على نحو غير متوقع ، تفاجأ أعضاء البرلمان السوداني بوضع مسودة قانون ” قوات الدعم السريع” على منضدتهم من أجل إجازته لتصبح هذه القوات المثيرة للجدل ، جزءا من القوات المسلحة السودانية، بدلا من قوات الامن والمخابرات التي آلت إليها هذه المليشيات في وقت سابق. والهدف المعلن من إتباع قوات حميدتي للجيش هو جعلها جزءا من منظمومة القوات المسلحة ، وبالتالي ، تتلقى التعليمات والأوامر من قادة القوات المسلحة وليس قائدها حميدتي كما يحدث حاليا. كما يتحتم على الجنود – الذين ينحدرون من إثنية واحدة من دارفور – ان يأخذوا رواتبهم وعلاواتهم وغيرها من المنافع من خزينة الجيش وبالطرق المعروفة. كما سيتم – طبقا لمسودة القانون – اعادة تدريب هذه القوات وتغذيتها بالعقيدة العسكرية المعروفة للجيش السوداني وتوزيعهم على وحدات الجيش وفي مناطق السودان المختلفة كما جرت العادة. ولكن الغاية التي لم يتم الإعلان عنها بشكل رسمي من تبعية “الدعم السريع( مليشيات الجنجويد ) الى الجيش هو محاولة السيطرة عليها ووضعها تحت المراقبة بعد ان أصبحت خارج السيطرة بعد ازدياد عدد المنتسبين اليها وتحسين ظروف تسليحهم. وخلال إيداعه للقانون ، أكد رئيس لجنة الامن والدفاع احمد التهامي ان احد أهداف تبعية هذه القوات للجيش هو ان تجربتها أفرزت العديد من السلبيات “إن تجربة قوات الدعم السريع أفرزت عدداً من السلبيات لطبيعة هذه القوات .. أن الامر اقتضى تنظيم وترتيب وضع تلك القوات وعلاقتها بالقوات المسلحة والقوات النظامية الاخرى”.
واتهمت هذه القوات من قبل الامم المتحدة ومنظمات حقوقية ونشطاء وأحزاب سياسية معارضة بارتكاب انتهاكات واسعة في المناطق التي تقاتل فيها وتشمل القتل غير المبرر ، والاغتصاب ، والسرقة ، وحرق القرى وغيرها من الانتهاكات. واعتقلت القوات الامنية السودانية احد اكبر الزعماء السياسيين في البلاد وهو الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي المعارض لمجرد انتقاده لهذه القوات في العام 2014 ، قبل ان يتم الافراج عنه وغادر بعدها للقاهرة وظل فيها في منفى اختياري حتى الان. وتتألف قوات الدعم السريع والتي كانت اصلا تعرف بالجنجويد من نحو 40 الف عنصر معظمهم من القبائل العربية في اقليم دارفور وتم تسليحها بالاسلحة الخفيفة والمتوسطة مثل البنادق والمدافع الصغيرة وسيارات الدفع الرباعي ، ويقودهم محمد حمدان والشهير بحميدتي والذي منح رتبة اللواء في جهاز الامن والمخابرات الوطني بعد ان تمت ايلولة هذه القوات الى الاجهزة الامنية وأصبح لها نفوذ واسع اثر منحها صلاحيات واسعة بعد تعديل الدستور. واضطر الرئيس السوداني عمر البشير الى الاستعانة بهذه المليشيات القبلية لمواجهة حركات دارفور المتمردة بعد ان فقد الجيش السوداني – بعد إهماله – السيطرة على العديد من المناطق في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق. ومع قدرتها على تحقيق الانتصارات في اقليم دارفور الذي يعرف افراد المليشيات طبيعته جيدا ، بدا البشير في توسيع صلاحياتها ونفوذها ومنحها مزيدا من الاموال والعتاد العسكري. وفي هذا الصدد يقول احد القادة القبليين في دارفور والتي ينتمي اليها عناصر الدعم السريع ” للتغيير الالكترونية ” ان هذه القوات أصبحت مثل القوة الرهيبة التي لا تخشى احدا ” عادة تتم اجتماعات في مناطق بعيدة بين حميدتي وبعض قادة القبائل وممثلين عن جهاز الامن ليتم الاتفاق والمقاولة على تحرير منطقة من المتمردين او فتح طريق او حتى حراسة بعد الآليات العسكرية التي تتبع للجيش كما طلب منا ذات مرة”. واضاف يقول بعد ان فضل حجب هويته ” الان حميدتي وقواته قوة ضاربة في دارفور لدرجة ان الولاة اصبحوا يستعينون بهم في عدد من المعارك العسكرية بعيدا عن الجيش وهو ما ادى الى عدد من المشكلات بين الجيش والولاة كما حدث عندما استعان والي جنوب دارفور ادم الفكي بهذه القوات في احدى المهام ما ادى الى غضب قائد المنطقة العسكرية”. ومع مرور السنوات ، تطورت هذه القوات وتنوعت مهامها: فهي تحرس مناطق تعدين الذهب في الولاية الشمالية كما تقوم بحماية ومراقبة الحدود السودانية الليبية ، وفي ذات الوقت تقوم بالتنقيب عن الذهب في منطقة جبل عامر الغنية بالذهب وتمنع وصول الجهات الحكومية اليه ، وهو ما حدا بوزير الداخلية بطلب الاستغاثة من الجيش لفرض السيطرة على المنجم بعد ان أكد لاعضاء البرلمان ان المنجم يقع تحت سيطرة ” الأجانب” وان الشرطة لا تستطيع فعل ذلك لان امكانياتها وعتادها اقل من هذه المليشيات. ولكن اللافت للنظر ان قائد هذه القوات محمد حمدان حميدتي – والذي كان مجرد ضابط صف بالجيش وأصبح يحمل رتبة اللواء الان – تصدى لوزير الداخلية وقال انهم ليسوا باجانب وأنهم سيظلون يعملون ويحرسون الجبل الغني بالذهب.
كما تم افتتاح مكاتب ادارية ولوجستية لهذه القوات في العاصمة الخرطرم وفي أماكن استراتيجية بعد ان ظل يتم التعامل معها في دارفور. وبدات السلطات في تحسين صورة حميدتي الذي عرف بالعنف والقتل من خلال تصويره على اساس انه رجل بر وإحسان بعد ان تبرع وأشرف على افتتاح عدد من المساجد في الخرطوم وغيرها ، بالاضافة الى توسطه بين القبائل المتنازعة في دارفور ودفع الديات الناتجة عن النزاع القبلي. ويبدو ان البشير يريد التخلص من حميدتي بعد ان ازداد نفوذه وسيطرته وثراءه ، خاصة وان كبار جنرالات الجيش تحول انتقادهم الهامس عن حميدتي وقواته الى العلن بعد الحادثة التي وقعت في منطقة القطينة بولاية النيل الابيض عندما اشتبكت عناصر من الجيش وقوات حميدتي التي تم وضعها في احدى معسكرات التدريب وقامت بعدة انتهاكات في المنطقة التي ينتمي قادة كبار في الجيش لها. وكان البشير قد أقال عددا من قادة الجيش عندما سجلوا اعتراضا واضحا على نيته الاستعانة بهذه القوات عند إنشاءها ، ورفضوا ان يتم تدريبها داخل معسكرات التدريب التي تتبع لهم ، الامر الذي ادى الى تبعيتها لقوات الامن والمخابرات. وفي هذا الإطار ، اكدت مصادر عليمة ان البشير وبعد تنامي سطوة الدعم السريع وازدياد الغضب في الجيش عقد عدة اجتماعات مع بعض مستشاريه المقربين وخلص الى ضرورة التخلص من حميدتي او تحجيم نفوذه على اقل تقدير ” كان هنالك اتفاقا على ايقاف السيطرة المستمرة لحميدتي وأفضل طريقة هي وضع قواته تحت سيطرة الجيش بعد ان يتم استيعابهم وتوزيعهم على الوحدات العسكرية حتى لا يحدث تكتل داخل الجيش”. واضافت : ” بعد اجازة القانون سيتم الجلوس مع حميدتي وإبلاغه بصورة رسمية بهذا السيناريو وربما يتم منح قياداته عددا من الرتب الكبيرة والامتيازات كنوع من التحفيز له ليوافق .. واعتقد انه سيوافق خاصة وانه سيكون تحت الضغط اعتبارا من الان”
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير عثمان حمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست