|
Re: منعطف جديد (Re: عليش الريدة)
|
تصادف أن كان عثمان أوجا ـــ وهو جار صابر الأقرب ــــ رجلا من طراز فريد،من ذلك النوع المتصالح مع التفاصيل،النوع الذي قد يقضي نهارا كاملا،متجاهلا لكل شئ،ليشاهد حدثا معروفا معتادا وموثقا ، كملحمة انتصارجيوش النمل على جرادة جريحة مثلا،أو لحظات من كسوف أُعلن عن تفاصيلها قبل إسبوع من حدوثها.. لقد تركزت فيه بصورة لافتة،صفات الباحث الصلد،كلب الصيد العنيد،وغشامة الصاروخ الموجه..لو كان الناس لايستطيعون التنفس إلاّ من فوق بحر التفاصيل،هناك على السطح النقي،حيث الأكسجين يملأ الطبقات الدنيا من الجو، فإن أوجا كان على الدوام،سمكة لم تر ضوء الشمس أبدا..وهكذا قادته تلك الصفات للتعامل مع قضية صابر الغامضة..لم ييأس ،كان هو الوحيد الذي لم ييأس أبدا،واستطاع في النهاية،بعد معركة مرهقة وطويلة، أن ينال انفراجة من ثقة،تلك الانفراجة التي أتاحت له ـــ من دون العالمين ــــ أن يحظى بموافقة صابر على حضور مناسبة تخصه،عقد قرآن محمد عثمان أوجا،الابن الأكبر للباحث الصلد.. بعد أن تناول المدعوون وجبة الغداء في تلك المناسبة،وفي خضم اللحظات المقدسة المشحونة بالتوتر،التي تسبق تلك الاجراءات مباشرة،وبينما كان المأذون الشرعي يتنحنح ليختبر كفاءة صوته،فجاة صاح صوتٌ آخر،أشرخ ومهلوع : ثابت؟ لاحولاااا،يازول إنت هنا ونحن هناك قالبين عليك البلد؟ كان صابر يعي تماما،أن هذا الكلام موجه إليه،لكنه واصل في احتساء الشاي وكأنه لايسمع مايقوله هذا الرجل من ترهات..لكن الرجل لم يستسلم:خمسة سنة ياثابت مانشوفك ولانعرف ليك خبر،الحصل ليك شنو ياخي؟ تكهرب الجو،نشطت الأنوف التي لاتشم غير روائح الفضول،صُوبت من جديد،النظرات التي قد يئست،واشرأبت الأعناق..لقد خلق هذ المدعو القادم من مدينة بعيدة،مسرحا مغايرا ومهيأ لتلقي مناسبة أخرى،خلاف هذا العرس البهيج،حتى المأذون توقف عن النحنحة،لكن صابر،مازال يوالي حسوة وراء حسوة،وكأنه فقد للتو حاستي السمع والبصر،وماهي العزلة؟ إلم تكن فقدٌ لهاتين الحاستين،أو تبعاتهما.. :مرتك ماتت قبل أربع سنوات،بتك الكبيرة طلقوها،والصغيرة عرسوها،وولدك الكبيراغترب،والصغير.... صابر قدر أن لعبة التجاهل لن تنفع هنا،وقرر حسم الأمر:إنت قاصدني أنا يازول؟ :ياثابت نسيتني وللا شنو؟ أنا ما محمد جلال،صاحبك العايش معاك من قُمنا.. :معليش يامحمد جلال ،النمرة غلط.. :ياثابت.. :يازول،أحسن ليك تزح من قدامي،أنا برتكب فيك جناية. هنا تدخلت أصوات وهمهمات من العقلاء،طالبة من محمد جلال الكف عن ماهو منهمك فيه..فصاح بدوره : ياخوانا أنا مابكضب،وعشان أوريكم الدليل،خلوا الزول دا يرفع بنطلونو،تحت ركبتو الشمال بتلقوا جرح ظاهر،مطاول من فوق لتحت،ولو مالقيتوهو أنا بعتذر ليهو هسّ.. ظهرت أصوات استحسان وهممهات من غير العقلاء هذه المرة،الفضوليون يشعرون أنهم على وشك الدخول في لحظة مشوقة ومنعطف جديد،وتناسى الجميع،عقلاء وغير عقلاء،الهدف الأساسي من وجودهم هنا،عقد قرآن محمد عثمان أوجا... نهض صابر وانحنى بطريقة رشيقة،وأخرج من (شرّابه) خنجرا صغيرا،وأشهره مباشرة في وجه محمد جلال:تعال إنت أرفع البنطلون.. وكانت هذه الحركة العنيفة،بمثابة صافرة الحكم ،التي تنهي المباراة، وتقتل تطلعات الفريق المهزوم.. تدخل العقلاء بصورة حاسمة هذه المرة،وجذبوا محمد جلال وذهبوا به لمكان بعيد،وحاول بعضهم تهدئة صابر،لكن صابر التفت مباشرة نحو عثمان أوجا :دي تمثيلية بايخة منك ياعثمان،لكن مافي مشكلة،متعودين نحن على الدجل دا،بس بحذرك،لو تاني سلمت عليّ ساي،أنا ببعجك بالخنجر دا.. وأشهر الخنجر وردّه مرتين،فيما يشبه تصرفات البحر النزق،ثم أخيرا،أرجعه لمحله الأول،داخل الشراب،من فوق البوت،وهكذا عرف الناس بصورة جلية،لماذا لايرتدي صابر الجلباب أبدا.. وهكذا أيضا،عرف عثمان أوجا،أنه الآن في آخر محطاته البحثية عن لغز صابر وقضيته الغامضة..وهذا يعني تلقائيا من اتجاه آخر،أن صابر خرج منتصرا،رغم الأذي الذي أصابه،إلاّ أنه خرج مرتاحا جدا من تلك المناسبة،لقد تخلص أخيرا من عبء عثمان أوجا،وهكذا تجري الإمور عادة،طبيعية وغرائبية،بدورة رتيبة ومملة،لكنها بالغة الصرامة.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
سونا المجنونة وعم صابر | عليش الريدة | 11-05-16, 09:47 AM |
Re: قبر وأبرول وممسحة | عليش الريدة | 11-05-16, 12:53 PM |
Re: تقاليد الانجراف الأخير | عليش الريدة | 11-05-16, 09:52 PM |
Re: نجمة الصباح ...العوير | عليش الريدة | 11-06-16, 10:38 AM |
Re: وجاءت من أقصى الكوخ مدينة تسعى | عليش الريدة | 11-11-16, 10:25 PM |
Re: منعطف جديد | عليش الريدة | 11-12-16, 08:36 AM |
Re: الطريق معبد | عليش الريدة | 11-12-16, 08:48 AM |
Re: الطريق معبد | معاوية الزبير | 11-12-16, 07:29 PM |
Re: الطريق معبد | عليش الريدة | 11-12-16, 07:49 PM |
Re: الطريق معبد | معاوية الزبير | 11-12-16, 08:11 PM |
Re: الطريق معبد | عليش الريدة | 11-12-16, 09:11 PM |
Re: الطريق معبد | عليش الريدة | 11-16-16, 09:43 AM |
Re: عليش الريده | محمد قسم الله محمد | 11-16-16, 11:23 PM |
Re: عليش الريده | عليش الريدة | 11-17-16, 11:23 AM |
Re: الحلبة | عليش الريدة | 11-17-16, 07:43 PM |
Re: الشركة | عليش الريدة | 11-29-16, 04:09 PM |
Re: اللقاء الأول | عليش الريدة | 12-01-16, 08:26 AM |
Re: اللقاء الأول | عليش الريدة | 12-07-16, 07:47 PM |
|
|
|