|
Re: عبءُ الجَسَد (Re: طه جعفر)
|
عبر جلودهم، اسماعهم، عيونهم ذلك الإهتزاز و ذلك الأنين وأحَسُّوا بشعورٍ غريبٍ فقالوا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قالها إي واحد منهم في سره و بعضهم جهراً و عِدة مراتٍ. يبدو أن روحه قد غادرت جسده بعد انهماك مقموع بإشتداد عقدة الحبل و بعد كبت و إختناق. قال الطبيب لنذهب به للمشرحة ليكتب لنا الطبيب المناوب شهادة الوفاة ثم يختمها بختم وزارة الصحة و لنتأكد من الوفاة. عرف الجميع أن الطبيب منزعج بفقد صديق له، مات هكذا في ساعات الصباح الاولي. ذهبوا برفقته و الجسد مسجيً بملاءة من بيت احمد بن الحاج اسماعيل. كان بالبيت مع احمد و زوجته و أطفاله في ذلك المساء حَمَاتُه. تأكدت حَمَاتُه من عدم استيقاظ الأطفال و انتهرت أُختَى احمد و زجرتهما عن البكاء و قد كان من الأمور المعروفة عنها امتناعها عن الحزن علي المنتحر ربما لأنها تعتقد أن قاتل نفسه في النار. تبعت أُختا احمد الركب للمستشفي في سيارة غير تلك التي كانت بها زوجته و ظلّت حماته بالبيت. تم تأكيد الوفاة و انهمك الجميع حينها في ترتيب أمور العزاء. بذلك يكون أن توفي من الشايقية في تلك المدينة الحاج اسماعيل و زوجته الحاجة سكينة و ابنه احمد في ظرف خمسة اعوام متتابعة. كان بعنبر الحوادث حينها شاب من أبناء المساليت اسمه بحْر الدين اسحق يناديه من يعرفون باسم "بحَر المُسْلاتي"، جاء للمدينة مرافقاً سائق اللوري الذي جلب خرافاً مشحونة من كردفان للذبح في مسلخ المدينة.بحَر شاب متطلع و طموح قبِل بقسوة العمل و الترحال من أجل مال يسند به أهله و يعاونهم به لمغالبة الحياة هناك في الجنينة. يعرف بحَر الكثير عن الزراعة و يحب من يعرفونه أن يعلّمهم استخدام السفروك للصيد و الهجوم و الدفاع عن النفس و حتي للرقص. الحادث الذي تسبب في إدخال بحر للمستشفي وقع حينما كان يستبدل إطار اللوري فانهتكت الارض تحت الرافعة ليضغط الإطار جزءً من كتفه. توفي بحَر لحظة مغادرة روح احمد لجسده علي أحد أفرع شجرة النيم. حلّت الروح المغادرة لجسدها هنا تحت النيمة في جسد بحر و كُتب بذلك عمر جديد للمهندس المدني احمد في جسد جديد. أمام الأطباء كانت عودة بحَر للحياة مفرحة فلقد بذلوا جهداً كبيراً في تجبير كسور الكتف و ترتيق ما تمزق من الرئة و نجحوا في فكِّ القلب من قبضة الأضلع. لم يكن موت بحر غير بداية لسفر اشتاقت له روحه لتنضم في العليّة لأرواح تعرفها و تركت للوطن جسداً عذبه التمييز، التهميش، الإبعاد و الإزدراء. في الحقيقة كما أظن لقد غادرت روح بحَر مكاناً ظُلِمت فيه و تعذبت بصمت. تمت هذه التحولات دون أن ينتبه أحدٌ لها، فلقد مات المهندس احمد ابن الحاج اسماعيل مشنوقاً علي أحد فروع شجرة النيم أمام بيتهم و قد نجح الأطباء في منح بحَر فرصة للحياة بعد حادث خطير. شفي بحَر أمامهم من جراح العمليات التي أنجزت بنجاح. لاحقاً أخبر بحَر سائقَ اللوري بأنه يحبذ الإستقرار هنا في هذه المدينة. لم يهتم السائق كثيراً فلقد كان برفقته بالأساس مساعد آخر أنجز معه حوماته الأخيرة بين حواضر و قري الناحية أيام مكوث بحَر بالمستشفي حيث تكفّل بعض المانحين بدفع كلفة العلاج الباهظة. أقام بحَر بالمدينة التي لا يعرفه فيها غير الأطباء و الممرضات و بقية الطاقم الطبي الذين يتميزون بذاكرة زلقة تتدحرج عنها الملامح و الأحداث بسهولة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|