أو دينية، أنْ تستعصم بالعروة الوثقى، وأنْ لا تخوض اللجَّة دون بيِّنة أو بصيرة فتستشرى الفتنة أكثر من استشرائها.
    علينا أنْ نعي أنَّ أمد العصابة سيطول طالما أنَّنا لم نستكنه الأخطر ونستيقن من بغضها لنا جميعاً دون تحيُّز؛ فنلجأ في كُلِّ مرَّة إلى مواجهة بعضنا
    بعضاً عِوضاً عن مواجهة الأفعى وقطع رأسها؛ الأفعى في المركز فلا تبحثوا عنها في أب كارنكا أو الضعين أو الطينة أو امبرو أو كتم.
    كونوا عقلاء، بل كونوا شجعان، فالشجاعة الفكرية هذه أولى من الميدانية، وهي ما تعوذكم.
    إن اعتماد استراتيجية الاستيطان قد أفسد على النُّخب المركزية حيلتها في الهيمنة الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية.
    ففي إطار تقاسمها لأدوار مختلفة (معارضة حكومة) هي، أي النُّخب المركزية، تريد حلاً لا يخرج الهامش من طوعها.
    وإذا خرج فهي لن تألو جهداً في المحاولة لإحباطه سياسياً مستعينة بالطائفية وباليسار مثلما هو الحال بالنسبة للحركة الشعبية (قِطاع الشمال)
    فها قد انتدبوا مندوبيهم لتسوية الحال في جبال النوبة، أو عسكرياً في دارفور بمحاولتهم البائسة لتجديد دورة الحرب بافتعال الخصومات وإثارة النعرات.
    لا تقبل العصابة أو الدّولة بأقل من تدجين دارفور أو نفيها من خلال التدمير لكافة مقوماته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. حَتَّى
    إذا ما انفصلت لا يكون لديها طريقة للمقاومة.

    إنّ استبعاد المستعمر أو المستوطن يتطلّب نفي موجِّهاته الفكرية، ومحو حمولاته الأيديولوجية خارج وجداننا قبل الشروع في الطرد الحسِّي له من ديارنا.
    هذا ممّا يتطلّب تفويت الفرصة عليه بإحباط أي محاولة لاستشارة العداوة بين الأخوين (زُرقة وعرب) ودق طبول الحرب بين الفريقيْن
    (حرس حدود ودعم سريع)، إنّما التعويل على تنامي الوعي والتحميل للقِيم الراعية والمعنية بتنمية القواسم المشتركة بين أبناء الشعب كافة،
    ودارفور خاصّة. أدركت العصابة والنُّخب المهيمنة كافة بأنّها غير قادرة على استبقاء دارفور في خانة الوصاية، لكنها لم تيأس بعد من إمكانية
    استتباعها للمركز من خلال الإفقار المتعمّد. وإذا ما فشلت كلُّ الحِيل الدّستورية والفدرالية لتحقيق الاستقلالية، والإدارية لتقديم الخدمات الأساسية،
    والتربوية لتذويب العصبية، والثقافية لترقية الذائقة والحسّ الإنساني، فإنّ انفصال دارفور سيصبح أمراً حتمياً يترك أمر المطالبة به للراشدين
    قبل الغلاة والمتعجلين. حينها سيحس المستوطنين الجدد بفقدانهم لمورد مادي (مثلما حدث في الجنوب)، لكنهم مطلقاً لن يستشعروا
    فداحة الخسارة المعنوية. لا تنسى إنهم مستعمرين وإذا لم فأعوان الغزاة المارقين.

    لن تُفرّط الولايات المتحدة في هذا النظام، ومُفتر وجاهل من يظنّ غير ذلك، فهو يضمن لها إعادة الخارطة من خلال التفتيت للقارة بالكيفية
    التي تناسبها، كما أنها تستطيع ابتزازه حَتَّى آخر رمق في محاولة للحصول على معلومات وهمية (أو حقيقية) عن "الإرهاب."
    باعتمادها على العسكريين، كما حدث في نيفاشا التي أهملت السياسيين وقوى المجتمع المدني، فالولايات المتحدة تضحي بأهدافها الآنية
    على حساب أهدافها الاستراتيجية. وهي إذ تفعل ذلك فإنّما تقاوم سيرورة التاريخ وعزيمة القارة على تحقيق الدمقرطة على الأصعدة كافة.
    رغم هيمنة العسكريين في القرن الأفريقي وتمدّدهم في فضائه، فمن الواضح أنّ هواءه ينحسر عنهم كُل يوم وهم لا محالة مختنقون وميتون.

    لم تفرغ اللجنة العليا لمناقشة مجالات التعاون بين السودان والولايات المتحدة (في الفترة 8 الي 9 أغسطس 2017) من تحديد سُبل عملهما
    معاً لتحسين الأمن في المنطقة حَتَّى بدأ الحديث عن الازدهار والمنفعة المتبادلة. الولايات المتحدة لا تريد سلاماً واستقراراً في المقام الأول،
    إنها تريد هدوءاً واستثماراً، فالهدوء يضمن لها استقرار ليبيا، وخلو دارفور من العناصر المشاغبة (المليشيات كافة، حكومية وغيرها)،
    والاستثمار يوئمن لها ريعاً من مربعي (12A and 12B) للبترول ويسهل الحصول علي الذهب واليورانيوم. لا يهم الامبريالية كيف يتحقق ذلك
    فقد اعتمدت أسلوب "الإخلاء" منذ عشرات بل مئات السنين من السكان (Depopoulation) وسيلة لضمان تدفق الاستثمار دون أن تؤرق
    حالها بمسؤولية اجتماعية أو سياسية.

    إن الإخلاء حسب رأي كسنجر والذي صرح به في كتبه ومقالاته (عام 1978) يمكن أن يتم باستحداث مجاعة أو رعاية حرب أهلية،
    فهذان العاملان كفيلان بإخراج السكان وترحيلهما. أمريكا (اللا) أخلاقية والعصابة الإسلامية يلتقون للمرّة الألف، ولن يتوانوا في ضرب
    المليشيات كافة، حكومية وغيرها. ببساطة، أمريكا لا تريد "شوشرة" كما لا تمانع "المجزرة." واذا ما لم يدرك الأعراب خطورة الأمر
    فستحصدهم "طائرات التحالف"، وقد نبهتهم لذلك مراراً. وقلت لهم أجمعوا أمركم (Pull Your Act Together) وإلاّ فالدائرة ستدور عليكم.

    إنَّ الأسلوب الذي اتبعته المنظمات الدّولية والوسطاء الإقليميون وغيرهم في التعامل مع ملف دارفور، خاصّة موضوع النازحين، يدلّ على
    أنّها تريد استبقائهم ولا تفضِّل رجوعهم إلى قراهم. وإلاّ فكيف لنا أنْ نفسِّر وجود شعب دارفور في معسكرات نزوح زهاء الإثني عشر عاماً
    مع تواجد واحدة من أكبر بعثات السلام في العالم؟ ولنا أنْ ننظر في الآليات التي اعتمدت، هل نجحت في شيء غير تنفيس الاتفاقيات وإضاعة
    الحقوق الشرعية لأهل دارفور، منهم مَن فعل ذلك متواطئاً مع نظام الإنقاذ ومنهم مَن لم تسعفه المعرفة والدربة بشؤون السلام في منطقة
    معقّدة مثل دارفور؟ صمت الإعلام الأمريكي فجأة ونأى عن الحديث عن الإبادة، بعد أنْ نجح في شيطنة العرب، كلّ العرب، وشغل الناس
    لفترة عن جرائم إسرائيل. بل اكتفى بإيلاء الملف إلى بعض الممثلين والممثلات الذين نجحوا في استعطاف الشعب الأمريكي -
    الإنسانويين منهم خاصّة - الذي التهى بعد فترة غير طويلة، بمصائب قوم آخرين. وهو لا يُلام في ذلك. إذن، لا محيص لهذه الشعوب
    عن التعويل على ذاتها وضمان تضافر جهودها والاعتناء بكافة مكوناتها الثقافية والاجتماعية والسياسية.

    سنخلص من هذه التجربة المريرة بعبرة كبيرة وهي أنَّ النَّظريات الكبرى (superstructure) والتي سعت النُّخب الأيديولوجية لإسقاطها
    دون حتّى أيّ محاولة لتوليفها على البينة التحية الثقافية والاجتماعية (substructure) أو حتّى العمل على تثوير التُّربة - ترميمها أو
    تدعيمها- قد أحدث دماراً مدوياً سيكون من الصَّعب تدارك آثاره في القريب العاجل. عليه فلا بُدَّ من البدء للتخطيط منذ اليوم لأُفق يتجاوز
    الحلّ السِّياسي الفاجع إلى الحلِّ التنموي المُستدام، الذي يتطلب تطويع النظرية للواقع وليس تطويع الواقع للنظرية وذلك بالتركيز علي
    السياسات واعتماد المنهجيات (Policy Oriented Reform) وعدم الإكتفاء فقط بالشعارات(Rhetorical Politics) .
    هذا كله ممَّا يتطلب استشعار القادة لمسؤولياتهم الاخلاقية تجاه المواطن وحاجياته الدنيوية قبل الاحتفاء بطموحاتهم الذاتية
    وأحلامهم غير الواقعية أو المنطقية.
                  

08-24-2017, 12:09 PM

أحمد الشايقي
<aأحمد الشايقي
تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 14611

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آفة السراريق ومِحنة المساحيق - د.الوليد ما (Re: Nasser Amin)



    الوليد مادبـو بارع في خلط لهجـة الباديـة بالمنطق التحليلي

    وكتاباته جريئـة في مخاطبـة الأزمـــات وتحليلهــا ويتميز بالصراحــة

    والاستقامــة وإن كان قاسيـاً فهــو يوفــر في طرحــه البدائل المنطقيـة

    فقـط تنقصـه النظـرة القوميـة فهناك شعب يا دكتور وليـد وهو شعب اختلطت مكوناته

    بصورة كبيرة (في أم درمان) وفي غيـرهــا ... ولا بد من معالجــة تراعي مصالح

    الجميـع ومستقبل تعايشهـم

    متمنياً التوفيــق

    أحمد الشايقي
                  

08-24-2017, 02:20 PM

Nasser Amin
<aNasser Amin
تاريخ التسجيل: 02-07-2017
مجموع المشاركات: 3562

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آفة السراريق ومِحنة المساحيق - د.الوليد ما (Re: أحمد الشايقي)


    سلامات مولانا

    نعم كتابات د. الوليد جريئة و قاسية و صاحب رؤية استنارية ووصف تحليلي ممتاز
    التركيز علي قضية دارفور و تحديدا كيان الرزيقات , احتمال لاستشعار الخطر الماثل
    علي هذا الكيان ويعمل علي فضح المؤمرات التي تحاك و تنوير زعامة وافراد القبيلة لتفادي المؤامرة والازمة الراهنة
    و التركيز علي ازالة النظام بدلا عن توجيه السلاح ضد بعضهم البعض

    تحياتي

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de