التخييل العرفاني في الرواية… «ابن الخطيب في روضة طه» نموذجاً

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 03:08 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-21-2017, 01:05 AM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التخييل العرفاني في الرواية… «ابن الخطيب في روضة طه» نموذجاً

    00:05 AM February, 21 2017

    سودانيز اون لاين
    زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم
    مكتبتى
    رابط مختصر


    إنّ ما بات يُصطلح على توصيفه بـ«الرواية العرفانية»، إنّما هو جنس روائي يستفيد من منجز جنس الرواية، كما تواضع عليه الدرس النقدي في جُمّاع مبادئه وخواصّه الكتابية بلا تجريبيّة مسخ وانفراط دلالي فجّ، بقدر ما ينفتح على بقية الأجناس الكتابية (شعرا، تصوُّفا، رسائل، مذكرات..)، ولا تضرب عن المعنى التاريخي ودروسه فتنفتح على سجلّ الماضي الحدثي المُغيِّر وعبره على شخصياته القلقة – بتعبير عبد الرحمن بدوي- التي صنعته وشهدت عليه قبل أن يحتطبها في مجراه الجارف.
    لكن هذه الرواية ليست مثل أيّ رواية، ومُتلقّيها لا يمكن أن يستقبلها خارج ثقافتها.
    فهي كجنْسٍ أدبي تفتح أمام هذا المتلقي – بتعبير ياوس- «أفق الانتظار»، و»ينتظر أن يجد فيها العناصر نفسها التي سبق له أن فرزها (عادةً بصفة غير ضمنية)». لكن سرعان ما يجد أنّ أفقه القرائي قد خاب، ويجد نفسه أمام رواية مختلفة، لا هي رواية اجتماعية، ولا بوليسية، ولا هي رواية أبطالها رعاة بقر، ولا أيّ نوع من الروايات التي دأب على قراءتها.
    إنّنا أمام رواية عرفانية تخضع لمفهوم آخر للكتابة؛ مفهوم يتمُّ بالنور وعبر السفر فيه من عالم الواقع إلى عالم الخيال، الخيال الخلاق، بقدر ما يستلهم مصدره من القرآن وأسرار حروفه وتجلّيات بحره، فينكشف للذات العارفة من علوم ومعارف واستيهامات ما ينقل نص الرواية إلى ضفاف لا تتوقّعها. وإذا كان مرجع الكتابة يُحيل إلى الماضي، وعلى أحداث من التاريخ الجمعي والشخصي ولّتْ، إلا أنّه مرجعٌ لا زمنيّ يستوعب في ديمومته الماضي والمستقبل، من دون أن يأسره الزمن، وفيه يعوِّل على الإنسان الحُرّ عن كل ما سوى الوجود الحقّ. وإذن، فإنّ الرواية العرفانية التي يكتبها عبد الإله بن عرفة تستمدّ مصادرها من تجربة الفرد الروحية والوجدانية في علاقته بالله والعالم وأشياء أخرى من صميم شخصه وحياته الحميمية، وليس من العقل كما نتوهمه في المعنى اللغوي.
    وهي «مُسمّى لاحق وليس سابقاً» بحسب تعبيره، بمعنى أنّها تأخذ أهميتها من مفهوم الحاضر وشهادة الحضور، أو من «ميتافيزيقا الحضور أو الشهود» (ص14). وهذا المفهوم يقع في صلب استراتيجية الرواية العرفانية، لأنه لا يستحضر الحكاية التاريخية ويُشيِّد مادّتها البيوغرافية في صلة بهذه الشخصية أو تلك، بغرض استعادة الماضي واستهلاكه نفسيّاً وجماليّاً من طرف القارئ، وإنّما يُحيّنها بمناسبة مئويّتها كقضية ماثلة أمامه تخاطب وجدانه ومعرفته وخياله. فقضايا مثل طرد المورسكيين، أو الحرية، أو لا تُطرح إلا تأثير مكر المفهوم الذي يتحوّل إلى صكّ اتهام حاضر ودائم.

    الكتابة في الظلمة.. الكتابة بالنور

    إذا مَثّلنا برواية «ابن الخطيب في روضة طه»، فإنّنا نجد أنفسنا أمام رواية عن إحدى أكبر الشخصيات القلقة في الإسلام وفي التاريخ الإنساني برمُّته: لسان الدين بن الخطيب الذي قال عنه معاصره ابن خلدون في (التعريف) إنّه «آية من آيات الله في النظم والنثر والمعارف والأدب، لا يُساجل مداهُ، ولا يُهْتدى بمثل هُداه» (التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً، ج7/591). وقد عَنْون المؤلف فصول روايته بأسماء الطبائع الأربعة: طبع الماء، طبع الهواء، طبع النار، طبع التراب، ثُمّ يختمها بـ(شجرة الطبوع)، أو شجرة طوبى التي زان رسمها غلاف الرواية، وهي شجرة الحب التي ألف فيها ابن الخطيب كتابه الشهير «روضة التعريف بالحب الشريف»، وبسببه لُفِّقَتْ له تهمةُ الزندقة ظلماً وزوراً، فَسُجِنَ وعُذِّبَ ثم خُنِقَ وأُلقيَت جثته فوق قبره ثم أحرقت، غيظاً من حساده في غرناطة الآيلة للسقوط. لن أتحدّث عن متن الرواية في تسلسله الكرونولوجي، على أهمّيته؛ ولا عن سيرة بطلها لسان الدين ابن الخطيب منذ أن وُلد ونشأ قريباً من مراكز السلطة والقرار، ومنذ أن توفيت أمه واستشهد أبوه، ومنذ أن أحب أمل ابنة الوزير ابن الحباب وأنجب منها، ومنذ أن سطع نجمه ولفت الناس إليه بقدر ما كثَّر حساده وأوغر صدورهم عليه، فتعدّدت محنه الشخصية بين نفي وأسر وتعذيب؛ ولا عن القضايا والمسائل الدينية والسياسية والثقافية والأنثروبولوجية البالغة الخطورة، مثل مسألة علم الله بالجزئيات (ص42-45)، وطريقة كتابة الرسائل الديوانية (ص49)، والولاء بالعصبية والقرابة بالمال والمصالح (ص51)، وصنوف الطعام والشراب والطبوع (ص70-72)، وتقاليد حفل الزواج (ص72)، وانتشار نزعة التصوف وركون الناس إلى الزهد (ص83)، ووصف تكبيرة العيد (ص104)، ووصف نص البيعة وطريقة بنائه (ص105-106)، والجدل حول إنكار اتخاذ السبحة من عدمه (ص155)، ووصف أجواء الخلوة وأحوالها العجيبة بين صحو وسكر وموت وحياة (ص161-177)، ووصف وقائع الصراع السياسي والعسكري المضطرم بين العدوتين طوال أحداث الرواية. لن أتحدّث عن هذا أو ذاك، على أهمية الجهد الفكري الذي بذله المؤلف، وشغله النادر على المخطوطات والمصادر الكبرى التي استقرأ منها المادة الغفل. وإنّما أردت أن أركّز على تقنية نابعة من أجواء الرواية العرفانية، ورُبّما لخصت هذه الأحداث وكشفت الصراع الدرامي الذي تخلَلها، وهي تقنية المناوبة بين ضربين من الكتابة، هما: الكتابة في الظلمة، والكتابة بالنور. نعني بالكتابة في الظلمة وقائع الحدث التاريخي الذي تجرفه الصراعات، والدسائس والمؤامرات، وتحدث في الخفاء، فوجدت الشخصية الرئيسية نفسها جزءاً من نسيجها وضحيّةً لسُعارها.
    إنّها كتابة تتمّ بالسيف الذي يخرّب العمران ويبطش بالعباد ويعدم كل إمكانية للمعنى في ضوء الاختلاف. فيما نعني بالكتابة بالنور هو ما تواضع عليه الفهم من تلقّي الرواية العرفانية، أي مجموع الأحوال والمواقف والمشاهدات التي عاشتها الشخصية وامتحنتها قلباً وقالباً في مواطن مخصوصة من تطورها النفسي والفكري داخل الحدث الروائي، منذ أن التقى في سلا بالشيخ العارف أبي العباس أحمد بن عاشر.
    وتُبرّر هاتان الكتابتان بعضهما بعضا، فتتناوبان سيرة ابن الخطيب وتتجاوبان مع تركيبته النفسية المعقّدة والمتأرجحة بين عدة نوازع، ولعلّ مما يعجب له أنّه كان يتماهى مع بعض الكائنات. وإن كان قد عمل على الاستفادة من هذه النفسية في مختلف المواقف الحياتية، إلا أنّها كانت تقوده دائماً على حدود الخطر والمغامرة. بعبارة أخرى، كانت السيرة، بتناوب الظلمة والنور، تجسد المعنى العميق لحيرة ابن الخطيب بين رحلة الكشف عن الباطن الخفي وبين إغراءات السلطة. ومع علمه أنّ الأندلس حلم مختلس لا بُدّ أن يتبدّد، إلا أن تركيبته النفسية الحيوانية مثّلت التجسيد الأبرز لعذابات أناه المُغامِرة. فمثلاً، حين عودته إلى الأندلس، حمل ابن الخطيب معه من سلا شتْلةً غرسها في جنّة العريف، وإذا بها ترتفع في السماء ويأوي إلى ظلِّها كالطائر وتأخذه أحوال الذكر؛ لكن سرعان ما انغمس في الدنيا ونعيمها وترك الورد وهجر السبحة، وصار «كثير الآلة والماعون»، ثُمّ عادوه الشعور بترك الغيريّات التي يزيدها تركيبه الذاتي حدّةً ونشاطاً. لكن هذه الحيرة تتجدّد ويتجدّد معها سؤال البحث عن معنى الذات واكتشافه باستمرار في المعرفة وعبرها، بين أن يقنع بالتعريف وبين أن يكون العارف نفسه، ليستشهد على مبضع الحقيقة ويغيب طائراً أخضر في بحر الملكوت.
    لِنَقُل إن تقنية المناوبة بين الكتابة في الظلمة والكتابة بالنور هي نفسها تُجسّد مسار العبور الذي يتوتّر، وفق مفهوم الحاضر، بين الواقع والخيال، بين الواقع المسخ والخيال الخلاق، ثُمّ يتحوّل، أحايين، إلى ذريعة أو حيلة فنية يتّخذها الروائي ليغطي بها عن ثقوب التاريخ وجراحاته والمنسيّ فيه واللامقول. ويترتّب على هذه التقنية البنائية، أو بموازاةٍ معها، تقنية أخرى هي تقنية القناع. فالروائي لم يتقمّص أنا ابن الخطيب، الأنا المجازي لا الأصلي، إلا بعد طول معاشرته له والمماهاة معه التي لم تأتِ مبدئيّاً من التعاطف مع سيرته، بل التقاطع معها والتورُّط فيها بالقراءة والمساكنة والمعرفة، لتتحوّل السيرة إلى ضرب من سيرة الأنا- الآخر التي تصدر عن وعيٍ كتابي جوّاني يسردُ فيه الروائي ذاتَهُ بقدر ما يكشف الآخر فيه، فيصير كاتباً ومُنكتِباً في إشراقات الكتابة بالنور التي تستغرقُه ويتجوهر بها.

    نحو تاريخ آخر:

    لم تكن سيرة لسان الدين بن الخطيب إلا نموذجاً لسير غيره من الشخصيات التي تنتمي، بالفعل لا زوراً، إلى فئة المُهمّين في هذا العالم، الذين تُمثِّل سيرهم حقل إلهام لا ينضب، يدعونا إلى بعث الوجه الإنساني الحيوي الذي مثّلوه واستشهدوا من أجله. ولا يهمّنا من هذه السيرة مدى مطابقتها للمرجع الواقعي، أو مدى اعتبارها حاملة للتاريخ ومُعرّفة به، بقدر ما يفيدنا في ما نتعلّمه في طياتها عن الدروس والعِبر المتناظرة، والتمثلات الرمزية، والتأملات، والمصائر، والتوترات، والتجارب، والانهيارات القيمية، والتطلعات والمسارات الكبرى التي تنقل الكتابة الروائية من موقع جرى تثبيت حدوده بصرامة إلى تخوم رحبة للكتابة المفتوحة والعابرة للتاريخ التي تُعبّر عنها نوع الرواية العرفانية.

    ناقد مغربي

    عبد اللطيف الوراري
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de