بعض السياسيين في الساحة السودانية يتمنى الواحد منهم أن يسرق قرص ذاكرة الشعب السوداني ويقذف به في أعمق المحيطات، ليلحق بالطائرة الماليزية المفقودة حتى يرتاح. ودائماً أوصي صغاري بأن يتحلوا بما أسميها سلوكيات الوقاية من كثرة الاعتذار، بعدم الوقوع في الحماقات لأن تفادي الحماقات في الفعل أو رد الفعل، أفضل وسيلة للاقتصاد في بذل الاعتذار للآخرين. فلو زادت حدة انفعالك في وجه شخص آخر عن الحد المعقول حتى ولو كنت على حق فإنك ستجد نفسك في النهاية مطالباً من الجميع في لحظة ما بالاعتذار لهذا الشخص، أو تبادل الاعتذار معه في حين أنك لم تكن تحتاج إلى كل ذلك لو أحسنت التصرف. وكذا السياسيون الذين يفجرون في الخصومة السياسية لا يملكون القدرة على تغيير مواقفهم والنزول من سقف الفجور بسلالم آمنة. تدهمني كل هذه الخواطر حين أستمع للأستاذ حسن إسماعيل وزير الحكم المحلي بولاية الخرطوم، وهو يتحدث في أمور السياسة أو يضطر لتقديم موقفه المدافع عن الحكومة والناقد للمعارضة حالياً.. وأقول دائماً إن حسن إسماعيل السياسي الشاب الذي لمع في ساحات أركان النقاش لم يكن سيضطر للبحث عن قرص ذاكرة الشعب السوداني لو كان يمارس السياسة في مرحلة المعارضة بموضوعية أكثر وبهدوء أكثر وعدم فجور في الخصومة.. لو كان مثل دكتور غازي صلاح الدين مثلاً الذي أراه قد انتقل انتقالاً سلساً من خانة الحكومة التي كان يمارس دوره فيها بنوع من التوازن في الموقف ولغة الخطاب إلى خانة المعارضة، بأقل قدر وأقل كم من الاستفهامات أو مفارقات السخرية. وكذلك سياسيون عادوا من المعارضة بخطى سلسة لأنهم انتقلوا من موقف وسطي وموضوعي وليس انتقالاً حرِجاً من خانة الشطط والتطرف والفجور. وأعتقد أن حالة الوزير حسن إسماعيل هي حالة مفيدة للآخرين للاعتبار بها وتجنب حرجها الفاقع، فالسياسة لعبة متحركة تقبل التغيير وليست من صفاتها الثبات والتجمد. لماذا لا تمارسوا السياسة بأقل قدر من الانفعال والتشنج والجزم والقطع الغليظ لكي تقدموا مواقف أياً كانت خانتها لكن في النهاية يكسب بها الوطن وعياً جديداً وسهماً مفيداً. أمثال الوزير حسن إسماعيل ليسوا هم الأنسب الآن للدفاع عن الحكومة أو انتقاد مواقف المعارضة، هو سياسي يحسب له موقفه الشخصي الذي لا يخلو من الشجاعة بعودته من أعلى سقف المعارضة. لكنه وبحكم بقاء قرص الذاكرة داخل دماغ الشعب السوداني فإن موقفه لا يحتمل الصعود في منبر العمل السياسي بصفة الناصح للمعارضة أو حتى المبرر لموقفه فهناك من هم أنسب للدفاع عن الحكومة من حسن إسماعيل. الرجل الذي كانت له قطعيات محفوظة في الذاكرة حول خياراته أو الخيارات التي يحث الناس عليها أمام النظام الحاكم وليس من بينها خيار الانضمام للحكومة مهما فعلت. وحتى لا تتورطوا في الموقف الذي وجد حسن إسماعيل نفسه فيه نقول لجميع السياسيين الحاكمين والمعارضين تأملوا واعتبروا من موقف حسن إسماعيل وتحلوا بالوسطية والاعتدال في تبني المواقف.. لا تبالغوا في رفع سقف المواقف والخيارات وكونوا أكثر موضوعية ووسطية في معارضتكم فالزمن دوار. وبالمقابل نقولها للحاكمين أيضاً اقتصدوا في إطلاق اتهامات التخوين والتجريم الكامل للمعارضين فالموضوعية تقتضي التمييز والتدقيق في الأوصاف والأحكام والتصريحات. شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. جنة الشوك - اليوم التالي /
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة