برغم أن كتب التراث لا تسجل لنا أن رسول الله ناداه أحد صحابته أو نادته قريش في عصره بـ "طه" أو بـ "يس" إلا أنه ترسخ لدى الناس منذ العصر العباسي أنهما اسمان لمحمد عليه الصلاة والسلام، ونودي بهما في العديد من القصائد الدينية والكتابات الأدبية المتأخرة. ونتيجة لذلك تحول حرفا (ط ، هـ) وحرفي (ي ، س) إلى أسماء، وصار من المعتاد أن يسمى بهما الذكور، ولم يعد أحد يتذكر أنها مجرد حروف افتتاح للسور مثل: طس، طسم، حم، ألر، ألم ..... الخ.
وسيظن البعض أن بداية السورة خير دليل على أن "طه" اسم للرسول، فالسورة تقول: طه {1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى{2}.
وتكون السورة – في نظرهم تقول: محمد! ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. وهذا سيكون منطقياً لو أننا نتحدث عن عبارة كتبناها، لكن القرآن يختلف في صياغة العبارات عما اعتدنا من عبارات. ومن الأمثلة على ذلك أن سورة الجاثية تبدأ بهذا الشكل: حم{1} تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{2}.
بينما تبدأ سورة الزمر بنفس عبارة الجاثية لكن بدون حروف افتتاح (حم) وبهذه الصيغة: تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{1} إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ{2}.
دون أن يتغير المعنى أو يختل.
سيقول القارئ هذا المثال بعيد ومختلف عن بداية سورة طه، ونقول نعم، لكنه يدلل على أن حروف الافتتاح ليست هي التي تقيم العبارة. فقد تأتي نفس العبارة بدون حروف الافتتاح. وهذا هو المقصود في إعطاء هذا المثال، قبل أن نعطي أمثلة قريبة ومشابهة لبداية سورة طه، كما يلي:
تبدأ سورة الأعراف بقوله تعالى: المص{1} كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {2}.
والسورة تخاطب الرسول. فهل هذا يعني أن "المص" اسم له عليه الصلاة والسلام؟ لا أحد يقول بذلك، لأن التراث لم يحول هذه الحروف الافتتاحية إلى اسم مثلما فعل مع طه ويس.
مثال آخر: سورة إبراهيم تبدأ بمخاطبة الرسول: الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{1}.
لاحظ أن حروف الافتتاح (الر) ليست آية لوحدها بل هي ضمن الآية الأولى التي تخاطب الرسول ومع ذلك فقد بقيت حروف افتتاح وليست اسماً لمحمد. والآية تستقيم معها أو بدونها.
السورة تبدأ بهذه الصيغة: يس {1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ{2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ{3}.
لاحظ أن حروف الافتتاح "يس" يليها آية أخرى ثم آية ثالثة هي التي تخاطب الرسول. ومع ذلك اعتبرت "يس" اسماً، وألصق بالرسول.
ولو أخذنا بهذا فلابد أن نقول بأن "ن" اسم لمحمد، لأن سورة القلم تبدأ بداية مشابهة لسورة يس: حرف افتتاح ثم آية، ثم آية ثالثة تخاطب الرسول: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ{1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ{2}.
ومثلها بداية سورة القصص: طسم{1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ{2} نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{3}.
وعليه، فـ "طه" و "يس" مجرد حروف افتتاح مثل "حم" أو "طس" لكن على ما يبدو استساغ الناس تسمية أبنائهم بها ولكي يتم قبولها في المجتمع قالوا بأنها أسماء لرسول الله قال بها القرآن. ولم يكن يهمهم التقول على الله وكتابه ما لم يقل، بقدر ما يهمهم قبول المجتمع لهذه الأسماء الجديدة. وكان بالإمكان اتخاذ هذه الحروف كأسماء دون الحاجة للزعم بأن الله سمى بها نبيه.
-------------------------------------------- #ابن_قرناس ابن قرناس الشرعة والمنهاج
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة