|
Re: الوزارة والأستاذ الجامعي وما أدراك...؟! (Re: Asim Ali)
|
الوزارة والأستاذ الجامعي وما أدراك...؟! استميح القارئ عذراً أن أخصص هذا المقال لفئة من المجتمع وهي فئة الأستاذ الجامعي، ولكن أمرها يرتبط بالمجتمع والدولة من حيث أن التعليم يخص كل أسرة؛ ومن ناحية أخرى فإن "ترشيد الإنفاق الحكومي"يخص الدولة كلها. لقد أدخلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي "ضوابط جديدة" للسفر الخارجي (طبعاً على حساب الدولة في المؤتمرات والمهام الرسمية). لا نعترض على ضوابط تحفظ المال العام وموارد الدولة. كما أنني لا أشك في أن أي أستاذ جامعي يشاركني هذا الرأي ويرحب بأي ترشيد للإنفاق العام، لكن يجب أن يتم ذلك بعدالة تشمل الجميع. لأن ما تم تطبيقه على الأستاذ الجامعي فيه تضييق على نشاطه وإعاقة لإبداعه ويحول دون تطوير قدراته (حيث أصبح للأستاذ الجامعي الحق في أن يشارك في مؤتمر خارجي مرة واحدة في العام وحتى هذه المرة الواحدة يجب أن تتم بشروط وضوابط – من صفحتين - سوف أتطرق لملخص لها لاحقاً). وأقصد بالعدالة هنا هو أن يشمل هذا الترشيد بصورة واضحة كل موظفي الدولة بمن فيهم الوزراء. وكلنا سمعنا الوزيرة التي سافرت ومعها (20) من المرافقين لمؤتمر ما!! وفي العام 2016 سافر (1165) دستورياً. وأن وزير الخارجية ووزيري الدولة بالخارجية شاركا في مهام خارجية بعدد (65) سفرية – في عام واحد!! (ولا أدري ماذا تعمل سفاراتنا في الخارج؟). صحيح أن الحكومة رفضت (20%) من طلبات دستوريين للسفر في مهام خارجية (السوداني 31/5/2017) ورغم عدم إفصاحها بتكلفة السفريات التي تمت إلا أن هذا البند يرهق خزينة الدولة بصورة كبيرة خاصة في ظل جهاز بيروقراطي ما زال يترهل في كل تشكيل وزاري جديد. بالنسبة للأستاذ الجامعي فقد أصدرت وزارة التعليم العالي ضوابط جديدة لمشاركة الأستاذ في مؤتمرات علمية في الخارج. وهي مؤتمرات تعود بالفائدة العلمية للأستاذ الجامعي من خلال التفاعل مع علماء وباحثين من دول مختلفة، وهذا يرفع من كفاءته ويسهم في تطوير قدراته العلمية وينعكس ذلك إيجاباً على أدائه وعلى فائدة الطلبة في الدراسات الدنيا والعليا. والمعروف أن مشاركة الأستاذ الجامعي تتم بطريقتين: أن يبادر بالمشاركة أو أن تتم دعوته من جهة ما بحكم قدراته العلمية وخبراته في المجال. وعادة ما يتلقى البروفيسور عدة دعوات للمشاركة في مؤتمرات خارجية في العام الواحد لكنه يختار الأكثر فائدة منها. وكثير من هذه المؤتمرات تتكفل الجهة المنظمة بالإقامة في الفندق والإعاشة، وبعضها من يقدم تذاكر السفر. ولكن في المقابل أيضاً بعضها من يطلب من المشارك التكفل بتذاكر السفر بل ويدفع رسوم اشتراك لحضور المؤتمر. وضعت وزارة التعليم العالي و(البحث العلمي) ضوابط تفرض على الأستاذ الجامعي أن يشارك (مرة واحدة في العام) في مؤتمر خارجي. ومن ضمن الشروط أن يرفق مع طلب المشاركة (الموجه للوزارة عبر الجامعة) يرفق ورقته البحثية التي سوف يقدمها هناك، وأن يكتب تقريراً عن المؤتمر (للوزارة) عقب عودته. أكبر عيب في هذه الضوابط هي أنها تعرقل مشاركة الأستاذ الجامعي في الخارج. ومن هنا فصاعداً لا يستطيع أي أستاذ أن يشارك في مؤتمر خارجي (حتى ولو مرة في السنة) ما لم تتكفل فيه الجهة المنظمة بتذاكر السفر إلا أن يكون لذلك الأستاذ قدرات مالية (بين عشرة إلى عشرين ألف جنيه – حسب مسافة الدولة من السودان)، ثم يعود ويرفق التذكرة لوزارة التعليم العالي لاسترداد قيمة التذكرة. في الواقع لا يمكن أن يلحق أستاذ جامعي بمؤتمر خارجي إذا كان سوف ينتظر الوزارة لتقدم له التذكرة. لأنه عملياً مطلوب من الأستاذ الجامعي (وهذه عرقلة كبيرة) أن يقدم لوزارة التعليم العالي ورقته التي سوف يقدمها في المؤتمر. وهناك لجنة (سوف تجتمع لتنظر في تقييم الأوراق) وقد تجتمع (وهذا ما يحدث في الواقع) بعد أن يكون المؤتمر قد تم عقده وانتهى! وكمثال جاءتني دعوة من جامعة في دولة ما، لتقديم ورقة في مؤتمر علمي، وخاطبتُ مدير الجامعة (أشكر مدير جامعة ام درمان الإسلامية بروفيسور حسن عباس ووكيل الجامعة د. صديق الأغبش – اللذين لم يقفا في طريق المشاركة ويقدما النثرية للأستاذ المشارك وفق الضوابط). قابلتُ الجهة المسؤولة في وزارة التعليم العالي، التي طلبت مني أن أرفع لهم ورقتي حتى يتسنى للجنة تقييمها، فقلتُ لهم أولاً سوف يكون المؤتمر قد انتهى، وثانياً هذا عدم احترام لي وعدم ثقة حيث أن ورقتي قد أجازتها لجنة علمية في الخارج وأرسلت لي الدعوة بناء على ذلك. سحبتُ ملفي وصرفتُ النظر عن السفر وعن المشاركة في المؤتمر طالما أن فيه مثل هذه الإهانة والإذلال للأستاذ الجامعي وما يشبه التشكيك في قدراته التي اعترفت بها جهات ذات مستوى رفيع! وقررتُ ألا أشارك في أي مؤتمر خارجي لا تتكفل فيه الجهة المنظمة بتذاكر السفر حتى أحافظ على كرامتي – خاصة أن عدم سفري سوف يعالج مشكلة السودان الاقتصادية.!! إن المشاركات الدولية للأستاذ الجامعي تسهم في تعزيز خبراته العلمية التراكمية التي سوف تصب في فائدة البلد في نهاية الأمر من حيث جودة التعليم ونوعيته ومستوى الأستاذ الذي يشكل في إطار مؤسسته العلمية مصدر للاستشارات والدراسات يمكن (أو ينبغي) أن تستفيد منها الدولة كما هو الحال في كل بلدان العالم التي تؤمن بأهمية العلم في الحياة وتحترم العالِم وتُعطي قيمة للباحث والخبير في المجالات المختلفة - في التخطيط وصناعة السياسات واتخاذ القرار وفي مشروعات التنمية وفي تسيير دولاب الدولة بصورة عامة.. . بروفيسور عبـدهـ مختـار
|
|
|
|
|
|
|
|
|