حول مفهوم الدولة وأنواعها وتعاطى كل نوع مع القضايا المصيرية للسودان - الشريعة الإسلامية مثالاً (1-4)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 05:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-27-2015, 00:55 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حول مفهوم الدولة وأنواعها وتعاطى كل نوع مع القضايا المصيرية للسودان - الشريعة الإسلامية مثالاً (1-4)

    11:55 PM Dec, 27 2015

    سودانيز اون لاين
    حسين أحمد حسين-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر

    حول مفهوم الدولة وأنواعها وتعاطى كل نوع مع القضايا المصيرية للسودان - الشريعة الإسلامية مثالاً (1-4).

    إستهلال

    سيتناول هذا المبحث مفهوم الدولة المتعلق بتوصيف ما تقوم به من مهام، كما أنَّه يتطرق لأنواع الدولة؛ الدينية منها والعلمانية والمدنية. وسننظر فى ميراثنا من كل نوع، وكيف أجاب كل نوع على أسئلة السودان المصيرية خاصةً تلك المتعلقة بالشريعة الإسلامية.

    مفهوم الدولة

    المفهوم الذى يُوصفُ ما تقوم به الدولة هو أنَّها "حزمة الأجرآءات القانونية والمؤسسية المعبرة عن مجتمع بعينه، على بقعة أرض بعينها، بالكيفية التى تُكسبها إعترافاً دولياً وسيادةً على تلك البقعة من الأرض" (لنستحضر ولادة دولة الجنوب - رغم قيصريتها - حتى نتبيَّن تعريف الدولة). وهذا التعريف البسيط يخضع بالطبع لشروط التشكل الإقتصادى الإجتماعى والتى تُفَسِّر لنا صيرورة الدولة ومسيرة نضجها منذ ولادة الحاجة إليها قبل نحو 10 ألف سنة حتى يوم النَّاس هذا.

    وبالطبع هذا المفهوم هو التعريف العلمى الذى يستخدمه أىُّ نوع من أنواع الدولة (دينية، علمانية، مدنية) التى سنتناولها بالتفصيل أدناه. وبعبارة أخرى هذا التعريف يُمثل الشروط العلمية لإنجاز مهام الدولة فى أىِّ مكان، وعلى أىِّ دين/لا - دين كانت. كما أنَّ الدولة بهذا التعريف ليست معصومة من التعاطى مع معتقدات النَّاس. بل إنَّها تتأثر بمعتقدات شعبها وتؤثِّر فيها، فى إطارٍ من الجدل الحميم والمحتدم. ويجب ألاَّ يتوقع السياسى الناضج إجابة سهلة على عواقب إقحام الدين فى الدولة أو فصله عنها؛ فالمخاض طويل. والمهم فى كل ذلك هو أنْ تتعاطى الدولة مع معتقدات شعبها بالطريقة التى لا تخل مطلقاً بالحقوق الأساسية لكافة مواطنيها وأن تتعامل معهم على قدمِ المساواة.

    أولاً، الدولة الدِّينية

    عادة ما تصطرع فى ذهنية الإسلاموى مفاهيم عديدة حينما يكون الحديث عن الدولة بحسب التعريف الوارد أعلاه؛ وهو تعريف لا يزيدُهُ ولا يُنقصُهُ، كما أسلفنا، أن تكون تلك الدولة فى مكة المكرمة (زادها اللهُ تشريفاً ورفعةً) أو فى موسكو؛ ومن هذه المفاهيم:

    أولاً، عادة ما يختلج فى ذهنية الإسلاموى ما إذا كانت الدولة دولة إسلامية (دولة خلافة، دولة شريعة، دولة أخوانوية، إلخ) أم لا – إسلامية (دولة علمانية، دولة مدنية) بالتالى عليه مجاهدتها وإخضاعها للإسلام. بالرغم من أنَّ أسلمتها أو لا - أسلمتها لا يعنى أىَّ شئ سوى وصول تلك الفئات المنادية بالأسلمة للسلطة كما تُخبرُنا التجربة.

    فمثلاً ذات الفئات التى كانت تحكم السودان فى حكومة الوفاق قبل عام 1989 أبان الديموقراطية الثالثة (الأنصار، الختمية، الجبهة الإسلامية القومية)، بطبيعة الحال هى الأن تصطف فى ذات حلف القوى الإقتصادى (Power Block) الذى يحكم السودان الآن مع تبدل موقف الهيمنة فقط (الجبهة الإسلامية القومية، الختمية، الأنصار يدخلون/يخرجون). فهل كان هؤلاء كُفاراً/علمانيين قبل 1989م، فمنَّ اللهُ عليهم بنعمة الإسلام بسيطرة الجبهة الإسلامية القومية (الشريحة الرأسمالية المهيمنة)، أم أنَّه محض الصراع الإجتماعى على السلطة.

    ثانياً، يصطرع فى ذهنية الإسلاموى مفهوم الدولة الإسلامية التى تعتبر الحدود القائمة بين الدول الإسلامية حالياً حدوداً إستعمارية، ومفهوم الدولة القطرية الموافق للتعريف أعلاه. وعادة ما يتم تجاوز مفهوم الدولة القطرية هذا بتنظيمات عبر – قطرية (التكفير والهجرة، القاعدة، داعش) توطئةً للوصول لدولة الخلافة.

    ثالثاً، يصطرع فى هذه الذهنية أيضاً مفهوم المواطنة المنبثق من الدولة القطرية، ومفهوم الأُخوة الإسلامية المتماهى فى دولة الخلافة. ولا ينتهى هذا الإصطراع إلاَّ بتقديم الأخوة الإسلامية على مفهوم الأمة فى السياق القُطرى. وهنا يُقصى اللا - إسلاميون فى القطر الجغرافى الواحد (الجنوبيون مثالاً)، ويُقرَّب إسلاميين من خارج ذلك القطر (من تورابورا، تومبكتو، قُم، النَّجف، الخليج، الهلال الخصيب، إلخ).

    فكأنَّنا أمام سايكس - بيكو إسلاموى (كما قال أحد الكتاب) مهمَّتُهُ إذابة الحدود القطرية القائمة الآن بين الدول الإسلامية، ولاهوت خلافة مهمَّتُهُ إذابة الفوارق بين التيارات الفكرية الإسلامية (سُنَّة، شيعة، وهَّابية، وصوفية)، ومن شذَّ شذَّ فى النَّار وأُنظرْ فى من أحرقتهم داعش (ولا يحرق بالنَّار إلاَّ ربُّ النَّار).

    متى تصبح الدولة دينية؟

    تصبحُ الدولة دولةً دينيةً حينما تضعُ لنفسها دستوراً يتأوَّل (وتتأوَّل تشريعاتها القانونية والمؤسسية المنبثقة من ذلك الدستور) معتقداتٍ لدينٍ بعينه؛ تماماً كما فعلت الإنقاذ بفرضها لقوانين الشريعة الإسلامية على كل فرد فى حكومة السودان، صرف النظر عن ديانات الأقليات اللا - إسلامية. وبالتالى تتعامل تلك الدولة الدينية مع الأقليَّات التى لا تعتنق تلك المعتقدات، كمواطنين من الدرجة الثانية (يوانس أجاوين وأليكس دوفال 2001)؛ يدفعون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، أو يُنْفَوْن من أرضِ أجدادهم، أو يُذبَّحون على طريقة داعش.

    وفى المحك العملى للدولة الدِّينية فى السودان، فإنَّ هذا الإصطراع قد فصل الجنوب؛ فدولة الخلافة العصرية/الأخوانوية ليست لها حلولاً لقضايا الأقليَّات إلاَّ بالبتر. وليتأمل القارئ الكريم إنسداد الأفق لدى الدولة الدينية، وليتأمل كذلك كُلفة الوعى الباهظة التى تنتظر مجتمعات الدولة الدينية للوصل بها إلى بر الأمان مع هذا التكلُّس الفكرى الذى تعيشه بلدنُنا منذ زمن ليس بالقصير.

    وبالرغم من أنَّ هذه الدولة الدِّينية/دولة الخلافة/الأخوانوية تنفى عن نفسها أىَّ صفةٍ ثيوقراطية خاصة فى صيغتها الأخوانوية، إلاَّ أنَّ سلوكها الإقتصادى والإجتماعى يُضفى على محمولها السياسى نزوعاً سلطوياً يحتكر الحديث بإسم الله (الحاكمية لله)، ومنمِّطاً للفكر على هذا الهوى. وهذا الإتجاه تجده، قارئى الكريم، أكثر وضوحاً فى كتابات حسن البنا (رسالة النور، المطالب الخمسون: أولاً فى الناحية السياسية والقضائية والإدارية: 1- القضاء على الحزبية وتوجيه قوى الأمة السياسية فى وجهة واحدة وصف واحد)، وتُجسِّدُهُ حكومة الخرطوم.

    ميراث أهل السودان من الدولة الدينية

    لعلَّ إرث السودانيين من الدولة الدينية (وغيرها كما سنرى إن شاء الله) قديمٌ قِدَم التاريخ نفسه، وذلك حينما كان كهنة الآلهة يتدخلون فى الحياة السياسية على أيام الدولة الكوشية، ويُصْدِرون صكوك الموت أو صكوك الغفران، بحسبانها صادرة عن الآلهة؛ وعن طريقها يُعزل الملوك والحكام ويقتلون.

    ورغم أنَّ أبادماك الملك الكوشى العظيم، قد عُيِّنَ إلهاً موازياً لآلهة مصر القديمة بواسطة الملك أركمانى، أى مستقلاًّ عن الإله الأكبر آمون، وفى إطار واضح لشقِّ عصا الطاعة عن آلهة مصر القديمة وقتها، إلاَّ أنَّه فى الحقيقة ملكٌ أيضاً، وجمع بين صفتى الملك والإله (راجع: عادل الأمين، الحوار المتمدن 2008)، (عبد الله الفكى البشير، سودان فور أول، أبريل 2013).

    كذلك لم تكن الممالك المسيحية والأسلامية (كالفور والفونج) ولا حتى الدولة المهدية بعد ذلك، ببعيدة عن هذا الإرث حيث أُقْحِم الدين فى كل الشئون السياسية. ولقد رأينا من قبل فى مقال "الحيثيات" كيف أنَّ الحكم البريطانى قد آثر الإبقاء على التشكل الإقتصادى الإجتماعى السابق لمجيئه. ومن بين هذه التشكيلات الأقتصادية والإجتماعية الإرث الصوفى المنحدر من الممالك الإسلامية، دولة المهدى الدينية المنهزمة للتو، وبقايا العلماء الذين ساندوا الحكم التركى.

    بعبارة أُخرى أنَّ الحكم البريطانى الكولونيالى فى السودان، أبقى على الإرث الدينى السودانى العَبر - حِقَبى الذى إلتصق بالسياسة فى السابق؛ وزاد على ذلك بالإعتماد على هذا الإرث إعتماداً كاملاً فى إطار ما يُعرف بفلسفة الحكم غير المباشر ورسملة الإقتصاد المعاشى.

    ولم تعمل بريطانيا فينا خيراً (وهى إذَّاك علمانية) حين سمحت بإندماج الدين ورجاله فى السياسة؛ ظنَّاً منها أنَّهم وحدهم الأقدر على تمديد نمط الإنتاج الرأسمالى وسط الأنماط القبل - رأسمالية واللا - رأسمالية فى السودان. ولعلَّ بريطانيا (شأنها شأن كل الأوروبيين) قد تأثرت فى ذلك بإصلاحات مارتن لوثر للمسيحية، والتى إلتقطها عالم الإجتماع ماكس فيبر حين كان يدرس علاقة الديانة البروتستانتية - الكالفينية (بل كل الديانات الأُخرى بما فيها الإسلام، غير أنه توفىَ قبل أن يُكمل بحثه عنه) بعمليات تراكم رأس المال (1905 Max Weber).

    وبالفعل وجد ماكس فيبر، أنَّ الكالفينية قد إنتبذت مظاهر الزهد الكاثوليكى، ودمجت الإيمانيات بالحياة الدنيا والتزمت الجانب العقلانى فى السلوك البشرى، حتى صارت الكالفينية تُعرف بأنَّها "سبيلٌ للتأثير على الحياة الدنيا عن طريق الدِّين". وبالتالى صار الرأسمالى الأقدر على تراكم رأس المال وإعادة إستثماره (لا اكتنازه) بحسب الكالفينية، هو فى حالة عبادة قصوى، توازى عبادة النَّاسِك المنقطع للعبادة (المرجع أعلاه). بعبارة أخرى يمكن القول بأنَّ الرأسمالى والعلمانى - ومصدر تفوق كليهما هو الكالفينية كما يقضى بذلك فيبر - هما رجلا دين من الطِراز الأوَّل.

    إذاً، يمكن القول بأنَّ المستعمر البريطانى وهو يبحث عن التوليفة المثلى التى يمكن أن تُنيبه فى تمديد النظام الرأسمالى بعد خروجه من السودان، كان قد وضع نصب عينيه رجال الدين، وقد تكرَّسَ هذا الفهم بشدة عقب ثورة 1924 المجيدة التى قادها الراديكاليون من أعضاء الجبهة المعادية لللإستعمار.

    ولا غروَ أنْ قامت أحزاب سودانية على الخلفية الدينية كما هو معروف لدى الجميع (الأمة، الوطن الإتحادى، الإتحاد الديموقراطى). وقد كان القاسم المشترك بين هذه الأحزاب هو الإرث الصوفى، وما يستتبعه من حالات الزهد - متلازمة الشخصية السودانية - التى جعلت عمليات رسملة أنماط الإنتاج القبل - رأسمالية/اللا - رأسمالية أبطأ مِمَّا كان يطمع النظام البريطانى الرأسمالى؛ هذا إذا ما قورنت هذه الرسملة بالإفراط فى الرسملة والتحرير الإقتصادى الذى قامت به الأخوانوية كشريحة رأسمال مالى فيما بعد، وقد كان ذلك التحرير الإقتصادى وتلك الرسملة فوق ما يطمع النظام الرأسمالى ومؤسسات تمويله الدولية.

    ولعلَّ من الشخصيات ذات الخلفية الصوفية التى تأثرت باللوثرية - البروتستانتية - الكالفينية، هو دكتور الترابى المتأثِّر قبلاً بآراء حسن البنا وأبى الأعلا المودودى (An-na'im: 2009)، والذى درس فى جامعة السوربون. وفى العموم لا يحتاج القارئ إلى كثير حصافة ليلتقط الآراء الكالفينية المبثوثة فى كتاباته. وما يجدر ذكره هنا، هو أنَّه بالرغم من أنَّ فرنسا تُدين بالكاثولوكية أبان دراسة الترابى بها وما تزال، إلاَّ أنَّ كاثوليكيتها أقرب إلى الكالفينية على حد قول ماكس فيبر (المرجع أعلاه).

    على العموم، حينما عاد الرجل كان يحمل فى جُعبته تديُّنين إثنين: التديُّن الأخوانوى المعروف والمنحدر من حسن البنا والمودودى؛ خاصة فى مفهومى الحاكمية لله وإلغاء الأحزاب، والتديُّن الثانى هو التدين الكالفينى الذى يرى فى عمليات تراكم رأس المال عبادة قصوى.

    هذا الوضع أضفى على الجبهة الإسلامية القومية وبالتالى على الواقع السودانى شراهة رأسمالية لم يسبق لها مثيل. ومن يومها ما عاد المُتديِّنون الجدد زاهدين فى الدنيا، وصاروا يبعدون كلَّ من يُنغِّص عليهم حلاوتَها. فبدأوا أوَّل ما بدأوا بطرد الحزب الشيوعى السودانى من البرلمان منتصف الستينات من القرن الفائت، ثم تآمروا على نظام النُّميْرى عام 1976م؛ ولمَّا وجدوا ما من بدٍّ إلاَّ بمصالحته، صالحوه وانتظموا فى نظامه بعد ذلك بنية تقويضه من الداخل. ووقتئذٍ إختلط نابل تدينهم الجديد بحابل الدولة تحت نظام مايو فأثْروْا ثراءاً فاحشاً، ولم ينفكَّا (أى تدينهم ونظام النميرى) إلاَّ بإنتفاضة مارس أبريل المجيدة عام 1985م.

    ولم يهدأ للأخوانوية بال، مع طريقة تدينها الجديدة، إلاَّ بالقضاء على الغريمين الزاهدين الذيْن حازا على أموال طائلة بسبب توازنات المستعمر فى السابق، وظلاَّ فى حالة خمول رأسمالى لم يستحسنها حتى المستعمر نفسه. وبالبفعل أجهزت عليهما (وعلى مَنْ تحالف معهما من دعاة التحالفات المرحلية العضودة) الأخوانوية - الكالفينية وفرَّقتهم أيدى سبأ منذ عام 1989 وإلى يومِ النَّاس هذا.

    فالحالة السودانية تشهد منذ ربع قرن وضع الدولة الدينية فى حدودها القصوى بذلك الفهم الكالفينى؛ بل فى حدودها المزمنة حينما نجد أنَّ المدافعين عن الدولة الدينية السودانية والمقاتلين فى صفوفها الآن رجال أعمال وعمال وغيرهم من شاد ومالى، ليبيا وتونس، مصر وغزة، طهران والبصرة، وعلى ذلك قِس.

    وأصدق ما يفضح هذه الدولة الدينية هو دستور السودان لعام 1998، الذى جاء فى مادته الرابعة؛ الحاكمية والسيادة: "الحاكمية في الدولة لله خالق البشر، والسيادة فيها لشعب السودان المستخلف، يمارسها عبادة لله وحملاً للأمانة وعمارة للوطن وبسطاً للعدل والحرية والشورى، وينظمها الدستور والقانون" (منتدى التوثيق الشامل، د. حسن الترابى، النص الكامل لدستور السودان لعام 1998م).


    وعلى القارئ الكريم أن يلتقط المعنى المتأبِّد فى عبارة "الحاكمية فى الدولة لله خالق البشر، والسيادة فيها لشعب السودان المستخلف". وبالتالى أنَّ الذى يحكمنا ليس البشير المنقلب على حكم ديمقراطى شرعى، بل المستخلف علينا بواسطة الله عزَّ وجلَّ. ومسكوت هذه العبارة: أنَّ من يحارب الدولة والمستخلفين عليها يحارب الله عزَّ وجلَّ؛ وهنا مكمن التأبيد - مكمن الخطر.

    الخلاصة

    نحتاج أن ننظر فى كيفية ديموقراطية للفكاك من هذه العقلية "الثيوقراطرأسمالية" التى ليس لها حلول لقضايا السودان المصيرية القائمة على التنوع الثقافى والإثنى والدينى. ولننظر ما إذا كان فى مخيلة المشرِّع العلمانى أو المدنى حلولاً لهذه القضايا الحيوية.
                  

03-09-2016, 10:23 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول مفهوم الدولة وأنواعها وتعاطى كل نوع م� (Re: حسين أحمد حسين)

    حول مفهوم الدولة وأنواعها وتعاطى كل نوع مع القضايا المصيرية للسودان - الشريعة الإسلامية مثالاً (2-4) .

    توطئة

    سيتناول هذا المبحث مفهوم الدولة المتعلق بتوصيف ما تقوم به من مهام، كما أنَّه يتطرق لأنواع الدولة؛ الدينية منها والعلمانية والمدنية. وسننظر فى ميراثنا من كل نوع، وكيف أجاب كل نوع على أسئلة السودان المصيرية خاصةً تلك المتعلقة بالشريعة الإسلامية.

    مفهوم الدولة

    الدولة هى: "حزمة الأجرآءات القانونية والمؤسسية المعبرة عن مجتمع بعينه، على بقعة أرض بعينها، بالكيفية التى تُكسبها إعترافاً دولياً وسيادةً على تلك البقعة من الأرض" (لنستحضر ولادة دولة الجنوب - رغم قيصريتها - حتى نتبيَّن تعريف الدولة). وهذا التعريف البسيط يخضع بالطبع لشروط التشكل الإقتصادى الإجتماعى والتى تُفَسِّر لنا صيرورة الدولة ومسيرة نضجها منذ ولادة الحاجة إليها قبل نحو 10 ألف سنة حتى يوم النَّاس هذا.

    وبالطبع هذا المفهوم هو التعريف العلمى الذى يستخدمه أىُّ نوع من أنواع الدولة (دينية، علمانية، مدنية) لإنجاز الحقوق والواجبات المتبادلة بينها وبين مواطنيها. وبعبارة أخرى هذا التعريف يُمثل الشروط العلمية لإنجاز مهام الدولة فى أىِّ مكان، وعلى أىِّ دين/لا - دين كانت. كما أنَّ الدولة بهذا التعريف ليست معصومة من التعاطى مع معتقدات النَّاس. بل إنَّها تتأثر بمعتقدات شعبها وتؤثِّر فيها، فى إطارٍ من الجدل الحميم والمحتدم. ويجب ألاَّ يتوقع السياسى الناضج إجابة سهلة على عواقب إقحام الدين فى الدولة أو فصله عنها؛ فالمخاض طويل. والمهم فى كل ذلك هو أنْ تتعاطى الدولة مع معتقدات شعبها بالطريقة التى لا تخل مطلقاً بالحقوق الأساسية لكافة مواطنيها وأن تتعامل معهم على قدمِ المساواة.

    ثانياً، الدولة العلمانية

    إنَّ من نافلة القول أن نبيِّن للنَّاس بأنَّ أهل السودان كما كان لهم ميراثٌ مهم من الدولة الدينية (وعلى فكرة أهل السودان قد عرفوا التوحيد قبل نزول الأديان الثلاثة المعروفة: اليهودية، المسيحية والإسلام)، فهم أيضاً أصحاب ميراث عظيم فى فصل الدِّين عن الدولة (العلمانية)، بل هم الأسبق فى ممارسة التجربة العلمانية تاريخياً.

    وليس ثمة عجب فى ذلك، فالدولة الكوشية هى أوَّل من عرِف الدولة بمعناها المؤسسى المتداول الآن، وهى أول دولة عظمى (Supreme Power) عرفتها الإنسانية. وقد إكتوتْ دولة كوش بتناقض الدولة بمعناها القطرى ومعناها الأمبراطورى، وبسلطة الملك الإله. وبالتالى قد أغنتها التجربة باكراً أنْ تكون أوّل الواصلين إلى ضرورة فصل الدين عن الدولة.

    أمَّا فى الوقت الراهن، فحينما تُذكر كلمةُ العلمانية أو العلمانى، تجد الإسلامويين قد تحسَّسَوا بنادقهم، دون أن يُدركوا ما معناها، ودون أن يكلِّفَ أحدُنا – نحنُ دعاتُها – نفسَهُ عناءَ شرحها للنَّاس وتبسيطها لهم، حتى صارت المعانى عندنا كلَّها أنصافاً وحمَّالةَ أوجه، وصارتْ بذلك لقمةً سائغةً للأيديولوجيا تُجيِّرُها أنَّى شاءت؛ والأيديولوجيا لا تُكافحُ بالأيديولوجيا المضادة، بل بالحقيقة.

    فمن أكثر المفردات التى تُتَاجر بها سلطة الإنقاذ فى السودان هى مفردة العلمانية، ومن الأخطاء الشائعة المُتَعمَّدة مُتاجرةً، أنْ تصفَ شخصاً ما بأنَّه علمانى. فالعلمانية هى وصف للدولة لا للأشخاص، ولكن يحقُّ لنا أن نسمِّى الأشخاص الذين يُدافعون عن علمانية الدولة بدعاة الدولة العلمانية. خاصةً وأنَّ من بينِ دعاتها أُناسٌ متدينون غاية التَّديُّن، ونعتهم بالعلمانيين (أى المُبتعدين عن الدين) من قِبَل الإسلام السياسى مسألة غير دقيقة ومغروضة وتكفيرية وإقصائية فى نهاية التحليل.

    العلمانية إصطلاحاً

    العلمانية فى الإطار النظرى (وهى تكاد تكون غير موجودة فى الواقع) تعنى إبعاد الدولة كليةً من التدخل فى شئون المؤسسات الدِّينية وعدم تبنى دِين بعينه ليكون الدين الرسمى للدولة. وتعنى أيضاً عدم التدخل البات للمؤسسات الدينية فى الشئون السياسية. إذاً، العلمانية هى مرتكز يقوم على فرضيتين: الأولى هى الفصل القاطع بين الدولة والمؤسسات الدينية، وعدم تدخل أىٍّ منهما فى شئون الآخر. والثانية هى مساواة جميع النَّاس - بمختلف أديانهم ومعتقداتهم - أمام القانون الذى لا يتأوَّل ديناً بعينه (National Secular Society - What is Secularism؟).

    مدخل للعلمانية وأنواعها

    يذهب المصطلح تاريخياً فى رحلة مخاضات عديدة منذ ولادته فى الفلسفة اليونانية القديمة، غير أنَّ ثورة التنوير فى أوروبا قد أكسبته زخماً جديداً يمتد أثره إلى يومِ النَّاسِ هذا. وهذه الأُطروحة تُعنى بتطوُّر المصطلح المتناغم مع تطور التشكل الإقتصادى الإجتماعى وتطور القوى المنتجة فى المجتمعات المحددة كما أسلفنا.

    فمثلاً عند قدماء اليونان، كل ما يُناقض/يُقابل السلطة الدينية يُسمى علمانى؛ وهذا إشتقاق مفاهيمى متعلق بالجماهير فى مقابل النخبة الدينية. أما عند العرب وبنى عمومتهم، فاشتقاق المصطلح إشتقاق لغوى؛ يعود لمفردة العِلْم؛ أى لكلِّ ما هو أرضى/دنيوى (وليس العلم بمعناه الحديث). وقد طوَّر الأنجُلوساكسونيون المفهوم من واقع تجارب مريرة مع السلطة الدينية حتى بلغنا بصيغته الحالية.

    ولقد إنطوت العلمانية منذ ولادتها الجديدة فى عصر التنوير حتى اليومِ على كثير من التحوير المناظر أو المغاير للتعريف الإصطلاحى أعلاه. فمثلاً، البريطانى جورج جاكوب هوليوك (1851) يرى فى العلمانية "نسقاً من الأخلاق مرتكزاً على الفعل العقلانى الرشيد، والنَّافع للجميع فى العالم الذى نتقاسم عيشه". والبعض من أمثال تشارلز برادْلاف - المنتقد اللدود لهوليوك - يرى فى العلمانية "إنتباذ اللاهوت، والرفض الصريح لوجود الإله وكلِّ ظاهرة لا يمكن التحقق من وجودها المادى". كما أنَّ البعض الأخر لا يرى العلمانية كمركّب أخلاقى ولا لاهوتى، ولكن يتصوَّرها كمركّب سياسى؛ بحسبان أنَّ العلمانية تركِّز بشكل شبه كامل على العلاقة بين الكنيسة والدولة (الدين والدولة).

    وعلى عكس الإعتقاد السائد خاصةً فى ذهنية الإسلامويين، فإنَّ المفهوم السياسى والمفهوم الأخلاقى للعلمانية لايعنيان بالضرورة إرجاعهما لمجرد الفصل الحرفى بين الدين والدولة؛ والذى من الممكن أن يكون أحد خيارات البرنامج السياسى العلمانى والأخلاقى العلمانى. ولكن هناك وجوداً لإنواع أخرى للمفهوم تتراوح ما بين: علمانية تصالحية (Accomodationism)، علمانية معارضة لدعم الدولة للكنيسة ،(Disestablishmentarianism) علمانية الحياد المطلق للدولة (Strict State Neutrality)، العلمانية الفرنسية (French laïcité)، والعلمانية اللا – أدرية (Non - cognizance)، (وقائع مؤتمر العلمانية على المحك: جامعة جورج تاون/ فبراير 2013).

    ووجب علينا أن نشير هنا إلى أنَّ الكثير من الدول قد إتخذت من العلمانية بتنوعها المذكور أعلاه فلسفةً للحكم. فالبعض نحا بها نحو المفهوم الإخلاقى (سمّاها نسقاً من الأخلاق)، لم يُسمِّها فى دساتيرِهِ، ولم يُسمِّ ديناً بعينه للدولة (كبريطانيا التى ليست لها دستوراً مكتوباً، ولكنَّ الملكة هى رأس الدولة ورأس الكنيسة). والبعض الأخر ذهب بالعلمانية مذهباً إلحادياً، يُنكر الإله ويحرِّم التعاطى مع الإديان (الإتحاد السوفياتى سابقاً)، وإنْ تعامل مع الإلحاد تعاملاً عقائدياً (كأنَّه دين). والكثير من الدول تبنَّى العلمانية السياسية؛ سمَّاها فى دساتيرِهِ، ولم يتبنَّ ديناً للدولةِ بعينه (أمريكا، كندا، فرنسا، كوريا الجنوبية، الهند، وإسرآئيل) ولكنَّها تعاطت مع الأديان بشكل أو آخر. كما أنَّ هناك دولاً تبنَّتْ العلمانية التصالحية وإن نّصَّتْ دساتيرُها على دينٍ بعينه للدولة (مالطا، اليونان، مصر ((راجع المرجع أعلاه، والموسوعة الحرة).

    فالشاهد، ما من دولة إلاَّ وقد كان لها تماس مع الأديان، وحتى التى تبنَّتْ الإلحاد إتخذتْ منه ديناً. كما أنَّ العالم بسقوط العلمانية الإلحادية فى الإتحاد السوفياتى السابق، قد أصبح خالياً بالتمام من أى دولة علمانية إلحادية تناصب الدين العداء. وحينما نصبغ على الدول التى تبنَّتْ العلمانية السياسية صفتها الكالفينية، سنجد أنفسنا أمام عالم ليس فقط خالياً من الدول الإلحادية، بل هو فى غاية التَّدَيُّن. وليس أدلَّ على ذلك من صعود الأحزاب اليمينية؛ المسيحية واليهودية والإسلامية إلى سِدة الحكم فى معظم بلاد العالم فى الثلاثة عقود المنصرمة.

    العلمانية فى محك التشكُّل الإقتصادى الإجتماعى

    من الواضح أنَّ المفاهيم تتطور بتطوُّر إحتياجات المجتمع؛ تلك المرتبطة بتطوُّر قواه المنتجة فى الواقع الذى يعيش فيه ذلك المجتمع. ومن المؤكّد فى وضعية إقتصاد مشاعى/عبودى؛ قائم على الجمع والإلتقاط، فإنَّ المجتمع لا يحتاج لِأكثر من واعظ دينى (ومن شاكله) لتنظيم حياة النَّاس؛ فكانت النخبة الدِّينية هى كلَّ ما تحتاجه مجتمعاتهم. أمَّا أنْ تكون النخبة الدينية هى كل ما نحتاج فى رأسمالية ما بعد الحداثة، فتلك مسألة فيها نظر.

    لا غروَ إذاً، أنَّ نرى فى اليونان القديمة - إمتداداً إلى أزمنة نمط الإنتاج الخراجى - أنَّ الشعبوى، أى كل ما يرتبط بالجماهير/الشعب يكون علمانياً مستحقراً فى مقابل الإكليروس (النخبة الدينية)؛ فكان العلمانيون/الجماهير يأتمرون/يُحكمون بأمر الإكليروس (صلاح نيوف: مفهوم الإكليروس والمثل الأعلى العلماني، إيلاف، 25 مايو 2007). وظلَّ هؤلاء يسيطرون على مجتمعاتهم حتى ظهور الميركانتالية التى حاول الإكليروس مقاومتها بأبشع أنواع الحروب التى عرفتها الإنسانية - الحروب الصليبية. ولكن هيهات، فالتاريخ يذهب فى إتجاه واحد فقط، ولابد للتطوُّر من أن يشقَّ طريقه رغم أنف السيادة السابقة للأيديولوجى.

    لقد قوّضتْ الرأسمالية الميركانتالية الإقطاع، واستُبْدِلَتْ نٌخبةٌ بِنُخبة، فحدد المجتمع البرجوازى إحتياجاته: سياسى/رأسمالى، عالم/إنتربرينير، وعامل/ماكينة. أما الإكليروس فاعتقلتهم طريقةُ تفكيرِهِم فى دور العبادة، حتى إشعارٍ آخر.

    ومع علو كعب السياسى، أى علو سلطة الدولة على الأيديولوجيا الدينية، أبان الثورة الصناعية وانتشار الفكر الماركسى وابتخاس الديالكتيك الهيقيلى، بدأ النَّاسُ يبتعدون عن الدِّين، خاصةً عن الكاثوليكية الممعنة فى الزهد. ولو لا الإصلاحات التى أحدثها مارتن لوثر على البروتستانتية؛ تلك التى رأى فيها ماكس فيبر إلهاماً عظيماً للرأسمالى (خاصةً البروتستانتية - الكالفينية)، والتى جعلته عابداً مُتنسِّكاً وهو يُمعظم من أرباحه، لهجرَ النَّاسُ المسيحيةَ بالكلية.

    وفى تلك الفترة، بدأت العلمانية السياسية، اللا - أدرية، والإلحادية تطغى بشكل واسع وسافر؛ أكثر من الأنواع الأخرى من العلمانية: كالأخلاقية/العلمانية البريطانية، التصالحية، علمانية الحياد المطلق للدولة. ولعلَّ العامل الذى شجعَ على إنتشار هذه الأنواع من العلمانية هو تبنى السياسى (الدولة) لها، وانقسام العالم فى حالة من التنافس بين علمانية إلحادية تبناها الإتحاد السوفياتى ودول المعسكر الشرقى لِأكثر من 70 سنة، وعلمانية سياسية تبنتها دول المعسكر الغربى خاصة بعد إصلاحات مارتن لوثر.

    وبالطبع إستمرَّ هذا الوضع المحتدم من التنافس بين أنواع العلمانية المختلفة على أشَدِّهِ حتى سقوط الشيوعية عام 1989م، وعودة الأديان إلى البِيَعِ والكنائسِ والمساجدِ فى أوروبا الشرقية. وعند هذا الحد، أُسْتُبْدِلَ التواكل الشيوعى بالبروتستانتية - الكالفينية النَّهِمة، التى بدأ معها تلاشى العلمانية الإلحادية (التى باتت توجد كمجرد إحتمال)، وذيوع العلمانية السياسية والأنواع الأخرى من العلمانية: كالأخلاقية والتصالحية والعلمانية البريطانية، بين الذين اكتَوَوْا بجحيم الدولة العلمانية الإلحادية خاصةً فى شرق أوروبا ودول العالم الثالث.

    ولقد أصبحتْ الرأسمالية العالمية على أيّامِنا هذى، أكثر شراهةً بتحوُّل العلمانى الروسى الملحد إلى علمانى سياسى يتنسَّكُ بالإمبريالية فى أوكرانيا وسوريا والعراق، كما تنسَّك من قبل فى أوروبا الغربية فى الشتآءات التى أعقبتْ البروسترويكا - خاصةً فى بداية الألفية الثالثة - حيث رفض الدُّب الروسى بيع الغاز لأوروبا الشرقية والغربية معاً بالطريقة القديمة المدعومة من قِبَله، وباعه لهم بسعر السوق التنافسى آنئذً، وعاجلاً غير آجل ((Cash on delivery. وقد كادتْ أن تحدثَ كارثة إنسانية للدول الشرقية التى تغربنتْ حديثاً، لو لا دعم الإتحاد الأوروبى لها.

    أيضاً، فإنَّ هذا العلمانى السياسى الجديد النَّهم، قد أملى على أوروبا الغربية شروطه حينما بادر بتسديد ديونه عليها فى 2006 عقب طفرات البترول والغاز والذهب، والبالغ قدرها، أى الديون، 400 مليار دولار. وفى البدء رفض الغرب تسديد الروس للديون دفعة واحدة (خدمات تسديد الدين أهم من أصل الدين). لكنَّ الدب الروسى قال لهم: "هذه نقودكم، خذوها أو أتركوها للأبد". فاضطرتْ الدول الغربية لأخذها راغمة؛ وهكذا خرج هذا الدب الروسى من ربقة الديون للغرب الرأسمالى حتى إشعار آخر.

    إذاً فلينتبه الضعفاء، فالرأسمالية العالمية بعلمانيتها السياسية وهى بهذا الشره (وهى فى حالة عبادة قصوى بحسب معايير ماكس فيبر) لا تجد حرجاً فى تبنى أيِّ دين (It can accommodate religions) يضيفُ تجلياً وفتحاً رأسمالياً جديداً إلى النظام الرأسمالى العالمى. وهنا يسقط العجب فى شأن زواج المتعة بين الرأسمالية العالمية/العلمانية السياسية والأخوانوية ـ الكالفينية فى مقابل الدِّين السلفى الذى تتبناه العروش العربية التى يعِدّها الغرب غير مواكبة لرأسمالية ما بعد الحداثة. بل إنَّ الأخوانوية أكثر شراهة من الرأسمالية الغربية نفسِها وذلك لعقليتها اللُّصة، ولكونها مستجدة نعمة، وتحسبُ أنّها تٌحسِنُ صنعاً وِفْقَ ما تتعبَّد به من فقه الضرورة.

    ولعلَّ الإرهاص بتمدد العلمانية السياسية على حساب العلمانية الإلحادية (روسيا لا تنتج للإستخدام فقط ولكنها وإنْ سمَّت نفسها إشتراكية فهى تنتج للتبادل مع العالم الرأسمالى. وفائض القيمة التبادلى هذا هو الذى عجل بالتحول إلى الرأسمالية كما يقول رودَنِشتاين رودِن وسمير أمين وبسام طيبى وغيرهما)، قد بَكَّرَ بظهور أول ثورة إسلامية فى العالم العربى والإسلامى حتى قبل سقوط الشيوعية بعشر سنوات؛ وهى ثورة الخُمينى على نظام الشاه، والتى سلَّحها الإتحاد السوفياتى من الألف إلى الياء، فى مقابل تسليح أمريكا لنظام الشاه.

    فتلك الثورة الإسلامية، وذلك السقوط المدوى للشيوعية والتحوُّل للعلمانية السياسية، قد كانا ملهمين وكافيَيْن للعديد من الحركات والصحوات الإسلامية المتشبعة بالكالفينية (الجبهة الإسلامية القومية فى السودان مثالاً)، لتشعلها حرباً إنتهازيةً على العلمانية بوصفها كلها إلحادية بالرغم من وجود أنواع أخرى للعلمانية وهى ليست بالطبع إلحادية كما بيَّنا؛ والأهم من ذلك أنَّ هذا الحركات والصَحَوات الإسلامية تعلم ذلك. ولكنَّها راحت تَصِمُ بالكفر كلَّ من يتكلم عن العلمانية؛ حتى تلك التى تتبنَّى ديناً رسمياً للدولة (كمصر وغيرها).

    هذا التحوُّل بالطبع يواكب جدلياً التحوُّل على مستوى التشكُّل الإقتصادى/الإجتماعى فى الأطراف، وهو هيمنة الإقتصادى مع إكتمال تمدد النظام الرأسمالى هناك، وبداية الإبتزاز غير المباشر للعمل (سياسى/رأسمالى، عالم/إنتربرينير، عامل/آلة). وسيظل الإقتصادى مهيمناً فى الأطراف، مصحوباً بهيمنة تدريجية للنظرى/للعلمى الذى هو فى الأصل قد ساد فى المركز منذ زمنٍ ليس بالقصير؛ حيث صار النَّاس يعتقدون فى العلم أكثر من إعتقادهم فى الأديان.

    وقد حاولت الجبهة الإسلامية جاهدة أنْ تُخرج تديُّن أهل السودان الصوفى من زهدِهِ، بزرع الروح البروتستانتية الكالفينية فيه، وبالتالى إضفاء صفة العلمية على طريقة تديُّنها، وذلك بتدريب آلاف من كوادرها على حساب الشعب السودانى الذى سرقت تعليمه وصحته وحاربت خياراته العلمانية ومن يدعو لها. وعليه صار الأخوانوى متعلِّماً ومتديِّناً على الطريقة الكالفينية، ومن ثمَّ ما عاد يرى من حاجةٍ لعلمانية الغرب مع علمية الجبهة الإسلامية القومية ودولتها الدينية التى تعتقد فى العلم والدين معاً.

    وبهذا السلوك باتَ من الواضح أنَّ الدولة الدينية ضيقة الصدر بمن هم ليسو على شاكلتها، وغير متصالحة مع الأقليات الدينية (ففصلتها، ببساطة لأنَّها لا تدعو إلى سبيل ربها بالحكمة والموعظة الحسنة)، وبغيضٌ لديها الحديث عن العلمانية ودعاتها. ورغم تعدد أنواع العلمانية وإنتفاء العلمانية الإلحادية من الوجود، إلاَّ أنَّ الدولة الدينية راحت تصمها كلها بالكفرِ إصراراً وترصداً.

    إذاً ما تفعله الدولة الدينية بالعلمانية باطلٌ أُريد به باطل، والغرض من كلِّ ذلك هو أنَّها تُريدُ أن تتأبَّدَ فى لحظتها التاريخية، بعيداً عن المنغِّصات. ولحسنِ حظ الدولة الدينية الأخوانوية (وسوء حظها فى المدى الطويل) أن العالم الغربى منذ سقوط الشيوعية وإنحسار العلمانية الإلحادية ونبرها الأيديولوجى المُبْغِض/المُغالِب لكلِّ ما هو دينى، بدأ يبحث عن غريم للشيوعية؛ ولعلَّه قد وجده فى هذه الأخوانوية المنوط بها الآن تثوير التشكل الرأسمالى فى بعض الدول خاصةً الغنية بالموارد. الأمر الذى جعل صوت الأيديولوجيات الدينية يعلو من جديد، وجعل الأخوانوية تتغنَّى بمعزوفة مناصرة الغرب لها المؤقتة والغير محمودة العواقب. ويترافق مع ذلك تشدُّد دينى مسيحى ويهودى على مستوى الكوكب كما أسلفنا؛ نتج عنه صعود العديد من الأنظمة اليمينية المتشدِّدة فى أوروبا وإسرائيل (راجع مؤتمر العلمانية على المحك المذكور بعاليه).

    والسؤال الذى يطرح نفسه: هل من قراءة فى مسطورات التاريخ والتشكل الإقتصادى الإجتماعى تُضفى على الدِّين الأهمية التاريخية التى يمرُّ بها الآن فى الشرق (وفى الغرب على نحوٍ ما) وفتنته بالمال والسلطان - حتى طُمِسَ جوهرُهُ بالفساد والدموية - خارج كونه البديل الغريم للشيوعية؟

    والمحصلة، أنَّنا إذا أخذنا العلمانية فى الإطار النظرى: "منع الدين من التدخل فى شئون الدولة ومنع الدولة من التدخل فى الشئون الدينية بغرض مساوات جميع النَّاس أمام القانون، والتعاطى مع معتقداتهم بالطريقة التى لا تخل مطلقاً بحقوقهم الأساسية"، سنجد أنَّ جميع دول العالم تتخلَّف عن هذا التعريف المثال بدرجات تعكس مدى تطور القوى المنتجة فى المجتمعات المختلفة (الأمر الذى يجعلها جميعاً دولاً دينيةً بالمِعيار النسبى).

    وقد شهدنا بعاليه دولاً أقرَّتْ العلمانية فى دساتيرها، لكنَّها لم تجد بُدَّاً من التعاطى مع الدين. وشهدنا دولاً أُخرى تبنَّتْ العلمانية الإلحادية (كعقيدة)، ثمَّ تركتها وتعاطت مع الدين عقب العام 1989م. وثمَّة دول أُخرى فى العالم وصلت حد تديُّن الدولة بصعود اليمين اليهودى/المسيحى والتيار الإسلامى المتشدِّدَيْن.

    ميراث أهل السودان من الدولة العلمانية

    كما جاء فى (1-4)، فإنَّ الإله آمون المصرى كان يخوِّل الكهنة بالقتل المقدس، الذى بموجبه يُعزَلُ الملوك والحكام، وبه يُقتلون. غير أنَّ الملك أركامانى قد ثار على الإله آمون وتمرَّدَ عليه، وأجهز على كلِّ الكهنة الثيوقراطيين الذين كانوا يحتكرون لِأنفسِهم الحق المطلق فى التكلُّم بإسم الإله وتفسير وَحْيِهِ، وقام بتحريم قتل الملوك الطقوسى.

    لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل إنَّ الملك أركامانى قام بفصل السلطتين الدينية والدنيوية التى كان يحتكرها الكهنة النَّبَتِيُّون، فآلت له سلطة الدنيا وعين لسلطة الدِّين الحارسة لدولته الإله الأسد أباداماك (بروفسير أسامة عبد الرحمن النور: مجلة أركامانى الإلكترونية).

    كان ذلك أوَّل ميراث لِأهل السودان (إن لّم يكن للإنسانية جمعاء) من ممارسة فصل الدين عن الدولة، الذى أفرزه واقعٌ مهمٌّ هو إستحالة أن يكون لفردٍ/أو جماعةٍ ما، إحتكار تفسير الوحى الإلهى واحتكار الحديث بإسمِ الذات الإلهية غير الأنبياء المرسلين. وكل من يسعى لذلك من البشر بإدعاء معرفة (لم يتلقَّاها من الله خالصة كالأنبياء) بمراد اللهِ فى خلقِهِ من غير مؤسسات جماعية حرة، وديموقراطية ومؤسسات رقابية تُعاير إدِّعاءه، فإنَّه يُساهم فى إنحراف الدِّين عن لحظةِ الرحمة (كان هذا الأمرُ نبوةً ورحمة، وكائنٌ خلافةً ورحمة) بدرجةٍ أو بأُخرى؛ وَعِىَ ذلك أم لم يعِ.

    ولم يقف على أىِّ حال ميراثنا كسودانيين من الإرث العلمانى عند تلك التجربة، فقد تلتها فترات أُخرى من فصل الدين عن الدولة ولو بدرجات متفاوتة ونسبية. وإذا تجاوزنا الرِّدة عن إرثنا العلمانى ما بين 550 - 1500م (فترة الممالك المسيحية: نوباتيا، المَقرَّة، عَلَوَة؛ حيث جمع ملوك النوبة المسيحية فى السودان بين سلطتى الدولة والدين من جديد)، فإننا نجد – مثلاً - أنَّ ملوك السلطنة الزرقاء، لم يجمعوا بين السلطتين السياسية والدينية بذات درجة الممالك المسيحية، حيث كان شيوخ الطرق الصوفية على رأس المؤسسة الدينية وكانوا أقرب وألْصَق بالجماهير منهم بالملوك (حيدر إبراهيم على: الإنتلجنسيا السودانية بين التقليد والحداثة: المستقبل العربى 1987م، تاج السر عثمان: الميدان، ديسمبر 2013).

    ولعلَّ عدم وجود طبقة دينية متماهية فى السلطة والسلطان، قد مهَّدَ الطريق ليبتدع سلاطين السلطنة الزرقاء "ما - يشبه - الدستور – العلمانى" المعتمد على الشريعة الإسلامية والأعراف المحلية (تاج السر عثمان، المرجع أعلاه). وكأنِّى بالشريعة هنا ترمز للمؤسسة الدينية، والأعراف المحلية ترمز للسلطة السياسية فى إطارين شبه مستقلين، لا يتدخل أحدهما فى شئون الأخر إلاَّ فى حدودٍ ضيقةٍ ومعروفة، وربما كان تدخلاً حميداً (Benign).

    لقد إستمرَّ منوال العلمانية "الزرقاء" فى ظل الحكم التركى؛ ذلك المتداعى الزائل بظهور الميركانتالية وهيمنة السياسى على الأيديولوجى. وما كانت تركيا "المريضة" آنئذٍ تهتم بالدِّين مقدار إهتمامها بحكمها المتهافِتْ والمحاولات اليائسة لتثبيته. وفى هذا الأثناء حاول الأيديولوجى فى السودان الإنتصار لنفسه فى لحظة قاتلة من التشكُّل الرأسمالى العالمى (الرأسمالية التجارية) متمثلاً فى الدولة المهدية التى كانت تسبح عكس التيار بكلِّ المقاييس. ولذلك لم تكن المهدية لتعيش طويلاً، فقد كانت مجرد فَوَاق صيرورة (Hiccup) فى ظل شراهة الرأسمالية الميركانتالية التى إكتسحت كل العالم.

    هذا الواقع عجّل برحيل دولة المهدية الدينية بالطبع، وعودة العلمانية من جديد، متمظهرة فى الحكم الثنائى الإنجليزى المصرى فى السودان. واستُعيدَتْ/استُلهِمَتْ العلمانية الزرقاء من جديد، ولكن بشروط رأسمالية متجاوزة للميركانتالية. وهنا لم تعد السلطة الدينية ذات تأثير كبير فى المجتمع، إذا ما قارنَّاها بسلطة فئة التجار (الأجانب بخاصة والمحليين على وجهٍ عام) فى المرحلة الأولى من الإستعمار. بل إنَّ المستعمر بإيحاء من الرأسمالية المستبطنة للبروتستانتية الكالفينية، قد قام بدعم الفئات الدينية فى الفترتين الثانية والثالثة من الإستعمار لتقوم هى الأخرى برسملة كل المجتمع السودانى نيابة عنه كما جاء آنفاً.

    غير أنَّ تلك المجموعات الدينية (كما جاء بعاليه) ذات الخلفية الصوفية الزاهدة لم تلتقط الروح الكالفينية فى الرسملة، فراح يغذيها الإستعمار الجديد تثويراً بطموحات العسكريين النَّزقِة تحالفاً مع أُؤلئك التُجَّار، إلى أنْ أطبقتْ الفئات المتشبعة بالروح الكالفينية (الجبهة الإسلامية القومية)، فأسرفت فى الرسملة فوق ما تطمع الرأسمالية نفسُها.

    هذه الجبهة الإسلامية القومية الكالفينية عطْلتْ دستور السودان شبه العلمانى السودانوى المنحدر من كوش والسلطنة الزرقاء، واستبدلته بدستور المودودى وحسن البنا: "الحاكمية لله"، و "المستخلفة فيه" الجبهة الإسلامية الكالفينية بإنقلاب عسكرى منذ أكثر من ربع قرن.

    خاتمة

    هل يستطيع العقل الإسلاموى أن يُثبتَ لنا وجود دولة علمانية واحدة (بالأخص العلمانية الإلحادية التى يتخوَّف منها) بالمعنى الحرفى للتعريف أعلاه بعد العام 1989م فى محك التشكل الإقتصادى الإجتماعى العالمى (أى خارج نطاق أيديولوجيته الدينية)؟ والإجابة هى: أنَّ الإسلاموى يعى تماماً بعدم وجود العلمانية التى يتخوف منها فى كل العالم (العلمانية الإلحادية) منذ نهاية الحرب الباردة، ويعى بأنَّ الحزب الشيوعى السودانى كحزب متهم بالعلمانية قد إنتبذ العلمانية الإلحادية رسمياً منذ بواكير نشوءِهِ (وبذلك هى مسألة شخصية لمن يريد أن يعتنقها، وليست رسمية). يعى الإسلاموى كلَّ ذلك، ولكنَّه يتخذ من العلمانية فزَّاعة أيديولوجية يستدر بها عطف النَّاس البسطاء ويُجيِّرُهُ لجهة تأبيد نظامه ولحظته التاريخية وسرقة هؤلاء النَّاس البسطاء (قال عضو البرلمان المستقل الطيب إبراهيم: إنَّ السودان ليس ببلد فقير، ولكن أفقره الشعب السوداني بسياساته). ومتى كان الشعب السودانى يصدر السياسات أيَّها العاطلون عن المواهب، العاطلون عن الوطن!

    أقول ما أقول، وقد يكون بإمكان دولة العلمانية السياسية مساواة جميع النَّاس أمام القانون بمثولهم أمام قانون وضعى يُتّفق على تطبيقه على الجميع، ولكنَّه لن يرفع الحرج العَقَدى عمَّن يُريد تطبيق معتقداته على نفسه (عمَّن يُريد تطبيق الشريعة الأسلامية على نفسه) أفراداً أو أقليات، مما يجعل الحقوق الأساسية لهؤلاء الأفراد والأقليات على المحك. وإذا كان بالإمكان لدولة العلمانية الإلحادية أنْ تتنزل فى أرض الواقع من جديد – وذلك خيارٌ محتمل كما أسلفنا – فكلُّ ما هو دينى سيكون على المحك. ونرجو أنْ تبتدع العلمانية السودانية حلولاً تُجيبُ بها على مثل هذه التساؤلات بشكل ديموقراطى غير متعسِّف، حتى لا ينفر منها المتدينون المدافعون عنها (الفكر الجمهورى مِثالاً).

                  

03-09-2016, 10:28 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول مفهوم الدولة وأنواعها وتعاطى كل نوع م� (Re: حسين أحمد حسين)

    حول مفهوم الدولة وأنواعها وتعاطى كل نوع مع القضايا المصيرية للسودان - الشريعة الإسلامية مثالاً (3-4) .

    توطئة

    سيتناول هذا المبحث مفهوم الدولة المتعلق بتوصيف ما تقوم به من مهام، كما أنَّه يتطرق لأنواع الدولة؛ الدينية منها والعلمانية والمدنية. وسننظر فى ميراثنا من كل نوع، وكيف أجاب كل نوع على أسئلة السودان المصيرية خاصةً تلك المتعلقة بالشريعة الإسلامية.

    مفهوم الدولة

    الدولة هى: "حزمة الأجرآءات القانونية والمؤسسية المعبرة عن مجتمع بعينه، على بقعة أرض بعينها، بالكيفية التى تُكسبها إعترافاً دولياً وسيادةً على تلك البقعة من الأرض" (لنستحضر ولادة دولة الجنوب - رغم قيصريتها - حتى نتبيَّن تعريف الدولة). وهذا التعريف البسيط يخضع بالطبع لشروط التشكل الإقتصادى الإجتماعى والتى تُفَسِّر لنا صيرورة الدولة ومسيرة نضجها منذ ولادة الحاجة إليها قبل نحو 10 ألف سنة حتى يوم النَّاس هذا.

    وبالطبع هذا المفهوم هو التعريف العلمى الذى يستخدمه أىُّ نوع من أنواع الدولة (دينية، علمانية، مدنية) لإنجاز الحقوق والواجبات المتبادلة بينها وبين مواطنيها. وبعبارة أخرى هذا التعريف يُمثل الشروط العلمية لإنجاز مهام الدولة فى أىِّ مكان، وعلى أىِّ دين/لا - دين كانت. كما أنَّ الدولة بهذا التعريف ليست معصومة من التعاطى مع معتقدات النَّاس. بل إنَّها تتأثر بمعتقدات شعبها وتؤثِّر فيها، فى إطارٍ من الجدل الحميم والمحتدم. ويجب ألاَّ يتوقع السياسى الناضج إجابة سهلة على عواقب إقحام الدين فى الدولة أو فصله عنها؛ فالمخاض طويل. والمهم فى كل ذلك هو أنْ تتعاطى الدولة مع معتقدات شعبها بالطريقة التى لا تخل مطلقاً بالحقوق الأساسية لكافة مواطنيها، وأن تتعامل معهم على قدمِ المساواة.

    ثالثا،ً الدولة المدنية

    لاشك أنَّ بدايات السلوك المدنى نبعتْ من أول أسرة من لدن سيدنا آدم عليه السلام، ثمَّ من المصادقة على عقد إجتماعى للعشيرة، ثمَّ للقبيلة ثمَّ فى نهاية المطاف آل الأمر للدولة. لقد كانت الغرائز وحدها - لاسيما الشجاعة والخوف - على أيام العهود البدائية قبل ولادة الدولة هى التى تدفعُ بالنَّاسِ للصراعات وتكفِّهم عنها (Jean Jacques Rousseau 1913). ثمَّ استطاعت الأديان - خاصةً التى بقِيتْ خالية من الهوى والغرض فى التأويل والتحريف البشرى - أنْ تمدَّ الإنسانية بأنصع العقود الإجتماعية التى قد أسَّستْ للحال المدنى الذى أنجب الدولة الدينية، فالدولة العلمانية ثم مؤخراً الدولة المدنية. وعبر هذه الصيرورة قيَّدَ الفردُ نفسَه، من حال التعامل الغريزى مع محيطه، بحال مدنى/بعقد إجتماعى فصله عن التعامل البوهيمى مع ذلكم المحيط.

    ويجب علينا أن نوضِّح هنا بأنَّ عبارة الـ (Civil State) التى ظهرت فى كتابات جان جاك روسو 1712- 1778م، ما كانت لتعنى الدولة المدنية، بل تعنى الحال/الوضع المدنى خاصةً إذا علمنا أنَّ جينولوجيا الحديث عن طبيعة الدولة الرأسمالية نفسه هو حديث ورد فى التاريخ المعاصر (بدائياته عند أنجلز ولينين، عميقه عند الماركسيين البنيويين وغيرهم من اللاحقين كما بينَّا سابقاً). وفوق ذلك فإنَّ الغربَ لا يعرف مصطلح الدولة المدنية، ويعتبره مصطلحاً شرقياً. ونحن هنا نؤكد بأنَّ مصطلح الدولة المدنية، كمقابل لمصطلحى الدولة الدينية والدولة العلمانية، هو مصطلحٌ سودانىُّ الجنسية وأبوه (The father founder) هو المفكر الجليل محمد إبراهيم نقد رحمه الله (محمد إبراهيم نقد، حل مشاكل السودان يتمثل فى دولة مدنية، الحوار المتمدن: العدد 425، 15/03/2003، محمد إبراهيم نقد، حوار حول الدولة المدنية 2012).

    وأقول ما أقول، لأنَّ كثيراً من الكتابات التى طالعتُها تحاول أنْ تُمصِّرَ المصطلح، أو تُسَوِّرَه، أو تُمغرِبَه، أو تُبغْدِدَه؛ وذلك لأنَّ الغرب قال أنَّ مصطلح الدولة المدنية مصطلحاً شرقياً؛ فالكلُّ هبَّ لينسبه لنفسه؛ ولكنَّه، شاءَ من شاء وأبى من أبى، فهو سودانىُّ الجنسية. وصحيحٌ أنَّ هناك العديد من الكتابات التى تناولت المجتمع المدنى وأهميته فى الثلاثة عقود المنصرمة فى المنطقة العربية والإسلامية (راجع مثلاً: عزمى بشارة، محمد الغيلانى، الحبيب الجنحانى، عبد الإله بلقزيز، إلخ)؛ وفى الغرب منذ أزمنة سحقية؛ إلاَّ أنَّها كلُّها لم تنفذ إلى حقيقة الدولة المدنية كما كتب عنها المفكر محمد إبراهيم نقد.

    تطور المصطلح

    من المؤسف أنَّ مصطلح الدولة المدنية مازال مهزوزاً فى أذهان النَّاس رغم ظهوره كبرنامج عمل للمعارضة الديمقراطية (الحزب الشيوعى السودانى) لحل مشاكل الدولة الدينية المتمثلة فى حكومة الوفاق أبّان الديمقراطية الثالثة عام 1988م. ومرد هذه الإهتزاز لسببين فى تقديرى المتواضع:

    الأوَّل: عدم ربط المصطلح بشروحات وتفسيرات من أوجده (Lack of symptomatic reading) تحت شروط ظرفه التاريخى المحدد الذى هو الكفيل الوحيد (أى ذلك الظرف التاريخى) أن يُضفى على المصطلح دلالته؛ بعيد عن التَّذهُّن والتَّكهُّن الَّذَيْنِ يُحاولان جعلَ المصطلح مصطلحاً لقيطاً؛ أى بلا واقع تاريخى مادى محدد، وبالتالى يُمكن أن تمتد إليه يدُ السرقة الأدبية. غير أنَّ المصطلح يرتبط بجدل المجتمع والدولة فى صيرورة مادية ديالكتيكية وتاريخية فى الواقع السودانى غايتها المواطنة والحرية والديموقراطية (عزمى بشارة 2012).

    والثانى: تجيير أيديولوجيا أهل اليمين وأهل اليسار معاً للمصطلح ليخدم أغراض أيديولوجية تسئ فهم دلالة المصطلح التى عناها مُوجِدُهُ. فاليسار صار يرى فى مصطلح الدولة المدنية مخرجاً من لعنة الإلحاد التى تلازم علمانيته. وبالتالى فإن مصطلح الدولة المدنية قد يُساهم فى زيادة عضويتهم فى مجتمعات أغلبيتها متدينة. أما اليمين فيتوارى بالدولة المدنية من أيديولوجيته المتهافتة "الإسلام هو الحل"، والتى أفرغتها الممارسة الفعلية للإسلام السياسى فى السودان ومصر وغيرهما من معناها.

    وسوف نرى فيما سيأتى إنْ شاء الله، بأنَّ المفكر محمد إبراهيم نقد لم يكن يضع نصب عينيه هذه التُّقية الأيديولوجية النَّزِقَة حينما تكلَّمَ عن الدولة المدنية، بل كان يعنيه إيجاد حل لمأزق أمته التاريخى المتعلق بإهدار حقوق المواطنة وحقوق الإنسان وضياع الديموقراطية والحريات العامة وإعاقة التنمية لثلاث مرات فى: 1958، 1969، و1989، فابتكر لذلك مصطلح الدولة المدنية، وهو ابتكار له حجته المعرفية والعملية كما سنرى بمشيئة الله.

    الخلفية السوسيوسياسية لولادة الدولة المدنية فى فِكر الأستاذ محمد إبراهيم نقد

    هناك العديد من الأسباب فى الواقع السودانى التى تشكل دافعاً مهماً لكلِّ سياسى سودانى جاد فى البحث فكرياً عن مخرج يعالج قضايا المشكل السودانى، وما أكثرها. ولم يذهل المفكر نُقُد بِنُقُد السياسى عن مشاكل السودان التى أصبحت معقدة بعد الإستقلال، وصارت أكثر تعقيداً منذ ظهور الجبهة الإسلامية القومية فى الأرينة السياسية السودانية. كما أنَّ الفكر اليومى لم يَلْهِ المفكر نقد عن الفكر المُنْتِج للمعرفة الذى يضع حلولاً مستدامة لقضايا السودان، وقد نظر الرجلُ ثاقباً فى بعض القضايا الإجتماعية السياسية التى شكَّلتْ وعيه باتجاه الدولة المدنية، ومنها:

    1- فشل النخب السودانية فى إيجاد حلول لمشاكل السودان المصيرية (التنمية، الهوية، فصل الدين عن الدولة، تقرير المصير، كيفية الحكم فى السودان، وغيرها) عن طريق منظور الدولة العلمانية (بواكير النظام المايوى) والدولة الدينية (نظام الإنقاذ حالياً). وبالتالى كان هذا الواقع أكثراً تذكيراً للحادبين، من أمثال المفكر محمد إبراهيم نقد، على مصلحة هذا الوطن من أن يبتدعوا حلولاً مستدامةً لهذه القضايا.

    2- المفكر نُقُد على علم بأنَّ السلوك المدنى والحال المدنى، لم يَقُدْ إلى الدولة المدنية فى المجتمعات الغربية، وذلك ببساطة لأنَّ العلمانية أغنتهم عن ذلك؛ أى وفَّرت لهم حقوق المواطنة والحرية والديموقراطية دون المساس بعقائدهم الدينية؛ وتلك هى غايات أى مجتمع مدنى. ولكن بالرغم من أنَّ مجتمعنا السودانى على وجه الخصوص (والشرقى عموماً) غنىٌّ بالسلوك المدنى/السلوك الأهلى، لكنَّه ماانفكَّ، لعقود مضت، عاجزاً عن خلق وضع مدنى/مجتمع مدنى يفضى للمواطنة والديموقراطية لتخوُّفِهِ من أنَّ العلمانية التى أذبلت الدين فى الغرب، من الممكن أنْ تُذْبِلَه فى السودان (فى الشرق). وبالتالى هذه العلمانية كثيراً ما يتم تصورها بواسطة الأيديولوجيا الدينية على أنَّها أداة غربية لمحاربة معتقدات النَّاس.

    هذا الأمر إضطرَّ الغرب لاستزراع العقيدة المدنية وسط القوى الحية فى بعض المجتمعات العربية إختباراً، خاصةً فى مناطق شمال افريقيا وأنفقت على ذلك أكثر من 5 مليار دولار، وهذا الإختبار للأسف لم يشمل السودان لعوامل كثيرة معلومة لصانعى القرار الغربى (د. الصديق عبد الباقى 2011). وبالطبع كان الغرض من كلِّ ذلك هو تثوير التشكل الرأسمالى فى هذه المنطقة ليواكب رأسمالية ما بعد الحداثة.

    غير أنَّ ذلك لم يفضِ بعد إلى دولة المواطنة والديموقراطية أى إلى العلمانية؛ فالقوى الرجعية مازالت متمسكة بالسلطة وتحارب كافة محاولات التغيير (باستثناء تونس إلى حدٍ ما، والتى مُنِحَتْ نوبل للسلام من أجل هذا الصنيع). وبإنغلاق الأفق على دولة المواطنة والديموقراطية، كان لابد من البحث عن مخرج من هذا المأزق التاريخى الذى كان ومازال أكثر إحتداماً فى السودان؛ فكانت الدولة المدنية.

    3- لم يكن العرب عبر تاريخهم المجيد ذوى إهتمام بالفكر إذا ما قارنا ذلك بإهتمامهم بالسلطان، وبالتالى كانوا أكثر ما يُعالجون قضاياهم بالسياسة لا بالفكر. ولا عجب إذاً، أن نجد أنَّ معظم الذين أضافوا للفكر العربى والإسلامى فى السابق هم وافدون من أطراف الدولة/الإمبراطورية الإسلامية إلى جزيرة العرب، لا سيما الروّاة الستة الأشهر من رواة الحديث على سبيل النذر لا الحصر. كما أنَّ كل محاولات المُفكرين المُحدثين الذين أَثْرَوْا المدرسة الفكرية بالحديث عن الدين والدولة (محمد عابد الجابرى) ونَقْد الدولة الطائفية (مهدى عامل) والدولة فى التاريخ المعاصر وفى محيط أزماتها الراهنة (سمير أمين) وغيرها، لم تتجاوز رؤاهم الفكرية المطلب الغربى فى خلق مجتمع مدنى؛ وبالتالى هى الاخرى لم تنفذ إلى مطلب الدولة المدنية كما نفذ إليه المفكر محمد إبراهيم نقد.

    4- نشأت فكرة الدولة المدنية عند المفكرمحمد إبراهيم نقد من واقع محك عملى غير متوفر للكثير من الدول العربية أبّان فترة الديموقراطية الثالثة (1985- 1989). وهذا المحك هو الديموقراطية نفسها، وتحديداً حين أحكمت الجبهة الإسلامية القومية خناقها على رئيس وزراء السودان الأسبق السيد الصادق المهدى وإرغامه على توسيع حكومته لتشمل الجبهة الإسلامية القومية بقوانينها السبتمبرية الشهيرة، فكان أنْ أعلن الصادق حكومة الوفاق فى عام 1988.

    ولتجنيب البلد متاهات الدولة الثيوقراطية التى تحمل الجبهة الإسلامية القومية جرثومتها من الديانتين الإسلامية والمسيحية البروتستانتية الكالفينية، عرض المفكر محمد إبراهيم نقد مفهوم دولته المدنية لأول مرة فى ذلك العام (1988) "خلال المشاورات التي أجراها مجلس رأس الدولة مع الكتل البرلمانية" بغرض التوسيع المذكور بعاليه.

    5- كان للأُستاذ المفكر محمد إبراهيم نقد رأى فى العلمانية الإلحادية؛ علمانية الإتحاد السُفياتى القُحَّة، لما تنطوى عليه من مفهوم لقمع الحريات وبالأخص الحريات الدينية، وكان هناك تخوُّف بالمقابل من أنْ تستغل الجبهة الإسلامية القومية هذا المفهوم وتُروَّج له أيديولوجياً لتصادر الديموقراطية والحريات العامة بموجبِهِ (وللأسف قد كان).

    ولعلَّ سقوط الإتحاد السوفياتى عام 1989م قد أفردَ مناخاً معافىً ليتخلص العالم من وِزر الأيديولوجيا الثقيل، وبالتالى إنهار المفهوم العلمانى الصِّرف بكل تناقضاته، فنأى المفكر نقد بنفسهِ عن العلمانية المُقيِّدة للحريات فى كتاباته اللاحقة بشكل صريح (محمد إبراهيم نقد، حوار حول الدولة المدنية، 2012)، ونأى كذلك عن العلمانية المتبنِّية للأديان كعلمانية إنجلترا (راجع أنواع العلمانية أعلاه)، وانتهى الأمر بالمفكر نقد إلى التركيز على الممارسة الديموقراطية والحريات العامة والتى تُغذِّى مفاهيم الثورة الوطنية الديموقراطية بشكل مباشر؛ والثورة الوطنية الديموقراطية هى السياق المعرفى للدولة المدنية.

    6- لقد كانت البلد أبَّان فترة الديمقراطية الثالثة (أعادها اللهُ على الجميع باليمن والبركات) مشحونة بحالة من الإستقطاب الأيديولوجى الحاد بين خيارات الدولة العلمانية والدولة الدينية، وكلاهما لا يخلو من المحاذير التى يتخوف منها المفكر نقد كما جاء بعاليه. وقد تجلى هذا الإستقطاب فى رغبة الكثيرين فى إلغاء قوانين سبتمبر 1983، الذى ناحرته الجبهة الإسلامية القومية فى حكومة الوفاق بقوانين بديلة.

    هذا الإستقطاب الحاد (الذى قاد إلى إنقلاب الجبهة الإسلامية فيما بعد) هو الذى ألهم مُفكرنا نقد، فى إطار بحثه الدؤوب لِإيجاد حل لمشاكل السودان، لابتداع الدولة المدنية. وهذه الدولة المدنية ليست وليدة الفكر اليومى كما أسلفنا، ولكنها ترقد بشكل جنينى فى رحم أدبيات الماركسية السودانية خاصة فى حديثها عن الماركسية وقضايا الثورة الوطنية الديموقراطية، ورؤيتها عن النقابات كمنظمات مجتمع مدنى. كما توجد تجليات لهذه الدولة المدنية فى كثير من القوانين السودانية الشرعية والمدنية (القانون المدنى وقانون المعاملات المدنية)، وغيرها من القوانين التى تنظم العمل الطوعى ومنظومات المجتمع المدنى.

    وبالتالى إلتقاط هذا المفهوم من قِبَل المفكر محمد إبراهيم نقد وإضافته لقاموس الفكر السودانى والعالمى ليس مستمدَّاً من أىِّ حالة من حالات النزق السياسى، ولكنَّه نابع من وعى عميق بمسطورات التاريخ وحيثيات تشكل واقعنا السودانى؛ وبالتالى المفردة ليست وافدة.

    7- لعلَّ مفهوم الدولة المدنية قد إستند على الفكر الحر والتفكير الحر الذى كان يوجِّه المعارضة الديموقراطية فى برلمان 1986، والذى كان يقوده المفكر محمد إبراهيم نقد بنفسه من داخل ذلك البرلمان. وذلك الفكر الحر لم يكن ينعم بالحرية فى أىِّ دولة من دول المحيط العربى ولا الأفريقى فى ذلك الوقت، وقد كان يعمل تحت سطوة السياسى.

    وحتى فى الوقت الذى إنعدمت فيه الحرية فى السودان بمجئ الإنقاذ للسلطة، ظلَّ الحزب الشيوعى السودانى يبشِّر بالدولة المدنية عن طريق عضويته فى المعارضة السودانية فى الخارج، المتمثلة فى التجمع الوطنى الديموقراطى، بعد إنقلاب الإنقاذ فى عام 1989؛ الذى تبنِّى مضامين الدولة المدنية وضمنها فى دستور السودانى الإنتقالى الذى إنعقد بصدده التجمع الوطنى الديموقراطى فى 26 يناير – 3 مارس 1992 بمدينة لندن.

    وقد كان أمر هذه الدولة المدنية أكثر وضوحاً فى إعلان نيروبى الذى إنعقد فى 17 أبريل 1993 حول علاقة الدين بالدولة، وأكثر دقةً فى مؤتمر القضايا المصيرية الذى إنعقد بأسمرا فى يونيه 1995. وعن طريق هذ الفعاليات بُذلت الدولة المدنية لمحيطنا الأفريقى والعربى والعالمى قبل أن يصدُر بشأنها كتاب السيد محمد إبراهيم نقد "حوار حول الدولة المدنية" فى عام 2012.

    ليس هذا وحسب، بل أنَّ التجمع الوطنى الديموقراطى المعارض قد استمع فى عام 1999 لورقة الحزب الشيوعى السودانى "قضايا إستراتيجية" المقدمة من عضويته فى الشتات والتى تحدثتْ عن: "فصل الدين عن الدولة المتأسِّس على التسامح والإحترام للمعتقد الدينى الذى ينتهى بالأمة للمساواة فى المواطنة؛ حيث لا تخضع المعتقدات لمعيار الأغلبية والأقلية، وأنَّ الدين يشكل مكوناً من مكونات فكر ووجدان الشعب السودانى، ومن ثمَّ رَفْض كل دعوة تنسخ أو تستصغر دور الدين فى حياة الفرد.

    وعلى خلفية هذا الواقع الموضوعى وتأسيساً عليه تستند الديموقراطية السياسية السودانية فى علاقتها بالدين على مبادئ النظام السياسى المدنى التعددى، والتى تشكل فى الوقت نفسه فهمنا لمعنى العلمانية. فمصطلح النظام المدنى أقرب لواقعنا من مصطلح النظام العلمانى ذى الدلالات الأكثر إرتباطاً بالتجربة الأوروبية. وبالتالى طرح الحزب الشيوعى السودانى للدولة المدنية يرتكز على أسبقية الديموقراطية والتأكيد على أنَّ العلمانية ليست بالضرورة ديموقراطية (مثال دولة ستالين، موسيلينى، وبونيشيه)، وكذلك الدولة الدينية" (الشريف، سودانيزاونلاين/ محمد إبراهيم نقد، مجلة البيان 28 أغسطس 2002).

    هذه هى منطلقات الدولة المدنية فى فكر الأستاذ محمد إبراهيم نقد، التى منبعها التجربة الفكرية الثَّرَّة، وحيثيات الصراع الإقتصادى الإجتماعى فى السودان. وفى هذا الأثناء، كانت كل الدول العربية من حولنا ممنوعة من التفكير الحر، والسياسة – لا الفكر – هى من يوجه صراعاتها. ونتمنى من الذين يَدَّعون بولادة هذا المصطلح خارج البيئة السودانية أن يأتوا بِبُرهانهم.

    إرث أهل السودان من الدولة المدنية

    لقد رأينا بعاليه أنَّ الدولة المدنية دولة سودانية خالصة وأنَّ المرحوم المفكر محمد إبراهيم نقد هو مبتدع هذا المصطلح، ولن نُكرِّر ذلك هنا. غير أنِّى هنا بصدد البحث عن تناص فكرة الدولة المدنية مع بعض الآراء السودانية المطروحة عبر التاريخ، لا سيما أنَّ المرحوم نقد قارئ نهم ومطلع على دقائق التاريخ؛ وقديماً قال أبو البنيويةِ إبنُ عمتنا عنتر بن شدَّاد الكوشى: "هل غادر الشعراءُ من مُتَرَدَّم". فمثلاً:

    1- أشك فى أنَّ المفكر محمد إبراهيم نقد قد ابتدع دولته المدنية دون أن يمر بمنحوتة الأمير خاليوت بن بعانخى التى كُتبت قبل آلاف السنين قبل الميلاد، والتى تقول:

    (إنَّنى لا أكذب، ولا أعتدى على ملكية غيرى، ولا أرتكب الخطيئة، وقلبى ينفطر لمعاناة الفقراء، إنَّنى لا أقتل شخصاً دون جرمٍ يستحق القتل، ولا أقبل رشوة لأداء عمل غير شرعى، ولا أدفع بخادم استجارنى إلى صاحبه، ولا أُعاشر إمرأة متزوجة، ولا أنطقُ بحكم دون سند، ولا أنصب الشراك للطيور المقدسة "أو أقتلُ حيواناُ" مقدساً، إننى لا أعتدى على ممتلكات المعبد - الدولة، أُقدمُ العطايا للمعبد، إنَّنى أُقدم الخبز للجياع، والماء للعطشى، والملبس للعُرى. أفعلُ هذا فى الحياة الدنيا وأسير فى طريق الخالق، مبتعداً عن كلِّ ما يغضب المعبود، لكى أرسم الطريق للأحفاد الذين يأتون من بعدى فى هذه الدنيا وإلى الذين يخلُفُونهم وإلى الأبد).

    ويقول الأستاذ أحمد طه عن هذه المنحوتة: "إذا استبعدنا طيوره وحيواناته المقدسه.. يصلح هذا النص لنا نحن أحفاده وللإنسانية جمعاء (دستوراً) لتأصيل القيم والاخلاق صاغه ملكاً بيده السلطه والقوه ولكنه كان رحيماً بشعبه" (أحمد طه، جبل البركل، وشامخات النخل والمهيرة، الراكوبة 24/12/2014).

    وعن ذات المنحوتة يقول الأستاذ صلاح هاشم السعيد عن جزئية "ولا أقبل رشوة لأداء عمل غير شرعي": "أنَّ ما قاله هنا "في هذه الجملة تحديداً" يدل على وجود دولة مدنية مؤسسية بأنظمتها الإدارية والعدلية ـ بدليل إمكانية خرقها ـ على افتراض وجود أداء شرعي وآخر غير شرعي ـ" (صلاح هاشم السعيد، موقع البركل، 14/10/2009).

    وعلى العموم أقل ما يمكن قوله عن منحوتة خاليوت بن بعانخى الذى كان زاهداً فى السياسة أنَّها قسمٌ كوشىٌّ عاكس لدولة راسخة القدم فى المؤسسية، والكفاية والعدل، والقضاء الشفاف، والتوحيد والقيم الرفيعة. إذاً، فهى دولة مواطنة، خاصةً إذا علمنا أنَّها دولة سابقة لنزول الأديان (قبل 7000 سنة قبل الميلاد كما ذكر ذلك أحمد طه).

    نعم قد إختطَّ لنا جدنا خاليوت بن بعانخى، نحن الأحفاد، طريقاً معبدةً بتلك القيم والأخلاق والمؤسسات إلى الأبد، والمفكر محمد إبراهيم نقد ليس بِدعاً من أحفاد خاليوت البررة، فهو متشبِّع بتلك القيم. أمَّا من حادوا عنها، فحُقَّ لنا أن نسأل من أين أتى هؤلاء!

    2- إنَّ المفكر محمد إبراهيم نقد يعلم علم اليقين بأيقونة الأستاذ المفكر الشهيد محمود محمد طه - وهذا الشبلُ من ذاك الأسد البعناخوى – القائلة: "الحُرِّيَّة لنا ولِسِوانا". وهذا القول الباسق الشاهق إذا تمَّ تفكيك كبسولته وتمَّ تنزيله على أرض الواقع، فلن تستوعبه بالطبع الدولة الدينية لأنَّها عدوة الحرية، ولا الدولة العلمانية الإلحادية (ولو مؤقتاً) لأَنَّها ضد كل ما هو دينى؛ ولكن فقط يستوعبه سياق الدولة المدنية.

    لكلِّ هذه الأسباب السوسيوسياسية والسوسيوثقافية فإنَّ السودان يُشكِّل بيئة خصبة لنشوء الدولة المدنية، وذلك بما لديه من إرث تاريخى فى هذا الشأن، وبما لديه من مفكرين شُجعان بذلوا النَّفْسَ والنفيس فداءاً لفكرهم.

    خاتمة

    تتعلق هذه الخاتمة بالسؤال الراتب وهو: إذا كانت معتقدات النَّاس – حسب ما يقول الحزب الشيوعى السودانى - لا تخضع لمعيار الأغلبية والأقلية (وهذا فوت فكرى للحزب الشيوعى السودانى على الأحزاب الأخرى التى تنادى بديموقراطية الأغلبية)، فإنَّ الحزب الشيوعى السودانى لم يُخبرنا عن المخرج المدنى الديموقراطى لمناداة الأغلبية أوالأقلية بتطبيق شرائعهم عليهم. فمثلاً، أين تذهب حقوق الأقليات إذا كان الناطق الرسمى للحزب الشيوعى السودانى السيد يوسف حسين يقول: "إذا جاءتنا الشريعة الإسلامية بالديموقراطية فسنقبل بتطبيقها".

    وهذا يعنى أنَّ بعض الأقليات ستقبل بهذا التطبيق كَرْهاً فى حالة فوز الأغلبية المسلمة بالإنتخابات. وإذا بعد أربعَ سنوات خسِرَ دعاة الشريعة مقعدهم، هل سنمنع تطبيق الشريعة على من أراد أن يُطبقها على نفسه لأنَّ أقلية علمانية أو مدنية فازت بالسلطة؟ كيف العمل إزاء هذه القضية التى لا تقبل بأى تعسف فكرى أو سياسى كما يشير الحزب الشيوعى السودانى نفسه.

                  

03-09-2016, 10:42 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول مفهوم الدولة وأنواعها وتعاطى كل نوع م� (Re: حسين أحمد حسين)

    حول مفهوم الدولة وأنواعها وتعاطى كل نوع مع القضايا المصيرية للسودان - الشريعة الإسلامية مثالاً (4-4) .

    توطئة

    سيتناول هذا المبحث مفهوم الدولة المتعلق بتوصيف ما تقوم به من مهام، كما أنَّه يتطرق لأنواع الدولة؛ الدينية منها والعلمانية والمدنية. وسننظر فى ميراثنا من كل نوع، وكيف أجاب كل نوع على أسئلة السودان المصيرية خاصةً تلك المتعلقة بالشريعة الإسلامية.

    مفهوم الدولة

    الدولة هى: "حزمة الأجرآءات القانونية والمؤسسية المعبرة عن مجتمع بعينه، على بقعة أرض بعينها، بالكيفية التى تُكسبها إعترافاً دولياً وسيادةً على تلك البقعة من الأرض" (لنستحضر ولادة دولة الجنوب - رغم قيصريتها - حتى نتبيَّن تعريف الدولة). وهذا التعريف البسيط يخضع بالطبع لشروط التشكل الإقتصادى الإجتماعى والتى تُفَسِّر لنا صيرورة الدولة ومسيرة نضجها منذ ولادة الحاجة إليها قبل نحو 10 ألف سنة حتى يوم النَّاس هذا.

    وبالطبع هذا المفهوم هو التعريف العلمى الذى يستخدمه أىُّ نوع من أنواع الدولة (دينية، علمانية، مدنية) لإنجاز الحقوق والواجبات المتبادلة بينها وبين مواطنيها. وبعبارة أخرى هذا التعريف يُمثل الشروط العلمية لإنجاز مهام الدولة فى أىِّ مكان، وعلى أىِّ دين/لا - دين كانت. كما أنَّ الدولة بهذا التعريف ليست معصومة من التعاطى مع معتقدات النَّاس. بل إنَّها تتأثر بمعتقدات شعبها وتؤثِّر فيها، فى إطارٍ من الجدل الحميم والمحتدم. ويجب ألاَّ يتوقع السياسى الناضج إجابة سهلة على عواقب إقحام الدين فى الدولة أو فصله عنها؛ فالمخاض طويل. والمهم فى كل ذلك هو أنْ تتعاطى الدولة مع معتقدات شعبها بالطريقة التى لا تخل مطلقاً بالحقوق الأساسية لكافة مواطنيها، وأن تتعامل معهم على قدمِ المساواة.

    فيما بعد المُفكِّر نُقُد: الدولة المدنية وحل القضايا المصيرية (تطبيق الشريعة مِثالاً)

    من الواضح أنَّ ثمةَ مشكلة بالنسبة لكلِّ نوع من أنواع الدولة حينما يكون الحديث عن المعتقدات بشكل عام، والحديث عن معتقد الأغلبية ومعتقد الأقلية على وجه الخصوص، كما أنَّ للدولة الدينية مشكلة أُخرى متعلقة بالحرية والديموقراطية. والجدير بالذكر هنا، أنَّ الثلاثة أنواع للدولة تُقِر بالتنوع الثقافى، والإثنى، والدينى، واللغوى فى السودان. وبالرغم من هذا الإقرار، إلاَّ أنَّ المشرعين المعنيين بقضايا السودان المصيرية فى إطار كلِّ دولة من الدول الثلاث، يلجأون إلى حلول غير متناغمة مع هذا التنوع وفوق ذلك تعسُّفية. بمعنى آخر إنْ جاءت الأغلبية للسلطة عمَّمَتْ معتقدها على حساب المعتقدات الأخرى، وإن جاءت الأقلية للسلطة تعسَّفت على نحوٍ ما على دين الأغلبية.

    تعريف الدولة المدنية

    الدولة المدنية هى: جملة الإجراءات القانونية والمؤسسية المُتَوَصَّل إليها ديموقراطياَ، أىْ وِفق دستورٍ ديموقراطىًّ مُنبثقٍ عن عقدٍ إجتماعىٍّ مدنىٍّ جامعٍ معبِّرٍ عن إرادة المجتمع بكل تنوعاته؛ وغير خاضعة لتأثيرات القوى الإجتماعية فى ذلك المجتمع ولا لأيديولوجياتها ولا لنزعاتها؛ مهمتها إنجاز الحقوق والواجبات المتبادلة بين الدولة المدنية والمجتمع فى إطار دولة مواطنة ديموقرادية؛ وتتعامل مع تنوعات ذلك المجتمع بالطريقة التى لا تخل مطلقاً بتلك الحقوق والواجبات لكافة المواطنين؛ وأن تتعامل معهم على قدمِ المساواة بلوغاً لمرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية – بلوغاً لاستدامةِ الديموقراطية.

    وتأسيساً على ما جاء بعاليه، فإنَّ الإطار المعرفى للدولة المدنية هو الثورة الوطنية الديموقراطية؛ بمعنى آخر بدون النزوع نحو الثورة الوطنية الديموقراطية، فإنَّ الدولة المدنية لن تتنزل إلى أرض الواقع. وكما سيجئ لاحقاً، فإنَّ الأساس المادى للثورة الوطنية الديموقراطية هو إتزان معادلة الإنتاج (عمال/قوى حديثة + رأسماليين/إنتربِرينيرز + (...) = الإنتاج/العملية الإنتاجية/الثورة الوطنية الديموقراطية فى نهاية المطاف)؛ أى ديموقراطيتها. ولن تكون معادلة الإنتاج هذه ديموقراطية فى غياب تنظيمات المجتمع المدنى الممثِّلة لفئات هذه المعادلة؛ وعلى سبيل الحصر أعنى غياب حزب للعمال والقوى الحديثة فى السودان.

    محددات الدولة المدنية

    يمكننا من التعريف الوارد أعلاه، ومن مقالة د. أحمد زايد (دكتور أحمد زايد: "ماذا تعنى الدولة المدنية"، الشروق الألكترونية، 26 فبراير 2011) أن نعيِّن محددات الدولة المدنية وأركانها التى إنْ غاب أحدها إنزلقَ مفهوم الدولة المدنية إلى الدولة الدينية أو العلمانية.

    1- من أهم محددات الدولة المدنية هو رغبة المجتمع فى الخروج من البوهيمية إلى الحال المدنى، بالتوافق على عقد إجتماعى يشمل كافة قطاعات المجتمع، ويتحوَّل فيما بعد إلى دستورٍ دائمٍ مُعبرٍ عن إرادة ذلك المجتمع وإجماعه، فى صورة مؤسسات وقوانين لا تطالها تأثيرات القوى المجتمعية أيَّاً كان مصدرها: الفرد أو الجماعة أو الطائفة أو المذهب أو مجموعات الضغط، غايتها تنظيم الحياة العامة وحماية الملكية الخاصة وتنظيم العقود وشمولية تطبيق القوانين على كافة أفراد المجتمع دون إستثناء لذى جاهٍ أو سلطان.

    2- من أهم سمات الدولة المدنية هى أنَّها "دولة القانون" التى تحتاج إلى القضاء المستقل والمؤسسات الأُخرى التشريعية والتنفيذية المستقلة، وذلك لضمان إرساء المبادئ العدلية وشموليتها. ولعلَّ "أهم سمة من سمات دولة القانون هى ألاَّ تخضع حقوق الفرد فيها لأىِّ إنتهاك من قِبَل أى طرف آخر، وذلك لأنَّ سُلطة الدولة دائماً حاضرة وهى فوق سلطة الأفراد، ويلجأ إليها كل أفراد المجتمع حينما تُنتهك حقوقهم أو تكون قابلة للإنتهاك" (المرجع أعلاه).

    3- من سمات الدولة المدنية هى تنامى الوعى المدنى والعقيدة المدنية التى تنبنى على "السلام والتسامح وقبول الآخر واحترام خصوصياته والمساواة فى الحقوق والواجبات والثقة فى عمليات التعاقد والتبادل المحتلفة". وهذه القيم تمثل ما يُطلق عليه "الثقافة المدنية" وهى ثقافة تخلقها إستدامة حكم القانون والديموقراطية، أىْ إستدامة الثورة الوطنية الديموقراطية، وهى تقوم على مبدأ الإتفاق والتراضى، وتعززها أعراف وأنساق عديدة غير مدونة تمثل عصب الحياة اليومية للمواطنين (وما أعظم هذه الأعراف والأنساق عند أهل السودان)، تصوغ لهم "مبادئ التبادل القائم على النظام لا الفوضى، وعلى السلام لا العنف، وعلى العيش المشترك لا الفردى، وعلى القيم الإنسانية العامة لا الفردية ولا المتطرفة".

    فالثقافة المدنية تخلق من المواطنين نشطاء مثقفين مدنياً (شباب شارع الحوادث ونفير مِثالاً) يعرفون ما لهم وما عليهم، ويساهمون بفعالية فى تحسين ظروف مجتمعاتهم، بحيث يرتقون بوعيهم المدنى بشكلٍ مستدام، ويُمجِّدون كلَّ ما هو "عام، كالأخلاق العامة، الصالح العام، الملكية العامة، المبادئ العامة، ويحرصون دائماً على كل ما يتصل بالخير العام" (المرجع أعلاه).

    4- من سمات الدولة المدنية أنَّها "دولة مواطنة"، يُعرَّف الفردُ فيها "تعريفاً قانونياً إجتماعياً على أنَّه مواطن (بدون ألقاب) فى المجتمع له حقوق وعليه واجبات يتساوى فيها مع جميع المواطنين. وإذا كان القانون يؤسس فى الدولة المدنية قيمة العدل، وإذا كانت الثقافة المدنية تؤسس فى الدولة المدنية قيمة السلام الإجتماعى، فإنَّ المواطنة تؤسس فى الدولة المدنية قيمة المساواة والقيم الإنسانية جميعها" (المرجع أعلاه).

    5- ومن أهم سمات الدولة المدنية ومحدداتها هى الديموقراطية، وهى بالتالى الصمام الذى يمنع أخذ السلطة بالقوة والغصب بواسطة "فرد أو نخبة أو عائلة أو أُرستقراطية، أو نزعة أيديولوجية". إنَّ الديموقراطية هى سبيل الدولة المدنية الوحيد لتحقيق كلِّ ما هو عام، "كما أنَّها هى وسيلته للحكم العقلانى الرشيد وتفويض السلطة وانتخابها وتداولها سلمياً. إنَّ الديموقراطية تتيح التنافس الحر الخلاَّق بين الأفكار السياسية المختلفة للمواطنين، وذلك بما ينبثق عنها من سياسات وبرامج مكرسة لتحقيق المصلحة العليا للمجتمع، ويكون الحَكَم النهائى لهذا التنافس هو الشعب؛ لابصفة شخوصه، ولكن بما يطرحونه من برامج وسياسات" لتحقيق أهداف معادلة الإنتاج (المرجع أهلاه).

    فالديموقراطية تُزَكى الثقافة المدنية التى تَرْقى بالمجتمع وتحسِّن ظروفه المعيشية. ولا تتحقق الديموقراطية إلاَّ بمزيدٍ من الديموقراطية؛ أىْ "بقدرة الدولة المدنية على خلق مناخ عام للنقاش والتبادل والتواصل الإجتماعى بين المجموعات المدنية المختلفة والآراء المختلفة وغيرها. ويشمل هذا المناخ العام فى المستوى الجزئى الجماعات الفكرية والأدبية والروافد الثقافية، ويتدرج ليشمل الجمعيات الأهلية والمنتديات والمؤتمرات العامة، وصولاً إلى النقاشات التى تدور فى أروقة النقابات وجماعات الضغط ومنظمات المجتمع المدنى الأخرى والحركات الإجتماعية والأحزاب السياسية".

    هذا المناخ العام يجب أن يكون مستقلاً ومدنياً وغيرَ مُحَرَّضٍ بالأيديولوجيا، ليكون بمستطاعه القدرة على طرح الفهوم والأفكار بشكل ناضجٍ وحرٍ ونزيه. وبالتالى هذا المناخ العام هو الذى يُحرِّض المجتمع على ابتداع الأساليب المدنية النوعية فى التثاقف العام والتواصل الجمعى، ويخلق من الحوارات المتنوعة والمتباينة فُسيفساء مدنية مُقترنة بالهم العام. "ويتأسس هذا المناخ المدنى العام بالفعل التواصلى الحوارى الذى يقوم على إحترام أفعال الآخرين وأفكارهم ومعتقداتهم والإستجابة إليها بشكل مدنى عقلانى من غير فوضى أو رفض" (المرجع أعلاه).

    موقف الدولة المدنية من الشرائع الدينية والإحيائية (الشريعة الإسلامية مثالاً)

    لا تقوم الدولة المدنية بمعاداة الدين (أىِّ دين) كما كان الحال على عهد الدولة العلمانية الإلحادية فى الأتحاد السوفياتى السابق. كما لا تسمح الدولة المدنية باستغلال الدين لمصلحة دنوية وبالتالى تجرح قُدُسِيَّتَهُ وتستهزء به كما تفعل الدولة الدينية فى السودان وغيره من الدول. ولا تتسربل الدولة المدنية بدِين أغلبية ولا بدين أقلية كما هو الحال فى بعض نماذج دول العلمانية السياسية كبريطانيا. ولكنَّ الدولة المدنية تؤكد على أهمية الدين كجزء لا يتجزأ من منظومة الحياة المدنية، وكقيمة إيمانية روحية بالغة التأثير فى حياة النَّاس ومعزِّزة لجوهر الثقافة المدنية من جهة كون أنَّ الدين هو "الداعم الأهم للأخلاق والحاض على الإستقامة والإلتزام لا سيما فى الشئون التعاقدية؛ بل هو عند البعض الباعث على حب الخير للنَّاس والإخلاص فى العمل والنجاح فى الحياة عموماً".

    إذاً، فالدولة المدنية لا تتسامح مطلقاً مع إستخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، وبالتالى تحويله إلى موضوع خلافى وجدلى وإلى تفسيرات تُسئ إليه وتبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة الزائلة. فالدين فى ظل الدولة المدنية ليس أداةً للسياسة تُجيِّرُهُ أنَّى شاءت لتحقيق مصالحها، ولكنَّه بالمقابل فهو أسمى القِيم فى الفضاء المدنى، وتتطور علومُهُ وفهومُهُ بقوة الفكر ومنطقه الداخلى القويم؛ بعيداً عن منطق التطرف والعنف الذيْن لا يُسمح بهما البتة فى إطار الدولة المدنية.

    وبهذا الفهم فإنَّ الدولة المدنية لا تتعامل مع الأديان (الشريعة الإسلامية) بالمنطق المتعسف التى تمارسه دولة العلمانية الإلحادية أو الدولة الدينية، ولكنَّها تلجأ إلى التخيير كقيمة مدنية ديموقراطية محقِّقة لشروط المواطنة. وبالتالى من حق المواطن (أى مواطن) أن يختار نوع القوانين التى يود أن تُطبَّق عليه (لؤى هاشم، مناقشاتنا حول الأغلبية والأقليِّة، 2013)؛ سواء أكانت قوانين دينية (شريعة إسلامية) أو وضعية، ويجب أن تُسجَّل فى سجلِّه المدنى ويحويها رَقْمُهُ الوطنى. كذلك فإنَّ الدولة المدنية تكْفُل له الدخول تحت الشِّريعة والقانون الذى يُريد، وتكْفُل له الخروج منهما متى ما شاء تحت ضوابط تكفل إحترام المعتقدات فى الحالتين وتراعى ضوابطها وحجتها.

    ولعل فضيلة التخيير المدنية هذه ستُساعدنا فى تجاوز مأزق الدولة الدينية المتاجِرة بالأديان، والتى تود أن تفرض قوانينها الدينية بمنطق الإكراه، ومنطق الأغلبية والنخبوية والأُرستقراطية. كما يُساعدنا ذلك التخيير بالنفاذ بالعبارة الحصيفة التى أوردتها دولة نُقُد المدنية "لا تخضع المعتقدات لمعيار وعلاقة الأغلبية والأقلية" إلى غاياتها؛ وهى حرية الإعتقاد، إحترام المعتقدات، حرية الإنتقال بين المعتقدات، وتحرير المعتقد من عسف السياسة وتركه للفضاء المدنى.

    نعم ربما تكون هناك مشكلة فى ذهن المشرِّعين متعلقة بكثرة الشرائع وكثرة القوانين، ولكنَّها فى نهاية المطاف تعبِّر عن تنوعنا بشكل مدنى ديموقراطى خالى من التعسف والإكراه والجبرية، ويجب أن يكون الدستور الدائم للسودان معبِّراً عن هذا الواقع أيضاً. كما أنَّ تتعدد القوانين وتعدد الشرائع وما يُصاحبُها من الحرج العقدى الظاهرى عند البعض (ومن لم يحكم بما أنزل الله)، أهون على النَّاس من أن يكون التعسُّف سبباً فى حروب وفتن لانهاية.

    لقد جرَّب السودان العسف والحَيْف منذ الإستقلال إلى يومِ النَّاسِ هذا، وكانت النتيجة فُرقة أبناء الوطن الواحد، واحترابهم الدائم وانفصال جزءٍ مهم من بلدهم، وبُغِّضَ إليهم كلُّ ما هو دينى. فلماذا لا نجرِّب التخيير؟ فبدلاً من أنْ تُطبَّق علىَّ الشريعة إكراهاً كما تفعل الإنقاذ الآن، فلتُخيِّرُنى الدولة بمسلك مدنى ديموقراطى (وهنا تسقط صفتها الدينية والعلمانية القُحَّة معاً) فى القوانين التى أحب أنْ تُطبَّق علىَّ: قوانين الشريعة الإسلامية (المسيحية واليهودية وغيرها)، القوانين الوضعية، أو أى قوانين أُخرى. وهنا تظهر عدد من الحقائق التى لا يراها العاسف ولا المعسوف عليه فى إطار الدولة المدنية:

    1- ستتبدَّى للنَّاس لِأَوَّل مرة سماحة الشريعة الإسلامية فيكثر أتباعُها، أو وجاهة القوانين الوضعية فيزداد أنصارها. وإذا كان اللهُ عزَّ وجلَّ مُتِمَّاً نوره ولو كَرِهَ الكافرون، فَفِيمَ الخشية من التخيير؟ هل هى حيطة وحرص من الحاكم إذا لم يُكره النَّاس على الشريعة فإنَّ النَّاس سيهجرون دين الله؟ هل هى خشية من الله لأنَّ الحاكم طبَّقَ شرائعَ أخرى إلى جوار شرع الله؟

    ونقول على العكس، النَّاس يهجرون دين الله بسبب القدوة السيئة التى تستخدم الدين كغطاء للفساد والإفساد، وبسبب الإكراه أكثر مما لو خُيِّروا. ولن يكون عدد المطبقين للشريعة الإسلامية على أنفسهم بشكل إختيارى أقل من الآن بأىِّ حال من الأحوال؛ بل على العكس سيتضاعفون.

    إذاً تطبيق الشريعة بهذا الطريقة الشائهة المتعسِّفة لا يخلو من الأغراض السياسية والإقتصادية، وفى ذلك تشويهٌ للدين، وطمس لمقاصده السمحة، وعلى النَّاس أن يعملوا بكلَّ ما أوتوا من حصافة فكرية لمنع هذا العبث بالأديان السماوية والإحيائية من قِبَلِ المستهزئين بها وردِّ قدسيتها لها.

    2- سينتقل النَّاس من أُفقِ الأيديولوجيا الدموى إلى أُفقِ المناخ المدنى الخصيب الذى تنشط فيه حرية الفكر المحرَّضة بالعقل الحر والتفكير الحر بغرض إنتاج المعرفة الدينية، وتطوير الفكر الدِّينى وإخراجه من حالة التكلُّس التى هو فيها الآن. والجدير بالذكر أنَّ الشريعة الإسلامية لم تُنْعَتْ بالسمحاء، إلاَّ لأَنَّ مِضمارَها هو الفِكر الحر المتأتى من التخيير. ولم تتطور الشريعة الإسلامية عبر قرونها الطِوال إلاَّ لأنَّ أهلَها أكثرُ إشتغالاً بالسلطان من الإشتغال بالفكر، وكما جاء بعاليه أنَّ معظم الذين أهتموا بالفكر الدينى هم مسلمو الهامش من خارج جزيرة العرب.

    3- وفى إطار الدولة المدنية لن يُسمح بأى نوع من أنواع العنف الدينى أو الثقافى أو الإثنى أو اللغوى، أو العنف الأيديولوجى/السياسى/الإقتصادى أو الجسدى أو اللفظى المُجيَّر لخدمة أى شرخ فى البناء المدنى، وسوف يُفسح فقط للفكر الحر والتفكير الحر ليكونا مُدْخَلَيْنِ مُهِمَّيْنِ فى مجال المعرفة المعلومة - الأدوات فى إطار الدولة المدنية. وبهذه الكيفية سيكون بالإمكان حل كل مشاكل السودان المصيرية بأُفقِ الدولة المدنية ذى القدرة الحقيقية على حماية التنوع فى البيئة السودانية الغير متوفرة لدى الدولة الدينية والدولة العلمانية معاً. وبالتالى فى إطار هذا الأفق المدنى يمكن ان يعود الجنوب، ومن ثم نسعى إلى آفاق جديدة من التماسك والإستقرار والإنطلاق نحو مستقبل مزدهر.

    4- فى إطار الدولة المدنية، ستنتهى حالة النفاق الدينى وتطبيق الشريعة على الفقراء دون الأغنياء، وسيُحاسب النَّاس بالشرائع التى اختاروها ومضمنة فى سِجِلِهِم المدنى ورقمهم الوطنى، ولا مجال هناك للمحاباة والمحسوبية فى إطار القضاء المستقل والسلطات الأخرى المستقلة. وليس ثمة خوف فى أن يقل عدد النَّاس المناصرين للشريعة ولا توجد أىُّ أرضية لذلك؛ فالمسلم المُحَقِّق لن يتراجع عن تطبيق الشريعةِ عليه فى إطار الدولة المدنية أو فى غيرها. بل على العكس، فيومئذٍ ربما نجد كثيراً من أعضاء الجبهة الإسلامية القومية سيختارون قوانين غير قوانين الشريعة الإسلامية لتُطبق عليهم (وربما غادروا السودان إلى بلدان لا تُطبَّق فيها الشريعة الإسلامية من الأساس)، طالما أنَّهم يتحايلون على تطبيقها على أنفسِهم الآن ويُطبقونها على الفقراء فقط.

    ومن هنا يجب أن يعلم الجميع أنَّ الإنقاذ ترفض الدولة المدنية؛ لا لأنَّها "إسم دلع" للعلمانية وقد جاء بها الشيوعيون كما تروِّج الإنقاذ وقد فنَّدنا ذلك فى المقلات السابقة، ولكن لأنَّ الشريعة الأسلامية حينما تكون فى يد القضاء المستقل فى إطار الدولة المدنية، ستُطبَّق على الوجه الأكمل وسوف تطال أهل الإنقاذ أجمعين قبل غيرهم على حسب إفادة د. حسبو عبد الرحمن الذى قال: "كلُّ أعضاء حزبه فاسدون". كما أنَّ تطبيق الشريعة الإسلامية إذا خرجَ من يدِ الإنقاذ الفاسدة إلى يدِ القضاء النَّزيه المستقل فى إطار الدولة المدنية، فإنَّ دولة الإنقاذ الدينية سوف تُحْرَم من أهم عنصرين من عناصر برنامجها الأيديولوجى "الإسلام هو الحل"، وهما النِّفاق والمتاجرة بالدين، وسوف تقف عارية من أى نوع من أنواع الأخلاق.

    5- حينما تكف الدولة عن حشر أنفها سلباً فى طريقة تدين النَّاس وإثنياتهم وثقافاتهم ولُغاتهم، تخمد الفتن والحروب القائمة على أساسها، وتتحول ميزانية الحرب بالنسبة للدولة إلى ميزانية مواطنة؛ ميزانية مدنية تخدم إيجاباً ذات التنوع الدينى والإثنى والثقافى واللغوى.

    6- فى إطار الدولة المدنية (دولة المواطنة والديموقراطية) ستكون البرامج الحزبية ملحمة من التنافس على كيفية خدمة المواطنين، وستكون مُكرَّسة لعكس إستحقاقاتهم من حقوق المواطنة وواجباتها بما يخدم التوازن فى العملية الإنتاجية (عمال/قوى حديثة + رأسماليين/إنتربِرينيرز = الإنتاج/العملية الإنتاجية/الثورة الوطنية الديموقراطية) ولن تكون مكرَّسة للأنا السياسية أو الأيديولوجية أو الإثنية أو الجهوية أو اللغوية أو لمطامع فردية؛ فالكلُّ رابح فى ظل الدولة المدنية وبشكلٍ ديموقراطى.

    خاتمة

    على الشعب السودانى ألاَّ يرضخ لسايكلوجية المقهور وأن ينتبذ هذه الماشوسية، وأن يدلف إلى فضاء التخيير - الفضاء المدنى، ويختار القوانين التى يود أن تُطبَّقَ عليه ويكون مسئولاً عن تلك الخيارات، وأن يُغيِّرَها متى ما يشاء. وأقول لكلِّ مسلمى السودان الذين يريدون أن تُطبَّقَ عليهم الشريعة الإسلامية السمحاء: إرفضوا تطبيقها من قِبَل الإنقاذ وجبهتها المسماة زوراً وبهتاناً بالإسلامية، لأنَّها غير مؤهَّلة أخلاقياً لتطبيقها، واطلبوا تطبيقها من قِبَل الدولة المدنية حيث القضاء المستقل والنزيه الذى يتعامل مع الضعيف والشريف على قَدَم المساواة.

    وسنُثبِتُ لكل العالم أنَّ الذين سيختارون الشريعة الإسلامية فى ظل الدول المدنية – فى ظل التخيير سيزداد بكل المقاييس. وسنثبِتُ له أيضاً أنَّ الجبهة الإسلامية القومية هى من يخاف من تطبيق الشريعة لأنَّها غارقة إلى أُذنُيْها فى الفساد والإجرام، ولأنَّها كثيراً ما طبقتها على الفقراء وأعفتْ منها أنصارها، ولأنَّها تحتكر تطبيقها على هؤلاء الفقراء باحتكارها للسلطة وعدم تداولها مع جهات ومؤسسات أكثر عدلاً ونزاهة.

    إذاً، فالشعب السودانى لن يخاف من تطبيق الشريعة لأنَّه لم يقتل، ولم يسرق ولم يفسد، بل أنتم من يخاف تطبيقها وبئس المصير.

                  

10-30-2016, 03:13 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول مفهوم الدولة وأنواعها وتعاطى كل نوع م� (Re: حسين أحمد حسين)

    الدولة الدينية فى السودان تستنجد بالشيوعيين واهل الله، ليحلَّها الحلَّ بله!

    ومن الذى هو أنظفُ منهما يدا اليوم، وأعفُّ لساناً.
                  

10-30-2016, 03:19 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول مفهوم الدولة وأنواعها وتعاطى كل نوع م� (Re: حسين أحمد حسين)

    الخرطوم: موسى حامد

    (منقول)

    اقترح القيادي الإسلامي، الشيخ جلال الدين المراد ضرورة إشراك (5) وزراء شيوعيين في الحكومة المقبلة، بجانب (5) وزراء آخرين صوفية، بسبب استشراء الفساد، وتزايد حالات الاعتداء على المال العام. وبرر ذلك بزهد وبعد الشيوعيين والصوفية عن المال العام، وابتعاد الشبهات عنهم. وقال المراد، عضو هيئة علماء السودان، وعضو مجمع الفقه الإسلامي: لا شيء يمنع الشيوعيين من المشاركة في السلطة، لأنّ حزبهم مسجّل وقانوني. وأضاف "المؤتمر الوطني له علاقة مع الحزب الشيوعي الصيني، ولم يمنعهم المنهج الصيني مع إقامة علاقات معهم".

    وأردف جلال المراد، القيادي بالمؤتمر الوطني، ووزير الشؤون الاجتماعية الأسبق بولاية جنوب كردفان "للأسف، الشيوعيين مساكين، حاسبناهم محاسبة الكفار، وهم يُصلوا معنا في المساجد. فإمّا أنّهم لا يعرفون الشيوعية، أو يعرفونها لكنهم مثلهم مثل أي حزبٍ علماني آخر".

    وانتقد جلال المراد عدم تقدير الحكومة للعلماء كونها تضعهم في الكراسي الخلفية، ولا تسمع كلمتهم. واستثنى من ذلك رئيس الجمهورية، الذي قال بأنّه استمع لهم مرةً، وطلب سماعهم مرةً ثانية، لولا منْ أسماهم – قطّاع الطرق- الذين قطعوا الطريق بينهم ورئيس الجمهورية.

    الجريدة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de