تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احداث "كتلة" المتمة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 07:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-07-2017, 03:17 AM

أنور أدم
<aأنور أدم
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2825

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا (Re: أنور أدم)

    هذا المقال يوضح الخط العام حول احداث المتمة,,,اعني سير الاحداث و ليس تحليل الكاتب,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,اختزال سيادة الدولة في السلطة وتداعياته في السودان مذبحة المتمة نموذجاً (1897م)
    أحمد إبراهيم أبوشوك
    تشكلت معالم الخارطة السياسية لدولة السودان الحديث في عهد الحكم التركي المصري (1821-1885م)، الذي بموجبه أضحت الخرطوم عاصمة لأصحاب النفوذ السياسي والعسكري، الذين بسطوا سلطانهم على إرث مملكة الفونج في سنار وملحقاتها في الشمال والشرق، وأحكموا هيمنتهم على مقدوميات الفور في كردفان ودارفور، وأدخلوا جنوب السودان قَسْراً إلى إقليم الدولة القُطرية الناشئة من بوابة السيطرة على منابع النيل وتجارة العنصر البشري التي كانت رائجة آنذاك. ووفق تطلعات الحكومة التركية-المصرية في الخرطوم تم استنـزاف موارد السودان المادية والبشرية، واختُزلت سيادة الدولة في مفهوم السلطة السياسية الضيق، الذي قُلِّصت ماهيته الوظيفية في خدمة مصالح النخب الحاكمة، والقوى القطاعية المساندة لها، دون أن تتبلور تلك السيادة في تقسيم السلطة والثروة عدلاً ومساواةً بين الناس، وفي تنمية الموارد البشرية والمادية، اللذين بموجبهما تتحقق الرفاهية والعدل الاجتماعي، ومن ثم يصبح الانتماء للدولة وسيادتها انتماءً وطنياً جاذباً ومتسامياً على التشنجات الجهوية والعرقية والدينية التي تؤدي في أغلب الأحيان إلى تفتيت الصف الوطني، لأن الجميع بهذا المفهوم الواسع لسيادة الدولة يشعرون بأنهم شركاء في الوطن أرضاً وشعباً، وأن مصالحهم ومقدساتهم تحرسها السلطات الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) التي تستمد شرعيتها من الدستور والقوانين التي استنها الأهلون وتعاهدوا عليها، شريطة أن تطبق بينهم عبر وسائط مهنية وكفاءات بشرية مؤهلة فنياً ومثقفة أخلاقياً، تثقيفاً يرقى بها فوق هامات النعرات القطاعية الضيقة، ويستمد مرجعيته الوظيفية والمحاسبية من شرعية القانون وأدبيات المصلحة العامة. إلا أن هذا المفهوم الوظيفي للسيادة لم يحظ بهذه الشفافية في السودان، لأنه اُختزل في السلطة، واختزلت السلطة نفسها في ثلة من أصحاب المصالح السياسية الضامرة التي تتعارض في كلياتها وجزئياتها مع تطلعات الصالح العام وطموحاته المشروعة. ويتجلى هذا المفهوم السلطوي السالب وتداعياته في مناقشتنا التالية لمذبحة المتمة التي جرت فصولها التراجيدية قبل مائة عام (1897م) على مسرح سياسي متصدع، وحضور جماهيري متنازع الولاء في السودان، غاب عنه مفهوم الولاء السياسي للوطن الجامع، وتصاعدت على جنباته نبرات الصراع التي كانت سائدة بين المركز والتخوم، وكل ذلك حدث في وسط زخم سياسي واستعماري أشبه بالواقع السياسي الذي يعيشه السودان اليوم في ظل مشكلة دارفور ومنعطفاتها المحلية والإقليمية والدولية.

    إذن ما الأبعاد السياسية لمذبحة المتمة؟

    تتبلور الأبعاد السياسية لمذبحة المتمة في بُعدين أساسيين: أحدهما سياسي تاريخي، فرضته جدلية الصراع الذي كان قائماً بين رموز الدولة المهدية ورعاياها المهمشين، الذين وصفوا سلطة الخليفة عبد الله التعايشي بأنها سلطة الفرد التي اختزلت نفسها في شخص الخليفة، وبطانته من أبناء التعايشة، وبعض سدنة السلطة الذين كانوا يقتاتون من فتات موائد السلطان. ويتجسد بُعدها الثاني في الأعمال العسكرية التي سبقت اختيار حلة المتمة لتكون معسكراً لجيش الأمير محمود ود أحمد الذي أوكلت إليه مهمة التصدي للجيش الإنجليزي المصري القادم من الشمال. ويبدو أن هذا الاختيار قد فرضته ظروف عسكرية وسياسية نجملها فيما يلي: أولاً: إن استخبارات الدولة المهدية قد أفادت بأن الجيش الغازي سيسلك نفس الطريق الصحراوي الذي سلكته حملة إنقاذ غردون عام1884/1885م، عبر آبار جقدول، وأبو طليح، ثم المتمة، ومنها يتفرع إلى أم درمان.
    ومن هنا برزت أهمية المتمة كقاعدة عسكرية واستراتيجية لملاقاة الجيش الغازي.ثانياً: إن عملية إخلاء المتمة وترحيل أهلها إلى الضفة الشرقية للنيل قد أُسست وفق سببين رئيسين: أحدهما يتمثل في تأكد الخليفة عبد الله من عدم ولاء الجعليين للدولة المهدية، وذلك بعد أن ثبت له صحة علاقاتهم التجارية والاستخباراتية مع الجيش الغازي حسب إقرار زعيمهم الأمير عبد الله ود سعد. وثانيهما إن جيش محمود ود أحمد كان جيشاً غير نظامي، حيث تميز أفراده بالخشونة، والعنف، وعدم الانضباط، الأمر الذي عذَّر عملية استضافتهم في قرية المتمة التي كان أهلها يُصفون بالأنفة والإعتزاز بالنفس.
    وبناءً على ما تقدم فقد أصدر الخليفة عبد الله التعايشي قرار الإخلاء في اجتماع عُقد بأم درمان، وحضره أهل الحل والعقد في المهدية ومن بينهم الأمير عبد الله ود سعد، الذي أمَّن على سلامة الاختيار، ووافق على انتقال أهل المتمة إلى الضفة الشرقية المحاذية لقريتهم. ويبدو أن موافقته هذه كانت موافقة مجروحة، بدليل أن الخليفة كان يتشكك في نواياه، ويعتبره قد أظهر لهم خلاف ما يبطن، والشاهد في ذلك قول السيِّد علي المهدي نقلاً عن الخليفة عبد الله وموقفه من مباركة عبد الله ود سعد لقرار الإخلاء: "... الذي أعلمه أنك تضمر السوء، ولك مكاتبات مع العدو، ولو فتشنا جيبك لوجدنا بعضها..." ونتيجة لذلك لم يأذن له بمغادرة أم درمان عقب انتهاء الاجتماع، بل أرسل خطاباً إلى أهل المتمة، يطلب منهم إخلاء حلتهم بطيب خاطر، وذلك لتهيئة الجو العام قبل قدوم أمير الجعليين عبد الله ود سعد المشكوك في ولائه للمهدية. ويكشف ظاهر هذا الخطاب عن سلامة موقف الخليفة ورأس الدولة تجاه الغزو الأجنبي، إلا أن مصطلح الدولة في حد ذاته كان مصطلحاً مجروحاً عند خصماء المهدية الذين كانوا يبررون شرعية التآمر ضدها حتى لو استدعى ذلك الاستنجاد والاستعانة بالقوات الأجنبية و"الكفرة". فلا جدال أن هذا الخطاب يُعدُّ وثيقةً تاريخيةً مهمةً، وقابلة للأخذ والرد من حيث محتواها السياسي وطبيعة الرسالة التي حاولت أن تبلغها إلى أهل المتمة. وقبل الخوض في تحليل الموقف السياسي المعارض لهذه الوثيقة من جهة والمؤيد لها من طرف آخر، يستحسن أن نسرد أولاً مفردات خطاب الخليفة إلى أهل المتمة على النحو التالي:
    "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الوالي الكريم، والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم. وبعد من عبد ربه خليفة المهدي عليه السلام، الخليفة عبد الله بن محمد، خليفة الصديق، إلى المكرمين كافة سكان حلة المتمة على وجه العموم فرداً فرداً. بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الأعوان أعلمكم الله بالخير أنكم معدودون لدينا من الأصحاب الواقفين مع الإشارة أمراً ونهياً، وظننا بكم علو الهمة في إنجاز المصالح الدينية، وعدم التهاون في سبيل الله ووفاء العهد المأخوذ عليكم، وحيث فهمتم ذلك، وبعلمكم أن حلة المتمة التي أنتم بها هي طريق للسرايا البحرية، ومركز إليها، وكل ما تعينت من طرفنا سرية لضرب الأعداء، فلابد من مرورها عليها وغشيانها لها، ولا يخفى عليكم ما في مرور السرايا عليكم من المشقة لكم والتعب أكثر من غيركم، لكون الجهة التي أنتم بها مركز للسرايا، ومجمع للطرق، ونظراً لذلك فقد اتفقت مشورة المسلمين، ومن الجملة عمال جهاتكم على انتقالكم منها لجهة الشرق بقصادها من باب الشفقة عليكم بما ذكر عملاً بما اقتضت المصلحة الدينية ... وبناءً على ذلك فقد حررنا لكم أمرنا هذا، فبوصوله إليكم وفهمكم لمضمونه فجميعكم بطيب نفس وانشراح صدر خذوا كافة أمتعتكم وأموالكم وجميع متعلقاتكم ماعدا المساكن فقط، وانظروا المحل الموافق بمعرفة عمالكم بقصاد حلتكم في جهة الشرق، وأنزلوا هناك على بركة الله بأكملكم بحيث لا يتفرق منكم أحد كلية، بل جميعكم كونوا في محل واحد نازلين بالجهة الشرقية على صفة منزلتكم الآن بالمتمة، ويكون السوق بحاله عامراً بحذاء الحلة التي تنشؤونها بالشرق على حالته السابقة، وعليكم بالأمان التام في أنفسكم وأموالكم، وحيث أن هذا الأمر قد اتفقت عليه كلمة المسلمين واقتضته مصلحة الدين، وفيه الشفقة عليكم والرحمة بكم ما لا يخفى عليكم، فبادروا إلى تنفيذ الإشارة فيه بغاية الانشراح والقبول لتناولوا مزيداً من الرضا وجزيل الثواب، ولترد لنا منكم الإفادة عن هذا بعد إجراء العمل بموجبه. بارك الله فيكم، وقرن بالنجاح مساعيكم. والسلام."
    إلا أن الروايات التاريخية تختلف حول الإذن الذي حصل عليها الأمير عبد الله ود سعد لمغادرة أم درمان. فحسب إفادة السيِّد علي المهدي: إن الخليفة أذن للأمير عبد الله ود سعد بمغادرة أم درمان بعد فترة وجيزة من إرسال الخطاب الوارد نصه أعلاه، وأشهد على ذلك الشيخ محمد عمر البنا الذي اختتم اجتماع أم درمان بقوله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. وبعد تلاوة هذه الآية، يقول السيِّد علي المهدي: إن الخليفة عبد الله ودع الأمير عبد الله ود سعد وأذن له بمغادرة أم درمان، لكن بكلمات يشوبها التشكك والحذر، حيث قال له: "أذهب فإن الله سائلك من دماء الجعليين، وهذه الآية تكون شاهداً بيني وبينك أمام الله." ويتضح من هذه الرواية أن الخليفة كان عالماً بذهاب الأمير عبد الله ود سعد إلى المتمة، الأمر الذي يدعونا للتشكك في موثوقية هذه الرواية، ويدفعنا لترجيح ما ذهب إليه يوسف ميخائيل، لأن رواية السيِّد علي المهدي يبدو أنها قد تأثرت بإسقاطات الواقع السياسي الذي عاشه الراوي، لأن بعض جزئياتها تتناقض مع الوقائع التاريخية لتلك الفترة. ويقول يوسف ميخائيل في هذا الشأن: إن الأمير عبد الله ود سعد قد حصل على إذن بمغادرة أم درمان من الأمير يعقوب، وعندما علم الخليفة بذلك استشاط غضباً، ثم أرسل مجموعة من الهجانة للقبض على الأمير عبد الله ود سعد وإرجاعه إلى أم درمان. ويقال أن الهجَّانة أدركوا الأمير عبد الله عند مشارف المتمة وأعطوه خطاب الخليفة الآمر بعودته إلى أم درمان، فكان رد الأمير عبد الله، حسب رواية يوسف ميخائيل: "أرجعوا إلى سيدكم، وقالوا له عبد الله ولد سعد خالف أمرك، كيف يرضى بأن يطلع أهل المتمة، ويسكن بها محمود ود أحمد، وتخرج كافة النساء والأطفال. أنا خالفت أمره بهذا الشأن."

    موقف أهل المتمة وتداعياته السياسية

    وفور وصوله إلى المتمة دعا الأمير عبد الله ود سعد أهل المتمة إلى اجتماع طارئ، أطلعهم فيه على مجريات الأحداث في أم درمان، والقرار الخاص بترحيلهم إلى الضفة الشرقية للنيل، وأوضح لهم اعتراضه على هذا القرار، بحجة أنه سيجدد العار القديم الذي لحق بالجعليين عندما هجر المك نمر شندي بعد مقتل إسماعيل باشا عام 1822م، فوافقه أهل المتمة الرأي، ثم أعلنوا كفرهم الصُراح بالمهدية، وبدأوا يعدون العدة لملاقاة جيش الأمير محمود ود أحمد، وأرسلوا وفداً تحت قيادة الأمير إبراهيم محمد فرح (ود البيه) إلى مروي، حيث قدم الوفد طلباً إلى الجنرال كتشنر بالحصول على سلاح وذخيرة ورجال لمساندة تمردهم ضد الدولة المهدية. وفي هذه الأثناء تقاطرت البلاغات من أمراء الأرباع المعسكرين على مشارف المتمة إلى الأمير محمود ود أحمد، وكان مفادها: "... أن عبد الله وسعد ارتد عن المهدية، وجاهر بالمعصية، وعرَّض بالمتمة، وقصد محاربة المهدية." (عصمت حسن زلفو، كرري، ص 228)أما رد فعل الخليفة لتمرد الأمير عبد الله ود سعد فقد تجسد في ثلاث خطوات مهمة. تمثلت الخطوة الأولى في سجن زعيم الجعليين وساعد الإمام المهدي الأيمن في حصار الأبيض إلياس باشا أم برير ومصادرة كل أمواله، لأن الخليفة علم أن عبد الله ود سعد قبل مغادرته إلى المتمة كان مقيماً في منـزل إلياس باشا. فرد إلياس باشا أم برير على هذا الأجراء التعسفي بقوله: "من أعان ظالماً على ظلمه سلَّطه الله عليه. أفعل ما أمرت يا إبراهيم رمضان إلا الناقة لا تدخل غنيمة كوني نتقوت بلبنها." (يوسف ميخائيل، ص 201) ومن ثم قام إبراهيم رمضان، أمين بيت المال العمومي، بمصادرة أموال إلياس باشا، ووضعها في بيت المال العمومي تحت بند التجريد والغنيمة، ووُضع إلياس باشا في سجن الساير، وأذن له الخليفة بالتقوت بلبن الناقة التي أُخرجت من أموال التجريد. وتجلَّت الخطوة الثانية في المذاكرة التي عقدها الخليفة في المسجد الكبير بأم درمان بعد صلاة المغرب التي أعقبت تحرك جيش محمود ود أحمد من أرض الشفاء شمال أم درمان، حيث قال الخليفة لجمهور المصلين: "يا خوانا أنصار الدين أن الله ناصرنا على الأعداء الجلابة الجعليين والدناقلة المنافقين، هم الذين يخربوا البلاد العامرة، وما يدخلوا في مدينة أو أي بلدة إلا خربوها، وأساس الخراب ليس حاصل إلا منهم. وإن عبد الله ولد سعد هرب من عندنا لأجل ما يتوجه إلى إخوانه الترك والكفار، وإن شاء الله يقع في القبضة، ويقتل على يد محمود أحمد. وإن نار الترك التي ظهرت في صدر الجبل ونظروها الأمراء والأنصار وقتلها ولدنا يوسف القبطي إن هذه علامة النصر على الترك والكفار بعون الله الملك القهار." (يوسف ميخائيل، ص 203). أما الخطوة الثالثة فكانت تتمثل في عدم ارتياح الخليفة عبد الله من مهادنة محمود ود أحمد للأمير عبد الله ود سعد، ومحاولاته اليائسة لإقناعه بالرحيل من المتمة، لأن الخليفة كان يدرك تماماً أن عنصر الزمن عنصرٌ مهمٌ في حسم مثل هذه الصراعات، ومن ثم أرسل خطاباً عاجلاً للأمير محمود ود أحمد مفاده: "فنعلمك أيها المكرم أن المبادرة إلى الأخذ بالحزم في أمور الجهاد من المهمات، وأن المخذول عبد الله ود سعد قد مضت عليه مدة وهو في عصيانه ومجاهرته بالعداوة ... فبوصول أمرنا إليكم احزموا أمر الجيش وعاجلوا المخذول بالحرابة." (عصمت حسن زلفو، كرري، ص 229).
    وفي ضوء هذا الأمر التحريضي أعلن الأمير محمود الجهاد على المتمة، ودخلها عنوة في يوم الخميس الموافق الأول من يوليو 1897م، وبعد معركة غير متكافئة بين الطرفين تم القضاء على الأمير عبد الله ود سعد وأعوانه، واستبيحت قرية المتمة لعدة أيام، وسُبيت نساؤها، وأخذ أطفالها وأموالها غنيمة إلى بيت المال العمومي بأم درمان. وواضح من هذا العرض أن قرار إخلاء المتمة قد فرضته ظروف سياسية وعسكرية مُلحة، بدليل أن الأمير محمود بعد كتلة (مذبحة) المتمة شيَّد معسكره على أنقاض المدينة الجريحة لمدة ثمانية أشهر (يوليو 1897- فبراير 1898م)، حيث حفر خندقاً طويلاً شمال المتمة في شكل زاوية قائمة مع النيل، ونصب فيه ترسانته العسكرية لمقاومة وابورات الجيش الغازي القادمة عن طريق النيل، وبث العيون والإرصاد لمراقبة الطريق الصحراوي الذي كان يحسبه منفذاً آخر للقوات الغازية. وبعد سقوط بربر عدَّل محمود خطته العسكرية، وتحرك شمالاً وعسكر بمنطقة النخيلة جنوب عطبرة، حيث هُزمت قواته أمام القوات الغازية، وأُسر مع نفر من أعوانه ومساعديه. وبعد واقعة النخيلة واصل الجيش الغازي زحفه جنوباً إلى أن بلغ الحاضرة أم درمان، حيث دمر جزءاً من قبة الإمام المهدي، وهزم جحافل الأنصار والمجاهدين في واقعة كرري في الثاني من سبتمبر 1898م، وبذلك أُسدل الستار على حقبة مهمة من تاريخ السودان الحديث، تقدر بسبعة عشر عاماً (1881-1898م).
    أما معارضة الأمير عبد الله ود سعد لقرار إخلاء المتمة فقد أُسست على فرضية مغامرة سياسية وعسكرية خاسرة ويائسة، قوامها وصول المدد العسكري من الجيش الغازي قبل أن يجتاح الأمير محمود ود أحمد المتمة، وبذلك يستطيع الأمير عبد الله ود سعد وأعوانه أن يحكموا قبضتهم على المتمة وضواحيها، ويسهموا مع القوات الغازية في إسقاط دولة الدولة المهدية التي كانت- حسب وجهة نظرهم- "دولة قبيلة"، أزلَّت الجعليين وأقصتهم من ممارسة حقهم السياسي المشروع في حكم بلادهم، وحرمتهم من المشاركة في صياغة القرار السياسي على المستوى القومي في السودان.

    مذبحة المتمة: دروس وِعبَر


    لم يكن الهدف من ذكر مذبحة المتمة في هذا المقال هو نكاء جراحات الماضي التي بدأت تندمِّل، لكن العبرة تكمن في كيفية استثمار هذا الحدث التراجيدي في إعادة بناء سودان ما بعد نيفاشا وفق ثوابت يتواضع عليها الحكام والمحكمون.أولاً: إن مذبحة المتمة تبين عجز قيادة المهدية عن تجاوز أدبيات الثورة إلى مرحلة بناء الدولة المؤسسية التي تقوم على قسمة السلطة والثروة، وتنمية الموارد البشرية والمادية. وهذا العجز يجب أن يُقرأ في إطار الواقع السياسي الذي أعقب وفاة قائد الثورة محمد أحمد المهدي، ودفع الخليفة عبد الله التعايشى إلى اختزال سيادة الدولة في شخصه، عندما شعر بخطورة معارضة أولاد البحر لسلطانه الناشئ، وتحصيناً لسلطته أحاط نفسه بأفراد قبيلته، واستخدم أدبيات الثورة ضد خصومه السياسيين الذين وصفهم بالردة عن المهدية، فأعلن الجهاد عليهم في أكثر من بقعة من بقاع السودان. وبهذه الرؤية السلطوية اُختزلت سيادة الدولة في السلطة السياسية، والسلطة السياسية في شخص الخليفة وبطانته، وبذلك فقدت الدولة المهدية سندها الجماهيري، وتحولت إلى دولة قبيلة أكثر من أن تكون دولة قُطرية ترعى حقوق مواطنها في المكره والمنشط.ثانياً: إن مذبحة المتمة أظهرت طرفاً من ضعف السلطة السياسية عندما لاح لها في الأفق شبح التدخل الأجنبي، إذ انقسم سدنتها إلى فريقين. فريق يؤيد رفع العلم الفرنسي على حدود الدولة المهدية ليضحى السودان بموجب ذلك محمية فرنسية، مع الإقرار بسيادة الدولة المهدية. ويساند هذا الرأي ابن الخليفة وقائد جيش الملازمين عثمان شيخ الدين، وبعض أعوانه. إلا أن هذا الموقف لم يحظ بتأييد الخليفة الذي آثر إعلان الجهاد على الكفرة وأعوانهم، بحجة أن المهدية في خاتمة المطاف منصورة، وأن البشائر الدينية التي كانت متداولة بين عامة الناس تؤكد ذلك. فلا جدال أن هذا البُعد الغيبـي في الصراع السياسي يعكس طرفاً من الهوس الديني الذي كانت تعاني منه الدولة المهدية في صراعها مع خصومها المحليين، وفي صياغتها لسياساتها الخارجية والاستراتيجية مع دول الجوار المسلمة من طرف، والدول الاستعمارية (بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا) التي كانت تناصبها العداء، وتحيط بها إحاطة السوار بالمعصم من طرف ثانٍ.
    أما المعارضون، أو بالأحرى المعارضة الصامتة، فقد كانوا يناصرون مجيء القوات الأجنبية للقضاء على دولة المهدية باعتبارها دولة ظلم وجبروت، لأنها لم تمثلهم قبلياً، ولم تقم العدل بينهم سلطة وثروة، لذا فقد راهنوا على زوالها تعللاً بأن البديل الاستعماري مهما كان توجهه الإمبريالي فسيكون أفضل من حكم "الدراويش" الذين أذاقوهم الأمرين.
    فإذا قرأنا هذا الواقع التاريخي بتمعنٍ فإنه يذكرنا بما يجري الآن في السودان، فبعض سدنة النظام الحاكم يؤيدون دخلوا القوات الأممية لحفظ الأمن والسلام في دارفور، وبعضهم يعارض تدخل القوات الأممية لأنهم يعتبرونه ضرباً من ضروب الاستعمار ووسيلة من وسائل القضاء على سلطانهم السياسي. وفريق ثالث يؤيد التدخل الأجنبي بحجة أنه سيمكنهم من القضاء على حكومة الإنقاذ وأعوانها. والأمر في مجمله يقودنا إلى القول بأن سيادة الدولة قد حصرت نفسها في مفهوم السلطة السياسي المجحف، الذي أدى إلى أضعاف الجبهة الداخلية أمام التحدي الخارجي، وأسهم في تقاعس الدولة عن الدور المناط بها فيما يخص تحقيق الرفاهية، والأمن الاجتماعي لكل المواطنين باختلاف نحلهم ومللهم، وتوجهاتهم السياسية. وكل ذلك يُعزى إلى اختزال سيادة الدولة في السلطة، والسلطة في زُمرة من الذين يسودهم تفكير النسق، وتغلب عليهم القيم القطاعية ذات النظرة القاصية للآخر والمنكفأة على ذاتها
    .ثالثاً: في ضوء هذه المدارسة التاريخية نخلص إلى القول بأن سودان ما بعد نيفاشا يحتاج إلى رؤية استراتيجية ثاقبة تؤهله للخروج من نفق السلطة السياسية إلى رحاب سيادة الدولة القُطرية، الذي يهدف إلى تداول السلطة بطريقة ديمقراطية تراعى فيها المصلحة العامة، وأدبيات التدافع السياسي الشريف، وتقسيم الثروة عدلاً بين الناس، وتنمية موارد السودان البشرية والمادية، وذلك بدلاً من أن تنحط سيادة الدولة في مستنقع السلطة السياسية الآسن، والتنافس المصلحي الرخيص القائم على تقسيم المناصب السيادية والوزارية، واستغلال المال العام لأهداف سياسية قاحلة لا تروي ظمأ الحاكمين في السلطة، ولا تشفي غليل حلفائهم الذين يضمرون لهم السوء، ويظهرون حسن النوايا الذي يمكنهم من طرق أبواب خزائن السلطة المفسدة.
    .......................................
    التعديل للتفريق بين الامرين

    (عدل بواسطة أنور أدم on 01-07-2017, 03:22 AM)
    (عدل بواسطة أنور أدم on 01-07-2017, 03:31 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احداث "كتلة" المتمة ombadda01-06-17, 08:12 AM
  Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا ombadda01-06-17, 08:13 AM
    Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا ombadda01-06-17, 08:18 AM
      Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا د.محمد بابكر01-06-17, 08:28 AM
        Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا ombadda01-06-17, 08:56 AM
          Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا د.محمد بابكر01-06-17, 09:11 AM
            Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا abubakr salih01-06-17, 11:19 AM
              Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا د.محمد بابكر01-06-17, 08:31 PM
                Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا اسماعيل عبد الله محمد01-06-17, 08:59 PM
                  Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا أنور أدم01-07-17, 02:59 AM
                    Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا أنور أدم01-07-17, 03:17 AM
                      Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا باسط المكي01-07-17, 04:20 AM
                        Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا abubakr salih01-08-17, 01:05 AM
                          Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا abubakr salih01-08-17, 01:12 AM
                            Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا عادل الباهي عبدالرازق01-08-17, 06:13 AM
                              Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا abubakr salih01-08-17, 09:05 PM
  Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا ياسر منصور عثمان01-08-17, 07:24 AM
    Re: تسجيل تلفزيوني نادر لشاهدة عيان تروي احدا ود الباوقة01-08-17, 10:10 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de