وثيقة إجتماع الصادق المهدي مع جعفر نميري

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 10:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-21-2016, 08:58 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
وثيقة إجتماع الصادق المهدي مع جعفر نميري

    07:58 PM November, 21 2016

    سودانيز اون لاين
    عمر عبد الله فضل المولى-
    مكتبتى
    رابط مختصر

    *ملعبة (دون كيشوت الجديدة)*
    *وثيقة اجتماع الصادق المهدي مع جعفر نميري*
    وما دار حتى اعتقاله 5 يونيو 1969

    سياسي أطلق عليه الكاتب الكبير الأستاذ فتحي الضوء مؤخراً لقب (دون كيشوت) بسبب معاركه الخائبة!
    المعركة الجديدة تتعلق بمحضر مسرب لاجتماع السيد الصادق المهدي بالسيد جعفر نميري في 3 يونيو 1969. طبع المحضر طباعة كيشوتية رديئة، متداخلاً في بعضه، وصدّر بالعنوان (وثيقة تدين الصادق المهدي بالتآمر علي الديمقراطية وخيانة الامام الهادي) ووزعها على الصحف والصحفيين. تماماً مثلما فعل سابقاً في 2004م بتوزيع تقرير سلمه كوزير داخلية للسيد الصادق المهدي مصحوب بتعليق السيد الصادق على التقرير (المهبب) عشية انقلاب يونيو، روج للوثيقتين تحت عنوان أن هذه وثائق تفضح علم الصادق بالانقلاب، في حين كان التقرير والخطاب يفضحان ركاكة طاقمه كوزير داخلية وقلة دربته!
    محضر السيد الصادق ملخّص بكل القضايا التي حواها في كتاب كتبه ونشر عام 1978م بعنوان (المصالحة الوطنية السودانية) وقد نشر باسم الحركة الإسلامية السودانية، وذكر في الكتاب أن المحضر محفوظ في مكان أمين..
    كذلك ما جاء في المحضر، ومذكرات السيد الصادق في معتقل جبيت نشرت ملخصة في كتاب رباح الصادق (أوراق في سيرة ومسيرة الإمام الصادق المهدي. الجزء الثاني- ظلام أب عاج). وفيها كل ما هو مذكور في (الوثيقة المسربة).
    فليس في المحضر المنشور شيء جديد أو سري. ولا يدل من بعيد أو قريب على التآمر على الإمام الهادي، فإما أن الفهم الذي وراءها قاصر بشكل لا يصدق وأشد من (الكياشة)، أو أن الوثيقة تستهدف بشكل (كيشوتي) خلق بلبلة باعتبار أن كثيرين سيكتفون بالحكم الموجود في العنوان بدون محاولة استقصاء حيثياته..
    اللهم خلص السودان من الكيشوتية والكياشة، وامنحهم ساسة لهم عقول وقلوب!
    ننشر هذه الوقائع ونطلب من كل صاحب عقل أن يحكم أين هو التآمر على الإمام الهادي؟
    ولو كان من فائدة لأفعال دون كيشوت اليائسة هذه للنيل من السيد الصادق المهدي هو أنه جعل المحضر متاحاً بالكامل.

    أولاً: ما جاء في كتاب المصالحة الوطنية، 1978م


    1/ عندما قامت حركة الخامس والعشرين من مايو 1969 لاحظ الرأي العام الإسلامي والحزبي أنها رفعت بعض الشعارات الشيوعية وعينت تسعة وزراء من قادة الحزب الشيوعي السوداني فاتجه ذلك الرأي العام لمعارضتها وتجمع في منزل الأخ الصادق المهدي عدد من الناس تدين استنكارهم. لقد قررت السلطة الجديدة التصدي لهم فأرسلت قوة عبارة عن سرية وأربعة مدرعات بقيادة الرائدين محجوب محمد نور برير وحسين أبو شيبة فحاصرت المنزل ودخل القائدان للتفاكر مع أهل الدار ودار الحديث الآتي:

    محجوب: لقد قامت في البلاد سلطة ثورية جديدة وهي لا تقبل المعارضة وأهدافها تحرير الاقتصاد السوداني وإلغاء الأحزاب وحل مشكلة الجنوب والقيام بسياسة خارجية متحررة إيجابية. والسلطة الجديدة ستواجه بالقوة كل من يعارضها وتعطيك الأمان في نفسك وأهلك ومالك.

    الصادق: أشكرك علي هذه الرسالة واؤكد لك أننا لا ندافع عن الأوضاع السياسية السائدة لاقتناعنا بفسادها ولا نستنكر أن تتصدى قيادة عسكرية وطنية سودانية لقضية الإصلاح والثورة ولكن الذي استنكرناه وما زلنا نستنكره أن تحل الأحزاب ويستثني من ذلك الحزب الشيوعي وهو حزب أقلية ويؤمن بأهداف غريبة علي مجتمعنا. فنحن لا نعارض الثورة الوطنية أي كان مداها ولا نقبل الشيوعية ونحذر بأن للشيوعيين أهدافا معروفة يتقدمون نحوها عبر مراحل فان كانوا معكم الآن فهم سيعدون للمرحلة القادمة علي حسابكم ونحن نرفع صوتنا من الآن حرصا علي بلادنا.

    فاحمل هذا إلي زملائك ليقرروا ما يشاءون.

    وأرسل الأخ الصادق المهدي مضمون حديثه هذا لعدد من ضباط القوات السودانية المسلحة للإطلاع علي حقيقة موقف المعارضة.

    2/ وفي أواخر شهر مايو 1969م أنعقد اجتماع في الجزيرة أبا برئاسة الإمام الهادي المهدي وحضره الأخوة الصادق المهدي وعبد الله نقد الله وحسين الهندي وتداولوا الرأي حول ما ينبغي أن يفعلوا في الموقف الجديد؟ وكان الأخ عبد الله نقد الله قد روي للمجلس " المجتمعين" ما دار بينه وبين مجلس الثورة الجديد وكان يستحسن أن يجري بيننا وبينهم حوار. وبعد النظر في الأمر تقرر أن يوضع أساس للاتفاق بيننا وبينهم وأن ينتدب أحدنا للحوار معهم وأن ينتدب الأخ حسين الهندي لخارج السودان لتسريب سلاح اشتراه حزب الأمة. ولم يشأ أن يدخله للسودان. فإن نجح الحوار كان بها وألا لنستعد للمقاومة وبينما كان الاجتماع منعقدا في الجزيرة أبا وصل إليها الرائد (طيار) الفاتح عابدون برسالة الرائد المرحوم فاروق حمد الله يؤكد فيها رغبة مجلس قيادة الثورة أن يجري حوارا مع المعارضة ورغبته أن يحضر الأخ الصادق المهدي لإجراء ذلك الحوار مغلظاً الأمانة بشرفه العسكري. وقرر الأخ الصادق المهدي أن يصحب الفاتح عابدون إلي الخرطوم لإجراء الحوار.

    3/ وفي يوم 3/6/1969م أنعقد إجتماع بين رئيس مجلس قيادة الثورة الأخ جعفر محمد نميري والأخ الصادق المهدي خلاصته:-

    جعفر: نحن قمنا بهذه الثورة لأن البلاد محتاجة لها ونحن نعلم أن أفكارك تقدمية ونريد أن نبحث الوسائل التي تمكننا من التعاون في سبيل مصلحة السودان وقد أعلنا أهدافنا فماذا تري؟

    الصادق: إننا لا ندافع عن الوضع السائد بل وقد كنا أول من أدانه ونادي بإصلاح جذري ولا نستنكر أقدامكم علي إنقاذ البلاد من عجز النظام البرلماني ونطرح الإجراءات الثورية الآتية: برنامجا للإنقاذ. وأنا شخصيا سوف التزم بتأييدكم إذا قبلتم شرطا واحدا والتزم أن يؤيدكم عمي الأمام الهادي المهدي والسيد إسماعيل الأزهري وغيرهم من القادة السودانيين إذا قبلتم ذلك الشرط. والشرط هو أن تكون الثورة قومية وطنية لا شيوعية كما هي الآن أو علي الأقل متحالفة مع الشيوعية. فأنتم تستطيعون أن تبعدوا كل الأحزاب بما فيها الشيوعيين أو ان تشركوا كل الأحزاب. أما الإجراء الحالي فخطأ وسنعارضه ونحذركم أن الشيوعية تتعامل معكم كما تعاملت مع غيركم علي أساس المراحل فأنتم اليوم حلفاء وغدا أعداء.أما البرنامج الثوري البديل فيكمن في "12" نقطة هي:

    (1) تكملة الاستقلال الاقتصادي بتأميم وسودنه الشركات الأجنبية؛
    (2) تأمين سيطرة القطاع العام علي الاقتصاد الوطني بتأميم المصارف إلا البنك التجاري السوداني لأنه شركة سودانية عامة؛
    (3) حل سياسي لمشكلة جنوب السوداني علي هدى توصيات لجنة الأثني عشر ومؤتمر الأحزاب؛
    (4) تحقيق الإصلاح الزراعي لتصبح المشروعات الزراعية ملكية تعاونية لمزارعيها ولينعم مشروع الجزيرة بعلاقات إنتاج جديدة.
    (5) حل اتحاد نقابات عمال السودان وتكوين تنظيم العمال في نقابات شاملة وديمقراطية يضمها تنظيم عمالي قومي موحد؛
    (6) حل اتحاد الشباب السوداني وتكوين تنظيم قومي ديمقراطي لشباب السودانية؛
    (7) حل الاتحاد النسائي وتكوين تنظيم نسوي قومي ديمقراطي يقوم باستنهاض المرأة السودانية؛
    (8) انتهاج سياسية خارجية يمارس السودان بموجبها دوره العربي الرائد والأفريقي القائد والعربي الأفريقي الرابط والدولي المحايد بين المعسكرين العاملين؛
    (9) محاسبة الفاسدين في العمل السياسي وإقامة محكمة شعب لمحاكمة الذين أثروا علي حساب الشعب والذين ارتكبوا المفاسد السياسية؛
    (10) تطبيق توصيات لجنة إصلاح الخدمة المدينة وتطهير الخدمة المدينة في أساس عادل؛
    (11) المحافظة علي كيان القوات السودانية المسلحة درعا حاميا للوطن ومشاركا في مسيرته، ومراجعة قرارات إبعاد الضباط الأكفاء أمثال الباقر ومزمل والشفيع ما داموا أكفاء والجيش محتاج للكفاءات.
    (12) التعامل مع كل الكفاءات الوطنية واتخاذ موقف موحد من الأحزاب السياسية لضمان قومية نهج الثورة السودانية.
    جعفر: أشكرك علي بيان موقفكم وأعتقد أن التعاون بيننا ممكن وسأبحث الموقف مع زملائي في مجلس قيادة الثورة وسنفيدكم بقرارنا.

    وفي مساء يوم 4/6/1969م أرسل ضابطان للأخ الصادق المهدي للذهاب لرئاسة القوات السودانية في الخرطوم لمواصلة الحوار وهناك أحتجز وأعتقل وأرسل الي جبيت.

    ملحوظة: دام الاجتماع بين الأخ جعفر والأخ الصادق ثلاثة ساعات ووقائع الاجتماع محفوظة الآن في مكان أمين.

    *ثانيا: ما جاء في كتاب رباح الصادق (ظلام أب عاج)، 2015م*

    *الصادق ومحاولة الاغتيال الأولى*
    كان الإمام الهادي حينما قام الانقلاب بالجزيرة أبا التي اتجه لها قبل أيام معدودة منه، وكان يزمع التوجه ذات يوم الانقلاب إلى تلس بجنوب دارفور، بينما كان السيد إسماعيل الأزهري يزمع السفر بذات اليوم لمايرنو وكانت تلك الزيارات في إطار المنافسة على رئاسة الجمهورية وانتخاباتها المقبلة وفقما جاء في كتاب الأستاذ صديق البادي[1]، أوهرباً من حرج الاتفاق مع حزب الأمة الذي لم يمكن تمريره على مؤسسة حزبهم وفق ما جاء في مذكرات السيد الصادق التي اقتبسنا منها في آخر الجزء الأول (بينج ماريال).

    كان السيد الصادق المهدي حينها بأم درمان، ومع إدانته للفساد في الوضع السابق وترحيبه بإصلاحه إلا أنه رفض فرض أجندة حزب أقلية وإقصاء الآخرين، وخاطب الناس في منزله بتلك المعاني، فتمت محاولة اغتياله هو ومن معه من الأنصار المتجمعين عبر قوة يقودها الرائد عثمان الحاج حسين (أبو شيبة) لولا أن لطف الله بتدخل من السيد بابكر عوض الله، مثلما روى مشارك أصيل في الأحداث هو الرائد حينها محجوب برير محمد نور.

    يروي محجوب أنه صباح الانقلاب التقى السيد بابكر عوض الله نائب رئيس مجلس قيادة "الثورة" ورئيس الوزراء في مدخل القيادة العامة للقوات المسلحة.."كان كمن يبحث عني وهو بادي الاضطراب والقلق،..، وبلا مقدمات أو مناسبة خاطبني في ضراعة ورجاء: يا محجوب أوقف نزيف الدم، نريد لهذه الثورة أن تولد بيضاء ما كان إلى ذلك سبيل. وقال إن عوض الله أخبره بأن (قيادة الحزب الشيوعي) أوهمت نميري بوجود ترسانة أسلحة بمنزل السيد الصادق المهدي الذي تجمع أنصاره المتطرفين حول منزله ينتظرون إشارة منه للتحرك المسلح لإجهاض الثورة. فاقتنع النميري الخائف على نفسه وثورته بضرورة تصفيتهم جميعاً فوراً، وتقرر أن يرسل لهم تحركٌ مسلحٌ بقيادة أبو شيبة، وطالبه بأن يبذل قصارى جهده لوقف ذلك التحرك. وذكر محجوب أنه ذهب وأوقف تحرك أبو شيبة، ثم اتجه لمناقشة الأمر مع نميري الذي قال إنه يريد أن (نتغدى بيهم قبل أن يتعشوا بينا)، وقال محجوب إن النميري كان مصراً على الفكرة وبعد لأي ومحاججة قبل أن يقود محجوب القوى الذاهبة لمنزل السيد الصادق مفوضاً في التعامل مع الأمر وذلك بثلاثة شروط:الأول: أن يكتم خبر تدخل نميري في الأمر ويتقلد كامل مسئولية إيقاف تحرك أبو شيبة وقيادة التحرك بنفسه، وبالكلمات التي ساقها عن نميري (لأني سبق واتفقت مع قيادة الحزب الشيوعي على أخذ زمام المبادأة وتصفية الصادق وأنصاره). والثاني: أن يصدر محجوب أوامر ضرب مؤجلة للقوة المرابطة حول منزل السيد الصادق المهدي، ويدخل وحده لمواجهته فإذا تبين (صدق معلومات الرفاق) فلا تتردد في الاشتباك وتنفيذ المهمة. والثالث: أن ينقل له بأمانة موقف الصادق السياسي والعسكري من (ثورتنا) ويستكشف مدى حيازته للسلاح وتدبيره للتحرك المسلح ضدهم.
    وحكا أنه توجه على رأس القوة ضحى يوم 25 مايو متجها لمنزل السيد الصادق المهدي وطلب منه أبو شيبة أن يكون قائداً ثاني للقوة فاصطحبه، ولكن لحقه الرائد فاروق عثمان حمد الله وطلب منه ألا يدع أبو شيبة قائداً للقوة لئلا يقوم بالهجوم خضوعاً لتوجهه العقائدي.
    قال: واصلت سيري نحو منزل السيد الصادق بعد أن أمرت القوة بصوت مرتفع حرصت أن يصل إلى الجموع المحتشدة حول المنزل، بإطلاق النار عند سماع أفرادها لصوت إطلاق النار بالداخل، أو إذا تأخر خروجي عليهم عن ساعة واحدة، وكانت هذه الأوامر على مسمع ومشهد من الأمير عبد الله عبد الرحمن نقدالله وهو يعرفني وأعرفه، وقادني والأخ أبو شيبة وسط جموع الأنصار إلى لقاء السيد الصادق المهدي بالداخل[2].

    وسوف ننقل من مذكرات السيد الصادق المكتوبة في الأسبوع الأول من يونيو 1969م وقائع ما دار[3]:

    (لقد وصل نبأ انقلاب مايو إلى علمي ساعة قبل وقوعه وكنت في الخرطوم وخرجت فرأيت حيث ذهبت تحركات ومصفحات..إلخ، وكان في خاطري صراع بين ترحيب وإشفاق. إشفاق لأن الانقلاب معناه دخول الجيش الميدان السياسي وهذا معناه أن يتعرض الجيش للفساد السياسي حتماً فإن اعتقادي كان دائماً أن الجيش ينبغي أن يكون وطنياً وملماً بالقضايا العامة ومتحمساً لها، ولكن دخوله الحكم معناه تعرضه للتحزب ودخوله المعترك السياسي بكل مخاطره. وإنني كنت ولا زلت اعتقد أن الدول العربية لن تكون لها جيوش بالمعنى الحقيقي فتقاتل ما دامت القيادة السياسية فيها تُحزّب الجيش فتفسد ضباطه عن طريقين: الفئة التي تقربها وتعتمد عليها تتحول إلى طبقة جديدة من الذوات ويصبح لا هم لها إلا الرحلات والتصريحات وولوج أبواب هي عاجزة عن ولوجها فتبدأ عملية مطاردة بين الضابط والصورة التي رسمها لنفسه في الخيال وهي مطاردة لا تنتهي إلا بإفساده كعسكري، أما الفئة الأخرى التي تتخوف منها القيادة فتجمد أوترسل للمعاش وفي الحالين الجيش خاسر والبلاد معه. وبالطبع فإن أي انقلاب يولد ومعه انقلاب في جيبه "ومن ارتفع بالسيف فبالسيف ينزل"كما يقول المسيح، ومعنى ذلك الدخول في فترة من المغامرات لا ندري متى وكيف تنتهي؟
    *وأما الترحيب فسببه أن أحوال البلاد كانت في حضيض لا يعلم مداه إلا الله.*
    ولم أنم تلك الليلة وبقيت في منزلي، وحوالي الساعة الثالثة إلا ربعاً أرسلت إلى أحد الضباط في ود نوباوي أن يذهب ويستفسر فذهب وجاء ليؤكد أن انقلاباً وقع وأنه تحدث مع أحد الضباط الذين أحاطوا بمنزل السيد أزهري وهنا كتبت خطاباً للإمام بأبا للمعلومية بما حدث.
    وبقيت حتى أذيعت البيانات واتضح لنا أن المدنيين عبارة عن أصدقاء أو محاسيب للسيد بابكر عوض الله، وبعض الشيوعيين، وبعض العناصر الأخرى التي تتلون بلون الإناء الذي توضع فيه، مع عزل حزب الأمة وعزل سانو، فشعرنا بأن الانقلاب قد اتخذ شكلاً مدنياً غير مناسب فبدأ شعورنا بالإشفاق على مصير البلاد.

    والحقيقة أن جماعتنا كانوا مستخفين جداً بالوضع الجديد، بأن جنوده قليلون وبأن الجيش لن يتضامن معه. وفي فورة حماسهم هذا، جاء ضابطان معهما 2 عربة ومصفحة وجنود هما محجوب برير وأبو شيبة وكان مظهرهم أمام منزلنا استفزازياً وكان رد الفعل من ناسنا عنيفاً فكادوا أن يبطشوا بهما، ثم دارت محادثة بيننا وبينهما.

    قال محجوب إن الجماعة التي قامت بهذه الثورة مؤمنة بأهدافها وستضحي بالحياة لحمايتها ولن تسمح بمعارضة ولن تعتدي على أحد، وكان معنا في الاجتماع الأمير نقد الله والسيد صلاح عبد السلام فقلت لهما قولا لهم: نحن مع إدانة الفساد البائد ومع ضرورة الإصلاح الثوري وضد التسلط الشيوعي، ونتمسك بمبادئنا دون تردد أو خوف من وعيد.

    كنا في حالة حماس شديد، ولكننا كالعادة لم نكن مستعدين لأمر ما، وأرسل لي وزير الداخلية ضابطين بوليس ليقولا إنه يريد مقابلتي الساعة 12:00 في مكتبه فقلت لهما قولا له إنني لن أحضر). أ.هـ.

    في بيت المهدي ثم إلى أبا

    وكتب محجوب برير في مذكراته كذلك إن الأنصار تجمعوا ليلة 25 مايو حول قبة الإمام المهدي فتصدت لحشدهم قوة عسكرية ففرقتهم[4].

    *يقول السيد الصادق في مذكراته:*

    (تزايد حماسنا ورأينا أن نذهب إلى بيت المهدي وليست لنا فكرة محددة غير أننا نريد أن نجتمع ونواجه المفاجأة. ودعوت المجلس العالي للحزب إلى بيت المهدي الساعة 2:00 وتسامع الناس بوجودنا في بيت المهدي فتوافدوا. أما المجلس العالي فإنه في النهاية رأى أن يوكل إلىّ الأمر أصنع فيه ما أرى مناسباً لحماية البلاد.

    وفي المساء في بيت المهدي وبعد صلاة المغرب خطبت في الحاضرين وقلت إننا لا نوافق على الطابع الشيوعي الذي انطبع على هذه الحكومة ولا نستكين لها، وسنعارض هذا الوضع.

    وفي صباح اليوم قبل هذا الاجتماع جاءنا في بيت المهدي السيدان يسن محمد أحمد ومحمود. وقالا إنهما والاتحادي الديمقراطي يقفون معنا وسيقومون بما نقرر، وأن الأمر بيدنا وكانا أيضاً في حالة استخفاف شديد بما وقع.

    وعناصر كثيرة تدافعت إلينا منها حلفاؤنا الأقدمين ومنها آخرون وبدأنا نفكر ماذا نصنع إذا اعتدى علينا. وأمضيت يوما في بيت المهدي محروسا،ً ثم بدأت الحكومة تطوق منزلنا بحي الشاطئ[5] وبعد يوم من ذلك بدأت تطوق بيت المهدي ونشأ في ذهني اعتبار هام وهو هل هناك داعٍ للمقاومة والدماء؟

    رأيت أن ذلك يدخل البلاد في فتنة كبيرة، وربما أمكن تفاديها ولذلك خرجت من بيت المهدي، ومررت على السيد أحمد المهدي لأخبره أنني بالتشاور مع الأمير نقد الله رأيت أن أذهب إلى الجزيرة أبا وأرى أن يذهب أحمد أيضاً وذهبت منه إلى منزل السيد إبراهيم النور وبقيت هناك حتى ذهبت ليلاً إلى أبا.

    وفي أبا تفاكرنا مع السيد الإمام واتفقنا أننا في الوقت الحاضر نوضح موقفنا لناسنا وننتظر ما تسفر عنه التصرفات والأيام، وذهبت من أبا إلى سنجة على أن أقوم باتصالات بجميع الناس ليفهموا أننا لا نؤيد هذا الوضع ولكن عليهم ألا يقوموا بأي عمل استفزازي، وكانت إقامتي بالرايات.

    ثم طرأت عليّ بعض الأفكار، ورأيت أن أعود إلى أبا لبحثها، وكذلك رأيت أن أكتب إلى بعض معارفي من الضباط من زاوية شخصية عساهم يجدوا سبيلاً لإخراج البلاد من هذا الموقف بالتفاهم، وتحمسوا لذلك عندما وصلتهم الرسالات.
    وبينما أنا في أبا جاءنا السيد الفاتح عابدون مع السيد إسماعيل عبد الله المهدي ليقولا إن القيادة تريد التفاهم معنا، وأكد السيد الفاتح أن النية صادقة، وأقسم له وزير الداخلية فاروق حمد الله بشرفه العسكري فيما يتعلق بالتعرض لي بسوء.
    وقبل ذلك جاء الأمير نقد الله، وحكى لنا أنه اعتقل ليلاً، وبعد مضي زمن يسير طلبه وزير الداخلية ليعتذر له عن ذلك الإجراء وقابل به مجلس الثورة لاعتذار مماثل، فشكرهم الأمير والتمس الفرصة ليتحدث إليهم في الأمر وخرج بنتيجة أن ما قاله كان مقبولاً لديهم على وجه العموم، وأن مقابلتي لهم ممكنة، وأن مواصلة الحديث معهم لازمة، فهل يفوض لذلك أم أذهب إليهم أنا للمفاوضة؟
    أنا شخصياً كنت راغباً في الخروج من أبا:
    أولا: لأن وجودي هناك مع التحدي الذي قمت به للوضع الجديد يلفت نظره إلى أبا، وأنا أعلم أن في ذلك تعريض لرجال أبرياء مستعدون للتضحية لخطر لا أوافق عليه.
    ثانيا: لأن خروجي من الخرطوم كان مفاجئاً فيحسن أن أعود إليها، ولكن أهم شيء في نظري هو أن أزيل وجه الخطر المباشر من أي تصرفات عسكرية ضد أبا.
    ثالثا: ومن أقبح ما أقلقني وأنا هناك أن جاء الهندي صباح يوم للتعاون أو التفاهم، ولم يكن هذا رأيي عن المنبر الذي نحاول به إصلاح الأحوال الجديدة.
    كل هذه العوامل تضافرت لتجعلني اقتنع بضرورة الذهاب للخرطوم ، فإن كان التفاوض سبباً فنعم السبب، ومع أن مخاوفاً ما كانت في خاطري وخواطر آخرين أن غدراً ربما دبر، قررت أنا شخصيا أن أذهب مهما كانت المخاطرة، وأن أقول أشجع وأوضح كلام سمعه هؤلاء الضباط منذ استيلائهم بغرض النصحية، وبغرض تأكيد أن السودان هذا ليس سهلاً فيخضع دون إقناع، وبعد ذلك فليكن ما يكون.
    ألم يكن من الأصلح تفويض الأمير لبحث الأمر معهم؟ ألم يكن من الأصلح عدم الذهاب للخرطوم؟ ألم يكن من الأصلح أن يتسم حديثي بقدر كبير من اللين؟
    ربما، ولكن الفكرة التي استولت عليّ هي: إزالة الخطر المباشر من أبا وسكانها أولاً، والتعبير عن عدم الاستكانة بسبب الخوف من الحكم الجديد ثانياً. ما هو الحكم على هذا الموقف؟ الأيام ستفصح. ذهبت إلى الخرطوم وتمت المقابلة يوم الثلاثاء ويوجد نص كامل بكل ما جرى في غير هذا المكان إلى اعتقالي وحضوري إلى جبيت)[6].
    كانت المقابلة بين الصادق وبين النميري في يوم 3 يونيو 1969م.
    وأنت تجد في هذه القطعة الهامة من مذكرات السيد الصادق التي دونها في أوائل يونيو 1969م وهو بمعتقل جبيت العديد من الحقائق التي أغفلتها حتى الأدبيات التي وثقت للفترة مثل كتاب المصالحة الوطنية، فالسيد الصادق بادر بتحدي النظام وضباطه المرسلين، كما رفض المثول أمام وزير الداخلية الذي طلب لقاءه، وكان مستهدفاً حينها بالاغتيال لولا لطف الله، وذهب لأبا ليتفاكر مع عمه، وكان خروجه من أبا بسبب تجنيب أهل أبا البطش بسببه وليس العكس فلم يكن أحد يستطيع قراءة الغيب وأن أبا سوف تتعرض للبطش بعد عام.
    وكان خطاب السيد الصادق للضباط لإيجاد مخرج بعد ذهابه لأبا ثم للرايات.

    *خدعة الحوار!*
    روى محجوب برير أن بابكر عوض الله الذي تدخل بداية ليحبط محاولة الاغتيال الأولى ثارت ثائرته لما علم أن الصادق يحذّر قادة الانقلاب من الشيوعيين ومن بابكر عوض الله فقال (إما الصادق وإما الثورة)[7] وقال إنه في اجتماع عقد في ثالث يوم لانقلاب مايو، 27 مايو 1969م، (كان من بين أجندة الاجتماع كيفية التعامل مع السيد الصادق المهدي إزاء موقفه المعادي للثورة في ذلك الحين، أو كما توهم البعض سعياً لتصفيته والخلاص منه! فرأى مولانا بابكر عوض الله ووافقه نميري وكل أعضاء مجلس قيادة الثورة،..، اعتقال السيد الصادق المهدي وإبعاده إلى حامية جبيت، ليكون بمنأى عن أنصاره، وهذه، كما قالوا أولى خطوات القرار الكبير! وكان واضحاً أنهم يعنون بذلك التصفية البدنية بصورة لاحقة إذا اقتضى الأمر)[8]. (وفي مرحلة التنفيذ بدأوا الاتصال ببعض معاونيه وقادة حزبه كالأمير عبد الله عبدالرحمن نقد الله والسيد صلاح عبد السلام وغيرهما)[9].
    وذكر كيف رفض هو نفسه هذا الاتجاه باعتباره حنث بالمواثيق والعهود، وسبق أن أعطي السيد الصادق الأمان على نفسه وأنصاره. ثم وصلتهم في نفس اليوم رسالة من السيد الصادق المهدي موجهة له وللنميري قال فيها إنه لم يستغرب الانقلاب العسكري بسبب ما اكتنف الأوضاع السياسية من تردٍ وصراعٍ عقيم، وخرق للدستور والمواثيق، ولكنه يرى أن يكون الانقلاب العسكري وسيلة للإصلاح ووضع الأمور في نصابها العادل الذي يخدم مصلحة البلاد لا غاية في ذاته و"تكراراً لتجربة فاشلة سبق أن رفضها شعب السودان"، وأنه على استعداد للاتصال بالقوى الوطنية ذات الثقل لاقناعهم بالتعاون مع الثورة إذا اتفق على فترة انتقالية تجري خلالها إصلاحات سياسية ودستورية، وأنه يحذر من التعاون مع الحزب الشيوعي، مؤكداً أنه لم يخطط لتحرك عسكري مضاد. ولكن تلك الرسالة لم تغير في الموقف المتخذ من خداع السيد الصادق والتغرير به بإرسال من يوهمه بأنهم يطالبون بالحوار، بل مضوا في خطتهم، فأعادوه من الجزيرة أبا وكانت الخطة (كميناً معداً بإتقان، وأرسل على متن طائرة خاصة إلى منفاه بجبيت)[10].
    جاء السيد الصادق للحوار وقابل بالفعل النميري وتحادثا في جلسة أولى، ولما كان بانتظار الجلسة الثانية أخذ خداعاً لجبيت.
    كان السيد الصادق يومها غير مستغرب اعتقاله كما تشي مدوناته في الأسبوع الأول من يونيو ولكنه كان مستغرباً للخديعة.والخديعة كانت مبيتة أصلاً، وفق ما دون محجوب برير في مذكراته كما رصدنا.





    *ثالثا: الوثيقة التي سربها دون كيشوت*
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الثلاثاء3-6- 1969 مكتب القائد- رئاسة القوات الساعة التاسعة والنصف مساءً.

    طلب السيد النميري أن تكون المحادثة قاصرة عليه وعلى السيد الصادق المهدي، فانصرف السادة عبد الله نقد الله، فاروق حمد الله، وأبو القاسم ابراهيم إلى المكتب المجاور•
    *السيد النميري:*
    هذه المقابلة معك هي بناءً على طلبي للتفاه. وقبل أن اسمع ما ستقول، أود ان أوضح لك انني لست غريبا عليكم، ففي ناحية الفكر السياسي، لقد قرأت كل ما كتبت وقلت واعجبت به وايّدته، ومن الناحية الاخرى فأنا أنصاري أكثر من الصادق المهدي.
    *الصادق:*
    أشكرك جدا على هذا الشعور، ويسرني جدا ان أعلم ذلك، وأرجو أن أجد في هذه الفرصة مجالاً لأطرح لك كل ما يدور في خلدنا، لتكون والسادة اعضاء مجلس الثورة على بينة من أمرنا، وأملي كبير ان نجد اساسا صالحا للتفاهم لخدمة هذه البلد المنكوبة.
    إننا سعداء جداً بزوال العهد البائد، فهو عهد أفسد فيه السادة وافسدت فيه احزابهم التطبيق الصحيح للديمقراطية، وكان يعيش في أخريات أيامه مسخا لا يستقيم أن يلحق بالديمقراطية. فهو مستند على دستور مخروق، وموبوء بسياسيين فاسدين، تولينا قبل غيرنا كشف مفاسدهم وسوء التطبيق الديمقراطي الماثل في البلاد، وكنّا نقول في مناسبات عديدة إن الأوضاع خرجت من كل ما يفيد الناس، أو يتمشى مع ميثاق اكتوبر، ولذا ففي مايو 1968، وقبل اعلان نتائج الانتخابات العامة الاخيرة دعونا لاجتماع كبير في المقرن، وقلت إن الأوضاع فاتت حدود المعقول من السوء، فإن نحن فزنا في الانتخابات، فإننا سندعو الناس جميعاً في مؤتمر يمثل القوى الاجتماعية السودانية لنتفاهم في سبيل إنقاذ البلاد مما انحطت إليه، أما إذا فازت التشكيلة الائتلافية الحاكمة فهي ستذهب بالسودان حتما إلى الهاوية، ولذا فسندعو كل المواطنين للتجمع لإنقاذ السودان من تلك البراثن، وسلمت السيد نميري نسخة من خطاب المقرن الذي ورد فيه هذا الكلام. وعندما تشكلت الحكومة الماضية، كان همّنا جمع الناس ضدها، وكان خطنا أن نعثر من القضاء على حكم في القضية الدستورية، ونتيجة لذلك يجتمع الجيش والقضاء وممثلو الشعب لإيجاد مخرج للبلاد، ونادينا في مناسبات عديدة، وكنّا نحس بالمشاكل التي تجول وتدور في الجيش، وبمشاعر كثيرين من عناصره التي تريد مخرجاً، وغريب أن لم نعثر عليكم وتفهموا خطنا، وهو إيجاد مخرج ثوري عن طريق دستوري انطلاقا من قرار المحكمة. وعندما تباطأ القضاء وساءت أحوال البلاد كان همنا تغيير موازين القوى السياسية وإنهاء الوضع القائم بأسرع ما يمكن. وعندما توحد حزب الامة على مبادئ سليمة كان هم قيادته ان يوجّه ذلك التوحيد لإنهاء الائتلاف القائم ووضع حد للمفاسد. ونظرا لتصرفات الحزب الآخر، فإن تلك المجهودات أدت إلى الأزمة السياسية والدستورية التي وجدتموها في نهاية مايو.
    ربما كان الجزء الوحيد في الحركة السياسية الذي علم بحركتكم قبل وقوعها بحوالي الساعة، ولكننا لم نشأ أن نقوم بعمل مضاد لأننا في حالة اقتناع تام بأن الوضع البائد لا يستاهل الإنقاذ، وانطلاقا من كل تلك المفاهيم، اود ان اوضح ان سوء التطبيق الديمقراطي ووجود مشاكل استعصت على الاصلاح في ظل الديمقراطية وفساد الاحوال الذي سار به الركبان، وكانت عوامل جمعتنا نستبشر بقيام حركة الاصلاح الثوري على يد القوات المسلحة، وهي قطاع من مواطنينا نحن نؤمن بوطنية اكثريتها وبقومية تركيبها، وان كنّا لا نعلم شيئا عن العناصر التي نظمت الحركة. كان هذا هو شعورنا في البداية الاولى، ثم أعلن علينا نبأ تكوين الحكومة الجديدة. وهنا شعرنا بالمآخذ الآتية:
    أولا: غلبة الطابع الشيوعي على الحكومة الجديدة، فثلاثة من الوزراء مرشحون علنيون للحزب الشيوعي في انتخابات مضت، وعدد آخر من الشيوعيين المعروفين لكل العاملين في المحيط العام دخل ايضا.
    ثانيا: عزل حزب الامة. فإن اختير عدد من الوزراء على اساس صلاحهم من كل الاحزاب، فإن عناصر حزب الامة عُزلت.
    ثالثا ضعف تمثيل الجنوبيين، وقد كانوا ممثلين باثنين من 16 ويطالبون بزيادة التمثيل فاصبح تمثيلهم اكثر داعيا للتظلم اي 2 من 23 وابعدت العناصر التي تمثل الكتلة الجنوبية السياسية الاكبر- سانو.
    هذه هي مآخذنا على التكوين الحكومي الجديد، وبناءً عليها حددنا رأينا الذي اعلناه وهو إدانتنا للعهد البائد ولفساده، وترحيبنا بالإصلاح الثوري للمفاسد واعتراضنا على طغيان العنصر الشيوعي على الحكومة الجديدة ومعارضتنا لذلك.
    ثم تطورت الظروف إلى هذا اللقاء.
    وانني سأنتهز فرصته بعد موافقتك لإلقاء ضوء على ما نعتقده السبيل القويم لتتمكنوا من خدمة السودان مؤيدين بأوسع قاعدة شعبية تؤمن بالثورية واخراج السودان من ظلمات التخلف.
    بعد تكوين الحكومة وبداية العمل نأخذ المآخذ الآتية على مسلكها:
    1- الترويج لتأييدات بعض العناصر التي تمثل افسد ما في العهد البائد كتأييد السيد موسى ابراهيم موسى.
    2- انتهاج ما يشبه المهادنة مع بعض العناصر على اساس مساومة معينة فهي تؤيد والحركة تغض الطرف عن مفاسدها، وقد حدث سعي لجلب تأييد بعض القادة الطائفيين على هذا الاساس ونحن نربأ بالثورة ان تساوم ونريدها لاول مرة في تاريخ السودان الحديث ان تشهر سيف العدل لتساوي به كل نمو فات حدوده.
    3- من اكثر ضرورات الاصلاح الثوري دفع الناس للعمل للانتاج لخموله علي يد دهاقنة الفساد فلم يكن سليما ان يعطي الناس اجازة للاحتفالات والمنتظر علي يديكم حملة نحو الجد والاجتهاد.
    4- معاملة الجنوبيين على المنفعة الشخصية من اسباب نفورهم ولم يكن صحيحا تمييزهم في مسألة المرتبات وحبذا لو استخدموا في اعمال جديدة.
    5- المنظمات العمالية والنسوية والشباب القائمة حاليا هي خلايا وفروع لاحزاب سياسية وان السماح لها بالاستمرار لا يتيح مجالات الاصلاح الثوري في التنظيمات الفئوية وحشد القوى الاجتماعية السودانية نحو التقدم والبناء.
    6- الصحف من اكثر مجالات الفساد فسادا، وهي مفتقرة إلى التطهير والاصلاح ومفتقرة إلى إنصاف الصحافيين العاملين فيها وإلى توسيع قاعدة ملكيتها وإلي نظم جديدة ترفع كفاءتها وتحسن اداءها. وهذه الاجراءات مع ضرورتها لم يكن من السهل تحقيقها في ظل الاوضاع الدستورية والقانونية الماضية. فلما قامت الثورة توقعنا ان تحدث هذه الاصلاحات، ولذا نرى ان قرار اعادة صدور الصحف والوضع كما هو ليس موفقا.
    7- انكم تعترفون بأن بعض الساسة صالحون ولكن الحملة الاعلامية لا تميز مما يعطي مجالا للتناقض ونحن نعتقد ان هذه الثورة فرصة للقصاص الشعبي من الذين آلموا هذا الشعب ولا انصاف لاولئك الذين عفوا عن السرقة وخرقوا القوانين والمحسوبية..الخ.
    8- ان التشكيل الذي وضعتموه للعلاقة بين مجلس الثورة والحكومة تشكيل يحتوي على نقاط ضعف كثيرة تؤدي لتناقص ومتاعب وحبذا لو استشرتم وبحثتم ما يصل إلى تنظيم اكثر وضوحا للرأي العام السوداني ويوحي بالاستقرار.
    هناك اشياء تقال عنا ونحن قوم خصومنا كثيرون ويهمنا ان نصححها لكم حتى تكونوا على بينة من الامر:
    اولا- يقولون ان بيننا كجماعة والسيد بابكر عوض الله خصومات شخصية وهذا من جانبنا غير صحيح ودليل ذلك اننا في مكتبنا السياسي في 1968 عندما ناقشنا الاوضاع المتعلقة بانتخابات 1968 اشدنا بالسيد بابكر عوض الله وعلاقاته معنا وهذا هو نص ما قيل واجمع عليه الرأي (ناولته نسخة من تقييم انتخابات 1968). وكذلك حدث ان زرت السيد بابكر في منزله في اكتوبر 1968 للتفاكر في سوء احوال البلاد يوميا وامكانات تعاون الساعين لخلاصها فإن كانت لنا مآخذ فهي تخص الاعمال ولا تخص الاشخاص.
    ثانيا: يقولون اننا نخشى ما قد تحدثه الشيوعية لاموالنا- الخ ولذا نشتم رائحة الشيوعية في كل شئ وهذا غير صحيح. اما من ناحية المصالح فنحن دائما نقدم مصلحة المجتمع على المصالح الخاصة لان رابطتنا بالناس اقوى من المال، ولذا كنّا اول من نادى بالاصلاح. وكان الامام عبد الرحمن نفسه اول من فقد ماله في حياته في سبيل اهدافه وترك حقوقه مديونة فوق طاقتها. ولذا لا يوجد حق ما قد يؤخذ. اما نقدنا كتغليب العنصر الشيوعي فمرده إلى اننا نربأ بالجيش السوداني ان يكون مطية لاي حزب من الاحزاب ونحن لا نعترف- للشيوعيين بأنهم اكثر اقداما منّا في الدعوة للاصلاح، بل انك تجد في مضابط البرلمان ما يوضح انه عندما نوقشت مسألة تعويض الاحزاب عما اصابها على يد حكومة نوفمبر فإن ممثلينا عارضوا المبدأ. ولكن الشيوعيين قبلوا المبدأ وعدلوا المشروع لادخال المنظمات المنتمية إليهم في عمليات التعويض. والشيوعيون فوق ذلك تجمع له انتماء سياسي خارجي لارتباطهم العضوي بموسكو ونحن في غني عن جلب الحرب الباردة من زاوية جديدة إلى السودان واستعداء الغرب من هذه الناحية لمزيد من المشاكل لبلادنا، هذا لا يعني اضعاف التعاون مع الشرق فقد اقدمنا على شراء السلاح من روسيا في ديسمبر 1966 ونحن نتهم الشيوعيين بسبب انتمائهم هذا بإضاعة حكومة اكتوبر، فإن حرصهم المرتبط بالسياسة الشيوعية على توصيل اسلحة لثوار الكنغو مع خطورة ذلك على احوال التمرد في الجنوب، كان سببا في ان ذهبت تلك الاسلحة ووجدت طريقها إلى المتمردين الجنوبيين وحصدت رجال جيشنا مما جعل حالة الامن في الجنوب اول داعٍ للخلاص من تلك الحكومة لقيام حكومة اكثر حزما. وكان تلاعبهم بمبادئ مهمة كالتطهير واضعافهم للحكومة بالضغط عليها من الشارع من الاسباب التي اقنعت كل ذي عقل ووطنية بضرورة الخلاص من ذلك الوضع الانتقالي.
    خطر السيطرة الشيوعية لا يأتي من تقدميتها بل نحن لا نعرف لها برنامجا محددا ولا حتى لغيرها من احزاب السودان، ونحن لنا برنامج محدد يوضح كيفية تطور السودان في هذه المرحلة التاريخية ونعتقد انه جاد وتقدمي (وهنا سلمته نسخة من اصلاح وتجديد للمعلومية)، ولكن الخطر يأتي من علاقاتها الأجنبية ومن تصرفاتها المبنية على مفاهيم نظرية لا صلة لها بواقع البلاد، ويأتي من وضع قوة الجيش السوداني في خدمة اتجاه حزبي معين وهذا ما لا ينبغي ان يكون.
    ثالثا: الحديث عن موقفنا من الخط العربي، اننا منذ مارس 1963 في مؤتمر الجزيرة ابا، قررنا ضرورة التضامن مع الحركة العربية الهادفة لتحقيق التضامن الاقتصادي والسياسي والدفعي ومحاربة النفوذ الاجنبي والاحلاف والقوات العسكرية (وسلمته نسخة من قرارات مؤتمر الجزيرة ابا) ولكننا نقول دائما ان صلاتنا الافريقية وواجبنا في ان نكون حلقة الوصل.
    كما ان سياستنا العربية الافريقية ينبغي ان تحتفظ دائما بدور رائد، وهذا موقف يصعب ان يعارضه وطني سوداني.
    رابعا: التساؤل عن ما فعلنا بعد قيام الثورة وسفري للجزيرة ابا والمآخذ على مسلكنا منذ البداية. انني كما اوضحت قلت منذ قيام الثورة اننا ندين العهد البائد ونرحب بالاصلاح الثوري ونعارض التسلط الشيوعي، لقد قلت هذا في مجالات عديدة ثم ذهبت إلى الجزيرة ابا للتفاهم مع السيد الامام الهادي المهدي حول الموقف وتفاهمنا واوضحنا للناس موقفنا، اذ ان بعضهم كان يعتقد اننا متفقون مع الثورة وآخرون يعتقدون اننا سنقوم بمقاومة لها.
    فاوضحنا لهم رأينا واننا بصدد التفاهم مع قيادة الثورة وتوضيح معارضتنا للتسلط الشيوعي. قبل ان اختم حديثي لديّ بعض التنبيهات:
    اولا: حالة المديريات الجنوبية تحتاج لاهتمام عاجل.
    ثانيا: الاقتصاد والحالة المالية في تدهور فظيع.
    ثالثا: جميع مرافق البلاد التعليمية والصحية والحكومات المحلية..الخ تحتاج لاصلاحات فورية.
    رابعا: البلاد تعاني من فساد وانحلال خلقي يتطلب علاجا حاسما. وهذه الاوضاع تواجهكم بأعباء جسيمة ونحن لدينا بعض الدراسات والآراء التي قد تساعدكم. ويسرنا اذا طلبتم ذلك ان نجعلها في متناول ايديكم.
    واخيرا- نحن نرحب بتطهير القوات السودانية المسلحة وبإجراء اصلاحات جذرية كم تطلعنا إليها. وان كان القانون في النظام الماضي لا يبيح مجالا كافيا لذلك، فإننا نرحب بما اقدمتم عليه من تطهير واصلاح ولكننا نلاحظ ان بعض العناصر الجيدة قد اُبعدت ايضا وهذا يضعف الجيش. ومهما كان من امر ما حدث، فنرجو ان لا يحدث مثله للعناصر الجيدة الاخرى التي لم تزل في الخدمة. واننا نعلم وانتم تعلمون ان في الجيش الآن وبعد حملة التطهير التي قمتم بها في بداية الحركة عناصر جيدة جدا. فلا يليق ان يحرم الجيش منها لان رتبتها فوق رتب الضباط الذين قاموا بالثورة.. فالثورة ينبغي ان تحتفظ بالصالح وتتعاون معه في كل مجال سواء أكان مدنيا او عسكريا.
    وختاما فإنني قد لخصت النقاط التي نريد ان نتفاهم حولها في هذه المذكرة القصيرة التي ارجو ان تتكرم بدراستها وانني علي استعداد للتفاهم والبحث متى لزم ذلك وشكرا (وسلمته نسخة من مذكرة بها 12 بنداً ارجو ان ترفق بهذا النص لانها تكملة له وبيان). النهاية.

    *رد جعفر نميري:*
    السيد نميري- اشكرك على ما قلت واوضحت وسأدرس ما قلت (يلاحظ انه كان يدون النقاط المهمة مما قيل) واود ان اوضح لك اننا لا نسمح بسيطرة شيوعية على الحكومة ونحن نراقب الحكومة مراقبة دقيقة.
    أما ما قلت عن جوانب تحتاج لاعادة نظر منّا فإنك سترى قريبا اننا سنحدث تغييرات ترضاها. اما الحالة المالية فهي حقا في صعوبة شديدة وقد اتخذنا اجراءات تقشفية منها الحد من الاسراف الحكومي واوقفنا ترقيات الجيش 6 اشهر وسننتخذ اجراءات اخرى.
    اما المنظمات التي تحدثت عنها فلا تستطيع مع مراقبتنا عمل شئ مخالف لما تريد الثورة.
    أما ما قلت عن السياسة الخارجية والموقف من العرب وافريقيا فهذا كما نراه نحن ايضا لا نريد استفزاز الغرب. وان اعترافنا بألمانيا الشرقية فقد وجدنا المسألة مدروسة ولم نر غضاضة في تنفيذها.
    إنني اوافق علي ضرورة استيعاب جميع العناصر الصالحة في القوات المسلحة وعدم ابعاد بعضها لاي سبب غير سوء الاداء وعدم الكفاءة مما كان رائجا في رئاسة القوات المسلحة بوضعها البائد واننا سنعمل على ذلك.
    وختاما لقد قلت للامير عبد الله نقد الله ان نكون على صلة للتفاهم والاستشارة مستقبلا ان شاء الله وسنتصل بكم (....غير واضح) ما ذكرت وما قدمت مكتوبا وارجو ان اختم حديثي هنا.
    انتهت المقابلة الساعة الثانية عشرة مساء.
    ...
                  

11-21-2016, 09:29 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وثيقة إجتماع الصادق المهدي مع جعفر نميري (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    منقول الكلام أعلاه
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de