محمد الحسن عثمان عبيد الله عندما تكون الحياة قيم!!!!!! بروفسير/ هشام محمد عباس في حي السودنة العريق بعطبرة ...وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي وعلى الشاطئ الموازي لوزارة الصحة حالياً ...كان يقع منزل العم محمد الحسن عثمان عبيد الله ...كنا ونحن صغاراً نقصد ذلك المنزل للعب مع ابنه الصديق (أحمد )...وكان هناك دافع خفي وهو تسلق شجرة ( المانجو) والقطف من ثمارها ...كانت شجرة كبيرة مترامية الاطراف ..ظليلة غزيرة الانتاج. لم تكن شجرة (المانجو) وحدها هي الطاعمة ، بل كان العم محمد الحسن رجلاً طاعماً ... فتجده يشاركنا قطف ثمار (المانجو) في فرح وسرور وحبور ، لم نكن نعلم في ذلكم الحين ونحن اطفالاً صغاراً أن هذا الرجل الذي يشاركنا قطف ثمار (المانجو) هو المدير العام لهيئة سكك حديد السودان...كانت له علاقة خاصة مع أصدقاء ابنيه احمد وأبو بكر. جاءت هذه الخاطرة وقد أهداني الصديق الاستاذ مصطفى أحمد فضل رائد حركة التوثيق للسكة الحديد كتابه الأنيق (قياديون في تاريخ السكة الحديد) ووفقت عند المدير رقم (12) للهيئة الاستاذ محمد الحسن عثمان عبيد الله وهو من القلائل من غير المهندسين الذين تقلدوا هذا المنصب الرفيع . ولد الاستاذ محمد الحسن عبيد الله في قرية ( السدر) عمودية (كوري) مركز (مروي) في العام 1926 وتلقى كل مراحل تعليمه بمدينة عطبرة والتحق في العام 1942 بالسكة الحديد في وظيفة (مخزني) ...وفي العام 1949 تم تحويل وظيفته الى كاتب حسابات...أبرز الاستاذ محمد الحسن تفوقاً في مجال الحسابات مما جعله مرجعاً للكثيرين ،وكان من الطبيعي أن تختاره الهيئة للتحضير لنيل شهادة جمعية المحاسبين القانونيين الانجليزية فكان الأول على دفعته من ممتحنين من جنسيات متعددة. تدرج الاستاذ محمد الحسن عبيد الله في كل أقسام الحسابات بالسكة الحديد مما أهله في العام 1980 أن يكون مدير الادارة العامة للشئون المالية والاقتصادية . وفي العام 1983 أصدر رئيس الجمهورية الأسبق جعفر محمد نميري قراراً جمهورياً بتعيين الاستاذ محمد الحسن عثمان عبيد الله مديراً عاماً لهيئة السكة الحديد خلفاً للمهندس محمد عبد الرحمن وصفي إن قصة الاستاذ محمد الحسن عثمان عبيد الله يمكن أن نستنبط منها العديد من القيم وهي: أولاً:-لا حدود زمانية للتحصيل العلمي ، فبالرغم من أنه التحق بوظيفة (مخزني) الا أنه نال أعلى الدرجات العلمية أثناء الخدمة وتفوق على خريجي الجامعات المرموقة ثانياً:- كلما ارتقى وظيفياً كلما تواضع، كنا نشاهده وهو مدير للسكة الحديد يعبر الحى راجلاً الى المكتب في أوقات كثيرة ، وفي يوم الجمعة كنا نشاهده في سوق الخضار يشتري حاجياته بنفسه وكأنما يتأسى بحديث الامام على كرم الله وجهه حينما قال... ما نقص كامل من كماله.......ما جر من نفع الى عياله ثالثاً:- التعايش الايجابي مع التقاعد عن العمل، ضرب أروع الأمثال بعد تقاعده عن العمل مديراً عاماً للسكة الحديد ، فلم يغره المنصب الرفيع ، فعاد يقود دراجته في عطبرة في عظمة وكبرياء ....فيا للعظمة...ويا لليقين...ويا للإيمان... رابعاً:- الالتزام بالقوانين واللوائح، حيث ظل بعد تقاعده يزور رفقاء دربه ومرؤوسيه متفقداً أحوالهم وكثيراً ما كان ينتظر بالاستقبال احتراماً للوائح مما يدخل موظفي الاستقبال في حرج عندما يعرفون أن الجالس مدير عام سابق للسكة الحديد خامساً:- عدم الاصابة بمرض الانفصام الوظيفي، وهو مرض يصيب بعض كبار الموظفين والمسؤولين أنهم ليسوا مثل الشعب ،ولكنهم خيار من خيار، وتتنزل الأعراض المرضية على الزوجات والأبناء....أما الأستاذ محمد الحسن عثمان عبيد الله فقد كانت أخلاقه تحصين وتطيم ضد هذا الاعياء..فقد درس أبناؤه معنا في مدارس السكة الحديد ،وهربوا معنا سراً لتعلم السباحة في النيل، مارسوا معنا كل شقاوة الصغار، لم نشاهد أمام منزلهم حرس ولا شرطي، ولم نعلم أن العم محمد الحسن عثمان عبيد الله الذي كان يمازحنا ويلاطفنا ونحن صغار هو المدير العام لهيئة السكة الحديد الا عندما كبرنا وقرأنا التأريخ سادساً:- النزاهة، عندما تقاعد الاستاذ محمد الحسن عثمان عبيد الله عن العمل لم يكن له منزل يأوي أسرته وهو بكل هذا التاريخ من المناصب الرفيعة ، فاضطر لاستبدال جزء من معاشه لبناء جزء من منزله بحي الدرجة، وانتقلت الاسرة الى المنزل وهو في حالة بناء وتشطيب سابعاً:- وراء كل عظيم امرأة‘ فقد كان وراء الاستاذ محمد الحسن عثمان عبيد الله خالتنا العظيمة الحاجة /احلام خطاب والتي تمثل مدرسة في العلاقات الاجتماعية فقد تحملت عبء زهد ونزاهة عمنا محمد الحسن وما طاله من الوقوف مع الحق فكانت نعم الزوجة وكان نعم الأبناء الاخ أحمد...الاخ أبوبكر...والاخت (مهيتاب) والتي كانت لها مكانة خاصة في قلب والدها قضى الاستاذ محمد الحسن عبيد الله أيامه الاخيرة بحي الدرجة بعطبرة فكانت داره ملتقى للأحبة والاصدقاء ...وتشاء الأقدار أن يرحل في أحد الأيام الحزينة في العام 2006 بعطبرة ...رحل في هدوء دونما مرض أو شكوى ...رحل بالطريقة التي يحبها رحم الله العم محمد الحسن عثمان عبيد الله...وأسكنه فسيح الجنات...وعطر الله قبره....ووسع مرقده.......
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
د. هشام عباس
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست